أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر خدام - الحلقة التاسعة عشرة: حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير إلى الكارثة















المزيد.....


الحلقة التاسعة عشرة: حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير إلى الكارثة


منذر خدام

الحوار المتمدن-العدد: 6397 - 2019 / 11 / 2 - 23:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الفصل السادس
مواقف وسلوكيات للمعارضة أفادت النظام
9-قراءة في بيان مؤتمر جنيف للمعارضة السورية.
صدر عن "المؤتمر الدولي السوري من أجل سورية ديمقراطية ودولة مدنية" الذي انعقد في جنيف على مدى يومي الاثنين والثلاثاء الواقعين بتاريخ 28 و29/1/2013 بيانا يكثف في ديباجته ما توافق عليه المؤتمرون( الملحق4). من حيث المبدأ يعد البيان جيداً لكنه أقل بكثير مما كان متوقعا أو ما كان مأمولاً، خصوصاً وإن السقف السياسي الذي يتحرك تحته أغلب الحضور أعلى بكثير مما ورد في البيان. إضافة إلى ذلك فقد افتقدت ديباجة البيان إلى الدقة في كثير من المواضع وغابت عنه مسائل أساسية ومبدئية لا تكون هزيمة الدكتاتورية والانتقال إلى الديمقراطية بدونها. وحتى لا يكون كلامنا عاما يفتقر إلى التحديد نود تسجيل الملاحظات الآتية على البيان.
1-غابت عن البيان مبادئ أساسية مثل ضرورة وقف العنف، وإطلاق سراح المعتقلين وهم بعشرات الآلاف، وكذلك تامين عودة اللاجئين وهي مبادئ تضمنتها كل المبادرات المحلية والعربية والدولية السابقة. بدون تحقيق ذلك سوف تكون المعارضة في وضعية أخلاقية وسياسية غير ملائمة ولن يصدقها شعبها الذي تدعي تمثيله. إن الحديث عن إيقاف " متزامن للعنف" في البند(1) أو عن عودة اللاجئين في البند(4) لا يكفي أبدا بل يقلل من أهميتها. ينبغي أن يشار إليها كمبادئ أساسية تسبق أية عملية سياسية أو على الأقل تواكبها، لا أن تترك كنتيجة لها يستخدمها النظام كأوراق تفاوضية.
2-لابد أيضا من إلغاء جميع القوانين الاستثنائية التي تجرم المعارضة، وإصدار عفو عام عن جميع المطلوبين من السلطة والسماح بعودتهم إلى البلاد، والسماح أيضاً بالعمل السياسي الحزبي ريثما يتم تنظيم ذلك بقانون. إن ما أعلنته السلطة من حصانة قضائية لمن سوف يشارك بالحوار لا يكفي، بل هو يجرم من تعطى لهم هذه الحصانة مسبقاً.
3-لم يتحدث البيان عن مرحلة انتقالية وعن رؤية المؤتمرين لطبيعة هذه المرحلة ومدتها وماذا ينبغي انجازه خلالها.
4-إن تبني المؤتمر لبيان جنيف الذي يعمل على أساسه الأخضر الإبراهيمي أمر جيد، لكن كان ينبغي تقديم تفسير له، وان يقترح هذا التفسير لكي يتبناه مؤتمر جنيف 2 الذي يطالب المؤتمرون بعقده.
5-بدون ما سبق ذكره في البنود الأربعة السابقة تصير العملية السياسية التي دعا إليها المؤتمرون مجرد علاقات عامة تستطيع السلطة أن تماطل فيها إلى ما نهاية، وكان من الأفضل المطالبة بمؤتمر دولي يعقد في دمشق أو في القاهرة تحت رعاية مجلس الأمن وجامعة الدول العربية تجري فيه المفاوضات بين المعارضة والسلطة بحيث تضمن الجهات الراعية تنفيذ ما يتم التوافق عليه، كما طالب به المؤتمر الوطني لإنقاذ سورية.
6-ثم عن أية انتخابات يجري الحديث في ظل هيمنة السلطة وأجهزتها على الدولة والمؤسسات والمجتمع، حتى ولو كانت مراقبة دولياً. لا بد أولا من تحقيق فصل تام لحزب البعث عن الدولة وكذلك لا بد من تحرير المجتمع بما فيه من نقابات وهيئات ومنظمات المجتمع
المدني والأهلي من هيمنة أجهزة الأمن.
7-غاب عن البيان أية إشارة إلى المصالحة الوطنية والأسس التي ينبغي أن تبنى عليها. لن يكون مقبولا عدم مساءلة من تسبب بكل هذا القتل والتدمير وكأن شيئا لم يكن، وعفا الله عما حصل. من المهم تثبيت مبدأ العدالة كأساس لأية مصالحة ضرورية في المستقبل.
8-لم يذكر البيان أي شيء عن وضع و دور المعارضة المسلحة في العملية السياسية التي يدعو لها المؤتمر.
9-قد يكون مفهوما ترك مسائل كثيرة تفصيلية لعملية التفاوض، لكن هناك مسائل مبدئية لا يمكن الدخول في أية مفاوضات محتملة بدونها. لذلك أجد نفسي منحازا لرؤية هيئة التنسيق التي سلمت للأخضر الإبراهيمي، وكذلك للبيان الختامي الذي صدر عن المؤتمر الوطني لإنقاذ سورية الذي عقد في دمشق في 23 أيلول 2012(64).
10-"ابن العم" يعترف!!
اتيح لي ان اجاور السيد رياض الترك لمدة خمس عشر يوما في زنزانته في الجناح الشرقي من قبو فرع التحقيق العسكري، التي أمضى فيها ما يناهز ثمانية عشر سنة. ففي شهر تشرين الثاني من عام 1982 تم نقلي كنوع من العقوبة من المهجع الثاني الى الزنزانة 49 في الجناح الشرقي من القبو ذاته. لم اكن اعلم في حينه من هو النزيل المجاور في الزنزانة رقم 50، الذي يناديه عناصر الخدمة بـ "أبو طشت"، ومن دواعي الفضول استعلمت عنه الممرض الذي كان يأتي لمعالجة جروحي، فقال: رياض الترك. لقد استغربت في حينه هذا الاسم الذي ينادونه به، في حين كان ينادى كل موقوف برقم يمنح له كبديل عن اسمه الحقيقي بمجرد دخوله أقبية فروع الأمن السوري طيلة فترة التحقيق معه.
واتيح لي مرة أخرى وأنا عائد من غرفة التحقيق ان ألتقي به في الممر وهو ذاهب إلى المغاسل حاملا طشته، استغليت الفرصة المتاحة لثواني وبادلته التحية وسألني عن تهمتي السياسي، ومن هم الضباط نزلاء الزنزانة 52 الذين سمعني أتحدث معهم، فأجبته بانهم رفاقي من البعث الديمقراطي. هز رأسه كنوع من الاستنكار، ومضى إلى المغاسل وانا تابعت سيري إلى زنزانتي وصوت العنصر يلاحقني يا 136 ادخل ورد الباب وراءك. بعد ذلك صرت أتبادل الأحاديث معه يوميا كلما سمح الظرف بذلك من وراء باب الزنزانة، ونقلت له بناء على اسئلته صورة عما يجري في الخارج من حملات اعتقال شاملة لكل معارض للنظام في ذلك الوقت، وخصوصا من الاخوان المسلمين.
إذا " أبو طشت" هو الاسم الذي كان عناصر الخدمة في فرع التحقيق العسكري ينادون به السيد رياض الترك "المعارض" الشهير، ويبدو انه اسم مشتق من طشته الذي كان يحمله معه يوميا بعد الغداء إلى المغاسل، حيث يقضي بعض الوقت في الاستحمام وغسل الثياب، كنوع من الميزة الممنوحة له، وذلك بعد أن يكون جميع الموقوفين قد صاروا وراء قضبان زنازينهم او مهاجعهم.
" أبو طشت" أو " ابن العم" أو " مانديلا سورية" هي ألقاب للسيد رياض الترك تبحث عن قيمة لها، فهو بالتأكيد اكبر من ان ينادى بأبي طشت، كما كان يفعل عناصر الخدمة في فرع التحقيق العسكري، لكنه لا يستحق أبدا أن ينادى بمانديلا سورية، احتراما له، وتجنبا للإساءة للمناضل مانديلا، فبينهما تفصل بحور شاسعه من اختلاف القيمة، فقديما قالت العرب "من مدحك بما ليس فيك فقد زمك". وحتى لقب " ابن العم" الذي يبدو حياديا للوهلة الأولى، فهو لا يخلو من رمزية أسطورية كمانديلا، من خلال دلالته على الشعبوية والتحبب. يبدو لي أن استسهال منح الألقاب لمن يستحقها، اولا يستحقها، في الغالب الأعم، جزء من ثقافتنا نحن العرب وهم غالبا من يمنحونها لأنفسهم، او يساهمون بذلك من خلال تقبلها. وعلى كل حال ما يهمني في هذا المقال ليست ألقاب السيد رياض الترك بل مناقشة أرائه السياسية ودوره في مسار "المعارضة" السورية، منتهزا فرصة هروبه إلى خارج سورية، ومن خلال أجوبته عن أسئلة الصحفي علي الأتاسي المنشورة في القدس العربي بتاريخ2/9/2018(65).
وكما لا يليق بـ "بابن العم مانديلا سورية " رياض الترك( رحم الله الرئيس نور الدين الأتاسي ورفاقه...) إلا الأفعال الاسطورية، فقد كان من الطبيعي أن يجعل من هروبه من سورية قصة اسطورية. ففي جوابه عن سؤال الصحفي علي الأتاسي" بعد أن أمضيت عشر سنوات في العمل السري، متخفيا في مدينة دمشق، قررت أن تغادر سوريا، ورفاقك في الداخل، وأن تلتحق بعائلتك في فرنسا...، هل انتابك أي نوع من أنواع الخوف عندما قررت المغادرة والعبور في اتجاه الأراضي التركية؟ وكم يوماً أخذت منك هذه الرحلة؟ وما هي المصاعب التي تعرضت لها؟
يجيب السيد رياض "عندما قررت المغادرة، لم يكن لديّ أي خوف من الاعتقال" وعلينا أن نصدقه فهو لا يخاف فالخوف من طبيعة البشر، وليس من طبيعة الرجل الأسطورة، لكن علينا ان نصدق أكثر "الاحتياطات" التي اتخذها، فهي أقرب إلى العقل والمنطق. لكن الغريب في هذه الرحلة التي استغرقت ثلاثة أيام من دمشق إلى السلمية إلى حلب إلى باب الهوى ، انها عبرت حواجز النظام وما اكثرها، مستخدما الرشوة؟، وهم يرتشون فعلا، لكن أن تشمل احتياطات السيد رياض مروره ومرافقوه دون تفييش ولا على حاجز واحد فهذا امر مستغرب. والأغرب في هذه الرواية هو العودة من حلب إلى قلعة المرقب (يقصد قلعة المضيق) في سهل الغاب شمال حماه، ومنها الدخول إلى منطقة سيطرة جبهة النصرة، في حين كان بإمكانه أن يدخل منطقتها مباشرة من السلمية او من حماة، إلا أذا كان، اللهم، قد أراد الاطلاع على اوضاع حلب تحت الاحتلالين الروسي والإيراني؟!!، وبطبيعة الحال لا يذكر شيئا عن كيفية استقبالهم له وهل فيشته حواجزهم؟!!. آسف، سؤال خاطئ، ولما يفيشونه؟ فهم من اهل البيت ثوارا؟!!. ألم يكن طريق دمشق درعا حيث يسيطر الجيش الحر، ومن ثم الأردن أقرب، وأسهل، وأقل مخاطرة من كل هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر( التي زللها تقديم الرشوة لحواجز النظام؟!!)، أم هي متطلبات الأسطورة؟!!( بالمناسبة انتشرت رواية في بعض الأوساط السياسية والثقافية تفيد بأن رياض الترك غادر سورية مع الخوذ البيضاء من درعا إلى إسرائيل إلى الأردن، أجد صعوبة بتصديقها)
وفي جواب السيد رياض عن سؤال الصحفي عن أسباب خروجه من سورية، علما انه كان قد قرر سابقا بإصرار البقاء فيها، قال السيد رياض:" خروجي كان لسببين: الأول إرضاء لابنتيّ خزامى ونسرين.." وهذا حق العائلة عليه لا ينازع، " فقد كانت لدى كل منهما رغبة شديدة بالتئام شمل العائلة بعد كل هذه السنين". بالطبع السيد رياض كنوع من الحذر لم يتحدث بذلك أمام رفاقه " مخافة أن يُفهم على أنه انسحاب"، هذا مع أنهم للأمانة كانوا يشجعونه على الخروج بحسب رأيه.
العامل الثاني؛ يجيب السيد رياض " كان شعور(ه) الذاتي بأن دور(ه) في الحزب، وفي الداخل بدأ يضعف.." ، ففي الفترة الأخيرة صار أداؤه ضعيفا، بحسب قوله، وشعر بأنه لم يعد مفيدا لرفاقه في الداخل، وهم كمشة بالعدد كبقية أحزاب اليسار، إذا صح نسبه إلى اليسار بعد اللبرلة التي أجراها على حزبه. ياليت كان ذلك صحيحا منذ خروجه من السجن لكان قد وفر على الحركة الوطنية السورية بصورة عامة، وعلى حزبه بصورة خاصة، مزيدا من التشرذم والانقسام وحافظ على قيمة معنوية كبيرة. والأخطر في نشاط السيد رياض الترك، خصوصا خلال الأزمة الراهنة، تحالفه مع الاخوان المسلمين، والتسبب في حرف انتفاضة الشعب السوري عن مسارها السلمي المطلبي، وفي النهاية التسبب في هزيمتها التامة الناجزة. للإنصاف كان دوره وحزبه، بل وكل القوى اليسارية السورية دورا هامشيا في حراك الشعب السوري، لكنه هو الوحيد مع حزبه قبلا أن يشكلا غطاء وطنيا للإخوان المسلمين، وللحركات الجهادية الارهابية المختلفة والدفاع عنها. كان من واجب السيد الترك أن يعلن هزيمته، ويخرج من الحياة السياسية، كنوع من تحمل المسؤولية تجاه ما تسبب به حلفاؤه الجهاديون للشعب السوري من مآس ولسورية من دمار، حتى فقد السوريون ليس فقط "حقهم بالحياة" بل "حقهم بالمقابر" على حد قوله. لكن "الأسطورة" (مانديلا سورية) أو (ابن العم ) أو (أبو طشت )، لا فرق بين هذه الألقاب يأبى إلا الحلم بالعودة، مع أنه خرج من بحر سورية السياسي سمكة سياسية ميتة، فهو مستعد للمخاطرة وسلوك " الطريق ذاته رجوعا.... بشكل سري إلى الداخل".
وفي جواب السيد رياض الترك عن سؤال الصحفي فيما إذا كان هناك من شيء يندم عليه "على المستوى السياسي، وعلى المستوى الشخصي، والعائلي، خلال هذه السنوات السبع الماضية؟" قال: " من الزاوية السياسية، كنا نتحدث بحتمية انتصار الثورة، وربما لم ندرك إلى أي حد كانت هناك ممانعة إقليمية ودولية للتغيير في سوريا وفي المنطقة". لقد قارب السيد الترك في جوابه ما هو ثانوي في عدم انتصار ثورته، التي فقدت إمكانية ان تكون ثورة فعلا منذ تخليها عن سلميتها بفضل حلفائه من الاخوان المسلمين والجهاديين الارهابيين الذين قدموا إلى سورية من كل حدب وصوب كنوع من التضامن الأممي الاسلامي؟!. أما الأسباب الحقيقية لفشل " الثورة" فهي من جهة؛ تكمن في قصور فهم طبيعة النظام، وعناصر القوة والضعف لديه، وجدية وقوة المصالح الاقليمية والدولية التي يمثلها، ومن جهة ثانية في عسكرة وأسلمة انتفاضة السوريين. هذه هي الأسباب الحقيقية لفشل انتفاضة بعض السوريين التي على السيد الترك وحلفائه إدراكها، علما ان ذلك لن يغير من الواقع شيئا، بل ربما تدفعه وحلفاؤه للاعتراف بمسؤوليتهم عن هذا الفشل، وهذا لن يحصل بالتأكيد، فالمنطق التبريري هو جزء من ثقافتنا. لذلك -كما اجزم_ لن تفيده، وحلفائه الاسلاميين من كل لون أية "مراجعة معمقة"، ولا إعادة النظر في كثير من " المسلمات" حتى ولو جددوا "أفكارهم وقواهم وعلاقاتهم"، الذي يفيد حقا هو تحمل المسؤولية بكل جرأة والخروج من الحياة السياسية، فالهزيمة تاريخية بكل معنى الكلمة، وليس مجرد خسارة "معركة" من معاركها.
يعترف السيد الترك بأن" الأسس التي بنيت عليها سياسات ورهانات وتحالفات المجلس الوطني ومن بعده الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية فشلت هي الأخرى في تحقيق أهدافها في التغيير
الوطني الديمقراطي؟"، ويطالب بوقفة " نقدية جادة"، بدلا من تحمل المسؤولية عن هذا الفشل. لا اعتقد بأن يقبل الشعب السوري بعد اليوم يقبل بان يكون فئران تجارب، مرة تجربه في التغيير الديمقراطي فتفشل، ومرة أخرى تجربه في اسقاط النظام، فتسببت في سقوط الشعب والبلد، واليوم يريد السيد الترك تجريبه في طرد الاحتلال الأجنبي من بلده على طريقته وطريقة حلفائه الفاشلة مسبقاً. الشعب السوري بكل تأكيد سينجح في إنجاز جميع هذه المهام من خلال عملية تاريخية سلمية ومتدرجة، صعب عليه، في استسهال صبياني المحافظة على التمسك بها كما كانت تطرحها الحركة الوطنية السورية عموما خصوصا في التجمع الوطني الديمقراطي وفي اعلان دمشق بعده.
يقول السيد الترك إن " الخلل الرئيسي والحلقة المفصلية اليوم هي الاحتلال وضرورة النضال في سبيل إنهائه" مزيحا قضية اسقاط النظام من دائرة مهامه الرئيسة، ببساطة لأنه قد سقط بحسب الترك، وهو ينتظر المحاكمة والمحاسبة. بلا شك صارت سورية بفضل ثوار السيد رياض بداية، وبفضل النظام تاليا تخضع لهيمنة دول أجنبية عديدة، وإذا كان النظام قد شارف على تحقيق انتصاره على ثواره، فهو بمعنى معين سوف يلحق الهزيمة بحلفائه الدوليين، وليس لدي من شك ان الشعب السوري سوف يتولى انجاز الجانب الأخر من المهمة وهي التحرر من هيمنة كل القوى الأجنبية .
ثم كيف لشعبنا ان يصدق ان الترك جاد في طرح قضية الاحتلالات لسورية كقضية مركزية وهو الشهير بمقولة "الصفر الاستعماري"، في تبريره غزو امريكا للعراق في عام 2003، وأصوات رفاقه والناطقين باسمه لا يزال يتردد صداها " نريد سلاحا... نريد تدخلا خارجيا... نريد قصف الجيش السوري...". الترك لم يخطئ في بعض التفاصيل لكي يندم عليها، بل أخطأ في المحطات التاريخية الكبرى. فهو خرج من عباءة السوفييت ليرتمي في عباءة امريكا، بل في عباءة أذنابها من دول الخليج وتركيا، قاوم خالد بكداش فصار مثله، قاوم الدكتاتورية فصار في حزبه دكتاتورا، ساهم في تشكيل التجمع الوطني الديمقراطي ومن بعده اعلان دمشق فكان اول من رمى وثائقهما السياسية في سلة المهملات، ساهم في "الثورة" فقادها مع حلفائه الاخوان المسلمين والجهاديين من كل لون إلى الهزيمة بعد تدمير البلد وتمزيق وحدة الشعب السوري. مسيرة سياسية هذه هي نتائجها كان من الطبيعي أن يسخره حلفاؤه الاخوان المسلمون بسهولة لخدمة أغراضهم، ولا يستطيع أن يبرر ذلك بالقول انهم خدعوه ورفاقه عند تشكيل المجلس الوطني او الائتلاف بعده، فهو بكل وعي وتصميم قبل بذلك وعمل عليه منذ لقاء الدوحة الأول بين هيئة التنسيق الوطنية واعلان دمشق والاخوان المسلمين وما نتج عنه من تفاهم لتشكيل المجلس واعلانه من دمشق. فبينما كانت هيئة التنسيق تحضر لمؤتمرها الأول في حلبون بجوار دمشق الذي نجحت في عقده في شهر حزيران من عام 2011، كان السيد رياض وحلفائه من الاخوان المسلمين يحضرون لتشكيل المجلس الوطني في استنبول ونجحوا في ذلك بدعم قطري – تركي.
يسهل اليوم على السيد رياض الترك تحميل المسؤولية عن فشل سياساته إلى حلفائه، من الاخوان المسلمين، وليس لدي من شك بأنهم سوف يردون عليه كاشفين مزيدا من أسرار تحالفهما غير المقدس، بل الشيطاني، ومنها بصورة خاصة سياسة " استسهال مقولة الدفاع عن النفس " مما سمح لكثيرين التقدم إلى " الساحة تحت مسميات اسلامية، وتمت شيئا فشيئا عسكرة الثورة ومن ثم أسلمتها لصالح العديد من الدول الاقليمية الراعية للتنظيمات الاسلامية المسلحة، وهذا بدوره أدى في النهاية إلى الانحراف عن توجهات الثورة الأساسية وإلى نوع من الوصاية الدولية على مؤسسات المعارضة". يا للعبقرية الفزة، لكنها جاءت متأخرة جداً. من الذي تخلى عن شعار الحركة الوطنية السورية " التغيير السلمي المتدرج الآمن" الذي جاء في حينه تكثيفا لفهم صحيح لطبيعة النظام وممكنات تغيره عبر اصلاحه المتدرج، بمجرد أن بدأت تظهر في الشارع حركات تمرد، لصالح شعار اسقاط النظام بالقوة، حتى ولو تطلب الأمر الاستعانة بالأجنبي الذي يعده اليوم خطأ،( وأي خطأ؟!!)، علما كان من منظري التدخل الخارجي لإسقاط النظام، وكان ذلك سياسة لحزبه وحلفائه من الاخوان المسلمين طيلة سنوات الأزمة السورية. واليوم يحمل الترك القسط الأكبر من المسؤولية لتيار الاسلام السياسي، فهو بحسب رأيه من " الأسباب الرئيسة التي أدت إلى الفشل" ويدعو إلى "نقده والاشتباك معه سياسيا وأيديولوجيا" لكن بحدود ان لا يؤدي ذلك إلى " إقصائه من الحياة السياسية او التشكيك بتمثله لشرائح مهمة من مجتمعنا". بالطبع من حق السيد رياض ورفاقه وحلفائه نقد سياساتهم السابقة بل من و اجبهم، لكن لا اعتقد أنه باستطاعتهم بعد اليوم خداع الشعب السوري واستخدامه كفئران تجارب. اللعبة انتهت وشرف لهم الصمت إن أحسنوه، لكنهم لن يحسنوه، فمن ساهم في قتل شعبه، وتدمير بلده، لا يستطيع شرف العالم كله تغطيت عاره.
وفي نظرته الثاقبة الاستشرافية لأولويات " العمل المعارض السوري في ظل الظروف الراهنة" يرى السيد الترك ضرورة العمل على عودة " الناس من جديد إلى داخل سورية"، فهم يجب أن يعودوا لملء الفراغ، لكن ليس " لأحضان الروس والنظام "، ونسي، على ما يبدو، ان يذكر احضان الايرانيين. كيف للسوريين أن يعودوا إلى الداخل للنضال ضد النظام والروس لكن من خارج "احضان الروس والنظام"؟!!. وهو بالتأكيد لا يقصد عودتهم إلى منطقة سيطرة قوات سورية الديمقراطية، لأنها "قوات ارهابية" بحسب رأي مجلسه الوطني وائتلافه. وربما يقصد عودتهم إلى مناطق سيطرة حلفائه جبهة النصرة وأخواتها، لكن لدي ثقة كبيرة بانه لن يلحق، بل عليه أن يستعد وحلفائه المحليين والدوليين لاستقبال مزيد منهم خارج سورية.
السيد الترك، في جوابه على أحد اسئلة الصحفي علي الأتاسي يرفض الدعوة إلى " تسوية مع النظام"، وذلك ببساطة لأنه على قناعة بأنه لم " يعد هناك في سورية شيء اسمه نظام بشار الأسد، او نظام آل الأسد"، ويعد ذلك مجرد "وهم في رؤوس البعض"، وهو بذلك يظهر حالة متقدمة من الخرف السياسي. نظام " الأسد" للأسف موجود، وهو في حالة تحالف استراتيجي مع روسيا وايران، وليس مجرد "دمية"، وبوجوده المميز هذا يصير النضال لتغييره مجديا في سياق عملية تاريخية عمل الترك ورفاقه وحلفائه على استعجالها فاستعجلوا دمار البلد والشعب ودمارهم أنفسهم. وإذا صح قوله ان النظام صار "دمية"، فما هو حال معارضة الخارج، في المجلس الوطني، وفي الائتلاف من بعده، وحتى في هيئة التفاوض؟ فهي منذ البداية كانت مجرد أدوات لتنفيذ أجندات خارجية في سورية لا مصلحة للسوريين فيها، لقد كانت ببساطة مجرد عميلة مكشوفة.
يقول السيد الترك " الثورة منتصرة ولو هزمت" فنحن بحسب رأيه " خسرنا جولة من جولات الصراع ولم نخسر المعركة"، وهو بذلك يعيد تذكيرنا بالخطاب العربي الرسمي تجاه الصراع مع اسرائيل، وكان هذا النوع من الخطاب جزء تكويني من ثقافتنا، فنحن لا ننهزم في المعارك بل في جولاتها؟!. وللإنصاف فإن السيد الترك نظر إلى احجيته عن "خسارة الجولة وليس المعركة"، من زاوية " عمق التحولات الاجتماعية التي تجري في منطقتنا"، وهو بذلك أيضا خانته الرؤية، إلا أذا كان الارتداد إلى البنى الأهلية ما قبل الوطنية يعد تحولا اجتماعيا عميقا، وهو كذلك حقا، إنما بالسالب. في العراق مثلا بل وفي ليبيا وفي اليمن كان في كل منها يوجد دكتاتورا واحدا كبيرا فصار لدينا العشرات الصغار من طينته يتصارعون على النفوذ والمجال الحيوي الأهلي دون أخذ بالحسان لما هو وطني جامع وكلي. للأسف ما كان يسمى ربيعا عربيا في تضليل مقصود لم يكن سوى مجرد كارثة عربية مكتملة الأبعاد. هل يعني ذلك أن التاريخ يقف هنا ليرعى ارتداداته نحو الأهلي والتقسيمي، وبالتالي لا يمكن تغيير اتجاهه؟ لا اعتقد بذلك وسوف تأتي اجيال تقرأ التاريخ وتستشرفه بصورة صحيحة، لكن بعيدا عن " الماركات السياسية" المسجلة. ليس لدي من شك بأن السوريين، والعرب بصورة عامة، سوف يتجاوزون ارتدادات التاريخ في لحظاته الراهنة، ليدخلوا في العصر فاعلين ومؤثرين. مفتاح القضية ببساطة يتمثل في دحر الاستبداد من خلال النضال السلمي المتدرج والآمن، وليس من خلال العنف والارهاب، فإرادة التغيير لن تموت لدى شعبنا.
لا تخرج أجوبة السيد رياض الترك عن أسئلة الصحفي السيد علي الأتاسي المتعلقة بالدور الأمريكي والاسرائيلي في سورية عن السياق العام لأجوبته، فهي جاءت خاطئة رغم محاولته تغليفها بشيء من العقلانية والرصانة. فالسيد الترك وشركائه انتقدوا إدارة اوباما لأنها رفضت التدخل العسكري لإسقاط النظام، كما كان وحلفائه يطالبون به مرارا، وليس لأنها لم تكن " قادرة ولا راغبة في القبول بنتائج صناديق الانتخاب ..". بلا شك أمريكا في كل اداراتها قد لا تكون مع الديمقراطية القائمة على مبدأ "المواطنة"، لكنها لن تكون ضد، بل تشجع الديمقراطية القائمة على أساس "المكونات" كما هو واقع الحال في لبنان وفي العراق، وكانت السيدة كلينتون وزيرة خارجة أمريكا في ادارة اوباما واضحة في تصريحاتها على هامش مؤتمر المعارضة الذي عقد في تونس وحشدت له امريكا اكثر من مائة دولة لتغطيته كنوع من الاعتراف بها. ثم أليست امريكا صاحبة نظرية الفوضى "الخلاقة"، التي طرحتها إدارة بوش الابن ونفذتها إدارة أوباما بإبداع. إن قضية التغيير الديمقراطي في بلداننا العربية لم تكن يوما قضية أمريكية، كما صار يطرح اليسار السوري المتلبرل بعد غزو امريكا للعراق، وفي مقدمته جماعة رياض الترك، وصار سياسته الرسمية المعلنة خلال الأزمة السورية، إنها بالأحرى قضية الشعوب العربية وقواها الوطنية الديمقراطية الحقيقية.
وحتى يصير لدى السيد رياض الترك " أجوبة مرضية " على حواره مع السيدة فداء حوراني، سوف اتوقف عن متابعة حديثه مع الصحفي على الأتاسي، فهو لا يخرج عن السياق العام لروح الوعظ والارشاد والتعليم، لكن بلا قيمة نقدية حقيقية . سوف يبقى السيد رياض الترك في الذاكرة المجتمعية لعقود طويلة كواحد ممن ساهم في القضاء على حلم السوريين بالتغيير، وقيادتهم إلى الكارثة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
64-البيان الختامي للمؤتمر الوطني لانقاذ سورية،www.carnegie-mec.org تاريخ الدخول 2/11/2018
65-القدس العربي،2/9/2019 http://www.alquds.co.uk انظر صفحة علي الأتاسي https://ar-ar-facebook.com



#منذر_خدام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقطة نظام
- الحلقة الثامنة عشرة: حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير إلى ...
- الحلقة السابعة عشرة: حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير إلى ...
- الحلقة السادسة عشرة: حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير إلى ...
- الحلقة الخامسة عشرة: حراك الشعب السوري من الحلم بالتغيير إلى ...
- الحلقة الرابعة عشرة: حراك الشعب السوري من الحلم بالتغيير إلى ...
- الحلقة الثالثة عشرة: حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير إلى ...
- الحلقة الثانية عشرة: حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير إلى ...
- اللجنة الدستورية مخرج لأطراف الأزمة
- الحلقة الحادية عشرة-حراك الشهب السوري من الحلم بالتغيير إلى ...
- الحلقة العاشرة.حراك الشهب السوري من الحلم بالتغيير إلى الكار ...
- الحلقة التاسعة. حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير إلى الكا ...
- الحلقة الثامنة..حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير إلى الكا ...
- الحلقة السابعة..حراك الشعب السوري من الحلم بالتغيير إلى الكا ...
- الحلقة السادسة-حراك الشعب السوري من الحلم بالتغيير إلى ال كا ...
- الحلقة الخامسة-طبيعة النظام السوري وقابليته للاصلاح
- الحلقة الرابعة...حلم التغيير للدولة والسلطة في سورية
- الحلقة الثالثة..حلم التغيير للدولة والسلطة في سورية
- حلم التغيير في الدولة والسلطة في سورية
- نحن العرب قوم نجيد الانحطاط


المزيد.....




- مدير CIA يعلق على رفض -حماس- لمقترح اتفاق وقف إطلاق النار
- تراجع إيرادات قناة السويس بنسبة 60 %
- بايدن يتابع مسلسل زلات لسانه.. -لأن هذه هي أمريكا-!
- السفير الروسي ورئيس مجلس النواب الليبي يبحثان آخر المستجدات ...
- سي إن إن: تشاد تهدد واشنطن بفسخ الاتفاقية العسكرية معها
- سوريا تتحسب لرد إسرائيلي على أراضيها
- صحيفة: ضغط أمريكي على نتنياهو لقبول إقامة دولة فلسطينية مقاب ...
- استخباراتي أمريكي سابق: ستولتنبرغ ينافق بزعمه أن روسيا تشكل ...
- تصوير جوي يظهر اجتياح الفيضانات مقاطعة كورغان الروسية
- بعد الاتحاد الأوروبي.. عقوبات أمريكية بريطانية على إيران بسب ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر خدام - الحلقة التاسعة عشرة: حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير إلى الكارثة