أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث سمير - أهل الدستور؟ يا أولاد الافاعي (3/3)















المزيد.....

أهل الدستور؟ يا أولاد الافاعي (3/3)


ليث سمير

الحوار المتمدن-العدد: 6401 - 2019 / 11 / 6 - 02:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


- رُبَّ كاتبٍ كاذبٍ ورُبَّ قائلٍ غيرفاعلٍ، إن أخطر شيء يواجه الإنسان في مسيرته، وخاصة ممن يتبَؤون موقعاً كموقعك، هو أن يُغَيِّبوا الحكمة عَن حُكمِهم، فكَم من ربَّان أبحَرَ مُنطلاقاً نحو هدفٍ صالحٍ إلَّا أن غياب حكمته في توجيه الرياح، شرقية كانت أم غربية، جَعلتهُ يستفيق بعد فوات الأوان وهو راسياً مستقراً عندَ وسيلةٍ طالحةٍ تُناقِض ما انطلقَ من اجله.
نَهضَ المعلم وقال: عليَّ أن اذهب الآن.
- لماذا لا تبقى معنا فنتعشَّى معاً.
- كلا، شكراً لك أُفضِّل الرجوع، إنتبه على نفسك.
- شُكراً على نصيحتك يا معلم، أنت مُرحَّباً بك وقتما تريد.
أجاب المعلم بابتسامة: يُحكى أن تليمذاً أنكر معلمه الأكبر ثلاث مرات قبل صياح الديك.
- ابتسم هادانيش قائلاً: اِطمَئِن لَن أنكرك.
- قهقه المعلم بوقار وقال: هو أيضاً قال كذلك.
تعانقا وتبادلا السلام. وقبل أن يذهب المعلم سأل: بالمناسبة لماذا ناداك مرافقك بِ " عَمِّي"
- آآه، إنَّه ابن أخي، لم يكن لديه عمل وتعلم بِأنَّ من الصعب اِئتمان من لا أعرف على حياتي.
- سلامٌ لك يا هادانيش.
- سلامٌ ايها المعلم العزيز.
عادَ المعلم إلى بيته المتواضع الأنيق في وسط المدينة، و جَلسَ على كرسيه لساعاتٍ وهو يفكِّر ثُمَّ قرَّر.
ذَهبَ إلى الغرفة وبدأ بإعداد صُرَّة الملابس وكلَّما يَلزم لرحلةٍ طويلةٍ. وفي باكر الصباح التالي طَرقَ الباب على جيرانه ليُسلِّم عليهم وأبلغهم برحيله. كان الجيران يكنُّون له احتراماً ومحبةً وسألوه عن موعد العودة، فرَّد: سأذهب لاكمال دراسات كنتُ قد بدأتها ولا أعلم متى سأعود بالضبط.
غادر المعلم مدينته التي كانت تسكُن في قلبه مِثلما يسكن في وسطها، بألمٍ وحسرة.
مرَّت سنواتٌ عدَّة وهو في غربته، لكنَّه كان حريصاً على سماع اخبار مدينته. وفي يومٍ وصلته رسالة من صديقه القديم ورفيق دربه أنليل: أعلم أنكَّ غاضب من صمت رفاق دربك وخوفهم، لكن اعلم بأن الصمت قد صَمت فقد طفحَ السيل ووصل السيل الزبى، آن الأوان لقد أدرك الجميع بأنَّ من عاش كالحجر ما عاد من البشر، تعال أرجوك فنحن بحاجةٍ إليك.
ذهبَ المعلم إلى شريكته التي تعرَّف عليها في غربته، وأخبرها بنية العودة، أزعجها وأقلقها هذا الخبر فرغم قوَّتها ورباطة جأشها كانت تملك من الحنان والحب ما يصعب إيجاده عند كثير من النساء. وبعد إعداد ما يلزم للسفر قبَّل شفتي الحبيبة ويديها وقال لها: تعلمين حبي لك
- نعم، وأعلم حُبك لمدينتك ايضاً، اتفهَّمُكَ ايها المعلم المشاكس. عُد لي سالماً.
وَصلَ المعلم إلى مدينتهِ وكان باستقباله صديقه أنليل وبعض من رفاقه. وبعد التحية والعناق ساروا باتجاه بيت أنليل، إذ إن بيت المعلم كان مهجوراً وهو بحاجة إلى الترتيب قبل المبيت فيه.
قال المعلم: يبدو حال المدينة أسوء بكثير، ما الذي حصل؟
أنليل: الوضع صعب يا صديقي، لقد تقاسموا السلطة بينهم، وأصبحت كل جهة تملك فرسانها. أصبحنا نعيش تحت قانون الغاب. هل تصدق؟ لقد بدأ الناس يتمنون يوماً من ايام الحاكم السابق رغم ظلمهِ. لقد أضاعوا كل شيء، ومن تحدث على غيرِهواهم قتلوه شرَّ قتلة. لقد إنتشر الجوع والمرض والحزن والظلم. الناس ثائرة وتريد الحياة.
- رؤساء المعابد؟
- أنتَ تعرفهم أفضل مني.
- هادانيش؟
- هو الحاكم اليوم، آسف يا صديقي، لكنه كالدمية يُثرثر بالصالح ولا نرى منه غير الطالح. يُقتل الناس أمام عينيه بدم بارد، لمجرد التعبير عن آرائِهم وهو كالحجر. صدِّقني اذا ما وقع بيد سكان المدينة لن تكون نهايته حميدة.
- وما هو الرأي السائد بين سكان المدينة؟
- إنهم يريدون تغيير نظام الحكم.
- والحكَّام؟
- يبررون رفضهم بكونهم أهل الدستور وراعيه، لانَّه مانع الفوضى.
- أريد أن أقابل هادانيش.
- لا أعتقد بإنَّك تستطيع الوصول، إن الحكام في منطقة مُغلقة ومعزولة، الوضع خطير جداً. أرجوك، لم أطلب منكَ الرجوع لأخسرك.
- إسمح لي بالنوم يا أنليل فأنا متعب.
- هذا أفضل، أحلاماً سعيدة يا صديقي العزيز.
وفي الصباح قرع أنليل باب الغرفة التي نام فيها المعلم، فما سمع الرد، وبعد عدة دقاتٍ فتح أنليل الباب فلم يجد احداً. أخذ معطفه و ركضَ خارجاً من البيت قاصداً منطقة الحكام.
كان المعلم قد وصل إليها، بعدما رأى القتلى والجرحى من شباب المدينة. وقف عند أحد البوبات وقال لأحد الحرَّاس: أنا معلم السيد هادانيش، دعني أقابله.
- ممنوع.
- قلت لك أنا معلم السيد هادانيش.
سمع صوت من الخلف يقول: أنت مرة اخرى أيها العجوز، لا اعرف لماذا أتذكَّرك، دعهُ فهو معلم عَمِّنا.
أوصل الحراس المعلم بعد تفتيشه إلى صالة الاستقبال. وطلبوا منه الانتظار لحين إنتهاء هادانيش مِن إجتماع مهم كان يرأسهُ. وبعد دقائق قليلة، سَمِعَ صُراخ الشباب المتجمهر وهم يقولون قتلوها الأوغاد ماذا فَعلت إنها كانت تُطبِّب الجرحى وهي بعمر الزهور... أوغاد...قتلة.
نَهضَ المعلم من كرسيه وتوجه نحو غرفة الإجتماع حاول الحرس منعه لكنَّه باغتهم وفتح الباب بقوة. فالتفت الجميع باستغراب وخوف. كان الجميع متسمِّر في مكانه والصمت قد ملأ المكان.
حَدَّقَ المعلم في الحاضرين، تعرَّف على بعضٍ من رؤساء كهنة المعابد والقضاة والحكام وكان على يمين هادانيش شخص ليس من سكان المدينة.
كَسر المعلم الصمت بصرخةٍ وقال: ماذا فعلوا لكم؟
- قال هادانيش: إنهم غوغاء ومرتزقة، من غيرنا ومن غير الدستور ستحُلُّ الفوضى.
ضربَ المعلم الطاولة بيده وقال بغضبٍ: أيها ألاوغاد، تُكتب الدساتير لخدمةِ الإنسان وسعادتِهِ لا لتبرير قتلهِ وكبح حريته. الإنسان سيِّدها، مُشرِّعها ومُبدِّلها ولا يمكن أن تَتَسيَّده. يا أولاد الافاعي: قالوا لكم تأنوا في كتابتهِ فاستعجلتُم، قالوا لكم طبقوه بمجملهِ فامتنعتم وكذبتم. برَّرتم الباطل بالحق فقتلتم واستبحتم وسلبتم. وأنتم يا رؤساء المعابد، صِرتم كذاك الذي قيل في حقِّه " ليتكَ كنت حاراً او بارداً لكنك كنتَ دافِئاً، فهأنذا مزمع أن اتقيأك من فمي" لقد صرتم مثله تؤمنون ببعض وتكفرون ببعض.
وأنت يا هادانيش لقد حذرتك وقلت لك إحذر من أن تكون قائلاً عادلاً وفاعلاً قاتلاً.
تعالت الصيحات... مَن هذا؟ مَن هذا؟ حتَّى نَهضَ أحد رؤساء المعابِد ببطءٍ وقالَ برهبةٍ: نابو؟
اِلتفتَ الغريب مِن على يمين هادانيش وسأله: هَل تعرِفُهُ؟
ردَّ هادانيش مُتمتماً: كَلَّا.

النهاية



ملاحظة: الاسماء الواردة هي عراقية قديمة.
- نابو: اله الحكمة والكتابة.
- أنليل: اله الهواء والربيع.
- هادانيش: كان اسم أحد الملوك السومريين.



#ليث_سمير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أهل الدستور؟ يا أولاد الافاعي (2)
- أهل الدستور؟ يا أولاد الافاعي (1)
- لِتكُن مَلحَمة الشعب العظيم
- لِتَكُن مَلحَمة الشعب العظيم


المزيد.....




- هل كان بحوزة الرجل الذي دخل إلى قنصلية إيران في فرنسا متفجرا ...
- إسرائيل تعلن دخول 276 شاحنة مساعدات إلى غزة الجمعة
- شاهد اللحظات الأولى بعد دخول رجل يحمل قنبلة الى قنصلية إيران ...
- قراصنة -أنونيموس- يعلنون اختراقهم قاعدة بيانات للجيش الإسرائ ...
- كيف أدّت حادثة طعن أسقف في كنيسة أشورية في سيدني إلى تصاعد ا ...
- هل يزعم الغرب أن الصين تنتج فائضا عن حاجتها بينما يشكو عماله ...
- الأزمة الإيرانية لا يجب أن تنسينا كارثة غزة – الغارديان
- مقتل 8 أشخاص وإصابة آخرين إثر هجوم صاروخي على منطقة دنيبرو ب ...
- مشاهد رائعة لثوران بركان في إيسلندا على خلفية ظاهرة الشفق ال ...
- روسيا تتوعد بالرد في حال مصادرة الغرب لأصولها المجمدة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث سمير - أهل الدستور؟ يا أولاد الافاعي (3/3)