أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - مجدي الجزولي - الكوليرا: شاهد شاف حاجات















المزيد.....

الكوليرا: شاهد شاف حاجات


مجدي الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 1559 - 2006 / 5 / 23 - 10:14
المحور: الطب , والعلوم
    


نفت وزيرة الصحة الإتحادية السيدة د. تابيتا بطرس في حديث لجريدة الأيام بتاريخ 18 مايو 2006 ما ورد في ذات الجريدة بتاريخ 16 و17 مايو عن تفشي الكوليرا في أطراف العاصمة الخرطوم ونواحي أخرى من البلاد مؤكدة أن الحالات التي تم التبليغ عنها هي "إسهالات مائية حادة"، ومنوهة إلى خطورتها حيث قد تؤدي إلى فقدان الحياة خلال 24 ساعة. كما أعلنت السيدة الوزيرة عن توفر نقاط تبليغ ورصد للمرض بكل الولايات تبلغ بدورها الصحة الإتحادية على حسب ما نص عليه الدستور الانتقالي بلا مركزية الخدمات. ما فات على د. بطرس أن تنصح مواطنيها بانتهاج السلوك الفردي الصحي السليم عبر إصحاح البيئة وغسل الخضروات وإضافة الكلور إلى المياه.

خلفية تصريحات السيدة الوزيرة كانت الأخبار التي نشرتها جريدة الأيام عن تفشي المرض في منطقة شرق النيل وكذلك في غرب أم درمان وجنوب الخرطوم بالاستناد إلى الحالات التي تلقتها مستشفيات الكباشي وعوض حسين والتركي بهذا الترتيب. بما أن الأيام رأت عدم الكشف عن مصادرها لزم التوضيح فالكاتب طبيب بمستشفى الكباشي، وقد قام بتبليغ الجريدة عن الحالات الواردة إلى مكان عمله، ثم توسع التحقيق ليشمل بعد ذلك مناطق أخرى من العاصمة. معلوم أن وباء الكوليرا كان قد اجتاح جزءاً من جنوب السودان خلال شهر فبراير من هذا العام، حيث أعلن فريق عمل مشترك من الصحة الإتحادية ووزارة الصحة بجنوب السودان بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية (WHO) وأطراف أخرى أن مجمل عدد المصابين بلغ 5634، فقد منهم 127 مصاب الحياة بمعدل وفاة يبلغ 2,25%. تركزت الحالات في مدينتي ياي وجوبا والأرياف المجاورة لكليهما وقد تم إثبات بكتريا فيبريو كوليرا (Vibrio cholerae) من فصيل إنابا (Inaba) سبباً للإسهال المائي الحاد فى كلا المدينتين عبر زراعة عينات الإسهال معملياً (نشرة منظمة الصحة العالمية، 6 مارس 06). تواترت من ثم ومنذ أواخر أبريل أنباء عن ظهور حالات مماثلة للإسهال المائي الحاد بين عمال "الكماين" في الجريف، ومن بعد ذلك التطورات الأخيرة بانتقال المرض إلى المناطق المذكورة في العاصمة. بالإضافة إلى البؤر الموجودة في الخرطوم ثبت أن انتشار المرض قد بلغ تجمعات سكانية أخرى في أقاليم السودان. بإزاء هذا الانتشار ظلت الوزارة على إصرارها تعريف المرض باصطلاح "الإسهال المائي الحاد" وعلة ذلك غالب الأمر ذات طبيعة سياسية فقد يكون مقبولاً إعلان الكوليرا صراحة في الجنوب نظراً لتركة الحرب المتطاولة وحركة النازحين وخراب أو انعدام الخدمات العامة في معظم أرجاء الإقليم. أما في الخرطوم وهي مركز البلاد وصرتها المالية والاستثمارية لا يمكن اعتبار الكوليرا سوى دليلاً دامغاً على فشل حكومي ذريع في تنظيم وإدارة الخدمات الصحية الوقائية والعلاجية وخدمات المياه والصرف الصحي والأسواق بما يحقق الحد الأدنى من الصحة العامة – أي ذلك الذي يمنع انتشار وبائيات متحفية مثل الكوليرا لا يتحقق لها التوطن والاستفحال غير بفساد تام لهذه النواحي من الخدمة العامة في أي تجمع سكاني مستقر. لا يغيب بالطبع عن إدراك المسؤولين عن قطاع الصحة ومنهم السيدة الوزيرة حاملة شهادة الدكتوراة أن اصطلاح "الإسهال المائي الحاد" لا يعدو أن يكون تعبيراً وصفياً يجوز استعماله معمماً هكذا حتى يتم التعرف على السبب المرضي ميكروباً كان أو غير ذلك. الإسهال أياً كان عَرَض وليس مَرَض في حد ذاته، وبالتالي لا بد من تقرير سببه متى ما اكتملت الفحوص الطبية والمعملية اللازمة إذا كان القصد هو علاج المرضى ومحاصرة الوباء فعلاً بالاجراءات الضرورية لذلك وليس مداراة "الخيبة" عبر التلاعب بالألفاظ.

تعرف الكوليرا بأنها مرض حاد معد ووبائي أعراضه حدوث مفاجئ لإسهال مائي متصل غير مؤلم وغير ذي لون يشبه ماء الأرز، بالإضافة إلى قئ دون جهد. قد يقود فقدان السوائل الذي يسببه الإسهال في المقام الأول إلى فقدان الحياة خلال 12 – 24 ساعة. الإسهال الخاص بالكوليرا مميز جداً فهو عديم اللون وغزير يحوي القليل جداً من المخاط والبروتين ورائحته تشبه رائحة السمك، عليه يختلف جداً عن الإسهال الذي تسببه الدسنتاريا البكتيرية فهذا دموي مخاطي وأقل بكثير في كميته. تظهر من ثم على المصاب أعراض فقدان انعدام السوائل: توقف التبول، انخفاض ضغط الدم، وتسارع النبض أو غيابه مع الضعف العام والهزال. تتعدد درجات حدة المرض بين الأقصى المؤدية إلى الموت ودرجات أقل يصعب تمييزها من خلال الأعراض السريرية فقط عن أنواع أخرى للإسهال الإفرازي، أو حتى الإصابة الخالية من الأعراض. في العام 1849 أثبت سنو بتجربة مضخة المياه في برود ستريت – لندن أهمية المياه الملوثة في تفشي الكوليرا. تبع ذلك اكتشاف روبرت كوخ لبكتريا الفيبريو المسببة للكوليرا في مصر عام 1883. تأكد اكتشاف كوخ عام 1884 في كالكتا بالهند عندما ثبت وجود الميكروب في كل حالات الكوليرا التي تم فحصها. كما أثبت سنو عام 1849 أهمية المياه في نقل العدوى كذلك حرص منذ ذلك الحين على تأكيد أهمية حركة البشر في تفشي المرض، والإصابة عبر تلوث كل ما يدخل الفم بالإسهال أو البراز الحامل للميكروب. إذن ينتقل المرض مباشرة من الإنسان للإنسان عبر تناول الماء والغذاء الملوث بالميكروب. في الكوليرا الكلاسيكية تعتبر الحالات الجديدة الخالية من الأعراض أو خفيفة الأعراض الوسيلة الأساسية للعدوى، وهي أكثر حدوثاً 5 – 10 مرات من الحالات الحادة، فالإصابة عادة ما تكون عابرة ولا ينشر الحامل للمرض الميكروب عبر الإسهال أو البراز لأكثر من اسبوع أو اسبوعين. نسبة حاملي الميكروب الذين لا تظهر عليهم أي أعراض إلى المرضى السريريين تتراوح بين 10 – 100 لكل مريض بحسب الظروف المعيشية وفصيل الكوليرا، هؤلاء هم الأكثر فعالية في نقل المرض. تشخيص الكوليرا المعملي يقوم على أخذ عينة من الإسهال وزراعتها في الوسط الملائم لذلك ثم مراقبة ظهور المستعمرات البكتيرية المميزة للفيبريو كوليرا. شهد العالم خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ست موجات وبائية كبرى للكوليرا نشأت من حوض البنغال. تمت محاصرة المرض بعد ذلك في مناطق توطنه في الهند وبنغلاديش حتى عام 1961 عندما اجتاحت العالم موجة وبائية سابعة عبرت من إندونيسيا إلى الشرق الأقصى ثم معظم جنوب القارة الآسيوية. في أوائل السبعينات كان الوباء قد اجتاح افريقيا ثم وصل أميركا الجنوبية في العام 1991. بنهاية ديسمبر 1993 كان عدد المصابين قد تجاوز 820 ألف قضى منهم سبعة آلاف. آخر الموجات العظيمة للكوليرا في إفريقيا كانت في العام 1985 حيث شمل الوباء 12 بلد إفريقي من بينها السودان. كما اليوم أنكرت السلطات الصحية حينها وجود الكوليرا متمسكة باصطلاح "إسهال حاد" بينما كان المرض يغزو مدن بورت سودان والخرطوم قادماً من أثيوبيا (نيويورك تايمز، 18 أغسطس 1985).

بما أن العدوى تنتقل عبر الماء أو الغذاء الملوث تعتبر الكوليرا مرض خاص بالتجمعات السكانية المزدحمة القاصرة عن معايير النظافة العامة المعتبرة. لذات السبب تتوطن العدوى في المجتمعات التي تفتقر إلى خدمات المياه السليمة وحيثما تقاسم الناس مصادر المياه من حفائر وخزانات وترع وأنهار للاستعمال المنزلي والغسيل والاستحمام. على هذا الأساس فإن الإجراءات الواقية من الوباء تتمثل أول الأمر في توفير المياه الصالحة للشرب والتخلص السليم من البراز البشري. لمحاصرة وباء الكوليرا على المدى القصير لا بد من علاج حالات الكوليرا بالإضافة إلى حاملي الميكروب ومن هم على صلة بهم، وذلك بتنظيم مراكز علاج مؤقتة بمواد مؤقتة داخل مناطق انتشار الوباء مما يؤدي إلى خفض معدل الوفيات الناتج عن المرض من 30% إلى 1% أو دون ذلك. على المدى البعيد، حجر الزاوية في القضاء على الكوليرا هو توفير خدمات المياه والصرف الصحي السليمة بجانب تقصي حالات الإسهال المعوي والكشف عن أسبابها وعلاجها بحسب ذلك.

الذي حدث في الكباشي أن توارد على مشفاها خلال الاسبوعين السابقين عدد من المصابين بإسهالات مائية حادة أجمعنا أطباء المستشفى على أنها تماثل الإسهال المميز للكوليرا. على هذا الأساس قمنا بالتبليغ عن هذه الحالات عبر القنوات المخصصة لذلك ومن ثم بعث زملاؤنا في معمل المستشفى بعينات الإسهال إلى إدارة المعامل الوزارية المسؤولة. في الاسبوع السابق جاءت نتائج الفحوص المعملية تؤكد أن الميكروب المسبب لهذه الإسهالات هو بكتريا الفيبريو كوليرا لا غير. بلغ عدد المصابين بمستشفى الكباشي حتى تاريخ كتابة هذه الكلمة 24 شخص، كان نصيب أحدهم الموت، ما يعني معدل وفيات قدره 4%، علماً بأن معدل الوفيات المصاحب للكوليرا تحت الشروط الوبائية حال إتخذت السلطات الإجراءات السليمة لا يتجاوز 1%. يصعب إذن تفسير الإنكار الحكومي المضطرب حيث أقر وزير الصحة بولاية الخرطوم وجود 3 حالات على الأقل في منطقة الكباشي (الأيام، 16 مايو 06) بينما أكدت الوزيرة الإتحادية خلو البلاد من الكوليرا (الأيام، 18 مايو 06) وذلك بإزاء ما أثبتته المعامل الوزارية. تفسير هذا الإنكار بائس بأي وجه نظرت إليه، إما أن الوزارة الإتحادية لا تعترف بنتائج الفحوص المعملية التي وردت من جهة إدارة المعامل، ما يعني أنه لا يمكن الاعتماد على هذه الإدارة وبالتالي يتوجب إصلاحها وإرسال العينات لجهة تعترف الوزارة بكفاءة عملها، أو أن السلطات تتعمد غض النظر عن حقيقة "الإسهالات المائية الحادة" التي تجتاح البلاد رغم خطورتها حيث يمكن أن تؤدي إلى فقدان الحياة خلال 24 ساعة، مستخدماً ذات ألفاظ السيدة وزيرة الصحة الإتحادية. مع العلم أن هنالك واجب أممي وإقليمي يفرض على أي دولة تتأثر بوباء من هذا النوع التبليغ عنه لضمان محاصرته على أتم وجه. ليس من داع طبعاً لذكر واجب الدولة تجاه مواطنيها في هذا الخصوص فالحكومة السودانية قد ترفعت منذ زمان على الاستجابة لواجباتها المحلية، ولا تنكسر لها قناة أو يلين لها جانب إلا بدفع من القوى الدولية والرأي العام العالمي. على هذا الأساس لن نستغرب أن يجد "ملف الكوليرا" مكاناً له آخر الأمر على طاولة السيد يان برونك، وربما توسط السيد روبرت زوليك لفض الاشتباك بين أنصار "الإسهال المائي الحاد" ومنازعيهم!

مايو 2006



#مجدي_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلام زوليك: غزرة جيش ومحقة عيش
- سد مروي: التنمية الدموية
- ما مِنِّي ما مِنُّو: عُزّال شماليين وجنوبيين
- أنميس عيون كديس
- البجا: السالمة تمرق من النار
- كلنا في الهم بجا
- السودان الجديد: لأهله نصيب الطير
- السودان الجديد: الإنسان من أجل الدكان
- أميركا اللاتينية: اليسار هَبْ نَسِيما - الأخيرة
- أميركا اللاتينية: اليسار هَبْ نَسِيما 2
- أميركا اللاتينية: اليسار هَبْ نَسِيما
- السياسة الدولية في دارفور: كش ملك
- خصخصة المثقفين: أقول الحق واتعشّى في بيتنا
- عن ثقافة الرأسمالية
- الكونغو الديمقراطية: متحزم وعريان
- غربة الحق: المانفستو الشيوعي في طبعة جديدة
- النيباد: سنار من عماها يبيعو ليها ماها
- بعد الاستعمار قبل التحرير: في الذكرى الخمسين لاستقلال السودا ...
- ثورات بوليفيا
- عن نضال المزارعين


المزيد.....




- 5 أطعمة لوجبة الفطور تُخلّصك من انتفاخ البطن المزعج
- خايف تتخن.. نصائح بسيطة لتجنب زيادة وزنك أثناء ساعات العمل ا ...
- أعراض الاكتئاب الصباحي وطرق تساعد فى العلاج
- مادة غذائية تؤخر الشيخوخة وتحارب السرطان
- “لولو الشطورة مافي مني”تردد قناة وناسة بيبي كيدز الجديد 2024 ...
- أدوية لازم تكون مع الأم لو مسافرة مع طفلها.. أهمها خافض الحر ...
- وكالة الفضاء الإيرانية: لم يكن هناك أي هجوم جوي من خارج الحد ...
- “جميع أكواد جراند All Cheats GTA V” تحميل شفرات gta 5 للكومب ...
- مشروبات لتعزيز صحة الكبد.. من عصير الصبار إلى ماء الخيار وال ...
- أهمها الحفاظ على صحة القلب.. 5 فوائد لإضافة الألياف لنظامك ا ...


المزيد.....

- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب
- الماركسية وأزمة البيولوجيا المُعاصرة / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - مجدي الجزولي - الكوليرا: شاهد شاف حاجات