|
اتفاقية مدريد الثلاثية
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 6409 - 2019 / 11 / 15 - 15:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اتفاقية مدريد الثلاثية – La convention tripartite de Madrid بحلول الرابع عشر من شهر نوفمبر 2019 ، تكون قد مرت على توقيع تلك الاتفاقية ، أربعة وأربعين سنة ( 14 نوفمبر 1975 ) . فمباشرة بعد قرار محكمة العدل الدولية ، الصادر في 16 أكتوبر 1975 ، الذي اعترفت فيه المحكمة بوجود علاقة بيعة ، بين بعض القبائل الصحراوية ، وبين سلاطين المغرب ، وبالسرعة القصوى ، حتى لا يطرأ طارئ ، يصبح امرا واقعا ، اعطى الملك الحسن الثاني إشارة الالتحاق بالصحراء ، بعد اعتراف المحكمة بمغربيتها . المسيرة انطلقت في 31 أكتوبر 1975 ، وضمت من المشاركين ، ثلاث مائة وخمسين الف متطوع ( 350.000 ) ، من الشعب المغربي الفقير ، والمفقر . وبعد خروج الجيش الاسباني ، وبدأ القوافل البشرية في اختراق الحدود المصطنعة ، وامام كثافة ، وقوة المنخرطين في المسيرة ، وحيث اصبح الامر الواقع هو عودة الإقليم الى المغرب ، ولتفادي بعض الإصابات التي قد تحصل في صفوف المشاركين ، بفعل الألغام الأرضية ، توصلت الرباط ، ونواكشوط ، ومدريد ، الى ابرام اتفاقية ثلاثية بينهم ، حملت اسم المدينة التي تم ابرامها فيها ، فعرفت منذ ها ، باتفاقية مدريد الثلاثية .. تعتبر اتفاقية مدريد الثلاثية هذه ، من اغرب الاتفاقيات التي عرفها القانون الدولي ، وعرفتها العلاقات ، والاتفاقيات الدولية ، فهي اتفاقية فريدة من نوعها ، لأنها جاءت في ظروف لا تسمح بالتعطيل ، كما جاءت لترتيب ، وتنظيم وضع طارئ للأطراف المعنية ، المغرب ، وموريتانية ، لتفادي أي اصطدام من جهة ، والحيلولة دون تمكين الجزائر بعد واقعة امغالا ، من موقع قدم بالصحراء ، يوصلها الى مياه المحيط الأطلسي من جهة أخرى .. ومما اثار استثنائية الاتفاقية الموقعة في 14 نوفمبر 1975 ، انها كانت محدودة في الزمان ، وفي المكان ، لان نهايتها كانت ستكون في 26 فبراير 1976 ، بعد ان تكون الدول المعنية ، قد سوت جميع المشاكل التقنية والارضية ، التي كان من الممكن ان تهدد الاستقرار بالمنطقة . ومن ابرز نصوص المعاهدة ، انها معاهدة أعطت للدولتين المعنيتين ، حق الإدارة والتدبير ، ولم تعطيهما حق السيادة ، وهنا رغم هذا الوضوح ، أي إعطاء سلطات التدبير ، دون الحديث عن سلطات السيادة ، جعل الاتفاقية تقف عند ويل للمصلين ، أي انها لم تحدد شكل النظام القانوني ، الذي يجب ان يحدد جنسية الإقليم المتنازع عليه ، بعد انقضاء 26 فبراير 1976 . فهل سيستمر الوضع محدودا في سلطات التدبير ، ام سيتجاوز ذلك الى سلطات السيادة ، التي لم تعالجها الاتفاقية في بنودها .. فهل كانت اتفاقية مدريد الثلاثية ، بالشكل الذي وٌقعت به ، و تأكيدها على حق التدبير ، والتسيير ، دون حق السيادة الذي لم تعالجه قط ، تمثل فترة انتقالية ، ستنتقل من حق التدبير والتسيير للأراضي المسترجعة ، الى فرض الامر الواقع ، الذي اصبح فارضا نفسه بعد معارك امگالة التي تورطت فيها الجيش الجزائري ؟ اسفرت اتفاقية مدريد الثلاثية ، على تقسيم الصحراء كغنيمة ، بين النظام المغربي الذي استفرد بالساقية الحمراء ، والنظام الموريتاني الذي استفرد بوادي الذهب ، والدولة الاسبانية التي استفردت بحصتها من ثروات المنطقة ، من فوسفاط واسماك بحرية .. هكذا بعد التوقيع على الاتفاقية ، وبعد معركة امگالة مع الجيش الجزائري ، ستتغير الحدود الجغرافية ، وستتداخل الشعوب فيما بينها ، حاملة معها تقاليدها ، وعاداتها ، وارثها الإنساني ، بل حاملة معها حتى تناقضاتها ، واختلافاتها ، وهو ما سيؤثر على طبيعة التحولات الجديدة بعد بدأ الحرب في الصحراء.. ان من غرائب اتفاقية مدريد الثلاثية ، انها اتفاقية لا قانونية ، وليس لها مشروعية ، وكاتفاقية استثنائية في تاريخ الاتفاقيات الدولية ، فهي اتفاقية حرامية ، لان لا اسبانية اعترفت بها ، لأنها لم تنشرها في جريدتها الرسمية ، ولا النظام المغربي ، ولا النظام الموريتاني اعترف بها ، فبرلماناتهما لم تناقش الاتفاقية ، ولم تعرض ابدا على تصويت البرلمانيين . والسؤال هنا : كيف لمعاهدة حرامية لم يعترف بها الموقعون عليها ، ان تسفر عن إجراءات خطيرة ، قسمت الأراضي بين نظامين ، ( المغربي والموريتاني ) ، وحصول اسبانية على مقابلها ، في ثروات المنطقة . بل كيف يستمر الحديث عن معاهدة ، نسيها بالمرة الموقعون عليها ، رغم انها ماتت افتراضيا ، بعد ثلاثة اشهر من توقيعها ، في 26 فبراير 1976 ؟ لقد ماتت اتفاقية مدريد الثلاثية ، ليس فقط لان الأطراف التي وقعت عليها لم تعترف بها ، بل ماتت بسبب التحولات التي حصلت في سنة 1979 ، حين انسحبت موريتانية من وادي الذهب ، وفشل محاولتها تسليمه الى جبهة البوليساريو ، التي ابرمت معها اتفاقية ، بمقتضاها تعترف الجمهورية الموريتانية ، بالجمهورية الصحراوية التي أسسها الهواري بومدين ، ومعمر القدافي في سنة 1976 . أدى الانسحاب الموريتاني ، وفشله في تمكين جبهة البوليساريو من الأراضي التي انسحب منها ، الى اسراع النظام المغربي ، لمليء الفراغ الذي تسبب فيه الانسحاب الموريتاني ، واقفال الباب على جماعة البوليساريو ، لاحتلال منطقة وادي الذهب .. هكذا بعد ان كان إقليم وادي الذهب موريتانيا ، سيصبح بعد 1979 مغربيا ، وبعد ان كان ساكنوه موريتانيون ، اصبحوا بعد هذه السنة مغاربة .. إنّ ما يلاحظ هنا ، انه رغم الارتجال ، والتذبذب في معالجة النظام للمشكل المفتعل ، فان جميع الأحزاب السياسية ، وبدون استثناء ، كانت تقف وراء الحسن الثاني ، وبما فيهم محمد بن سعيد آيت إيدر ، الذي كان يرأس الجناح اليميني لمنظمة 23 مارس الماركسية من باريس .. لكن ، وهروبا من تحمل المسؤولية ، فعندما تسأل ( زعماء ) الأحزاب السابقون ، واللاّحقون ، عن الموقف من نزاع الصحراء ، يجيبونك الجواب السهل ، بان سبب فشل القضية ، هو سياسة النظام الذي يحتكرها ، في حين ان جميع الأحزاب ، كانت تؤشر ، وتبصم بالأصابع العشرة ، على خطوات النظام في معاجلة قضية الصحراء ..والدليل انهم ايدوا الطريقة التي استرجع بها النظام الصحراء ، وايدوا جميعا اتفاقية مدريد الثلاثية التي قسمت الصحراء بين النظامين المغربي والموريتاني ، وايدوا خطوات لاحقة ، كاتفاق الاطار الذي اعده جميس بيكر ، وأيدوا الحكم الذاتي الذي مات قبل ان يجف الحبر الذي كتب به ، كما ايدوا اعتراف النظام المغربي بالجمهورية الصحراوية ، عندما اعترف بالقانون الأساسي للاتحاد الافريقي في سنة 2016 ، والى الآن لا يزالون رغم تحولهم الى صدفيات فارغة ، يقفون وراء النظام في جميع خطوات معالجته نزاع الصحراء الغربية .. وهنا لا يجب ان نلوم النظام لوحده عند اعترافه بالجمهورية الصحراوية التي يجلس معها في الاتحاد الافريقي ، وفي المنتديات الدولية ، بل ان جميع الأحزاب السياسية الصدفيات ، التي التزمت الصمت ، كلها اعترفت ، وتعترف بالجمهورية الصحراوية .. فكيف يتهربون ، ويتنصلون من مسؤوليتهم المباشرة ، والواضحة ، من نزاع الصحراء ، حين يحملون النظام سبب الفشل ، في حين انهم يُطبلون بالبنادير ، ويزمرون ، ويصفقون ، ويرقصون على كل خطواته المتلاحقة ، والمتسلسلة في معاجلة الصراع .. هناك شيء هام يثير الملاحظة ، هو ان نزاع الصحراء ، ومنذ 1975 ، وهو يخضع في كل مراحله الى الصدفة مرة ، والحظ مرة ، والتجريب مرات ... فلا شيء كان يبنى على دراسات ، وابحاث دقيقة ، لتفادي الارتباك ، والتضارب في الموافق ... فمن اتفاقية مدريد La convention Batarde ، الى اتفاق الاطار ، الى المغرب في صحراءه ، والصحراء في مغربها ، الى الحكم الذاتي ، الى الاعتراف بالجمهورية الصحراوية ، وقبل كل هذا اقتسام الصحراء مع موريتانية التي انسحبت منها دون اخبار ، ولا نقول استشارة النظام المغربي .... كل هذا , كان يبنى على التجريب ، والتجريب فقط ، رغم ان الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في 16 أكتوبر 1975 ، وكل قرارات الأمم المتحدة ابتداءً من القرار 1514 ، والقرارات اللاحقة ، وبما فيها قرارات مجلس الامن ، هي مع حق المغرب التاريخي في صحراءه ..
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العلاقات المغربية الاسبانية
-
الخونة الفلسطينيون -- Les traîtres Palestiniens
-
ما يجهله المدافعون عن سجناء الريف -- Ce qui ignore les défen
...
-
خطاب الملك محمد السادس : - خطاب تحد للجزائر ، وللامم المتحدة
...
-
الغربيون وقضية الصحراء الغربية
-
الى الرأي العام الدولي -- A lopinion public Internationale .
...
-
التخلي عن السلاح : منظمة ( التحرير ) الفلسطينية ، وجبهة البو
...
-
تمخض الجبل فولد القرار 2494 -- Analyse de la résolution 2494
...
-
لبنان الى اين ؟
-
تحليل مشروعية الملك في الحكم
-
فشل وقفة باريس ، وفشل وقفات المغرب --
-
تفاديا لكل ما من شأنه
-
هل النظام المغربي ( مخلوع ) خائف من دعوة النزول الى الشارع ف
...
-
فلادمير بوتين ( يُمقْلبْ ) -- مقلب -- البوليساريو .. Poutine
...
-
على هامش دعوة النزول الى الشارع في 26 اكتوبر الجاري من اجل م
...
-
دعوة النزول الى الشارع في 26 اكتوبر الجاري
-
عمار سعداني يعترف بمغربية الصحراء
-
كتالونية انفصال ام استقلال ؟
-
الاستاذ محمد الساسي يحمل النظام ، والاحزاب مسؤولية الازمة ال
...
-
تحليل خطاب الملك بالبرلمان
المزيد.....
-
عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر
-
واشنطن: سعي إسرائيل لشرعنة مستوطنات في الضفة الغربية -خطير و
...
-
-حزب الله- يعرض مشاهد من استهدافه دبابة إسرائيلية في موقع ال
...
-
هل أفشلت صواريخ ومسيرات الحوثيين التحالف البحري الأمريكي؟
-
اليمن.. انفجار عبوة ناسفة جرفتها السيول يوقع إصابات (فيديو)
...
-
أعراض غير اعتيادية للحساسية
-
دراجات نارية رباعية الدفع في خدمة المظليين الروس (فيديو)
-
مصر.. التحقيقات تكشف تفاصيل اتهام الـ-بلوغر- نادين طارق بنشر
...
-
ابتكار -ذكاء اصطناعي سام- لوقف خطر روبوتات الدردشة
-
الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة على جنوب لبنان
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|