أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ربيحة الرفاعي - القصة الشاعرة وفعل التجريب















المزيد.....



القصة الشاعرة وفعل التجريب


ربيحة الرفاعي
كاتبة وباحثة

(Rabiha Al-refaee)


الحوار المتمدن-العدد: 6402 - 2019 / 11 / 7 - 23:20
المحور: الادب والفن
    


التجريب خاصيّة جوهرية في الفعل الإبداعي، تأتي على السائد في النماذج المعيارية الضابطة للشكل والمضمون والأسلوب بخروقات مقصودة واعية لتخلخله بما يتناسب مع الخلخلة الحاصلة على مستوى الواقع ثقافة وفلسفة وقيما وغيره، فتولد نماذج معيارية جديدة؛ وتخلق أطر تجنيسية جديدة، أو تكتفي بالمحاولة التنويعية داخل الإطار المعياري المعتمد دون مساس بالسمات الفارقة التي تنتظم الخصائص الدلالية والمكونات النوعية والسمات النمطية الخاصة للعائلة الإبداعية.
وعبر هذا التجريب القصدي ولدت الجنس الأدبي الجديد "القصة الشاعرة" بمزاوجة بعض السمات المميزة في جنسي شعر التفعيلة، والقصة القصيرة والقصيرة جدا، وتوظيف عناصر أسلوبية ما بعد الحداثة وما بعدها، محققا توليفة خصائصية مختلفة منحته استقلالية نوعية يتفرد بها عن غيره من الأجناس القارة.
وكما أن التجريب كان البوابة التي عبرها جنس القصة الشاعرة ليحط في المشهد الإبداعي الأدبي، فقد ظل هذا التجريب حيّا فيه، حاضرا في كل تجربة إبداعية تعيد تصوير الرؤى والانفعالات تعبيرا أدبيا في إطاره بانفتاح مطلق الأجنحة على المساحات التجريبية لتشكيل توليفات متنوعة من عناصر العرض الجمالي للرؤى، وتفجير ممكنات كلّ منها ليكون كل نص تعبيرا عن حالة تجريبية خاصة للمبدع
وفي دور التجريب في تطور وتنوع الأجناس الأدبية وولادة القصة الشاعرة حصادا طبيعيا للفعل التجريبي الإبداعي من جهة، وملامح التجريب في القصة الشاعرة من جهة ثانية سيكون بحثنا هذا.

The Story Poetess / Alqessa alsha3era is a natural harvest of creative experimental action

Experimentation is a fundamental feature of the creative act, that effects the dominant models of form, content, and style, by intentional breaches that disassemble it to fit with the actual disassembling of culture, philosophy, values, etc., thus generating new normative models- ´-or- accepting the attempting of diversify within the normative framework adopted without prejudice to the distinguishing features that characterize the semantic characteristics, qualitative components and special characteristics of the literary genre.
Through this intentional experiment, the new literary genre "The Story Poetess / Alqessa alsha3era" was created, combining some of the distinguishing features of the Non-poetic poems, short and very short stories, and using the elements of postmodernism an beyond postmodernism, achieving a different characteristic combination that gave it a distinct independence from other genres.
As experimentation was the gateway through which "The Story Poetess / Alqessa alsha3era" managed its existence into the literary creative scene, this experiment was still alive, present in every creative experience that reproduces visions and emotions as a literary expression with the wings released in an openness experimental spaces to form a variety of combinations of elements of the aesthetic view of visions , And explode their respective potentials for each text to be an expression of a special empirical case.
Importance and the role of experimentation in development and diversity of literary races and the birth of the Story Poetess as a natural harvest of creative experimental action on one hand, and the features of experimentation in the story poetess on the other hand will be the subject of this research.

تمهيد
يُصنّف الخطاب بإحدى طريقتين متكاملتين في الواقع، تنطلق الأولى استقراءا من الأثر الإبداعي إلى القاعدة أو المبدأ، فتستوجب ملاحظة واستخلاص القواسم المشتركة بين الآثار المفردة الموجودة؛ قبل تقرير المبدأ، وهي الطريقة التي اعتمدها الفراهيدي لوصف القواعد الضابطة لشكل القصيدة العامودية في علم العروض الذي وضعه، واعتمدها أفلاطون وأرسطو والكلاسيكيون من بعدهما في تصنيف الأجناس الأدبية، وبالاتجاه المعاكس تماما تنطلق الثانية استنباطا من القاعدة أو المبدأ لتولد الآثار الإبداعية بالمعايير التي أقرتها، بما يمكن اعتباره اقتراح التجربة وإعمال التجريب على الأثر الإبداعي؛ بخروق جوهريّة في سماته الفارقة وخروج على المعايير المسبقة والموضوعة تبعا لآلية الاستقراء، وهو ما فعل بنو عذرة لوضع ملامح الشعر العذري وكذلك رواد الموشحات الأندلسية وما فعل أبو تمام والمعزّ في مذهب البديع؛ متمردين على التقاليد الأسلوبية والبنائية وحتى الإيقاعية للقصيدة العربية الكلاسيكية التي سادت في الشعر الجاهلي، ، وهو أيضا ما فعلت المذاهب الأدبية المتوالية في الغرب في ثورات نصّيّة على الالتزام الأدبي.
وليس التجريب بحركة عشوائية تصنعها الصدفة، ولا هو بمجرد المغامرة الإبداعية خارج الآفاق المتاحة بحثا؛ اعتباطيا عن آفاق أجدّ كما يتصوّر كثير من المبدعين والنقاد -على حدّ سواء- ممن يتعاملون مع مفهوم التجريب مجردا عن اقتضاءاته العلمية، بل هو خاصيّة جوهرية في الفعل الإبداعي، وحركة واعية بمغايرة مفتوحة على المجهول تجاوزا لما هو سائد على مستوى الشكل والأسلوب والمضمون، إنما بانفتاح مدروس يتم بفعل يقظ يتأتى انعكاسا عن الخلخلة الحاصلة على مستوى الواقع بتحولاته؛ وتطوّر المفاهيم ومجموعة الفلسفات الموجهة لفكر وثقافة الأمة من جهة، ويعبّر عن موقف نقدي من القائم يضع الحصيلة الثقافية لتلك الأمة موضع تساؤل من جهة أخرى، فيعمد لخلخلة النماذج المعيارية الجاهزة للفعل الإبداعي، تجاوبا مع الخلخلة المتحققة وتمهيدا لمزيد من الخلخلة على مستوى الوعي، وهو أمر يقتضي رصانة معرفية تليق بدوره وقيمته في إثراء الأدب والفعل الإبداعي عموما بالتنوّع وتواصل الخلق المغاير اللااستنساخي، ولعل لرؤية نقدية اعتباره أي التجريب حلقة -متعلقة بلحظة تاريخية ما أوسياق تاريخي ما- في سلسلة التوجه الحداثي في الإبداع وما تمثله الحداثة في إطاره من قلق مستمر وبحث مطلق عن الحقيقة، وفي كلّ فقد أثمر التجريب تنوعا مدهشا في الخارطة الأجناسية، وفي أفراد وبعض مجموعات الآثار في الجنس الأدبي الواحد، بما يعكس هذا التنوّع من حيوية وما يثري فيه الغاية الجمالية ويتناغم وموقعها في العملية الإبداعية، وقد وضعت تصنيفات الأجناس الأدبية مبكرا في تاريخ الأدب، وانطلق التقسيم الابتدائي للأدب -منذ الثقافة اليونانية غربيا والجاهلية المبكرة عربيا- من فصل الشعر عن النثر كنوعين لكل منهما سماته الفارقة؛ تنتظم الخصائص الدلالية والمكونات النوعية والسمات النمطية الخاصة به، ثم كان الخرق في تلك السمات تجريبا أدى لسمات أكثر تخصيصا أوجدت علائلات فرعية في كل منهما، في متوالية ستمتد ليمتد معها أفق الجمال اتساعا.
ولو كانت التقاليد الأدبية قوالب جامدة تُفرض على العمل الفني، لظلّ الأدب العالمي أسير كهوف الميثولوجيا الإغريقية والرومانية وآداب العصر الجاهلي العربي وعتيق آداب الشرق، لكنّه غير ذلك، فقد حقق تطورا تخطّى الأسطورة البدائية باتجاه الملاحم الشعرية الإغريقية والرومانية غربيا ، وتطور عربيا منذ الدولة العباسية، ليقدم من من الانتاج الشعري والنثري ما أثرى المشهد الأدبي العالمي مؤثرا ومتأثرا بآداب الأمم التي اختلطت بالدولة العربية الإسلامية ، مؤسسا لحالة ثقافية وأدبية راقية، قبل أن يدخل في انتكاسة الخفوت الحضاري والثقافي في القرن الخامس عشر مسلما الراية للغرب الذي انكب على الترجمات العربية للآداب الإغريقية والرومانية والعربية يدرسها ويحاكيها ويضع الأصول النظرية الأدبية المستمدة منها حتى القرن الثامن عشر، والذي اعتبره بعض المؤرخين الأدبيين قرن الحذلقة والتقليد الأدبي التام للميثولوجيا، قبل أن يهبّ رواد التغيير التجريبيون المتطلعون للأمام بلا يأس، مطورين ومجددين في الشكل والمضمون، فكانت الحركة الرومانسية تمردا واعيا على الكلاسيكية الأدبية الأصولية المحافظة، وكانت الواقعية فتنوعّها، ونشأت المدراس الأدبية بعدها تباعا، تأتي بالجديد فالأجدّ في أعمال ناضجة شكلا وموضوعا فرضت نفسها على التقاليد والقوالب في كل مرّة، لتظهر الأجناس الأدبية الجديدة فالأجدّ منها، التي تمت ولادتها جميعا من رحم الأصول الأولى المتمثلة في الخطابة نثريا والأشكال الشعرية الأصيلة الملحمة والشعر الغنائي.
لكن هذا الدفق الإبداعي الذي حمله التجريب واجه دائما صدًّا من سدّ الالتزام الأدبي، ليس بمهومه الإيجابي الذي يعني الشكل الواعي المؤدلج للنظرية الأخلاقية وممارستها في إطار الممارسة الإبداعية بمشاركة المبدع للناس همومهم وقضاياهم في إنتاجه(1) وإنما بمفهومه المقابل للتجريب، والقائم على تقييد الوعي النقدي والإدراك الفكري بقداسةٍ مزعومةٍ لموروث ثابت يمنع تجاوزه، هذا المفهوم الذي كان وراء محاربة كل تجديد في الخطاب الثقافي الفكري والأدبي ، منذ محاربة أرسطو للسفسطائيين في الحضارة الإغريقية، ومحاربة الكلاسيكية للرومانسية، وما تلاها من محاربة كل مدرسة أدبية أو فكرية قارّة قويّة الأركان لأي تجريب يهدّد بجديد، حتى اليوم؛ لما يعنيه التجريب من تمرد على قوانين النموذج الثابت الضابطة لما يليه، المانعة للخروج عليه، وما يفتح من أبواب للتغيير والتجديد، رغم أن التجريب بهذا المعنى يتجاوب مع مفهوم الالتزام المتعلق بالمسؤولية نحو المجتمع، بما يفتح من أبواب لجديد يواكب تطوّر المجتمعات ويعكس -في وقته- العلائق الروحية والجمالية لشرائح تلك المجتمعات بمحيطها، متوائما مع مداركهم متأثرا بآفاقهم ووعيهم.
القصة الشاعرة
وبين إرادة التغيير وصدّ الالتزام كان كل جنس أدبي جديد في حينه قارٍ اليوم نتاجا لعملية تجريبية نجحت فكان واستقر، حيث خاضت المخيلة الإبداعية غمار الجمال كقيمة عليا، لتستمطر غيومه هذا التنوّع الأجناسي في الساحة الأدبية، معملة يراعتها -في عمليات تجريبية بلا انتهاء- في المعطيات الأسلوبية والبنيوية التي تحظى بمراعاة أكبر في صياغة النص؛ بما تختلف معه العناصر الأبرز فيه، ليشكل حالة مختلفة في إطار ما هو قائم، تفاجئ أفق انتظار المتلقي وتضعه أمام شكل جديد مختلف، وباشتراك مجموعة واسعة من النصوص في إبراز العناصر نفسها (2) يتكون الجنس الأدبي ويغدو وجود تلك العناصر المشتركة بارزة في النص هي سمات وخصاص الجنس الأدبي الجديد، وحتى في حالة التمرّد الكلّي على الأجناسية ومحاولة تحطيم الحدود بين الأجناس، والتي بدأت بذورها الأولى في ثورة هوجو والرومانسية على غلواء الكلاسيكية وامتدت للثورة الكلية على التصنيف الأجناسي التي عبّر عنها موريش بلانشو ورولات بارت وغيرهما؛ كان ثمة مخاض حقق بالتجريب ولادة جنس أدبي أو أجناس جديدة متحررة من القيود الشكلية والمعايير الخصائصية، وبهذا المعنى المنفتح على التغيير والاستعداد لخلق الجديد تميّزا عن سابق له؛ وصف صاحبا "نظرية الأدب" الجنس الأدبي بالمؤسسة مؤكدين على جواز وإمكانية خلق الأجناس الأدبية الجديدة، أو توليدها من أجناس قائمة(3).
في هذا الخضمّ الإبداعي النشط باستيلاد أجناس أدبية مبتكرة من أجناس قائمة، استُولِدت القصة الشاعرة جنسا أدبيا جديدا، في مشروع تجريبي مثابر وبقصديّة واعية تمت بمزاوجة بعض السمات المميزة في جنسي شعر التفعيلة/الشعر المرسل، والقصة القصيرة والقصيرة جدا، وتوظيف عناصر أسلوبية ما بعد الحداثة وما بعدها، محققا بذلك توليفة خصائصية مختلفة منحت الجنس الوليد (القصة الشاعرة) استقلالية نوعية يتفرد بها عن غيره من الأجناس القارة بما فيها الجنسين الأم بالنسبة له ليؤسس لذاته موقعا خاصا على خريطة الأجناس، حيث أنه ليس الأصل في الأجناس الجديدة أن تأتي صدفة كما يقول شيفر ، فهي وإن أمكن أن تأتي لخرق غير مقصود بعينه في الجنس الأم، إلا أنه بات عملا منتظما واتجاها فنيا لا خلاف بين النقاد في تحققه أن تتولد لخرق مقصود للجنس أو مزاوجة مقصودة بين أكثر من جنس(4).
وابتداء من اسمها فهي قصة، لكنها ليست مجرد قصة، بل هي كما وصفها الدكتور خالد البوهي "حدث شعري" وليست سردا تقليديا لحدث، وهي شاعرة، وعن "الشاعرة" في اسمها يقول رائدها الناقد الأدبي محمد الشحات محمد " الشعرية نسبة إلى الشعر ، والشاعرية سمة تعني الإطار الأجمل ، أما الشاعرة فهي الفاعل لكل هذا (اسم فاعل) ، ومن ثمّ ، فإن كل قصة شاعرة هي شعرية بالطبع وليس العكس"(5)، وقد كان اختيار اسم الفاعل " الشاعرة" في اجتراح اسم الجنس إذا فعلا واعيا قصد لإعلانها فاعلا للفعل الشعري وظّفت التفعيلة لبناء موسيقاها، مرتكزة على اللغة الشعرية والصور الحركية بجمل سردية قصيرة، باختيار دقيق وتوزيع متقن في بنية سردية حداثية تسكنها القصة -بالضرورة- ركنا متبطنا، فتحمل في أحشائها القصة القصيرة جدا وقصيدة التفعيلة بخليط ماتع من الموسيقى الشعرية العذبة في تدوير عروضي لا ينقطع، والمحافظة على الوحدة العضوية في البنية العميقة؛ دون التنازل عن انفجار المركز وتعدد البؤر الدلالية، وتحقيق التفجية النصّيّة وحضور الرمز واستدعاء الإيحاءات وتكثيف الدلالة ودقة التصوير وحذق المفارقة، وتحميل التشكيل البصري فضاءات دلالية نابضة، وتوظيف سيميائية العنوان في منطوقه وطريقة كتابته في تشكيل فني كمنبه بصري على دلالات تتجاوز المنطوق، والإفادة من لغة العصر الرقمية والفضاءات الواسعة التي تفتحها الألواح الضوئية بتوظيف سييمائية الصورة في الخلفية تختزل العصب الدلالي في إطار الدلالة التعبيرية.
وإن لم تتفرد القصة الشاعرة في جمعها بين السرد والشعر معا؛ وقد جمعتها من قبل قصيدة السرد وقبلها القصة الشعرية، فهي تختلف عنهما فى البناء والمعالجة الجمالية والتناول، حيث يتوجب فيهما تحقيق المعادل الموضوعي بين كفتي الشعر والقصة ، تجنبا لإفشال النص بغلبة أحدهما على الآخر في قصة تُحكى بقالب شعري، بينما القصة الشاعرة هي حصيلة تفاعل ذهني تام بين الشعر والقص خلق كيانا مختلفا عنهما تعالقت فيه خصائصهما بتناغم يعجز المتلقي عن الزعم بانتماء النص لأي منهما أو نفي انتمائه.
بين الالتزام والتجريب
وتتميز القصة الشاعرة بجمعها اللافت بين الالتزام والتجريب في إنائها الحداثي الجميل، فهي على مستوى الالتزام الأدبي معنيّة به بمفهوميه الّذَين تقدم ذكرهما، الالتزام بمعنى حمل الهدف والالتزام المقابل للتجريب، حيث تعكس اتجاهات الدلالة في نصوص القصة الشاعرة اتصالها بالواقع وتعالقها مع النبض العام بمفجرات تأزمه وقضاياه القائمة وصراعاته ومخاوفه ومعاناته، تشير إليها برموز ودوال لا تغيب عن وعي المتلقي، وقد أبرزت الدراسات منها الحضور الكثيف لثيمة الوطن والواقع السياسي والمقاومة والنضال والحرب والانتصار وقضايا المجتمع الملحّة كالجهل والفقر وغيره(6)، وهي على مستوى الالتزام بمعناه المقابل للتجريب، تبدأ من بداية تصنيفها الأجناسي، وانتمائها للعائلتين القصّية والشعرية، وليس لأبويها المباشرين، فتأبى أن تتذرع بحداثيتها وكثافة التفجية النصية فيها، لتنزاح نحو ابيجرامية الومضة الأدبية، بل تلتزم المعايير الفارقة والعناصر الرئيسة للعمل القصّي في القصة القصيرة والقصيرة جدا، فتحرص على القص ركنا متبطّنا في النص، تحقق حضور شخوصها من خلال الحركة والأداء الحدثي القائم على التشفير، وتقدم زمكانية مقترنة بالتجربة القصّية تسايرها انفلاتا من شرطية الواقع نحو عمق تخيّليّ يلبيها، متجاوزة بنية المفردات السطحية ودراما اللقطة معتمدة التكثيف يستدعي كلّ متاحات اللغة ليحكي أكبر وأعقد وأهم الحكايات في سطور قليلة .. وتأبى أن تتذرع بحداثيتها لتفلت من قيد الموسيقى الشعري، وهو الأصعب -بزعم من ينادون بتحرير الشعراء من قيود الموسيقى الشعرية- وتلتزم حكما بالتفعيلة المستمدة من بحور الشعر العربية الأصيلة وحدة لبنائها الموسيقي، تعتمدها في التأسيس الإيقاعي للنص، بتوظيف تقنية النظام السطري للشعر، في جمل شعرية متواصلة متصلة؛ دون وقف على ساكن أو قافية؛ في تدوير عروضي متين بما يعني اتصال النفس الشعري، ودفق شعري متواصل لا ينقطع حتى أن " الجملة السردية تتحلل من خصائصها وتكتسب خصائص جديدة تسهم الموسيقى في صناعتها خضوعا للنسق الموسيقي " كما يقول الدكتور أحمد صلاح كامل(7).
القصة الشاعرة إر هااااا ب
" تمطّى الليلُ في سيارةِ الإسعافِ ... ، داسَ كوابحَ الإيمانِ بالآتي؛ ليحملَ جثةَ الأحلامِ -منتصرًا -
إلى سيارةِ الموتى ...
ويصرخَ في المصلّينَ ارتجافًا بانتظارِ الشمسِ :-
ألقاكُم هنا .. في ثورةٍ أخرى
وأنّ الصبر منطفئًا
وماتَ سدى "(8).
هنا وفي دفقة شعرية واحدة متواصلة يتعانق فيها الشعر والسرد، في تراكيب ودلالات تصدح بها موسيقى النص التي تلتقطها الأذن، ويبيّنها التقطيع العروضي مظهرا "مفاعلتن " وحدة للبناء الموسيقي، يحتضن جملا شعرية بتدوير تام، فكأنما هي قصيدة تفعيلة، لكنها قصّة تقبع في ما ورائية منطوق النص؛ وتشطح بعيدا في اللاواقع بجملها السردية المتّصلة المتعالقة لتطلق العنان للمكنون النفسي بالظهور والتجلّي في حكاية، بجانب حقيقي حيٍّ، ينطق به بناء حدثي يعتمد التشفير ودلالية الرمز، وبعد درامي يبنيه شخوص يزدادون حضورا بإمعانهم بالتواري في البعد الشعري.. وهي إلى ذلك قصة تحكي وجعا عاما وأمرا هاما تكشفه للمتلقي دوال لا تغيب عن متأمل؛ يسقط خبراته على دلالاتها ليقرأ الحكاية.
ورغم التزامها القوي تبقى القصة الشاعرة وليدة التجريب في ذاتها باعتبار نشأتها كمغامرة استهدفت الشكل والأسلوب واللغة والموضوع الجمالي ، فأسست لطبيعتها المحاكية لأدوات ومتطلّبات وآفاق المرحلة ، حيث من الطبيعي أن تعكس التجربة الإبداعية المرحلة في خصائصها ما دام الأدب انعكاسا للواقع يعيد تصويرة ضمن الفعل الإبداعي مشحونا بالانفعال الذاتي محمّلا بتأثيرات بيئته وزمانه، والعالم يعبر اليوم مرحلة من اللاثبات تفرض أثرها على كلّ معطياته تراكبا، وتعقيدا، وتأزما، واغترابا، واحتداما شعوريا، واستعجالا بما انعكس على أقطاب ثلاثية الإبداع -المبدع والمتلقي والنص- نزعة تنزاح بهم معا عن استرسال الكلاسيكي، وطمأنينة الرومانسي الحالم، ورتابة التقليدي المستهلك، نحو مختلفٍ متوقّدٍ كاللغة الوامضة، الزاخرة بالدلالات، والإيحاء، والشفرات الرمزية، وأشكال أسلوبية وبنيوية جديدة تلائم لغة العصر وأدواته، وقد جاءت القصة الشاعرة كفعل إبداعي تجريبي واع مستجيبة لتلك النزعة متأقلمة مع تقنيات الكتابة القصّية الحديثة، ملتزمة حق المتلقي بدور فاعل في النص، محققة الحداثية البنيوية والأسلوبية في تنوّع بناء حدثيّ مشظّى، يحكمه الاختلاف والتوافق اللاسببي، فهشمت التابوهات، وفككت السرد وبنيويته، وتحللت من الإسهاب النصي وبطّنت واعتمدت الإيحاء والتكثيف، في قصّ ترميزيّ مموسق، وتكثيف لتجربةٍ ومعاناةٍ يحكيها الشاعر القاص مطلقا فيها الفجوات النصية؛ يعمل المتلقي في ملئها ذهنه وخبراته ..
القصة الشاعرة خــــَ ..وْوْوْ ... فْ
" ما زالت تلك الحية تقبع وسط البيت..، تبث سموما قاتلة..،
قالت:- دع عنك كتابة شعرك، واصمت..،
لكنى –كالعادة- لم أنطق خوفا..،
هدمت ركن البيت المشروخ ، وألقت بالحجر الأسود من شرفتنا المفتوحة دوما..،
لكنى –كالعادة- لم أنطق خوفا..،
رقصت فى ليلة زار صارخة..، ذبحت طفلا من أطفالى كى تخرج روحى الشريرة منى..،
لكنى –كالعادة- لم أنطق خوفا..،
ذبحت طفلى الثانى..، رقصَت ، صرخَت ،
خرجت روحى"(9).
إنه نص يحمل حكايته بثقلها كلّه، ليضعها أمام المتلقي، فيقرأه اجتماعيا إن شاء ويقف فيه على الجهل وخزعبلات المشعوذين بحجة أن ذلك هو الأظهر في النص، متجاهلا دلالات شفراته الأجمل، لكن ثمة مفاتيح النص تعلنها، ف في "وسط البيت" إشارة جغرافية لموقع الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين، وفي هدم ركن البيت و إلقاء الحجر الأسود إشارة للاستهانة بالمقدسات، وفي قتل الأطفال إشارة لهذه الممارسة الوحشية في الواقع الفلسطيني، وفي عدم النطق إشارة لسلبية الردّ .. وتتوالى الشفرات في النص، لتتحدث في صوره المشظّاة وحزن موسيقاه عن حكاية الوطن في اتجاه دلالته، وعن تجربة نصّية جديدة يخوضها الشاعر في تمزيق بعض حكايات وصور وإعادة لصقها على مقاس جرح.
وبين قارئ لا يخرج من النص بشئ عدا شظايا من الصور التعبيرية الجميلة تميس على موسيقى التفعيلة التي اختارها الكاتب، وقارئ يخوض تجريب التلقي في موازاة التجريب الإبداعي تفاعلا مع النص منذ سيميائية عتبته الأولى متمثلة بالعنوان، متتبعا الدلالات المتعددة لرموزه ومفاتيحها المبثوثة في النص، وإيحاءات صوره وجمله الشعرية المؤشرة للقصة المتبطنة في ما ورائية النص تكشف أوراقها الأكثر تواؤما مع فكره وخبراته من خلال اختياره لدلالات الدوال، يبرز دور المتلقي الذي اعتبره ياوس و إيزر عاملا مشاركا أساسيا في التجربة ليس فقط في فهم المعنى بل بالمشاركة في صنعه انطلاقا من مرجعيات ذاتيه تقوم على فعل الفهم المأمول باستخراج ما وراء منطوق النص، وملء فراغاته واستكشاف ما يربطه بنصوص أخرى يتناص معها في شئ منه.
من ملامح التجريب في القصة الشاعرة
ولأن للتجريب روحا تنبض بالتطلع لحيوية التغيير، فإن نزعته التي استولدت القصة الشاعرة وشكّلت طبيعتها؛ ظلّت تسكنها موسّعة من ممكناتها كجنس أدبي، صانعة فيها تلك القابلية القصوى للتنوّع شكلا وأسلوبا وموضوعا جماليا ورؤيوية في إطار سماتها الفارقة والتي بات التجريب واحدة منها، بما يمنح المبدع فضاء مفتوحا لتجريب تشكيل توليفات متنوعة من عناصر العرض الجمالي للرؤى، وتفجير ممكنات كلّ منها، ليكون كل نص تعبيرا عن حالة تجريبية خاصة للمبدع، يصنع فيها كائنا مختلفا؛ بحيويته ومغايراته وتوافقاته وضجيج إشاراته، يستخدم لتحقيق ذلك جملة من التقنيات كأنسنة الأشياء واستدعاء الماضي والتناصات الجريئة ودمج الواعي باللاواعي والواقعي بالحلم والموهوم، وتوجيه التشكيل الإعرابي وعلامات الترقيم وتوظيف الفضاءات البصرية واللونية مجنّدا الفراغ المقصود واللون والصورة والتشكيل السيميائي للمفردة والعنوان، بما تشكل تلك الفضاءات من مؤشرات زمانية، ومنبهات حسّية للمتلقي، وإشارات تسهم في فك شفرات النص، وتبيين دلالات مفرداته، واستقراء النهايات، وبناء التصورات الذهنية المختلفة، ويستخدم كذلك التنويع الترميزي، باعتبار الرمز هو أحد أهمّ عوامل تشکيل الصورة الشعريّة، حيث تشحن رموزها أحادية ومتعددة الدلالات، بدلالاتها الانزياحية في سياق القول الكلي للجمل التعبيرية التي تحتويها وعموم النص بمضمونه ونبرته، ليكون تفسير الرمز في إطار سياق النص وخبرات التلقي، لا في إطار دلالات سابقة اقترنت به، بما تتباين معه دلالة الرمز الواحد للكاتب الواحد في نصوصه المختلفة تباينا يفاجئ المتلقي الباحث عن دلالة الرمز في سابق اقترن به ..
القصة الشاعرة " ختان .."
" شقَّتْ أغاريدُ الصباحِ دموعَ أغنيةِ التراثِ ..،
عَلاَ صوتُ المذيعِ ، وهبَّتِ الشطآنِ في جسدِ البراءةِ ساعة اختمرتْ "دعاءُ" تدقُّ باب الجدِّ،
لم يُفتحْ ..،
صَرَختْ سُدَى ..، راحتْ تمزَّقَ صدرُها بالمشرط المعهود منذ الوهلةِ الأولى ..،
هنا عادتْ إلى حيثُ النهاياتِ الأُلى .. عبرتْ مع الجيرانِ تعزف دمْعةً .. ،
لم أفهمِ المقصودَ لكنْ كُنْتُها .. ،
عصْراً مَضتْ" (10).
ثمة تجربة مختلفة هنا يحملها العنوان قناعا يذهب بالمتلقي في اتجاه يظنّه محددا وهو متعدد، والعنوان كما يصفه الدكتور عمر عتيق " مرآة تختزل البعد الدلالي للنص المكتوب وللنص المسكوت عنه و.... خليّة لغويّة تتخلق منها الجينات الدلالية والفضائات الفكرية والوجدانية"(11)، بما يعني تحمّله لمسؤولية كبرى في توجيه القراءة ، وهو يتجه بالمتلقي هنا بعيدا تماما عن الوجع السياسي مؤشرا باتجاه ممارسة اجتماعية جاهلة بحق المرأة، مستندة للتقاليد؛ تذبح بها إنسانيتها وتمزّق جسدها، بينما يحمل اختيار الأنثى وختانها في كلّيته وعبور الضحية مع الجيران ترميزا إضافيا يفجّر بؤرة مختلفة، لتصير الأنثى هي الأمة – كل أمة مستضعفة- وختانها إشارة لكل الممارسات الظالمة بحق الإنسان؛ حيث الأنثى هي الأصل في الأشياء وهي الأم وهي الأرض.. ويحمل الصراخ سدى وتمزيق الصدر واختمار الضحية ترميزا آخر يفجّر بؤرة أخرى لتصير الأنثى هي الأرض وبالتالي الوطن، واختمارُها تعاظمَ خيراتها، وختانُها استلابَ حريتها ومقدراتها .. هي توليفة من شظايا تصنع حكايات تقبع في البنى العميقة للنص؛ رؤى تستفز التشكيلات اللغوية في البنية السطحية لكشف قناع العنوان وتفكيك رمزه المتعدد.
القصة الشاعرة القاعدة الأخرى
" في الحرب الكونية ضدّ الإرهاب توالتْ صرخاتُ صبيٍّ قاطع أسلاك الفوضى ..،
ذهب الجيش إلى البلد المعروفة،
هرب القاطع ، واختلفتْ أسباب التخصيص لعودة أشلاء الصرخات على يد قاعدةٍ أُخرى ..،
تمت."(12).
يمزج القاص الشاعر بين المباشرة والتشفير، ويجرب في النص هنا المبالغة في التضبيب في جانب والتصريح في جانب آخر ببعض الأسماء السافرة العلاقة بموضوعة النص، يعلنها وكأنما لا تحتمل الحكاية تشفيرها ..
وبين صرخات الصبي، وأسلاك الفوضى، وقطعها، وسفر الجيش لغير بلده، وعودة أشلاء الصرخات، وأسباب التخصيص.. مقابل التلويح باسم تنظيم إرهابي في العتبة الأولى/ العنوان، يتضّح مداه حين يخطو التلقي للعتبة التالية حيث الذكر الصريح للحرب الكونية ضد الإرهاب والقاعدة حدّان يحتضنان شفرات النص بدلالاتها المتعددة تحثّ على قراءة تفككها جميعا تقبع الحكاية .. فالقاعدة ربما كانت قاعدة أمريكية في بلد آخر سافر إليه الجيش الأمريكي، واجتماع الحرب الكونية مع صرخات الصبي تشير من طرف ما لمأساة شعب وعذابات أبنائه، وتستدعي" أسلاك الفوضى" للذهن الدعاية والدعوة الأمريكية للفوضى الخلاقة، ليتبين سرّ تحوّل قطعها لجريمة الذي أشار إليه هرب القاطع من الجيش القادم، واختلاف اسباب التخصيص التي تعود بصرخات الصغار يحكي قدرة أمريكا على دفع جيشها لأي مكان بأي ذريعة، وخلقها لحجة تتمثل بتنظيم آخر تخلقه .. وبقفل النص بــ "تمت " يكاد القاص الشاعر يغلق أبواب الأمل بتغيير.
القصة الشاعرة قاصرات
" على أبوابِ خيبتهم.. بلا وجلٍ ..،
تربّصَ ذئبُ غفلةِ من يلاعبهم بفطرتهِ، ويلقيهم بيم الجهلِ زلزالا بعدوتهِ ...،
وفي سفهٍ إليهِ مشت تزفُّ زنابقَ الأحلامِ بالأجراسِ قافلة الأسى تسعى بسوسنة تساقُ على مذابحِ عرسها، والحزنُ طوّقَها ليغرقَ بالدّموعِ الليلُ محتفلا ...
وناحَ بصبرهِ الآتي "(13).
بكل شاعريتها .. تحاول الجمل الشعرية هنا أن تحمل نكهة خبرية لتتواءم مع الدفقة الشعورية التي أثارت البوح، فيبرز تطاول النص على نمطية السرد التقليدي للفاجعة قضيّته هنا؛ في طرح مقالي للحكاية بجمل يمزقها الاحتدام الشعوري، وتجمعها مغامرة فرض التوافق على المتغايرات .. إنه تجريب مزج المقالية والقصّية في هذا الإناء القصّي الشعري الجديد.
القصة الشاعرة - حنين
" قبيلَ الفجرِ عادت في دخانٍ يقرأ "الفنجان"، دقت ساعة الشكوى ...،
هنا.. بدأت تراوده –حنينا للمزامير الشريفة- عن كفوف العشق، فاشتعلت مع الأغلال سرًا، بينما ..
اشتغل الصبيُّ على حروف الشجب والأعذارِ ..، هاجت ..،
قاطعته: - الآن عد ...،
سقطت قناديل الخليل، فقرر الأقصى مناهج سدرة الذكرى ..
سمَت " (14).
بين الفجر، والمزامير الشريفة، والأقصى؛ تتحرش بالحس الديني ، وبين ساعة الشكوى، والشجب، وسقوط قناديل الخليل؛ تتحرش بالحس الوطني، يفتح النص نوافذه على مشهد حكايته الواحدة، وبها يوظف السعة التجريبية للقصّة الشاعرة في محاولة التعبير عن الدواخل الأبعد ليس في نفس المبدع وحده، بل في مكنون الوعي الجمعي المكبوت للأمة، ويخرج بالقصة الشاعرة من حيّزها القصّي لتصير بما يعتمل في أعماقه .. تحديا ومواجهة.
القصة الشاعرة- دلال الموت
" تولّى نحو والده، وولى غيره للأمن في بئرٍ "ببابل" ...، أشرقت شمس الفراغ على "دمشق" هوى،
بدا الحتفُ المخيفُ لخزيهِ المحفوف بالآلامِ في أقصى الحروفِ ... وراحَ يندبُ حظّه المسكوب في أعلى قناديل "الحجاز" ...،
فرتّلَ الموتى"
يستدعي ذكر البئر والوالد معا تحت عنوان الأمن قصّة يوسف وأخوته من أعماق التاريخ، ومن ذات الأعماق تأتي بابل، ينطلق النص منها للقديم الذي ما زال قائما دمشق والحجاز، في لوحات تحمل أشلاء ظاهرها حكاية تصوّف لا تقل عنها تشظية في الأعماق
إنها محاولات التجريب التي لا تنتهي في القصة الشاعرة فيها من القصديّة ما ينسجم مع روح الجدّة والتطوّر، وهو قانون التطوّر والتغيير بمعناه الكلّي تفرضه الحركة الدؤوب في طبيعة الأشياء للتغيير؛ ويلقي بمشيئته الحتميّة على الانتاج الإبداعي الفنّي تطوّرا تفرضه طبيعة الفن الباحث بلا توقف عن تشكيل يطلق ألوان الجمال في التعبير. وعلى امتداد تاريخ الأدب منذ الملحمة الشعرية تقصّ حكايا الآلهة وأنصاف الآلهة والبطولات الخارقة، وصولا لأدب ما بعد الحداثة وما بعده /الحداثة المتذبذبة، ، كان هذا التطوّر هو ما أسعف المخيّلة الإبداعية -لمنظري وأنصار التحديث- في رحلاتها المغامرة لاقتحام الجميل القائم، المعتمد ضابطا ومقياسا؛ بتغيير يهز أركانه ليستولد من رحمه جمالا جديدا، لا يدّعي الأفضلية بالضرورة، ولا يقصد لإلغاء القديم ونفيه كما في العلوم، وإنما هو مجرّد التغيير تنويعا في استنطاق الجمال، قدّم للتراث الفنّي الإنساني في المساحة الأدبية هذا التنوّع الكثيف في الألوان الأدبية التي شكّل كلّ منها في زمان استيلاده معنى تجريبيا كان في بعض الأحيان عنيفا مستفزا لمنظري الالتزام وأنصاره، فحاربوه بلا جدوى وفرض برغم حرب وجوده، حتى بات نموذجا يطالب خلفهم بالالتزام به.
ولا شك إذا أن تمترس الحركة النقدية المطالبة بالالتزام وراء سواتر وهم الفهم لدور الناقد بالسلطة القمعية أو الحارس الأمني على النماذج القائمة ومحاربة أي تطوير بالخرق فيها أو بالخلق إلى جانبها، هو حرب دونكيشوتية بلا جدوى، وقد آن أن يعي الجميع على كافة مستويات الخطاب الثقافي أن الجديد "يحفر كسيل مجراه" والعقل يقتضي دراسته وتقصّي حكايته؛ في قراءات علمية تحليلية لا قراءات استعدائية، لأن الاستعداء لا يوقف قادما بنبض التغيير، في البناء الفوقي للمجتمعات النابض توقا للتغيير.
الهوامش
1. الالتزام الأدبي بهذا المفهوم يرتبط بوضوح بأدبيات المدرسة الواقعية الاشتراكية، وإن يكن الوجودي الفرنسي جان بول سارتر وليس المذهب الواقعي هو أول من بلور مصطلح الالتزام تدليلا على وظيفة الأدب ومسؤولية الأديب.
2. يستوجب نشوء الجنس الجديد بالضرورة وجود عدد –لم يتم تحديده إنما اشترط أن يكون كافيا- من العناصر الفردية، التي تجمعها معايير مشابهة بشكل أكثر تخصيصا، تميزها عن الجنس الذي تميزت منه
3. ويليك، رينيه ووارين، آوستين. نظرية الأدب صفحة 314
4. شيفير ،جان ماري . ما الجنس الأدبي صفحة 59
5. محمد، الشحات محمد. القصة الشاعرة بين الاقتصاد الإبداعي والقيمة المضافة. صفحة 168
6. الرفاعي، ربيحة. القصة الشاعرة جنس أدبي جديد. فصل اتجاهات الدلالة في القصة الشاعرة – ص72
7. كامل، أحمد صلاح. القصة الشاعرة بين الاقتصاد الإبداعي والقيمة المضافة. صفحة 25.
8. الرفاعي، ربيحة . ملف تحضيرات المؤتمر العاشر للقصة الشاعرة
9. البوهي، خالد . بانوراما القصة الشاعرة . صفحة 148
10. محمد، محمد الشحات – نصوص من القصة الشاعرة - القصة الشاعرة بين المسايرة والمغايرة – ص 216
11. عتيق ، عمر . رؤى نقدية في القصة الشاعرة - القصة الشاعرة بين المسايرة والمغايرة – ص 29.
12. محمد، محمد الشحات . بانوراما القصة الشاعرة . صفحة 148
13. جمعة ، خلود محمد - ملف تحضيرات المؤتمر العاشر للقصة الشاعرة
14. مطر، مصطفى . نصوص من القصة الشاعرة – القصة الشاعرة ومعادلة تجديد الإبداع - ص 185



#ربيحة_الرفاعي (هاشتاغ)       Rabiha_Al-refaee#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفنيد أحاديث انتقصت من المرأة - 2 ( ما أفلح قوم ولوا أمرهم ا ...
- تفنيد أحاديث انتقصت من المرأة - ناقصات عقل ودين - (1)
- بعد ما بعد الحداثة/الحداثة المتذبذبة
- بين الخلق من طين ونظرية الخلق العلمية
- لم تخلق المرأة من ضلع رجل


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ربيحة الرفاعي - القصة الشاعرة وفعل التجريب