أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم العايف - القصيدة..مهربة..مستنسخة *















المزيد.....

القصيدة..مهربة..مستنسخة *


جاسم العايف

الحوار المتمدن-العدد: 1558 - 2006 / 5 / 22 - 10:22
المحور: الادب والفن
    


بعد نشاط ثقافي- فني اتسعت دائرته في البصرة أواسط سبعينيات القرن الفائت وأخرج ثمراته في محافل ثقافية من بينها: نادي الفنون, نادي التعارف, جمعية الاقتصاديين, دور الثقافة الجماهيرية, المركز الثقافي لجامعة البصرة , مقر الحزب الشيوعي في البصرة ..الخ, كان الشاعر عبد الكريم كاصد حينها قد عاد من فرنسا لا يحمل معهُ سوى اللغة الفرنسية التي ترجم منها بعض القصائد والكتابات ونشرها في الصحف والمجلات. كما حمل معه كتبه واسطواناته التي تحتوي على أشعار وأغان بالفرنسية فقط.. ومَنْ عاد معهُ كان يجوب بسيارته المستوردة شوارع البصرة وثمة مَنْ قايضها على الحدود بالأموال ليودعها في المصارف ومرتديا أفخر الملابس الفرنسية. أما هو فكانت ملابسه تشابه ملابس فقراء الحي اللاتيني أو سكان مدن الصفيح في باريس.
بعد أُنس تلكم المحافل التي لا تغيب عن الذاكرة، وجدنا فرصتنا في إخراج أضواء أرواحنا تضيق يوماً بعد آخر جرّاء الإرادة السوداء التي قرّرت أن تكون ثقافتها المعلولة وحدها على ظهر هوائنا لا ينازعها عليه منازع، وإذ أوصدت أبواب تلك المراكز دوننا بذرائع مضحكة منها-: (عدم العضوية .. لا يسمح بدخول الضيوف حتى بصحبة الاعضاء.. للعوائل فقط .. محجوز..الخ) وجدنا مضطرين في حانات شارع الوطن و(الكورنيش) ملاذات حميمة احتضنت دفء أرواحنا وتفتّحها ووسطاً بهيجاً يحفظ لنا صِلاتنا ويبقي عليها حيّة.. ومع استمرار المتابعات الليلية الشرسة في الطرقات العامة تحولت اللقاءات إلى البيوت.. تارة في بيت مهدي واخرى في بيت كريم وكذلك في بيتي ..مُنعت (طريق الشعب) من التوزيع العلني في البصرة وباتت توزع سرا عن طريق الأصدقاء وبعض باعة الصحف المتطوعين وكان توزيعها يشابه توزيع المنشورات السرية مع انها تصدر علنا في بغداد .. نشر فيها كريم قصائده التي تتحدث عن مظاهر حادة ساخنة (إيقاعات على الطريق.. كاطع سبهان..اغنية الىطفيلي.. مذبذب.. اغنية العام الجديد .. من سورة الأنفال...الخ) كان يجرب استثمار اللغة الشعبية ومادة الحياة اليومية مرتفعا بهما إلى فضاء الفن بتوهّج عناصره وأضواء عوالمه الباهرة وكان يمضّه ألاّ يصل نداء روحه إلى أرواح من كتب عنهم... كيف يمكن للشعر ان يتحول لما يشبه المنشور السري وهو الذي يزدهي بالناس ولحظاتهم اليومية الدائمة العصيبة ..؟؟.خلال تلك الفترة كان (النقر على ابواب الطفولة) ينقر جدران وابواب بيت كريم ووزعناه بجهود فردية إذ امتنعت دار التوزيع الحكومية عن توزيعه بحجةْ أن:
-الكتاب ليس من مطبوعات الوزارة ..!!؟؟ مع ان ثمة كتباً كثيرةً لا علاقة للوزارة بطبعها توزع وتُعرض في واجهات المعرض.. بعد ثلاث سنوات رأيت بعض النسخ من (الحقائب- الطبعة الاولى- مصورة بخط الفنان هاشم تايه-) معروضة للبيع في الدار ذاتها وكانت من منشورات دارالعودة ( اللاحكومية) في بيروت. قبل ذلك رُفضت قصيدته (ابن فضل) من قبل هيأة تحرير مجلة (الاقلام) للنشر في العدد/الثاني عشر/ نيسان 1973 /السنة الثامنة / والخاص بـ(الأدب والاشتراكية) والحجة-: أن القصيدة (تسيئ) للعلاقات (العراقية- المصرية) مع ان القصيدة تتحدث عن احد رواد (الاشتراكية) وتناول د.رفعت السعيد قضية (ابن فضل) بشكل موسع في كتابه (تاريخ اليسار المصري) وطُبع الكتاب في القاهرة ووزع في اغلب الدول العربية ومنها العراق وخصصت مجلة الطليعة المصرية الحكومية حلقة دراسية عن (ابن فضل) باعتباره احد رواد الاشتراكية الذين ذهبوا لدراسة الفكر الاشتراكي في (جامعة كادحي الشرق) في الاتحاد السوفيتي في الثلاثينيات من القرن الفائت وتم نشرها في حلقات..
- ترى هل تقود القصائد الى (نزاع- مسلح) بين الدول!؟.. يا الهي ما أكثر الحجج..!! وما أسهل الكذب..وما أكثر الكذابين في هذا العالم..

***
بسبب عدم البعثية وأخوّته لكريم نقل "سلمان" من التدريس الثانوي إلى وظيفة أرشيفية في مديرية التربية وبسببه نقلت السيدة زوجته إلى مديرية طرق البصرة ومعها شهادتها في اللغة العربية وآدابها في كلية الآداب جامعة البصرة .. بطريقة ما هَرّب سلمان من ارشيف مديرية تربية البصرة ملف كريم الوظيفي المرقم 13492/2 واستودعه أمانة لديّ بعد انتفاضة آذار1991 ومعها كيس يحتوي ما تبقى من الحقائب والنقر.. كان خائفا على ما يشير إلى كريم في بيته لان رجال المخابرات باتوا ضيوفا ًليليين في مسكن"سلمان" يسألون عن كل شاردة وواردة حول علاقة الأخ بأخيه ويحاولون تشَمم اي رائحة لـ"كريم" في مسكن "سلمان" ويقترحون عليه مخاطبته بالعودة للعراق وله "الأمان"!! أو عليه ان لا يتعامل مع اذاعات المعارضة العراقية التي بدأت بنشاط متواصل تبث قصائده وأحاديثه يوميا لأكثر من مرة.. في إحدى ليالي التسعينيات وبعد سماعي لقصيدته (كتاب البصرة او ما الذي حل بالبصرة) وبصوته وفي ضوء الفانوس قررتُ ان افتح ملف كريم الوظيفي الذي يبتدئ بتعيينه مدرساً في 21/1/1968 بموافقة مجلس الخدمة العامة / بغداد/ بعد تخرجه في كلية الآداب / قسم الفلسفة / جامعة دمشق/ ومن ثم فصله بسبب الانقطاع عن الدوام الرسمي بموجب الكتاب/5439 في 22/1/1979 , لقد وجدت في آخر تقرير سري مرفوع عنه عام 1977 ـ 1978 لنيل العلاوة السنوية ,التي لا تتجاوز في حينه ديناراً عراقياً واحداً, استبيانا يتضمن 15 سؤالاً حول/قدراته في:/ تدريس المادة/ اسلوبه في توصيلها/ شخصيته بين الأساتذة / صلاته معهم ومع الطلاب/ تعاونه مع ادارة المدرسة/ ثقافته العامة ..الخ و يتم الإجابة عنها بالطريقة التالية:
(/ملتزم جداً / ملتزم جيد/ ملتزم /قليل الالتزام/ متوسط/ ضعيف/ ضعيف جدا ) وقد حصل في جميع أسئلة الاستبيان على/(ملتزم جدا /ملتزم جيد) مع توصية بمنحه العلاوة السنوية المقررة وكان السؤال الثاني عشر نصا-:
12ـ مدى مساهمته بــ (التوعية الوطنية والقومية داخل المدرسة وخارجها)؟
فمؤشر إزاءه.. (ضعيف جدا) !؟
***
بدأت مفارز الامن تطرق الابواب وعندما لا تفتح "تمتطى صهوة البيوت ليلا"..
الراحل عزيز السماوي- كان يعمل موفدا في البصرة وشبه مقيم في بيت كريم"المؤجر"الذي تتساقط من سقفه الحصى"- ومهدي وكريم مع المساء حلوا في بيتي وكنا ننتظر جميل الذي لم يأتِ ..عزيز يلقي بطرائفه التي تقصي الصمت وتبدد الحيرة وتبعد الخوف مؤقتا, كان يردد
-:اية ثورة بيضاء هذه اذا كان مغنيها (أ....).
قلت ,مازحا، بعد ان سرت الاسرار وشعت الافكار (ترى أين تضع نظارتك يا كريم اذا اطبقوا عليك وأوثقوا يديك)!؟..من عادة "كريم" ان يتلاعب ببيت شعري لأبي نوّاس: " فيردد-:" ودب دبيبها الى موضع الاسرار قلت لها"سيري". بدلا من "قفي".
قلت له:"سيري"..
اجابني بثقة:" لا.. لا.. الآن قفي".
منتصف الليل غادروا لا الى بيوتهم ..
***
سريعاً ما تتغير المشاهد .. بعض ممن كان في الواجهة ويتقاسم المقاعد الامامية متأبطا الأيادي الملوثة بالدماء في/ 8 شباط /963 ممن كانوا من "قادة الحرس القومي" في البصرة داعيا لتأهيلهم بصفتهم من (( الثوريين-الديمقراطيين))حاليا, محاولا وبإصرارعلى تبييض الصفحات السوداء استجابة للتحالف الجبهوي الكسيح مع حزب القتل والقتلة, وغالباً ما كان يجلس في المقعد الأمامي لسيارة (الفولكا) التي يملكها "الحزب الشيوعي العراقي" في البصرة.. ومع تغير المشهد سريعا أصبح أيضا في المقعد ذاته، ولكن في سيارات الـ(فلوكس واكن) التي تؤول ملكيتها إلى دوائر الأمن ويدل على البيوت والرجال والنساء والأموال والأطفال ... أما من كان في المشهد الخلفي-المخفي فقد ذهب مهدور الدم ...مجهول الهوية والمصير حتى اللحظة.
***
مذ تلك الليلة لم أرهم..الا بعد اندحار ليل الفاشية الطويل وانطفاء زمن القتلة ..جاء مهدي اولا ثم كريم وبقي عزيز غافيا في إحدى مقابر لندن. خلال الحرب الأولى، وفي أوائل 1982 لا اعلم من اعطاني (وردة البيكاجي) – القصيدة - مستنسخة.. مهربة.. ثم تسربت الى قراء مجهولين, اصدقاء , كتاب , شعراء, مسرحيين, فنانين تشكيليين...الخ كانت (وردة البيكاجي ) القصيدة ترحل طويلا ثم تعود ثانية وتنتقل معي حيثما حللت في سنوات الحروب, خاصة تلك السنة التي شهدت الهجرة شبه الجماعية بعيدا عن البصرة التي كانت تتناوشها المدافع الايرانية وكانت (وردة البيكاجي) القصيدة المستنسخة المهربة لا تمتنع عن نيران الحروب وبؤس الحصار وسنواته التي حولتنا الى (بيكاجي) عراقي ,كنت أعود لها اشارة على التمسك بصداقة تمتد عميقا في الروح , خارج الزمن والمكان ..
كريم فاتني ان اعطيك ورقة( البيكاجي) السمراء التي تهرأت لكثرة الملامسة والانتقال من قارئ مجهول لآخر عندما احتفى بك أحباؤك ادباء البصرة خلال زيارتك الأولى في مقرهم الفقير الصغير الذي ضاق بالحاضرين وقوفا والذين جاء اغلبهم مبكرين من اجل الحصول على مكان.. لترى تلك السنوات التي مرت عليها وتلامس الايادي التي قرأتها سرا لتضيء بها ايامها (البيكاجية- العراقية) تلك .. خذها الآن علناً.. غير مهربة .. مستنسخة.. منذ اكثر من ربع قرن ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• قدمت هذه الورقة الى المحور الثاني في الجلسة الختامية لمهرجان المربد الثالث
(15-17 نيسان2006 ) والمكرسة للاحتفاء بالشاعر عبد الكريم كاصد.



#جاسم_العايف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فنارات..مجلة اتحاد الادباء والكتاب العراقيين في البصرة.. عرض ...
- في الاول من ايار..بناة الحياة والمستقبل
- في فضاء المربد الثالث..*
- فتوى (الشيخ الحنفي) في وشم الجبهة
- قليل من الوهم.. شيء من الواقع *
- في اربعينية الرفيق جبار فرج(ابوسعيد)
- ملتقى البريكان الأبداعي الثالث في البصرة
- قراءة في كراس:..التوظيف السياسي للفكر الديني
- قتلٌ واضحٌ .. علني *
- *الورثة والأسلاف
- حوارمع القاص (مجيد جاسم العلي) رئيس اتحاد الادباء والكتاب ال ...
- ..السؤال .. مجلة تعنى بثقافة المجتمع المدني ..ملف خاص بالقاص ...
- مابعد الانتخابات العراقية ونتائجها
- مجلات
- حفل (السياب) التأبيني الأول
- حول مؤسسات المجتمع المدني في ا لعراق
- الادباء والكتاب في البصرة يجددون احتفائهم بالسياب في ذكرى رح ...
- المشهد الثقافي في البصرة -3
- الشعاع البنفسجي....
- المشهد الثقافي في البصرة -2-


المزيد.....




- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم العايف - القصيدة..مهربة..مستنسخة *