أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - الشخصية الإشكالية في رواية خسوف بدر الدين لباسم خندقجي















المزيد.....

الشخصية الإشكالية في رواية خسوف بدر الدين لباسم خندقجي


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 6407 - 2019 / 11 / 13 - 00:22
المحور: الادب والفن
    


1
أحسن الروائي باسم خندقجي صنعًا حين وثّق في الصفحات التي تلت آخر سطر في روايته ما ورد ذكرُه في كتب التاريخ عن بدر الدين محمود، هذا المتصوّف الثائر الداعي إلى العدل والمساواة، وإلى عدم التمييز بين الأديان ومعتنقيها على اختلاف اجتهاداتهم، بحيث لا يزيد هذا الذي أوردته الكتب عن عشرات الأسطر التي تفتقر إلى الأمانة الفكرية وإلى إنصاف الرجل، بل إن فيها تكفيرًا له وتشويهًا لسمعته ولأفكاره ومواقفه.
كانت هذه المعلومات القليلة عن هذا الشيخ المتصوّف كافية لكي يطلق باسم العنان لخياله لكتابة ملحمة روائية عن قائد ثورة اجتماعية لم يُقيّض لها النجاح مثل ثورات سابقة في تاريخ الإسلام والمسلمين لم تكن الظروف الموضوعية ناضجة لنجاحها ولتحقيق أهدافها في نصرة المظلومين.
2
ومن متابعاتي لما أنتجه باسم من روايات، وبما أنتجه غيره من الأسرى من قصص وروايات، فقد لاحظت أنّ قلة من هؤلاء الأسرى هم الذين تعرّضوا للكتابة عن المعاناة داخل السجون. كتب حسام كناعنة عن تلك المعاناة في كتابه القصصي: "مرايا الأسر"، وكتب سائد سلامة مجموعته القصصية "عطر الإرادة " وفيها رصد لتفاصيل عديدة من واقع حياة الأسرى. كذلك؛ كتب وليد دقة روايته: "سر الزيت"، المكرّسة للفتيات والفتيان عن رحلة الفتى ابن الأسير لزيارة والده الأسير، فيما تطرق أسرى آخرون للكتابة عن ظواهر مجتمعية ووطنية تقع خارج أسوار السجون؛ كتب حسام شاهين روايته "زغرودة الفنجان" عن عمليات الإسقاط الجنسي التي يتعرض لها شباب وشابات على أيدي عملاء الاحتلال، وكتب عصمت منصور روايته "السلك" عن أنفاق غزّة اعتمادًا على ما سمعه من رفاقه أبناء غزّة المأسورين معه في السجن.
وقرأت نصًّا جديدًا لحسام شاهين موسومًا ب "رسالة إلى قمر" فيه رصد لبعض جوانب حياة الأسرى، وفيه استخلاصات فكرية مستمدّة من واقع السجن ومن تجربة الأسير حسام شاهين نفسه ومن قراءاته المتعدّدة.
وقد سبق لباسم خندقجي أن كتب باقتدار عمّا يقع خارج جدران السجن، كتب روايته الأولى "نرجس العزلة" وكتب رواية جميلة عن الانتفاضة الأولى موسومة ب "كأنّها أمّي" ثم ذهب إلى التاريخ وكتب "مسك الكفاية" و"خسوف بدر الدين".
ولطالما تساءلت: لماذا كتب باسم هذه الرواية الأخيرة وهو قابع في زنازين المحتلين الإسرائيليين؟ وما الذي شكّل الحافز الرئيس له لكتابتها؟! قلت: ربّما كان السبب متمثلًا في دفاع بدر الدين عن الفقراء والمظلومين وتناغمه مع أفكار باسم في هذا الصدد، وربما كان السبب متمثّلًا في فقر الحياة اليوميّة وتكرارها المملّ داخل جدران السجون والزنازين. ثم وجدت خير جواب في الكلمة التي كتبها الشاعر والروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله على الغلاف الأخير للرواية، وجاء فيها: "أنْ يذهب شاعر وروائي فلسطيني مثل باسم، على الرغم من ظلمة زنزانته، لعناق النور في روحٍ متصوّفة، وعناقِ التسامح والحب والجمال الذي يملأ قلب بدر الدين وقلوب مريديه، فإنّ ذلك يعني أنّ السجّان لن ينتصر على الرغم من كلّ الوحشية. وباسم، بهذا، صورة لروح بطله، وشوق هذه الروح إلى كلّ ما هو جميل وحر".
3
وفي تقديري أن وصف بطل الخسوف، الشيخ بدر الدين محمود، بالشخصيّة الإشكاليّة، يصدق عليه وعلى الخيزران؛ أمّ الخليفة هارون الرشيد، بطلة رواية "مسك الكفاية".
ذلك أن الشخصية الإشكاليّة تخالف المسار المرسوم لها أو المؤدّي إلى خلاصها،
وقد ظهرت شخصيات إشكاليّة في روايات مشهورة، طغى صيتها على صيت خالقيها من الروائيين، ومثال ذلك: الفارس دون كيخوته الذي خلقه ثيربانتس، والجندي الطيّب شفيك الذي خلقه ياروسلاف هاشيك، وسعيد أبو النحس المتشائل الذي خلقه إميل حبيبي.
ما يميّز هذه الشخصيات عن بعضها بعضًا هو أن كلّ واحدة منها تعدُّ ابنة زمانها ومكانها، ولها سماتها الخاصّة التي جعلتها شخصيات متفرّدة مدهشة في عالم الأدب، وكل منها تجسّد تعبيرًا بالغ الروعة عن اللحظة الحضارية التي انطلقت منها وجاءت ممثلّة لها أو شاهدة عليها أو فاضحة لها. دون كيخوته يريد أن يحيي تقاليد الفروسيّة في زمنٍ تجاوز الفروسية وتقاليدها، ويذهب من خلال تشبّثه بهذه التقاليد إلى محاربة الظلم ونصرة المظلومين بوسائل قاصرة. والجنديّ شفيك يشارك في حرب (الحرب العالميّة الأولى التي أُقحمَ التشيك فيها خدمة لامبراطور النمسا) ليست حربه وهو غير مقتنع بها، وكل ممارساته العفويّة أو الماكرة في الطريق إلى هذه الحرب، إنّما هي سخرية بالغة من الحرب وممّن أشعلوا فتيلها. وسعيد أبو النحس المتشائل الذي قرّر البقاء في وطنه فلسطين، بعد النكبة الكبرى في العام 1948، يحاول أن يبوس اليد التي لا يستطيع أن يعضّها، ليظفر رغم كلّ هذه المهانة التي تجرّعها وتجرّعها شعبه، بميزة البقاء في الوطن.
يجدر بنا ملاحظة أن الشخصيات الروائية المذكورة أعلاه، هي من ابتكار أخيلة الروائيين. أما الخيزران وبدر الدين فهما شخصيّتان لهما وجود حقيقي مشخّص، لكنّ خيال الروائي باسم خندقجي وحنكته وإضافاته إلى هاتين الشخصيّتين هي التي جعلت منهما شخصيّتين إشكاليّتين، وذلك بتعزيز بعض مظاهر سلوكهما التي أفصح عنها تاريخهما الشخصي الشحيح، كما جاء مدونًا في كتب التاريخ.
الخيزران في رواية مسك الكفاية جاءتها فرصة لتخليصها من الاختطاف ومن التحوّل إلى جارية في القصور، فلم تغتنم هذه الفرصة. قرّرت أن تصبح جارية ثم رأينا كيف نسجت مصيرَها بحكمة وبراعة وذكاء حتى أصبحت سيدة في قصر الخليفة وزوجة له وأمًّا للخليفة هارون الرشيد.
بدر الدين في رواية الخسوف، خاض الحروب في مسقط رأسه ثم مضى في رحلة إلى الشرق، حيث الرقص والتعرّي، وحيث الوجد الصوفي ثم الانسحاب من هناك لتنفيذ وصيّة أبيه بالسفر إلى القاهرة بعيدًا من الحروب، وحين رأى الجارية "مكنونة" في القاهرة وقع في شباك حبّها وقال: أنت التي رأيتها هناك.
هيّأ له معلّمه وشيخه أكملُ الدين فرصةً لتعليم ابن خوند شيرين، زوجة السلطان التي أعجبت بوسامة بدر الدين ثم حاولت إغواءه، فهرب منها وخاف أن تتهمه بالتحرّش بها كما فعلت زوجة فرعون مع يوسف، فلم تفعل.
ثم استمع إلى ابن خلدون ولم يتفق معه في كلّ ما قاله وما لبث أن دخل في صراع مكشوف معه بوصفه مثقفًا متهادنًا مع السلطان.
وفيما بعد؛ افترق عن معشوقته مكنونة لرفضها الهربَ معه والبقاء في أحضان القصر،
وحين عاقبها السلطان وقتلها سقط بدر الدين في الضلالة جرّاء حزنه عليها ثم اهتدى.
باختصار: كان بدر الدين يجمع بين جانحيه المتناقضات، وكما جاء في متن الرواية، فهو: "الغريب الوحيد، القلق المبصر، الأعمى المتمرّد الخانع، الضالّ المؤمن، المخطئ التائب، المعلّم الجاهل، الفتى الكهل، عبد الشهوة وعبد التوبة".
أخيرًا؛ يفرض السلطان محمد الإقامة الجبرية على بدر الدين الذي راح يهيئ سرًّا للثورة على السلطان، بالاعتماد على صديقه القائد العسكري مصطفى، وعلى صديقه طوره المبشر بأفكاره، ثم يُلقى القبض على بدر الدين ويحاكم ويعدم شنقًا بتهمة الزندقة وإثارة الفوضى والشغب في أراضي السلطنة العثمانية.
بدر الدين محمود شخصية روائية لا تُنسى في رواية جميلة ممتعة.
كل التقدير للروائي باسم خندقجي. له ولكلّ أسيراتنا وأسرانا في سجون الاحتلال الحرية والخلاص.



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غسان حرب مناضل ومثقف واسع الأفق
- مشهد من رواية ظلال العائلة
- مشهد من رواية مديح لنساء العائلة
- مشهد من رواية فرس العائلة
- خمس وأربعون سنة من الكتابة للأطفال/ شهادة.
- أهل البيت/ قصة
- أدب الأطفال والتشجيع على القراءة
- أنا والرواية/ شهادة
- أدب الفتيان وتحديات الانتشار في زمن الثورة التقنية
- عن صفقة القرن وورشة البحرين
- عن أدب السجون
- الغسيل/ قصة قصيرة
- الاتحاد الحيفاوية مسيرة نضالية حافلة
- قصص عدي مدانات/ مقالة
- عن العودة وحلم العودة
- عن الجبهة الوطنية الفلسطينية وتجربة الاعتقال والإبعاد
- إشكاليات التحديث الثقافي في فلسطين للباحث سعيد مضية.
- الفارس/ قصة
- زجاجة ماء/ قصة قصيرة جدًّا
- من دفتر اليوميات 24/3/2008


المزيد.....




- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - الشخصية الإشكالية في رواية خسوف بدر الدين لباسم خندقجي