أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عادل بشير الصاري - مرارة الصمت ولذة الثرثرة














المزيد.....

مرارة الصمت ولذة الثرثرة


عادل بشير الصاري

الحوار المتمدن-العدد: 6403 - 2019 / 11 / 8 - 14:40
المحور: كتابات ساخرة
    


بعض المهن يكتسب منها أصحابها طلاقة اللسان وجودة الكلام ، وبعض المهن الأخرى يتعلم منها ممارسوها فضيلة الصمت، والواقع أن الحياة ليست مقصورة لا على المتكلمين ولا على الصامتين، فالاثنان لا يمكن الاستغناء عنهما أبدا، ولكن للكلام أوقات وللصمت مثلها
هاهم الأطباء والمهندسون ودارسو علوم الفيزياء والكيمياء والفضاء والحاسوب وغيرها من العلوم التجريبية والتطبيقية أكثرهم لا يتقنون فن الكلام، ولا يقدرون على الجدال والحوار والمحاججة ، لأن طبيعة علومهم ومهنهم لا تحتاج إلى التفنن في الكلام ، بل تحتاج إلى التفنن في إعمال العقل وفي تفتق الذهن والذكاء ، والصمت ـ بلا شك ـ يوفر لهم فرصا للتأمل الخلاَّق وللتفكر الهادئ الذي يقود للإبداع والاكتشافات المبهرة .
وكلام هؤلاء في اغلب الأحيان مقتضب ، وبارد لأنه يصدر من العقل لا من العاطفة ، ولا يعتمد على الإطناب والمجاز والتكرار ، بل الألفاظ عندهم تكون على قدر المعاني ، ودلالاتها مباشرة لا تحتمل التأويل والتقدير إلا في حدود ضيقة ، وعمدتهم في الكلام الموضوعية والحجج المستندة على العلم والتجربة والملاحظة.
والداخل إلى أماكن أعمالهم وإلى مختبراتهم يجد الهدوء والصمت، فلا صوت ولا جلبة ، فكل شيء يوحي بسكون المقابر وبرد الاسكيمو ، وإذا وجدت أحدا من هؤلاء كثير الكلام جياش العاطفة فثق أن هذا بسبب أثر البيئة فيه ، فحين يعيش المرء في وسط اجتماعي تُعد فيه كثرة الكلام والبراعة فيه دلالة على المهارة والنبوغ يستوي عندها الطبيب والفلكي والمعلم والخطيب.
ومن جانب آخر نرى كثيرا من المعلمين والقضاة والمحامين ودارسي علوم اللغة والدين والسياسة والاجتماع وغيرها من العلوم الإنسانية يغلب عليهم كثرة الكلام والبراعة فيه ، لأن بضاعتهم الكلام والتفنن في عرض الحجة ، لذلك هم أقدر من غيرهم على الجدال والنقاش ومغالبة الخصم، ومجالسهم يغلب عليها الصخب والضوضاء، وهذا الأمر ليس مما يُعاب ، ولكن الذي يعاب هو أن بعضا من هؤلاء يصير عنده الجدال والمحاججة طبعا مَكيناً ، وشهوة عارمة كشهوة الأكل والجنس لا يستطيع كبحها ولا التحكم فيها ، لذلك تراه إذا لم يجد مجالا للكلام والجدال أوجده ولو بالمكابرة والعناد، فالكلام لديه متعة وراحة ، والصمت عنده نكد وشقاء .
وهذا الصنف من المجادلين يجادل في كل موضوع يخطر على باله ، فتراه يناقش بحماس وأطرافه ترتعش، والزبد يملأ شدقيه في السياسة وهموم المجتمع وقضايا الدين ومشاكل البيئة والأمراض المستوطنة ومخاطر طبقة الأوزون والنيازك الساقطة على الأرض ، وعمدته في الكلام العاطفة الملتهبة والأحكام الانطباعية الصادرة عن الهوى والميل القلبي ، وإذا سدت عليه وسائل الثرثرة ،ولم يتكلم ويجادل في موضوع شعر بكسل وتنمل في لسانه وخدر في أطرافه ، فإذا واته الحظ ووجد موضوعا يجادل فيه اندفع الدم في عروق لسانه ، واندلقت منه الحروف والألفاظ كالسيل العرم، ورأيته فرحان جدلا كأنه ملك الدنيا وما فيها ، والمسكين لا يعلم أنه شخص مريض يعاني من إسهال في اللسان وإمساك في العقل.



#عادل_بشير_الصاري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكم الردة والكفر بين شيخين
- أسئلةُ ساذَج
- أيها السلفيون ... الأيام دول بيننا وبينكم
- مكرمات وأفضال أميركا على العرب
- زمن الشعر وزمن الثرثرة
- سلطان الرعب
- عروض الخليل بين ناقديه،الجزء الثاني
- عروض الخليل بين ناقديه،الجزء الأول
- المهدوي شاعر الثورة في ليبيا
- تغريدات بخيت المهيطل
- ماهية الصورة الشعرية
- وصف العقلية العربية
- الليبيون والاختبار الصعب
- تكفيك من الشعر إشاراته وإيماءاته
- من هو معمر القذافي ؟
- عقيدة بني معروف الوجه والقفا
- الشعر .. انتهاك للعرف اللغوي السائد
- صفات الإنسان في القرآن الكريم
- الكفر الذي يُثابُ عليه
- أنماط التعبير الأدبي


المزيد.....




- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عادل بشير الصاري - مرارة الصمت ولذة الثرثرة