أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - ساطع هاشم - معارك بالخريف














المزيد.....

معارك بالخريف


ساطع هاشم

الحوار المتمدن-العدد: 6400 - 2019 / 11 / 5 - 11:40
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


في المساء او في الصباح، هنا في شمال اوربا عندما يأتي الخريف والشتاء لاترى في الشوارع الا الأضوية الكهربائية المضاءة، والشموع تزين شبابيك الشقق والمنازل، وحتى السيارات فان على سائقيها ان يفتحوا اضويتها صباحا ومساء لان ليل الشتاء طويل، ولاتزيد عدد ساعات النهار والضوء الطبيعي عن أربع او خمس ساعات في الأكثر.
وقد عاد الخريف إلينا هذا العام نحن الأجانب، لكنه هذه المرة محملاً بالدم والزمهرير، فأنا مثل بقية المتفرجين من بلاد الشرق اشاهد هنا عبر الأجهزة الإلكترونية المعارك القاسية التي تمزق النفس، بين الجماهير المندفعة الثائرة نحو الحرية والقتلة المتدينين اللصوص، وهما يتقاسمان ضفتي دجلة الخالد.
وبالرغم من ان المسافة بينهما ليست سوى النهر، فالقتلة لا يسمعون لانهم بعيدين عن الناس بعد السماء عن الطارق، والجماهير في هذه الجهة من النهر تلفها احزاناً لا قرار لها وكبرياء وشهامة نادرين لم نألفها منذ زمن طويل، حتى خيل لنا بأنهما قد اندثرا، فتراهم يعرضون صورهم علينا من كل الجهات بفرح وسخاء وكرم ويتواصلون معنا بحب وإلفة ووداعة فقدناها طويلاً، بينما القتلة في الجهة الثانية لا ترى منهم الا اشباح في صور ومقابلات متلفزة في احاديث عدوانية تتأجج فيها الرغبة بالانتقام والقتل ولا يريدون الإذعان للأمر الواقع، حتى لتشعر عندما ترى صورهم وطريقة حديثهم وكأنك تشاهد غابة من الضباع الجائعة وقد ظفرت بغزال بريء استطاع الهرب للتو من مخالبها سالماً.

وإذا تركنا الحديث عن الآلام، وفكرنا بالسعادة التي يحياها الجمهور العريض في هذه الجهة من النهر، حيث يندر ان تجد مثل هذه المشاهد خارج هذه الساحات فما الذي يحدث؟
تذوقٌ واسع لحبات العنب وعسل الحرية، ذاك الذي تتخلله أشعة الشمس في شروقها وغروبها، وفي الحفلات المختلفة التي تموج بالجماعات رافعة أيديها كانهم في حلم جميل، ناسين او متناسين انهم على بعد خطوات من الموت.
طوال حياتي حملت أدواتي بالرسم كسلاح ضد اية صعوبة سأجدها امامي، ورسمت آلاف التعابير بالحبر او الأقلام او الألوان، وذخيرتي منها لا تنضب، وسجلت فيها قصة الامس.
وما شاهدته في رسوم صبية وشباب التحرير في الايام الأخيرة وهي ترسم لوحة الواقع المرئي والملموس على جدران الشوارع والأزقة في قصة اليوم، تقترب من صورة زمني الماضي بهذا الشكل او ذاك، فهذه الوجوه الإنسانية التي نشاهدها على شاشات اجهزتنا بعيونٍ تدمع دون قطرة دمع واحدة، تجمع في الوقت نفسه بين الرغبات والرهبة وربما الخوف من الموت قبل الوصول الى تحقيق غاية الثورة وانتصارها وهي منعكسة بهذه التعابير بالخطوط والألوان التي يرسمونها على الجدران، وكأنهم يحاولون ان يهبون القلوب التي سترى أعمالهم سمات الحب الخالد بالنفس البشرية الذي يكافحون في سبيل الوصول اليه وتذكير الثوار ومعهم الجمهور العريض به بهذا الحب وبكونه الخيط الجامع فيما بينهم وبانه لغر الوجود البشري على هذا الكوكب، وكل تلك الإبداعات المفعمة بالوجدان والحب الإنساني تتم تحت تأثير الغازات السامة ودوي قنابلها المرعب التي يمطرها القتلة عليهم.
وعلى مقربة منهم يرقد جسد الشهيد مسجى ساكناً، وقد اختفى بين طيات الأغطية وسيرفع قريبا ليختفي بظلام أديم الأرض، ومن هناك يعاود الحياة زهرة في بستان او شجرة ثمر، لكنه سيبقى نوراً مشعاً في افئدة هؤلاء الذين كان واحداً منهم قبل قليل، وهنا تكمن المعجزات حيث يعاد الدم القاني الى الحياة ليس كبقايا حطام بل كفكرة خلاقة نرى من خلالها ومع جيل الشبيبة الجدد حقارة المارد القاتل والوحش المخيف، وعدواً نقاومه ليندحر الى الأبد أينما يختبأ في الظلام، وتلك هي رسالة الفن العظيم عبر الأزل.



#ساطع_هاشم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اورفيوس العراقي
- نور مروان – الفراشة الشهيدة
- سأرحل وانا اسف
- تشرين الجبار
- عندما رسمني الفنان فائق حسن وطلبته
- بيض الغربان
- الشهداء القلائل
- عربات الخريف
- ستون سنة وبضع ليالي
- ضياء بلا ظلال
- السياسة في أزياء خلفاء المسلمين
- رموز الاحتجاج العالمية الملونة
- يوم المرأة البرتقالي
- اصفر الشمس والشعاع البهلواني
- شيء من تاريخ اللون الاسود في العراق
- نافذة صغيرة على الزمن
- عقيدة اللون الاخضر
- حديث اللوحة
- حصان الثورة
- الصورة في مجتمع يكره الصورة


المزيد.....




- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...
- بوتين: الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا سببه تجاهل مصالح رو ...
- بلجيكا تدعو المتظاهرين الأتراك والأكراد إلى الهدوء
- المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي: مع الجماهير ضد قرارا ...
- بيان تضامن مع نقابة العاملين بأندية قناة السويس
- السيسي يدشن تنصيبه الثالث بقرار رفع أسعار الوقود


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - ساطع هاشم - معارك بالخريف