أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - حسين سالم مرجين - مراجعة كتاب: ليبيا التي رأيت، ليبيا التي أرى: محنة بلد-















المزيد.....



مراجعة كتاب: ليبيا التي رأيت، ليبيا التي أرى: محنة بلد-


حسين سالم مرجين
(Hussein Salem Mrgin)


الحوار المتمدن-العدد: 6397 - 2019 / 11 / 2 - 21:42
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


مراجعة كتاب: ليبيا التي رأيت، ليبيا التي أرى: محنة بلد"
صدر عن دار المتوسطية بتونس سنة (2017) كتاب جديد للدكتور المنصف ونّاس، بعنوان:" ليبيا التي رأيت، ليبيا التي أرى: محنة بلد “. ويقع الكتاب في (351) صفحة، من الحجم المتوسط، والدكتور ونّاس هو أستاذ علم الاجتماع بجامعة تونس، يترأس حاليًا مركز الدراسات والبحوث الاقتصاديّة والاجتماعيّة (السيراس)، ويعد من المختصين بالشأن الليبي، له عدة كتب عن ليبيا منها: السلطة والمجتمع والجمعيات في ليبيا صدر في سنة 2000، وكتاب تاريخ فزان المجهول صدر سنة 2012، وكتاب الشخصية الليبية بين ثالوث القبيلة والغنيمة والغلبة صدر سنة 2014.
وكتاب " ليبيا التي رأيت، ليبيا التي أرى: محنة بلد" يأتي في إطار البحث والكشف عن الأزمة الليبية ما بعد فبراير 2011م، والبحث عن المسارات المستقبلية من خلال اهتمامات الكاتب بالمجتمع الليبي.
والهدف من هذه القراءة التعريف ومناقشة الكتاب، وليس الاحراج أو التشهير، فمن حقنا مناقشة ومراجعة آراء الكاتب، مثلما من حق الكاتب أن يقول أو يُعبر عن رأيه.
يسعى الدكتور المنصف ونّاس من كتابه المذكور تأكيد إن الأزمة الليبية باقية طالما بقيت الأسباب التي أدت إليها، فهو يُحاول أن يكون مدققًا ومحققًا يتقصى الأسباب، ويتعرف على دواعيها عبر سبر غوارها وصولًا إلى الحقائق، ومن ثم يطرح المعالجات المطلوبة، ويعد الكاتب من ضمن طراز معين من البحاث الذين يمتلكون روح المغامرة البحثية.
سألني في شتاء 2019 هل قرأت كتابي الجديد، فقلت له إنك لم تعطني نسخة منه، وفي اليوم التالي جاءني وأهداني كتابه، وطلب مني قراءته وتقييمه، ولقد شعرت بنوع من القلق ينتابه من نقد بعض الأساتذة والبحاث الليبيين اتجاه كتاباته عن ليبيا، والتي قد تخرج في بعض الأحيان عن سياقها الأكاديمي والأخلاقي المتعارف عليه، فتصبح من النقد الأفكار إلى التجريح الشخصي، لقد شعرت وأنا أقرأ الكتاب بأن الدكتور المنصف منحنا سنوات عمره من أجل قضية البحث والكشف عن مشاكلنا التي عجز بعض بحاثنا وأساتذتنا السيوسولوجيين التطرق إليها، في الحقيقة استمتعت كثيرًا بقراءة هذا الكتاب المهم.
وبناءً على نصيحة الدكتور عقيل محمد البربار الذي نصحني بأن تتم عملية قراءة هذا الكتاب من خلال تدوين بعض الملاحظات والاستنتاجات، والتي لا تقلل من أهمية وقيمة الكتاب، إنما بذلك نؤكد ما طرحه الكاتب في كتابه – القيم - بأنه لا توجد قراءات حاسمة ونهائية في العلوم الاجتماعية والإنسانية، فهي خاضعة دائما للمراجعة والتطوير، لكنها قراءات قد تكون صحيحة ولكنها قد تكون غير صحيحة في مستوى الفهم، أو كما يقول الأمام الشافعي "رأيي صواب يَحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب.
قبل الولوج إلى رصد بعض الملاحظات والاستنتاجات أود توضيح للقارئ منهجية المتبعة في هذه القراءة، وهي:
• توضيح أهم الأفكار والمقولات التي طرحها الكاتب،
• تحديد مواطن الاتفاق والاختلاف،
• تدوين بعض الملاحظات والاستنتاجات.
يقدم هذا العمل قراءةً للحالة الليبية من خلال تشخيص الأزمة الليبية للوصول إلى صياغة رؤية استشرافية انطلاقًا من البحث عن إجابة السؤالين التاليين:
1. كيف يمكن أن نقطع علميًا مع القراءة الأزموية لمرحلة ما بعد فبراير 2011م، وأن نجعل منها منطلقًا لمرحلة مؤسسة جديدة؟
2. هل يملك المجتمع الليبي موارد تاريخية واجتماعية وسياسية واقتصادية وقيمية كافية لإعادة البناء ومغادرة حالة الإخفاق؟
وتم تقسيم محتويات الكتاب إلى فصلين، حيث احتوى كل فصل على جزئيين؛ فجاء الفصل الأول في حوالي (190) صفحة، في حين جاء الفصل الثاني في حوالي (146) صفحة.
1. الفصل الأول: تناول جذور الأزمة والإخفاق والعنف في المجتمع الليبي
2. الفصل الثاني: تناول المدنية الليبية الجديدة: شروطها ومتطلباتها وكيفيات إعادة البناء.
• اعتمد الكاتب على منهجية الانتروبولوجيا المروية، وعلى الملاحظة السوسيولوجية، والمقابلات المعمقة مع عدد من الليبيين، وحصوله على معلومات ووثائق، فمكتبته الخاصة - حسبما يُبين الكاتب - تحتوي على حوالي 2000 كتاب متخصص في الشؤون الليبية، وأكثر من ثلاثة آلاف وثيقة عن المجتمع الليبي.
• افتتح الكاتب بتوطئة أوضح فيها بأن الأزمة الليبية بحاجة إلى إعمال العقل، وكأنه يريد أن يقول لنا بأن التصرف بدون تفكير هو سبب الفشل، وبيّن أيضًا الحاجة إلى إرادة (العزم)، والتي تعني تجاوز منطق وعقلية الغالب والمغلوب، أو المنتصر والمهزوم، بغية معاودة الاندماج في المجتمع، وأن إنجاز ذلك بحاجة إلى قوة وطنية مدفوعة بعاطفة حب الوطن، ويستشهد الكاتب في هذا الصدد بمقولة لــ هيغل تقول " لا شيء كبيرًا يمكن أن يُنجز دونما عاطفة كبيرة".
• كما يُبين في التوطئة أيضًا بأن أول زيارة له إلى ليبيا كانت في خريف 1986م، حيث كانت فارقة علميًا وأيديولوجيًا كونها كشفت له مفارقات الواقع الليبي، وتعقيداته، وكشفت له الفجوة الانتروبولوجية العميقة بين الجنة الأرضية التي يبشر بها الإعلام الحكومي في ليبيا آنذاك، وبين المعيش اليومي، إلا أنه لم يُوضح لنا أيّ أمثلة عن تلك المفارقات، سواء مفارقة واحدة والتي أسماها بالصادمة حسب وجهة نظره والمتمثلة في الحذر الرسمي من الباحث كونه تونسيًا، والاحجام عن مده بالمعلومات في حين أنها تتوفر في مراكز بحوث الأمريكية والأوروبية. في الحقيقة وحسب وجهة نظري أن ذلك الاحجام كان جزءاً من السياسات الأمنية للأنظمة العربية كافة، وليست ليبيا ببعيدة عن ذلك، بالتالي الأمر ليس له علاقة بمسألة الجنسية التونسية أو غيرها. وعمومًا يتنقل بنا الكاتب إلى كون ذلك الاحجام الرسمي قابله مساعدة ودعم ومساندة من قبل عدد من الأصدقاء والشخصيات الليبية، والتي ساعدت الكاتب على التنقل إلى جغرافيا ليبيا الشاسعة والتحرك شمالاً وجنوبًا وشرقًا وغربًا، وأن يلتقي أفرادًا فاعلين في المجتمع الليبي، وأن يجري معهم مقابلات، وهذا الأمر قد يضع مسألة الاحجام الرسمي التي ذكرها الكاتب محل مراجعة، ونعلم جمعيًا بأن طبيعية النظام السياسي الأمنية لم ولن تكون بعيدة عن تلك اللقاءات والمقابلات. وأكاد أجزم بأن النظام السياسي كان على علم ودراية مسبقة بتلك المقابلات واللقاءات، ففي الصفحة (23) بين الكاتب بأنه استطاع بناء شبكة من العلاقات مع الباحثين والأساتذة الجامعيين، حيث فتحوا له مكتباتهم، وأمدوه بالمعلومات والوثائق، وقام بزيارة جل المدن الليبية وبلداتها وقراها، ومقابلة (35) من أبرز الشخصيات الليبية السياسية والعلمية والثقافية والاقتصادية، أعتقد بأن كل ذلك يُؤكد فرضية عدم ممانعة النظام السياسي عن مد الكاتب بالمعلومات والوثائق، ونعلم أيضًا بوجود قوائم لعدد من الكتاب والبحاث العرب الممنوعين من الدخول ليبيا ليس الكاتب – والحمد لله – من ضمنهم.
• بداء الكاتب بتقسيم الفصل الأول إلى جزئيين: الجزء الأول: يتحدث عن جذور الأزمة والعنف في صلب المجتمع الليبي، والجزء الثاني: يتناول شراكة في صناعة الأزمة، شراكة الإخفاق
• أوضح الكاتب في الجزء الأول الذي يتناول جذور الأزمة والعنف في صلب المجتمع الليبي بأن النظام السياسي السابق (العسكري) زرع في مفاصل المجتمع الليبي جرعات قوية من العنف السياسي، والمادي، وحتى الرمزي، فساهم ذلك العنف وبشكل رئيس في مراكمة الأحقاد التي شكلت حسب وجهة نظر الكاتب البيئة الحاضنة لانفجار فبراير 2011م. بالرغم من كون هذه النقطة تعد نقطة مهمة وجوهرية؛ إلا أنها لم تحظَ بالكشف والتشخيص والتحليل بشكل أعمق. وحسب اعتقادي بأن ذلك ربما يفضى إلى تفسير شحنات العنف – المخيفة -الموجودة حاليًا في المجتمع الليبي.
• تحت عنوان تجربة الميدان الليبي: التلمسات الأولى والصعوبات أوضح الكاتب في صفحة (22) بوجود مثل شعبي ليبي يقول "تبي تفهم اتدوخ" وهذا يعني حسب وجهة نظره القدرية والقبول بالأمر الواقع من جهة، وحجم الصعوبات من جهة أخرى. حسب معرفتي فأن هذا المثل هو مثل تونسي، ويُردد بعض الليبيين في المنطقة الغربية على وجه الخصوص هذا القول عند العجز عن فهم بعض الأمور، أو كما ذكر الكاتب حجم الصعوبات، فتجد الواحد منهم يقول: التونسي يقول " اتحب تفهم ادوخ".
• ينتقل بنا الكاتب إلى عنوان آخر وهو: ممارسة البحث الانثروبولوجي في مجتمع منغلق: المفارقة الدائمة، ففي الصفحة (25). أتفق مع الكاتب من كون التدخل الخارجي في ليبيا خلال 2011م، أفضى إلى الدمار والفوضى العارمة، فالتدخلات الخارجية حسبما بينه الكاتب تغذي الاختلالات، وتؤدي إلى تدمير توازن المجتمع، فالتدخل الخارجي عّرى اختلالات المجتمع الليبي ونفخ في روح (الجغرافيا الأحقاد) وأيقظها من تحت الرمال، وأحيا تاريخ الضغينة والثأر بين القبائل والجهات والفئات خاصة في الغرب الليبي، في الحقيقة لم يوضح الكاتب ما المقصود بالجهات والفئات؟ كما كنت أتمنى من الكاتب أن يبحث عن مفهوم أفضل لما يسميه بجغرافيا الأحقاد، مثل جغرافيا الثأر، كون كلمة الحقد فيها نوع من الحدة في الكراهية والغل، وتنم عن عدم الانسجام، والتناغم، كما تبرز ربما الحاجة إلى دعم مقولات حول العامل الخارجي إلى أمثلة وشواهد واضحة ومحددة تبين دلالات الدعم الخارجي خلال مرحلة 2011م وما بعدها، لتزيل بعض العتمة المضروبة حول ذلك الدور.
• بين الكاتب تحت نفس العنوان السابق بأن الحلف الأطلسي المتحالف مع بعض الدول العربية وغير العربية أهدر أية فرصة للحل السياسي السلمي للازمة الليبية، لكنه لم يُبين كيف ؟ ولماذا؟ وذكر أيضًا بأنه تعمد تدمير الدولة الليبية لأسباب عديدة، لكنه لم يوضح كيف ولماذا؟ فهناك تساؤلات تطرح نفسها وكانت بحاجة إلى إجابات واضحة ومحددة.
• بعد ذلك ينتقل بنا الكاتب إلى أن الهدف من كل ذلك إفساح المجال أمام المعارضين الوافدين من وراء البحر لنهم الغنائم. أعتقد بان الأمر كان أيضًا بحاجة على تشخيص وتحليل هذه القوى بشكل أوسع وأعمق، خاصة وإن هؤلاء المعارضين الوافدين كان لهم دور جد مهم في بناء سياسات المعمار ما بعد 2011م.
• جاء في الصفحة رقم ( 35) تحت عنوان من أجل المعلومة، إما أن أنتصر وإما أن أنكسر : جهاد الحصول على المعلومة، بين الكاتب بأنه كان سيتعرض لإطلاق النار عندما أراد مقابلة أحد الأشخاص لإجراء حوار معه أثناء عهد النظام السابق، وفي هذا الصدد أود التأكد بأن النظام السياسي السابق قام في نهايات الثمانينات من القرن الماضي بتجميع كل أنواع الأسلحة المرخصة ومنع تداولها بين أفراد المجتمع الليبي كافة، بالتالي أكاد أزعم بأن جل البيوت الليبية كانت تخلو من أية أنواع من الأسلحة النارية، إلا تلك التي قام النظام نفسه بتسليحها، بالتالي مسألة إطلاق النار أمر غير ممارس في ليبيا إبان عهد القذافي، إلا في إطار سلطة النظام السياسي، كما إن شخصية محمد بن ساسي الذي أراد الكاتب إجراء الحوار معه يعد في نظر النظام شخصًا برجوازيًا ومغضوبًا عليه، وتم الاستيلاء على جل ممتلكاته، ومثل هذه الشخصية عمومًا لا تمتلك حتى الأسلحة البيضاء، فما بالك بالأسلحة النارية!.
• يستعرض الكاتب في عنوان مفارقة التفقير المجتمعي: الظاهرة الملتبسة في الصفحة (38)، بأن ظاهرة الفقر هي ظاهرة مقصودة. وفي هذا الصدد كنت أتمنى من الكاتب الحديث مثلاً: عن استمرار خضوع المرتبات الموظفين لقانون 15 لسنة 1981م دون تغيير لمدة ثلاثين سنة، وهذا يعني ببساطة شديدة عدم زيادة المرتبات لمدة ثلاثين سنة، وربما نسميها محنة تعطيل المرتبات.
• ومن ناحية أخرى أحسن الكاتب في تحليله إلى كون أحد أهم مشاكل ليبيا العويصة هي الاعتقاد بامتلاك الفكر الأوحد والحق المطلق، والتي أسماها بمحنة الصوت الواحد، حيث يراها بأنها ورطة وجودية وفلسفية وحياتية، فالحياة حسب وجهة نظر الكاتب أعمق وأعظم من أن تختزل في صوت واحد.
• تحت عنوان فقر الموظفين وتدني أوضاعهم المعيشية، محنة الطبقة الوسطى في ليبيا، في الصفحة رقم (41) يُوضح الكاتب بأن من أهم مشاكل ليبيا هي غياب الشفافية في مجال توزيع الثروة، وخاصة تحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيعية، بالرغم من شعارات الاشتراكية والعدالة الاجتماعية والاقتصاد الجماهيري، وهو الذي شكل وقودًا لانفجار 17 فبراير 2011م. أعتقد الأمر كان بحاجة إلى أمثلة ومؤشرات تُبين وتوضح ذلك، وفي هذا الصدد أود التأكيد بأنه حتى الأفراد الذين يمتلكون أموال كانوا يخافون من إظهار تلك الأموال على معيشتهم سواء في المسكن، أم الملبس، أم السيارات. ويستطرد الكاتب ليؤكد بأن حالات التفقير في ليبيا كانت غير مبررة في ظل موارد مالية هائلة، وهي تبدو مزاجية ومقصودة، وأتفق معه حول هذه النقطة، وهي إن حالات الفقر كانت جلها مقصودة، لكن الأمر كان بحاجة إلى وجود أمثلة وشواهد من الواقع المعاش تؤكد ذلك، وليس مجرد تأمل عميق.
• ويستطرد الكاتب في تحليليه في الصفحة (46) ليوضح بأن انفجار 17 فبراير 2011م، هو محصلة التقاءِ عاملين قاتلين لم ينتبه النظام السياسي إليهما وهما : شعور المجتمع الليبي بغياب العدالة وبالضيم الاقتصادي، والثاني شعور النخبة على محدوديتها بالانغلاق السياسي القاسي الذي لم يكن يوفر لها أية فرصة للتعبير. وفي هذا الصدد أتفق مع الكاتب بأن الشعور الجمعي بغياب العدالة كان أحد الأسباب المهمة في انفجار 17 فبراير 2011م، لكنني اختلف معه في السبب الثاني، حيث أعتقد بأنه لا يوجد في ليبيا مجموعة أو فئة يمكن ان نسميها نخبة، وهي التي تعني تمركز القلة ( من الأفراد) في مواقع القوة ولعب الدور الحاسم في التأثير على مجمل الأحداث لنشاط أم النشاطات أو فعالية من الفعاليات ( سياسية ، اقتصادية ، عسكرية ، ثقافية،...إلخ). أعتقد بأن مفهوم النخبة لم يتم إنتاجه في ليبيا، وهذا يُشكل ربما أعوص مشاكل ليبيا، حرمان المجتمع من تكوين نخب مجتمعية، إنما يوجد بعض الأفراد يمتلكون قدرات متميزة سواء أكانت اقتصادية، أم ثقافية، أم غير ذلك، لكنهم غير مؤثرين في الحياة السياسية، كما أنهم لا يريدون أو يرغبون في المشاركة السياسية، لكنهم نتيجة لمعرفتهم بممارسات النظام السياسي أصبح لديهم شعور بالخوف وعدم الاطمئنان جانب السلطة على تلك الإمكانات الاقتصادية، أو الثقافية، أو غير ذلك، وأنهم سيكونون معرضون الاضطهاد أو السجن أو الاعتقال في أيّ لحظة لا محال من ذلك، فبدء لهم 17 فبراير فرصة لن تتكرر للقضاء على ذلك الخوف وعدم الاطمئنان، فالمسألة حسب اعتقادي ليس لها علاقة بمسألة الانغلاق السياسي، إنما في كيفية الحفاظ على الإمكانات والقدرات.
• يستعرض الكاتب في الصفحات (46- 47) ما أسماه بنظرية الضيم التعاضد أو المتشارك، وهو حسب وجهة نظره ضيم مركب ومتعدد الأبعاد يجمع بين الاقتصادي والاجتماعي من جهة، والسياسي من جهة أخرى. أتفق مع الكاتب بوجود ضيم جمعي متشارك، لكنني اختلف معه في كون ذلك الضيم كانت تشعر به الطبقات الاجتماعية سواء أكانت النخبة، أم المتوسطة، أم الشباب، فحسب وجهة نظري بأن الضيم المتشارك كان يشعر به الأفراد على مستوى المناطق والقبائل، بدليل أن الانفجار لم تحدثه تلك الطبقات التي تم تعطيل أدوارها ومهامها في المجتمع، إنما قامت به مثلاً : عدد من القبائل والمناطق حيث تشكل وتراكم لديها ضيم متشارك سواء في الزنتان، أم الزاوية، أم الرجبان، أم البيضاء، أم مصراتة، أم غيرها من المناطق والقبائل، أن ما يُعزز هذا الاستنتاج هو كون مسألة الانتفاض التي حصلت ضد النظام شارك فيها الجميع في تلك المناطق والقبائل سواء على مستوى الشباب، أم الشيوخ، أم النساء، أم الأطفال.
• في الصفحة رقم (47) يوضح الكاتب بأن "الطبقة الوسطى والنخبة والشباب يمكن أن تكون في ظل ظروف معينة مصدر انتفاض وثورة لا يستهان بهما" وهذا يعني أن المجتمع الليبي يتكون من مجموعة طبقات اجتماعية لكل طبقة أدوار مهام ومسؤوليات. وهذا في الحقيقة ربما يتناقض مع ما طرحه الكاتب من كون النظام عطل تطور المجتمع.
• يستمر الكاتب في عملية التحليل للمجتمع الليبي حيث يقول الكاتب في الصفحة (47) " فلم تفعل الطبقة الوسطى ما فعلته البورجوازية الفرنسية من تنوير وتبصير وتنبيه إلى المخاطر والدفع إلى خلق فُرص الحوار " وكذلك " لم يؤدوا دور التنبه إلى المخاطر المحدقة بالمجتمع الليبي جراء التدخل الخارجي وضرورة التوقي منها". بالرغم من كوني بينت في موضع سابق بأن المجتمع الليبي لا توجد به نخب، حيث عطل النظام السياسي تطور أدوار ومهام الطبقات الاجتماعية من خلال جملة من القوانين والسياسات والتي جعلت مثلاً: أصحاب رؤوس الأموال ورجال الأعمال يجلسون في بيوتهم منذ أواخر السبعينات لا يعملون شيء سواء انتظار ما يأتي به النظام من قرارات وسياسات، بالتالي هذا التعطيل المجتمعي لم يخلق قيادات نخبوية بما للعبارة من دلالات قبول الاختلاف، والاقتناع بنسبية الحقيقة، وهذا حسب اعتقادي الجانب الأكبر من الأزمة الليبية الحالية.
• في الصفحة رقم (48) يُبين الكاتب بأن أزمة المجتمع الليبي" ليست تعبيرًا عن صراع فقط بين السلطة والمجتمع، وإنما هي تأكيد لتعاضد عنصرين بنيويين: جغرافيا الأحقاد بين الفئات والجهات والقبائل من جهة والانشطارات الثقافية والاجتماعية من جهة أخرى". أعتقد بأن هذه المقولة مقتضبة جدًا، وكانت بحاجة إلى توضيح وتوسع أكثر، من خلال فك الطلاسم الموجودة في ثناياها، وضبط بعض مفاهيمها، فمثلاً: ماذا يقصد الكاتب مرة أخرى بمفهوم الفئات والجهات؟ ماذا يقصد بالانشطارات الثقافية والاجتماعية؟ . أعتقد بأن كل ذلك كان بحاجة إلى تحليل أعمق، وتوضيح أمثلة التي تُبين دلالات تلك المقولة.
• يُوضح الكاتب في الصفحات (47-48) بأن الانتفاضة 2011م حظيت بحماية مالية من موارد البنوك الليبية وذلك " بدليل ما قدمه رجال الأعمال البارزين الذين تمتعوا بقروض حكومية سخية". في الحقيقة هذه النقطة ربما تؤكد بأن وقوف رجال الأعمال الليبيين مع الانتفاضة لم يكن لمجرد الرغبة في المشاركة السياسية، ولكن الأقرب ( حسب وجهة نظري ) كان نتيجة لشعورهم بالخوف وعدم الاطمئنان جانب السلطة، لكونهم سيكونون في أيّ لحظة محل اتهام والتعرض إلى السجن أو الاعتقال، والاستيلاء على ممتلكاتهم، عليه لم يكن لرجال الأعمال أيّ مشروع وطني تغييري حقيقي لماهية ليبيا ما بعد سقوط النظام السياسي، إنما كان الهدف الأوحد والأبرز - حسب اعتقادي - سقوط وإنهاء النظام السياسي بغية الحفاظ على الإمكانات والقدرات فقط.
• في صفحة رقم (48) يُوضح الكاتب بأنه " بعد متابعة يومية لحركية المجتمع القبلي من 2011-2016م، تأكد لي وجودُ إرادة لإقصاء قبائل مهمة مثل: ورفله، وورشفانة، والمشاشية، والصعيان، والمقارحة، والقذاذفة". لم يوضح الكاتب كيف تمت تلك المتابعات اليومية للمجتمع القبلي، وهو غير موجود في مجتمع الدراسة!، في حين أتفق معه على ذلك الإقصاء، وأعتقد بأن ذلك أصبح معروفاً ومعلوماً ما بعد 20 أغسطس 2011م. لكن المهم (حسب وجهة نظري) هو البحث عن إجابات: لماذا هذا الإقصاء؟ وما الهدف منه؟ وما علاقة هذا الإقصاء بالأحلاف القبلية؟ . أعتقد بأن الإجابات على هذه التساؤلات الجد مهمة ربما تعطي الصورة الصحيحة لحركية المجتمع.
• بعد ذلك ينتقل الكاتب إلى عنوان آخر وهو: المجتمع الليبي ومعضلة غياب المراجعة، في الصفحة (49). وهنا أتفق مع الكاتب بأن المعارضة الليبية كانت تفتقر إلى وجود أيّ مشروع وطني تغييري حقيقي، كما أن بعض المعارضات عولت على العامل الخارجي للوصول إلى سدة الحكم، وأنها تفتقر إلى الكفايات، وإلى العقل السياسي الوطني الذي يمكنها من القراءات الاستباقية للأحداث، والتنبئية الاستثنائية؛ لتوقي الأزمات.
• في الصفحة (50) يُوضح الكاتب بأن من الصعوبات التي واجهت المجتمع الليبي تكمن في أنه لم تحصل أية مراجعة عميقة منذ 40 سنة. قد أتفق مع الكاتب حول هذه النقطة، لكنني أعتقد بأنه كان من المهم التطرق إلى بعض المحاولات التي باتت بالفشل، فمثلاً برزت مراجعة في بدايات التسعينيات القرن الماضي، وهناك مراجعة أخرى حصلت سنة 2006م من خلال مشروع ليبيا الغد، والتي اعتمدت على خبرات أجنبية، ومعارضة وطنية خارجية، وافتقرت إلى مشاركة وطنية حقيقية من الداخل.
• وفي هذا الصدد أود توضيح نقطة جد مهمة وهي أن مؤسسات الدولة الليبية منذ 2006م أصبحت تُدار من خلال مشروعين الأول مشروع القذافي الأب، والثاني مشروع القذافي الأبن وأصبحت هناك شد وجذب ما بين المشروعين، وكثيرًا ما كانت تحدث احتكاكات وصراعات ما بين المشروعين قد تكون مقصودة أو غير مقصودة، حيث كانت تؤدي في كثير من الأحيان إلى سجن واعتقال بعض الأشخاص أو المسؤولين المحسوبين على مشروع الأبن، وهناك حقيقة نود تأكيدها وهي أن المحرك الدولة عندما يسير عكس اتجاه سوف يؤدي لا محالة إلى سقوطه أو انفجاره.
• تحت عنوان فبراير 2001، أية قراءة وأية دلالة؟ في الصفحة (54)، يُبين الكاتب بأن الإخفاقات والهزات العميقة في ليبيا لم تكون " بشكل عفوي وإنما حصل نوع من التكامل والتعاضد بين النظام السياسي والليبيين الذين تواطؤ مع المقترح عليهم من دون مقاومة تذكر". فحسب وجهة نظر الكاتب شارك الليبيون في" تزكية الاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية عن اقتناع، أو عن غير اقتناع.." بالتالي يرى الكاتب بأن الإخفاق لا يتحمله النظام فقط إنما "ثمة نسبة معتبرة من الليبيين شاركت في صناعة الإخفاق وهيأت له الأرضية الخصبة". أتفق مع الكاتب حول هذه النقطة، لكن الأمر ربما كان بحاجة إلى توضيح التركيبة القبلية والاجتماعية ماهية تلك" النسبة المعبرة" التي شاركت في صناعة الإخفاق، كما تبرز الحاجة إلى توضيح مبررات تواطؤ " النسبة المعبرة" مع النظام السياسي.
• في الصفحة (55) يُوضح الكاتب بأن المجتمع الليبي عاش خلال العقود الخمسة الأخير " على إيقاع ما أسميه المحن الولودة أيّ أن المحنة تلد أخرى". أتفق مع الكاتب حول هذه المقولة، لكن كان من الأهمية توضيح أسباب أو مبررات ذلك؟ والأهم من ذلك توضيح بأن جل تلك المحن كانت من صناعة النظام نفسه، كالفقر، وتدني التعليم والصحة، وسوء البنية التحتية، وتدني المرتبات، والحروب الخارجية في أوغندا، وتشاد، ومصر، والسودان، وتونس، ودعم الجيش الجهوري الأيرلندي، ودعم الانشقاقات ضد منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، وتفجيرات لوكربي، ويو تي أيه.
• في صفحة (55) يقول الكاتب بأن انتفاضة 17 فبراير 2011م، " تعد بحق زلزالًا مجتمعيًا، وليس ذلك بغريب، طالما أنها حصيلة الصعوبات والمحن السابقة التي أنتجت محنة أعمق، وهي تحالف منظمة تعاون شمال الحلف الأطلسي والجماعات الإسلامية لتدمير كل مؤسسات على هشاشتها وتمزيق أوصال المجتمع وخاصة المجتمع القبلي ". أعتقد هذه المقولة بحاجة إلى تفكيك وإعادة تركيب وترتيب، فالنظام السياسي قام بعملية مصالحة مع الغرب كلفت الدولة الليبية مليارات الدولارات، وقام في الوقت نفسه بمصالحة مع الجماعات الإسلامية، وسمح بعودة تلك الجماعات من الخارج، وقام بإطلاق سراح العديد منهم من السجون، بعد قيام تلك الجماعات سواء من الخارج أو المسجونين بمراجعات عقائدية تهدف إلى تصحيح صور النظام كونه ولي الأمر ويستلزم طاعته، بناءً على ذلك أصبحت الدول الغربية والجماعات الإسلامية هي التي تقود مشروع الإصلاح في ليبيا منذ 2006م، وأكاد أجزم بأن الدول الأوروبية والجماعات الإسلامية تبين لها مدى هشاشة النظام وضعفه عندما اقتربت أكثر من النظام، وتأسيسًا على ما سبق يمكن القول بأن النظام السياسي هيأ الظروف ذلك التحالف، بعد ذلك انقلب هذا التحالف على النظام نفسه.
• في الصفحة (55) يقول الكاتب - في أربعة أسطر فقط على الهامش - بأنه من باب الموضوعية التاريخية تجدر الإشارة إلى كون انهيار النظام السياسي لم يكن بصفة حصرية من التدخل الخارجي، وإنما يعود ذلك إلى عنصرين آخرين هما : تفكك النظام من الداخل وسيل الانشقاقات ، والآخر هو تناقض التصورات بين القذافي الأب والأبن. في الحقيقة بالرغم من أهمية هذين العنصرين في انهيار النظام إلا إن الكاتب وضعهما على الهامش دون أبرزهما من ضمن العوامل المهمة في سقوط وانهيار النظام، وكأنهما غير ذات أهمية كبرى، مثلما الحال في مسألة التدخل الخارجي الذي تناوله الكاتب بالكثير من التشخيص والتحليل.
• في الصفحة (55) يستنتج الكاتب إلى كون " تحالف منظمة تعاون شمال الحلف الأطلسي والجماعات الإسلامية "هي التي أنتجت كذلك نشر السلاح في كل ركن من أركان الجغرافيا الليبية الصحراوية". أكاد أجزم بأن مسألة نشر السلاح كانت في فترة ما قبل سقوط النظام السياسي، فتم تسليح القبائل والمناطق المؤيدة للنظام، وتم تشكيل الحرس الشعبي، والكتائب المسلحة من عدد من المتطوعين، والأمر ينسحب أيضًا على بعض الكتائب التي تم تشكليها من قبل حكومة المجلس الانتقالي، في حين أن زيادة هذا الانتشار حصل ما بعد سقوط النظام، بتكوين وتأسيس كتائب مسلحة، سواء على مستوى القبائل، أو المناطق، أو المدن، أو القرى، حيث ارتبط الأمر بمنح أموال ورواتب لكل جماعة مسلحة.
• أتفق مع الكاتب في الصفحة (56) بأنه تم إهدار الوطن وإضاعة روح فبراير 2011م، وتسليمه إلى ميلشيات ليست ذات توجه عقائدي وحسب، كما يقول الكاتب، إنما أيضا تسليمه إلى ميلشيات قبلية ومناطقية وهي الأخطر، فالحروب الأهلية التي حصلت في مرحلة ما بعد 2011م جلها قامت بها ميلشيات قبلية ومناطقية، كما أن التدخلات السافرة في أداء الحكومات كانت ولا تزال تأتي من هذه المليشيات وليس غيرها، وبهذا فقدت روح فبراير جزءً كبيرًا من بريقها الوطني وظهرت بقع الصدأ على سطحها.
• في صفحة (57) يقول الكاتب بأن الاشتراكية نبيلة من حيث مبادئها، ولكنها مُورست في ليبيا مع كثير من الأخطاء، وليس أدل على ذلك من فقر الشباب وإقباله على استهلاك المخدرات هروبًا من الواقع الصعب". أتفق مع الكاتب بوجود أخطاء في تطبيق الاشتراكية في ليبيا، وربما تكون أخطاء مقصودة، أو غير مقصودة، لكن الدليل أو المؤشر المهم ليس إقبال الشباب على المخدرات، أعتقد هناك مؤشرات أهم من ذلك مثل: تراكم الثروات لدى المحسوبين على النظام من رجال الخيمة، ومسؤولي اللجان الثورية، والمؤسسات الاستثمارية الداخلية، والخارجية، وانتشار البطالة، وتدني المرتبات،...إلخ.
• ينتقل بنا الكاتب بعد ذلك إلى عنوان آخر وهو: ضعف الخبرة بعد 2011 وتعقيدات إدارة المرحلة الانتقالية، في الصفحة رقم (57) حيث يُوضح الكاتب إلى كون الأداء السياسي اتسم أثناء وبعد 2011م بنوع من الضعف والهزال " بدليل أن المستشار مصطفى عبد الجليل هو الذي مكن العناصر الإسلامية وخاصة الإخوان من السيطرة على المجلس الوطني الانتقالي " ويقول أيضًا بأن مصطفى عبد الجليل " يتحمل جزءًا من هذه الأزمة ومن النتائج التي ترتبت عنها فقد كان بإمكانه العمل على إعادة بناء الدولة". أتفق بشكل كبير مع ما طرحه الكاتب، وكنت أتمنى بأن يقوم الكاتب بتحليل هذه المرحلة بشكل أعمق، فمثلا: لم يتطرق الكاتب إلى اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس بالرغم من أهمية الحدث، والذي شكل بداية السيطرة الفعلية للعناصر ذات توجه العقائدي المتطرف على المشهد الليبي، فجل سياسات المعمار ما بعد 2011م قامت على ترتيبات هذه المرحلة.
• تحت عنوان: سؤال إعادة البناء والخروج من التعطيل في الصفحة (60) يطرح الكاتب تساؤل: كيف يمكن أن نعيد البناء؟ ويقول بأن " تاريخ ليبيا لم يكن تاريخ قطعية فقط ولكنه كان أيضًا تاريخ هدرٍ وإهدارٍ". قد نتفق أو نختلف مع الكاتب حول هذه المقولة لكن الأمر كان بحاجة إلى مقدمات توضيحية لتبين لنا كيف تم الولوج إلى تلك المقولة، وبمعنى آخر كنا بحاجة إلى تأويل ذا قابلية للفهم يتضمن كيفية الوصول إلى ذلك الاستنتاج.
• في الصفحة (60) يقول الكاتب تابعت بانتباه كبير وعلى امتداد عقودٍ تطور حركة اللجان الثورية – وهي حزب غير معلن حسب وجهة نظره - وأمعنت في القراءة في مرجعياتها السياسية وحللت مضامين بياناتها، وتوصلت إلى أن الغاية من خلق هذه الحركة " هو بناء مجتمع مصغر يدين بالولاء المطلق، ويشكل درعًا بشريًا شابًا زمن الأزمات" ولذلك كان هذا المجتمع حسب وجهة نظر الكاتب هو المفضل لدى الحاكم، لكونه غير متأكد من ولاء المجتمع الشامل له. ربما تكون حركة اللجان الثورية بحاجة إلى تحليل ودارسة أعمق من ذلك، فالنظام السياسي حسب اعتقادي عمل على بناء قاعدة اجتماعية – من اللجان الثورية - لتشكل بعد ذلك جواز استمراره في السلطة في مرحلة ما بعد 2 مارس 1977م، ومبرر بقائه فيها، فأصبح النظام السياسي يُمثل ويستند إلى هذه القوى الاجتماعية – اللجان الثورية – كونها أصبحت تحمي شرعيته، وعمومًا كنت أتمنى من الكاتب ربط المجتمع المصغر – اللجان الثورية بمسألة الشراكة في الخطأ والإخفاقات، فأكاد أزعم بأن صناعة الإخفاقات، وصناعة الخوف في المجتمع الليبي ساهم فيه هذا المجتمع المصغر بشكل كبير جدًا.
• في الصفحة (63) يُوضح الكاتب بدخول "كميات هائلة من السلاح الفرنسي إلى ليبيا اشترته قطر وساهم في السيطرة على الغرب الليبي، ولكن هذا السلاح ارتد وعاد إلى تونس" مما يُشكل تهديدًا للمجتمع التونسي. أتفق مع الكاتب فيما تم طرحه، لكن الجمل كانت مقتضبة جدًا ، فالأمر كان بحاجة لتوضيح أكثر، من خلال سبر الأغوار بشكل أعمق وأوسع، فمثلا : كنت أتمني من الكاتب توضيح دور الحكومة التونسية التي أفسحت المجال، وهيأت الظروف لدخول تلك الأسلحة عبر أراضيها ومن المنافذ البرية والبحرية والمطارات الجوية، كما أن التهديد وصل إلى الداخل في جزائر، وتشاد والنيجر، ومالي، وليس الداخل التونسي وحسب.
• ينتقل بنا الكاتب بعد ذلك إلى عنوان آخر، وهو : نظرية المجتمع المعطل ودورها في تحليل الأزمة، في الصفحة (63) .حيث شدني تميز تحليل الكاتب لمسألة الشراكة في صناعة الأزمة والإخفاق بين فاعل مركزي ينتج التصورات والأفكار وبين فاعلين ثانويين منتشرين في الجغرافيا ومفاصل المجتمع يشاركون في عملية التنفيذ، وهذا ربما مرتبط بمحنة الفكر والعقل الواحد الذي يصنع تلك التصورات والأفكار والمجتمع المصغر المناط به عمليات تنفيذ وتطبيق تلك الأفكار وهو ما أسماهم الكاتب بالفاعل التكميلي شريك في صناعة الأزمة، لكنه لا يرتقي إلى مرتبة الشراكة الفعلية في وضع التصورات والتمثلات وصياغة القرارات، وهذا يعني أن حركة التفاعل بين الفاعل المركزي والفاعل التكميلي أنتجت مؤسسة الحكم الفردي، وحسب اعتقادي فأن هذه النظرية من أهم ما سجله الكاتب في تشخيصه للأزمة الليبية.
• في الصفحات رقم (66- 75) يشرح الكاتب بإسهاب ممتع نظرية المجتمع المعطل ودورها في الفهم العلمي، حيث يُشخص ويحلل نظرية المجتمع المعطل ومراحل تشكلها، حيث يقول" قد تأكدت فكرة المجتمع المعطل في سنة 1977حيث تم إنهاء دون مبررات مقنعة تجربة مجلس قيادة الثورة الذي كان يرمز أساسًا إلى تسيير شبه جماعي"، كما يُبين بأن أهم سمات هذا المجتمع المعطل هو الافتقاد إلى وجود عقد اجتماعي وأخلاقي منظم لشأن المجتمع، إضافة إلى بنية سياسية مشخصنة وممركزة في يد واحد وقرار سياسي استفرادي، كما يستطرد الكاتب في التوضيح والتحليل ليؤكد بأن ظاهرة التعطل ليس مجرد ظاهرة سياسية، وإنما هي ظاهرة ثقافية في جوهرها، حيث يقول " أنه ثمة إرادة قوية في أن ينحبس تطور المجتمع في مرحلة البداوة ...لتصبح نظامًا اجتماعيًا وثقافيًا وأخلاقيًا وقيميًا ومرجعيًا" وبهذا أصبحت البداوة حسب وجهة نظر الكاتب مرجعية ثقافية ضاغطة تعيق التحديث بكل مستوياته. في الحقيقة تحليل وتفسير متميز، من خلال توضيح آليات صنع القرار وعلاقات الحاكم بالمحكومين.
• ينتقل بنا الكاتب إلى عنوان آخر وهو: المجتمع المفكك والمتشظي ومآلاته، في الصفحة (76). وهنا أتفق مع الكاتب بأن المجتمع المعطل مع مرور الزمن ولد مجتمعًا آخر وهو مجتمع مفكك ومتشظي، وهي متأتية من كون المجتمع غير محصن من الداخل بما فيه الكفاية.
• في الصفحات (76- 77) يؤكد الكاتب بأن الحصانة والتحصين غير متوفرين في المجتمع الليبي بالتالي يتم اللجوء في الازمات الكبرى والاستثنائية إلى استدعاء الخارج. أتفق مع الكاتب في ذلك ولكن الأمر كان - حسب اعتقادي- بحاجة إلى توضيح أكثر، فمثلاً حاول النظام السياسي السابق الاستعانة بالعامل الخارجي خلال فبراير 2011م لكنه فشل ولم يتحصل على الدعم والمساندة المطلوبة، بل وجد كل الأبواب الإقليمية والدولية مغلقة في وجهه، وبقراءة أخرى يعتبر عدم حصول النظام السياسي السابق على دعم العامل الخارجي سبب في سقوطه.
• في صفحات (78- 81) أبدع الكاتب في تحليله لمسألة تفكك وتشظي المجتمع المعطل فهي كاشفة التعطلات، وهي مشخصة الإخفاقات الاجتماعية، فالإنسان والمجتمع كما يحلل الكاتب يُعبر عن فصيل البناء وجنسه.
• بعد ذلك ينتقل الكاتب إلى الجزء الثاني من الفصل الأول، ووضع عنوان رئيس لهذا الجزء وهو: شراكة في صناعة الأزمة شراكة في الإخفاق، وقام الكاتب بتقسيم هذا الجزء إلى خمس عناوين رئيسة، يتضمن كل عنوان عدد من الموضوعات، وحسب اعتقادي يعد هذا الجزء أكثر تنظيمًا من حيث ترتيب الموضوعات، من الجزء الأول الذي جاء بعناوين غير مرقمة.
• جاء العنوان الأول من الجزء الثاني من الفصل الأول تحت مسمى: العسكر في ليبيا: التواريخ والأدوار والمنجزات (محاولة في ارهاصات الأزمة سوسيولوجيا القطيعة) وجاء الموضوع الأول لهذا العنوان الجيش الليبي: أزمات العسكر أم أزمات المجتمع؟ في الصفحة (85) حيث يؤكد الكاتب على أهمية أن يقوم البحاث الليبيين وحتى غير الليبيين بالاشتغال في مشروع كتابة تاريخ الجيش الليبي، حيث يراه الكاتب بأن كتابة تاريخ الجيش يعني تاريخ المجتمع، فهما " تاريخان متلازمان" وكذلك "مجتمعان متكاملان". أعتقد بوجود حاجة مجتمعية ماسة كتابة مثل ذلك التاريخ، بل أدعو كل المختصين في التاريخ، وعلم الاجتماع، وعلم السياسة، وعلوم العسكرية إلى وقفة جادة للتدبر حول أهمية هذا المشروع.
• في الصفحة (96) وتحت عنوان ثورة العسكر ضد الأنوميا السياسية في ليبيا: الثكنة والملكية أو أزمة النموذج الاجتماعي، يتحدث الكاتب عن عجز النظام الملكي عن إصلاح ذاته، وبالصراع المحتد بين النظام من جهة وبين مكونات النخبة المقصاة التي لم تستطيع الوصول إلى الحكم " في الحقيقة لم يشرح الكاتب المقصود بمكونات النخبة المقصاة، ولم يُفسر لنا لماذا كانت مقصاة هذه النخبة؟ وهل كانت فعلا كانت هناك نخبة بمفهومها السيوسولوجي كما أوضحنا سالفًا؟. أعتقد بأن الأمر كان بحاجة إلى ضبط المفاهيم بشكل أكثر دقة، وفي نفس الصفحة (96) يؤكد الباحث مرة أخرى على وجود النخبة لكنها حسب تعبيره غير متحدة ومنسجمة ومستقلة عن النظام المركزي، كما يعود ويوضح في نفس الصفحة أنها في ظل غياب نخبة حيوية قادرة على أخذ قرار التغيير". أعتقد بأن الأمر كان بحاجة إلى وضبط وربط أكثر.
• ينتقل بنا الكاتب إلى عناوين جديدة في هذا الجزء، في صفحات (97- 108) مثل : التغيير السياسي في أول سبتمبر بين المفاجأة والتطلع ، والعسكر الشبان في ليبيا ومنطق الانتقام ، وكذلك الثكنة الوارثة للملكية : أصول القطيعة وجذور التمرد على النظام الحكم، والضباط الوحدويون الأحرار : الأصول الجغرافية والاجتماعية والقبلية ومفارقة الاستراتيجيات المتباينة، والأصوال الاجتماعية للضباط الأحرار. أعتقد بأن جل ما طرحه الكاتب في هذه العناوين ليس محل خلاف، كما تميز الطرح هذه المرة بالتشخيص والتحليل والربط المنطقي، وإن كان بعض التحليل يفتقر إلى وجود الوثائق والشواهد الداعمة لذلك.
• تحت عنوان الجيش بعد 1969م، لبس المعلومة وتناقض في القراءة وغموض في المصير، في الصفحة (110): يقول الكاتب " تم العمل بدءا من سنة 1972 على تشجيع تسريح الضباط والجنود الذين انتدبوا وتكونوا في العهد الملكي استنادًا إلى مبرر –حقيقي – أو وهمي أنهم غير مضموني الولاء.. “. أعتقد الأمر كان بحاجة إلى وثائق أكثر دقة، أو الاستناد إلى أكثر من مقابلة للتأكد من السنة المذكورة، وهل هذا يعني أن سنوات ما بعد 1969 وحتى ما قبل 1972 لم تشهد حالات تسريح للعسكر!، وفي نفس الصفحة (110) يستنتج الكاتب وجود ثلاثة عمليات متكاملة ومتعاضدة حصلت للجيش الليبي ما بعد 1969م، الأولى وهي منذ 1972، والثانية تسيس الجيش، والثالثة إخضاع الجيش لعملية انتقاء عميقة ودقيقة وتكوين جهاز الكتائب الأمنية. أتفق مع الكاتب حول هذه العمليات المهمة، ولكن أعتقد ما بين هذه العمليات كانت هناك عمليات أخرى ربما تكون صغرى أو كبرى لكنها كانت بحاجة إلى توضيح وكشف : مثل إهمال الجيش في مرحلة ما بعد حرب تشاد، وعدم إلزام طلبة الثانويات بالتوجه إلى الكليات العسكرية، وفتح المجال للاستقالات الضباط في التسعينيات من القرن الماضي، وإحالة عدد من الضباط إلى الأمن الداخلي، وتوجيه أبناء قبيلة القذاذفة – على وجه الخصوص إلى الكليات العسكرية وغيرها من العمليات، كما أن الأمر كان بحاجة إلى توثيق أكثر للمعلومات.
• يتناول الكاتب في الصفحة (110) تحليلاً، يقول : " تحول المعسكرات والثكنات إلى ضباط بلا جنود جراء عدم تجديد الانتداب". أعتقد المعلومة بحاجة إلى مراجعة وتدقيق، وحسب علمي فإن الجنود لا يتم انتدابهم، إنما يكون وجودهم من خلال معاهد عسكرية، أو من خلال التدريب العسكري الإلزامي، بالتالي وجب التنويه والتأكد من المعلومات.
• بعد ذلك ينتقل الكاتب إلى عنوان آخر وهو : العسكر وفرص التاريخية الثمانية المهدورة، في الصفحة (112) يقول الكاتب " فعلى رغم من استدعاء مسؤولين وبعض الوزراء من منابت ومرجعيات قومية وإسلامية وناصرية وبعثية.. إلا أن ذلك لم يولد تحالفا حقيقيا ولم يفض إلى تشكيل كتلة تاريخية ذات ثقل وذات تأثير..). في الحقيقة الأسماء المذكورة لم يكونوا مسؤولين أو وزراء، صحيح بعضهم لديه توجيهات سياسية، في حين أن بعضهم لم يكن لديه أيّ توجه سياسي محدد، إنما كانت الرغبة القبيلة هي التي دفعت ببعضهم نحو مفاصل الحكم.
• في الصفحة (115) يتحدث الكاتب عن أن السماح للعسكر بالسيطرة على كل مفاصل الدولة والحكم وعسكرة المجتمع قصد فرض قدر أعلى من الجدية والانضباط في العمل" وذلك " تجنبًا الارتباك والاضطراب اللذين حصلا بدءا من سنة 1986". أعتقد بأن هذه الجمل كانت بحاجة إلى توضيح أكثر، فلماذا مثلاً شكلت سنة 1986 علامة فارقة في الارتباك والاضطراب، الأمر كان بحاجة إلى تشخيص وكشف وتفسير أكثر.
• يستنتج الكاتب في الصفحة (116) بأن خطاب زوارة 15 أبريل 1973م، " سمح فعليًا بانتصار إرادة مجموعة واحدة في صلب مجلس قيادة الثورة وهي مجموعة القذافي" ويستطرد الكاتب بقوله " لم يتولد عن هذه التجربة حوار وطني عميق حول الاختيارات الكبرى الملائمة لتطور المجتمع الليبي"، ويقول أيضًا " والأخطر من كل هذا أنه لم ينتج أيّ حوار جدي بين مختلف المكونات العسكرية والسياسية". أتفق مع ما طرحه الكاتب من تحليل وتفسير، وأعتقد بأن بدايات تأسيس المجتمع المعطل حسب ما طرحه الكاتب يمكن أن يكون من هذا التاريخ، كما يعد هذا التاريخ أيضًا بدايات الانقلاب على مجلس قيادة الثورة، وبدايات محنة الصوت والتفكير الواحد، فالطغيان والاستبداد يبدأ عندما تنتهي سلطة القانون.
• في الصفحة (117) يتحدث الكاتب عن كون إعلان سلطة الشعب في 2 مارس 1977م جاء لتحقيق غايات ثلاثة : الحيلولة دون تشكل مركز ثقل عسكري وسياسي قادر على المنافسة وعلى الضغط والحد من الحكم الفردي، وعلى انتزاع بعض المكاسب، وكذلك التخلص من عبارة الشخصية الثانية وأخيرًا العمل على نقل العسكر إلى مواقع أقل أهمية وتأثير. قد أتفق مع الكاتب حول بعض هذه الغايات ولكن الغاية الأهم كون 2 مارس 1977م يعد استمرارًا لما تم طرحه في 15 أبريل 1973م، وهو يعد الانقلاب الثاني والنهائي على من تبقى من أعضاء مجلس قيادة الثورة أولًا، ورسم الخطوط العريضة لماهية المجتمع " المعطل" وآليات عمله ثانيا، وأخيرًا تأكيد على العقل والصوت الواحد في المجتمع.
• في الصفحة ( 120) وكذلك في الهامش الصفحة (121) يتحدث الكاتب عن مكونات المجتمع الليبي فيقول "عرب، وأمازيغ، وطوارق، وتبو، ومن مالكيين وأباضيين" ويكرر ذلك في الهامش الموجود في الصفحة رقم (121) فيقول " كان بإمكان العسكر السماح لمجموعات الأمازيغ والطوارق والتبو والأباضيين التعبير عن حقوقهم ". في الحقيقة أود التنويه إلى ملاحظة وأعتقد بأنها ليست بغائبة عن ذهن الكاتب وهي أن كل الليبيين هم على المذهب المالكي، في حين أن بعض الأمازيغ هم على المذهب الأباضي، بالتالي المالكي أو الأباضي هي مكون مذهبي، كما أن مسألة المالكية أو الأباضية لم تعد من الأمور ذات الإشكالية عند الليبيين كافة، فتجد مثلا : مالكي يُصلي في مساجد الأباضية وترى العكس أيضًا.
• اعجبتني في الصفحة (121) مقولة للكاتب تقول " المجتمعات تنتج ذاتها إنتاجًا وتبني نفسها لبنةٌ لبنةٌ وحجرًا حجرا وتكون هي في المستوى الذي يُراد لها أن تكون فيه؛ وهي إنتاج إرادة الفاعلين الحريصين على التقدم....". وهنا أود القول بأننا في ليبيا لا نزال نفتقد إلى إرادة العزم، ونفتقد كذلك إلى وجود رؤية واضحة لماهية الوطن المرغوب الوصول إليه، وأصبحنا نعاني من محنة حب النفس، وهي تعني بصراحة إن الفاعلين لديهم من أجل أنفسهم – وليس من أجل الوطن – ما يتعاونون فيه– للأسف - مع الشيطان.
• يقول الكاتب في الصفحة (123) بأن أعضاء مجلس قيادة الثورة الذي أصبح يطلق عليه القيادة التاريخية أصبح مجرد مظهر خارجي شكلي، حيث لم يعد يمتلك أعضاء مجلس قيادة الثورة أيّ قوة من أجل الاقتراح أو يشكلوا مركز ضغط من أجل إنجاز الاقتراح. أعتقد بأن هذه حقيقة لا تحتاج إلى تأكيد، ووصل الأمر بأن أصبح جل أعضاء مجلس قيادة الثورة مجرد " صدارة1" يوم 1 سبتمبر من كل سنة، حيث يُطلب منهم الحضور إلى منصة الاحتفال قبل حضور القذافي لاستقباله وتهنئيه بعيد الفاتح.
• في الصفحة (124) يقول الكاتب على أعضاء مجلس قيادة الثورة "هم الذين غرسوا بذرة هذا الانفجار الشعبي المنتج للفوضى العارمة حينما لم يقاوموا الفساد ونهب المال العام، وتدمير الممنهج والتدريجي لمفاصل الدولة". أتفق تمامًا مع ما طرحه الكاتب عن مسؤولية التي يتحملها مجلس قيادة الثورة في مسألة الصمت المطبق، والذي أدى إلى بناء وترسيخ الفكر والصوت الواحد.
• يحلل الكاتب في الصفحة (126) مجلس قيادة الثورة فيقول كان " يعيش تمامًا الشرخ ذاته الذي يعيش المجتمع الليبي المتمثل في هذه الفجوة التاريخية والثقافية بين البدو والحضر. هذا التفسير والتحليل ربما كان بحاجة إلى دلائل أو ممارسات تبين أو تؤكد ذلك.
• ينتقل الكاتب إلى عنوان جديد تحت مسمى " أزمة المجتمع من أزمة العسكر: محاولة في أنتروبولوجية التوتر، في صفحة (127) حيث يقول الكاتب " بأن العسكر في مجلس قيادة الثورة أورثوا المجتمع الليبي توترهم وإخفاقهم؛ ونقلوا إليه أيضًا صراعهم الذي كان بالأساس مزاجيًا وشخصيا". أعتقد أن الأمر كان بحاجة إلى دعم المقولة ببعض الأمثلة والممارسات المعاشة.
• في الصفحة (129) يرى الكاتب بأن الشعوب لا تُقدر إلا المشاريع المنجزة، ولذلك حينما تتعطل المشاريع والبرامج، فإن الشعوب تنتفض بغض النظر عن كلفة الانتفاض". وهذا يجعلنا نؤكد بأنه لا تحدث الانتفاضة إلا في مناخ يهيئ لها، ويجعل تنفيذها واردًا بغض النظر عن نتائجها المتوقعة، في ظل التعطيل المقصود للبرامج والمشاريع المجتمعية.
• تحت عنوان محاولة في سوسيولوجيا القبلية والتحديث الصفحة (130) شدني تحليل الكاتب حين يقول " العسكري لا يمكنه أن يكون فاعلاً تغييريًا إذا كانت الدولة ضعيفة والمؤسسات القائمة واهنة والقبيلة قوية". وهذا حسب وجهة نظري ما أكده أبن خلدون حين قال: " إنّ القبيلة إذا قوي سلطانها ضعف سلطان الدولة، وإذا قوي سلطان الدولة ضعف سلطان القبيلة"، وهذا ربما يعد تفسرًا منطقيًا لاستمرار ضعف المؤسسة العسكرية والأمنية ما بعد 2011م.
• في الصفحة (132) يرى الكاتب بأن " الحكم العثماني خلال 236 سنة قد أغرق المجتمع الليبي في كثير من العنف والقتل والدم واستباحة الجغرافيا المحلية والقبلية؛ فترسخت جراء ذلك قناعة عميقة لدى الليبيين أن لا أمان ولا حماية وقت الضيق إلا مع القبيلة". أعتقد بأن مسألة ارتباط الأفراد بحماية القبيلة مرتبطة - كما ذكر الكاتب في موضع سابق- بضعف الدولة، فيري مثلا: بأن النظام الملكي حاول أن يصهر القبيلة لكنه كان صهرًا سطحيًا وظرفيًا، في حين أن ما حصل في 1969م هو إعادة إنتاج لذلك التاريخ الجزئي أو الكلي. أعتقد بأن النظام الملكي لم يمتلك أيّ تصور تغييري للمجتمع يتم من خلاله صهر القبائل، من ثم كان يتم اللجوء إلى القبائل في حلحلة الكثير من القضايا مثل أحداث 1964م، أما فيما يتعلق بعهد القذافي أود التأكيد على ما طرحه الكاتب في كونه تعامل مع المجتمع الليبي وكأنه لا يزال في العهد العثماني الأول.
• في الهامش الصفحة (133) يقول الكاتب بأن ليبيا مجتمع محكوم عبر تاريخه بتحالف قبلي ثلاثي المكونات: ورفله، مصراته، وأولاد سليمان، فقد تحالف الملك مع ورفله وأولاد سليمان وهمش مصراتة، في حين تحالف القذافي مع ورفله ومصراتة، وهمش أولاد سليمان، بسبب تاريخ علائقي معين. في هذا الصدد أود تأكيد هذه المعلومة، حيث سمعتها من الأستاذ الدكتور عقيل البربار في العام 2016 ، ولكن بكثير من التحليل والتفسير، والمفقود في طرح الكاتب.
• في الصفحة (134) يرى الكاتب بأن أزمة العسكر هي مناسبة تاريخية مهمة لإنجاز برنامج وطني في مجال المراجعات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وكذلك مراجعة العيش المشترك وتغليب فلسفة الحوار على القوة، والعملِ على بناء المواطنة الإيجابية. وهنا أتفق تمامًا مع ما طرحه الكاتب من روشتات علاجية التي أراها مهمة وضرورية، فهي حصيلة الخبرة والكفايات البحثية التي يتمتع بها الكاتب، بغية إحياء - كما يقول الكاتب- الذات الليبية وجعلها قوية ومنيعة في القرن الواحد والعشرين.
• بعد ذلك ينتقل الكاتب إلى العنوان الثاني، من الجزء الثاني، من الفصل الأول، والذي تضمن عدد من العناوين منها: الفاعل النخبوي في ليبيا والشراكة في الأزمة والإخفاق، في الصفحات (136- 155) حيث يحاول الكاتب التأكيد وجود الفاعل النخبوي في ليبيا والشراكة في الأزمة والإخفاق. وهنا أود مرة أخرى التأكيد إلى كون شروط النخبة لم تتوفر في الحالة الليبية، بالتالي أعتقد بأنه لم يتم إنتاجها في مرحلة 1969-2011م، فهي لا تحمل أيّ من شروط النخبة إلا في قلة عددها فقط!.
• في الصفحة رقم (150) يقول الكاتب أن أعضاء المجلس – أي مجلس قيادة الثورة- " ممثلين أساسًا لقبائلهم ومناطقهم ومتأثرين بمطالبها، غير قادرين على تأسيس تصور مدني لجهاز الحكم" الجملة مقتضبة جدًا، وكانت بحاجة إلى شرح أعمق، إضافة إلى توضيح بعض الدلالات والمؤشرات ذات العلاقة.
• في عنوان آخر في الجزء الثاني من الفصل الأول جاء عنوان " أزمة مجتمع أم أزمة نخبة أم أزمة نظام حكم؟ الصفحة (161) يتحدث الكاتب عن رجال الخيمة حيث يقول " وهي مجموعة من القيادات القبلية المقربة تلتقي بشكل غير منتظم في خيمة القيادة" وهذه المجموعة القليلة العدد " تؤدي دورًا مهمًا في عملية اتخاذ القرار والتوجيه خاصة بالمسائل الكبرى". وفي الحقيقة أود التأكد بما ذكره الكاتب بأن موضوع رجال الخيمة لا يزال بحاجة إلى كشف وتشخيص أكثر، وعمومًا فإنني أعتقد بأن الأزمة كانت أزمة نظام حكم أولا، فهي التي خلقت أزمة المجتمع، وتفاعل أزمتي النظام الحكم والمجتمع هو الذي خلق أزمة الصوت والفكر الواحد، وأزمة الصوت والفكر الواحد خلقت باقي الأزمات.
• في الصفحة (162) يرى الكاتب بأن شريحة التكنوقراط التي تولت المسؤوليات حكومية خلال الفترة من 1969-2011م، " لم ينبهوا إلى إخفاق السياسات العمومية وإلى فشل الاختيارات الاقتصادية والتنموية ودورها في إنتاج الفقر وخلق الهوة بين الحكم والشعب". فهؤلاء - حسب اعتقادي- أنهم في بعض الأحيان قد يبدون وجهات نظرهم حول بعض القضايا المحددة، لكنهم تحت كل الظروف لا يسمح لهم ولا يقدرون على تجاوز تلك الحدود المرسوم لهم ، وأعتقد أيضًا بأن التكنوقراطيين كانوا محل ثقة القذافي أكثر من الأيديولوجيين – اللجان الثورية – بالتالي سمح لهم في حدود معنية إبداء آرائهم، والمبنية على الخبرة والكفايات في بعض القضايا، كما أن دائرة الحوار والنقاش لديهم أوسع مع الحاكم، عندما يتعلق الأمر بقضية لها تأثير على السلطة ومسألة استمرار الحكم، في حين الأيديولوجيين فأنهم يناط بهم تنفيذ التعليمات مهما كانت النتائج، وهذا يؤكد مرة أخرى بأن السلطة في ليبيا خلال الفترة 1969-2011 كانت مؤسسة الشخص الواحد، وهذه السلطة لا يوجد فيها سواء فاعل واحد وهو الحاكم نفسه، أما البقية المحيطيين به فعبارة عن ثانويين أو تكميليين، فهم أدوات تنفيذية لرغبات وأهواء الحاكم، فخليط هؤلاء ثانويين وتفاعلهم مع تلك الرغبات والأهواء، وحركة هذا الخليط وتفاعله مع تصورات ومقترحات الحاكم هي التي تنتج المناخ العام في المجتمع الليبي، وحركة وتفاعل هذا الخليط ربما يذكرنا بدور الحاشية المحيطة بالوالي أبان الحكم العثماني التي تتأمر فيما بينها من أجل من يصل إلى ثقة الوالي.
• بعد ذلك ينتقل بنا الكاتب إلى العنوان الثالث، من الجزء الثاني من الفصل الأول وهو : الفاعل القبلي والشراكة في إنتاج الأزمة والقدرة على الحل في الصفحة (165-173) يقول الكاتب " فقد ازداد نفوذ القبائل التي قبلت الدخول في منطق الموالاة والتحالف والتمثيل" ويرى أيضًا بأن النظام السابق " عمد إلى إحياء الهياكل التاريخية الرمزية مثل خوت الجد، وأبناء الجد الواحد وهيكل الصفوف القبلية" بالرغم من كل ذلك يستنج الكاتب إلى أن المفارقة السوسيولوجية اللافتة الانتباه أن النظام لم يسع إلى إعطائها منزلة الشريك السياسي " ويقول أيضًا " فلم يكن يراد لها أن تكون كذلك قوة اقتراح وتعديل وتجريح" فهي "تحضر زمن الأزمات وتقدم للنظام السياسي كل صنوف الدعم والمؤازرة...لكنها تعود مجددا إلى الهوامش والتخوم بمجرد تنفيذ المطلوب منها". أعتقد بأن القبائل التي قبلت تلك الأدوار كانت تعلم مسبقًا بأن دورها مناطة بها هي دعم ومساندة النظام فقط، بالتالي عملت - كما يُبين الكاتب- تحصيل ما يمكن تحصيله من غنيمة إدارية وسياسية واقتصادية، أيّ المبادلة أو المقايضة موارد الغنيمة مقابل الولاء السياسي .
• في الصفحة (174) يطرح الكاتب عدد من المعالجات للمجتمع الليبي، ويرى بأنه بأمس الحاجة إلى ثورات ثلاثة مترافقة ومتعاضدة، ثورة في مجال إعادة بناء الشخصية القاعدية وبناء الإنسان، وثورة في مجال بناء المنظومة القيمية والعمل على صهر القبيلة وإدماجها في النسيج المجتمع الشامل، وثورة إعادة بناء الإنسان والعقل الليبيين بما يتلاءم مع خصائص مرحلة ما بعد 2011م الانتقالية. أتفق مع ما طرحه الكاتب من تلك المعالجات، وإن كنا بحاجة إلى تأكيد وجود إرادة العزم نحو تحقيق تلك الثورات والمفقودة حاليًا في جل الحكومات التي تُدير مؤسسات الدولة الليبية، فالتخلف كما يُبين الكاتب فعل إرادي أحيانًا، فالتقدم بالضرورة سيكون كذلك.
• تحت عنوان الفاعل القبلي وفن التفاوض باسم المجتمع في الصفحة (175-178) يرى الكاتب " كان من المفروض العمل على خلق منافد تفاوض وعلى إيجاد هوامش استقلالية تصون هوية القبائل وتضمن لها احترام أفرادها" ويستنتج الكاتب إلى كون " الموالاة أحادية التوجه شجعت النظام على مزيد الانغلاق وجرأته على القبائل" فالتخلي التاريخي عن وظيفية التفاوض والاستغناء عن الحق الثابت في التقويم والمراجعة حسب وجهة نظر الكاتب" لم ينتجا أزمة فقط، وإنما هيأ الأرضية الخاضنة لما اسميناه بنظرية المجتمع المعطل". في الحقيقة ما يطرحه الكاتب من خلق منافذ للتفاوض سيفسح المجال إمام القبائل لتدخلات السافرة في مفاصل الحكم – وهو ما نلاحظه اليوم- حيث خلق الفاعل القبلي بعد 2011م منافذ تفاوض مع مؤسسات الدولة، فرض من خلالها بعض السياسات والتوجهات والمشاريع تصب في مصلحته القبلية، دون النظر إلى المصلحة الوطنية، كما أن مسألة إيجاد هوامش استقلالية للقبائل يتناقض مع مسألة صهر القبائل، ويتناقض أيضًا مع ما يطرحه الكاتب من أهمية تعزيز الهوية الوطنية، والحاجة إلى مشروع المدنية، وعمومًا وأود التأكيد إلى كون النظام السياسي السابق لم يُمارس سلطته خلال الفترة من 1969- 2011م من فراغ وإنما مارس هذه السلطة في ظل واقع مجتمعي رآه، فوضع عدد من القيود والحدود وطلب من القبائل والمناطق التفاعل مع تلك القيود والحدود ومع تراكم عدد السنوات أصبح هناك نوع من التسليم والانقياد حول تلك القيود والحدود لا يستطيع أحد تجاوزها.
• يرى الكاتب في الصفحة (178) بأن القبيلة بدء من 2013م صارت تؤدي وظيفة إيجابية في تقريب الشقة بين الفرقاء المتنازعين، والعمل على خلق فرص الحوار الوطني الليبي. وأعتقد بأن الدور الإيجابي للقبائل بدأ مع سقوط النظام السياسي 2011م، فقوافل الإغاثة والمصالحة الوطنية بدأت مع سقوط النظام، وأتذكر هنا قوافل الإغاثة التي قامت بها المناطق والقبائل الليبية في تخفيف معاناة بعض المناطق والقبائل المتضررة من حرب 2011م مثل مدينة سرت، وبني وليد، وسبها، وكذلك بالنسبة لدور القبائل في المصالحة الوطنية، فجل اتفاقيات المصالحة التي جرت ما بين القبائل المتصارعة ما بعد سقوط النظام، تمت من خلال القبائل الليبية خاصة في المنطقة الغربية أو الجنوبية.
• جاء العنوان الرابع من الجزء الثاني من الفصل الأول تحت عنوان : الفاعل الإسلاموي ودوران الأزمة الليبية، في الصفحات (180 - 188) ويرى الكاتب بأن هذا الفاعل يعمل بحزم من أجل فرض الدولة الدينية حتى وإن كان بالحديد والنار، وهذا الفاعل يرى في التركيبة القبيلة مجرد أداة حرب، فيتحالف معها حسب السياقات والمخططات قصد استعمالها في الصراعات المسلحة وتصفيات الخصوم، فالفاعل الديني مبني على أساس أنه فاعل معولم معتمد على تحالفات إقليمية ودولية، لم يُكرس روح الوفاق على الرغم من كونه يزعم الانتماء إلى منظومة أخلاقية أساسها نبذ الفتنة والعنف. أعتقد بأن هذا الفاعل يعد من أصعب وأشرس الفاعلين، لأنه أحيانا ليس ضد السلطة، كما أنه ليس معها بالضرورة، بل أنه معها في علاقة شد وجذب، فهو في حالات صراع وحرب لتطبيق وإنجاز مشروعه العابر للحدود، بالتالي ربما كان بحاجة إلى تحليل أكثر.
• ينتقل الكاتب بعد ذلك إلى العنوان الخامس والأخير من الجزء الثاني من الفصل الأول، والذي جاء تحت عنوان: عبر آنية مستقاة من الحالة الليبية أو كيف يمكن أن نقرأ فبراير 2011م؟. ففي الصفحات (190- 203) يلج الكاتب بعد التشخيص والكشف والتحليل إلى وضع عدد من العبر، أهمها يتوجب على الشعوب تحدد اختيارها ونحت مصيرها، ولا تغيير دون بديل ناجع، وتقديس الثروات الوطنية واحترام حق الأجيال فيها، وضرورة الدولة باعتبارها وازعًا اجتماعيًا. أعتقد بأن جل ما طرحه الكاتب بحاجة إلى وقفة جادة للتدبر لضمان عدم تكرار الأخطاء والإخفاقات، وأعتقد بأن تلك العبر، جاءت بناء على تشخيص وتحليل الواقع المجتمعي وعلى شواهد رآها الكاتب بالبصيرة متاحة له، وستشعر بها ربما بالحس السيوسولوجي، فهي أقرب إلى الممارسات الجيدة التي يتوجب تطبيقها وممارستها، والأخذ بها بعين الاعتبار عند بناء الدولة الليبية، وكأن الكاتب يريد القول بأن الأزمات دائمًا ما تكون حافزًا للتغيير، والإخفاقات ربما تشكل نجاح إذا ما تعلمنا منها.
• بعد ذلك ينتقل الكاتب إلى الفصل الثاني من الكتاب حيث قسم هذا الفصل إلى جزئيين؛ تضمن الجزء الأول ثمانية عناوين رئيسة، في حين تضمن الجزء الثاني عنوان واحد فقط، وجاء عنوان الفصل الثاني تحت مسمى " المدنية الليبية الجديدة شروطها ومراحلها " وبدأ الكاتب في الصفحات (205- 211) تحت عنوان المدنية تعريفا وفلسفة وممارسة، بتعريف مفردة المدنية التي تعني من حيث الاصطلاح الاحترام العام، واحترام الفرد – المواطن للمجموعة التي يعيش بينها من حيث قوانينها والتزاماتها وتعهداتها، كما يرى أيضًا بوجود تكامل بين مفهومي المدنية والمدينة إلى جانب وجود فوارق بين اصطلاحية ودلالية بين المدنية والمواطنة، فالمواطنة معيشًا يوميًا في حين تعرف المدنية على كونها حالة حقوقية وقانونية وسياسية، فلا توجد مدنية بلا مدينة حسب قول سقراط، وبين كذلك بوجود فوارق بين المدنية والمواطنة فيمكن أن يكون الفرد مواطنًا وأن يتمتع بمزايا المواطنية، ولكن دون أن يرقى إلى منزلة المدنية ودون أن يصبح فعليا مدنيًا، وتطرق الكاتب إلى تلك المفاهيم ودلالاتها بكثير من الشرح والتفاصيل، ويصل إلى استنتاج مفاده الحاجة المجتمع الليبي إلى مشروع المدنية كونه حاجة ماسة لاستكشاف سبل المدنية الجديدة، وإلى تجديد مضامينها بما يتلاءم مع تطورات العصر من جهة وبما يكفل إنجاز مشروعين متكاملين هما
1. إعادة بناء الشخصية القاعدية الجماعية
2. إعداد الإنسان الجديد المتأصل في تراثه الفكري والحضاري
• الصفحة (211) يبدأ الكاتب بالحديث عن المدنية الليبية: مراحلها ومضامينها وآلياتها، حيث يقول الكاتب بأن المجتمع الليبي عرف خلال الفترة من (2011- 1969) تورط القبيلة في الشأن السياسي على تعقيداته ومؤازرتها لاختيارات محددة أقل ما يقال فيها أنها صعبة، وبين بأن خارطة " الأحقاد" وروح الصراعات هبت وعادت من جديد خلال 2011م، بعدما كادت تتلاشى في النصف الثاني من عقد الستينيات القرن العشرين. لقد لامس الكاتب في تحليله جوانب الضعف والاخفاقات التي يُعاني منها المجتمع الليبي، من خلال افتقاد أفراد المجتمع لفلسفة المدنية العميقة، مثل احترام الآخرين وتدربهم على الشعور بالمسؤولية، وعلى إعطاء الغلبة للحوار البناء والنافع للمجموعة على حساب أية اعتبارات أخرى، والتي أدت إلى عدم الاستقرار المجتمعي، ولتحقيق ذلك الاستقرار يرى الكاتب ضرورة الصهر المجتمعي الذي يستهدف ثلاثة مستويات، هي
1. صهر الكيانات الميليشوية المسلحة
2. صهر القبائل في المجتمع الشامل
3. صهر الهياكل والكيانات الخارجة عن السلطة.
• في الصفحات ( 213- 215) يؤكد الكاتب على أهمية المشروع المدني فهو الأقدر عمليًا على خلق جيل جديد متشبع بروح الحقوق والواجبات ومقدس للشأن العام وحريص على النفع العمومي، من خلال إشراك جميع المؤسسات التي تتشارك جزئيا أو كليا في عملية التنشئة الاجتماعية سواء على مستوى الأسرة، أم المؤسسات التعليمية ، أم الإعلام، أو النوادي والجمعيات، بغية إعادة العقل الليبي، وهو العقل يقبل الحوار والتفاوض ويؤمن بفلسفة العيش المشترك والتعايش السلمي وبضرورة الدولة وحقها في احتكار العنف المشروع، بعد هذا الزلزال المجتمعي الذي هز كيانه.
• يتطرق الكاتب بعد هذا التمهيد لماهية المدنية إلى طرح الموضوع الأول من العنوان الأول الذي جاء تحت مسمى" الاختلاف شرط المدنية وضمانة العيش المشترك في ليبيا وغيرها من المجتمعات في الصفحات (217- 229) يبدأ الكاتب بطرح بعض التساؤلات منها: هل ثمة فعلاً ضرورة اليوم للاختلاف في مجتمعاتنا الراهنة؟ ويرى بأن الإنتاج الفكري والفلسفي وسوسيولوجي أصبح متنوع ومتعدد المشارب يسعى إلى تحليل علاقة الاختلاف والآخرية والغيرية بالواقع اليومي المعيش وبحياة المجتمعات والأفراد، فأوروبا على سبيل المثال استطاعت أن تستقر سياسيًا واجتماعيًا عندما جعلت ثقافة الاختلاف مصدرًا من مصادر هويتها ومرتكزًا أساسيًا من مرتكزات نظامها المجتمعي والثقافي والقيمي، فالاختلاف بناء ذهني وثقافي ضروري للإنسان يستلزم الديمومة الاقناع والتأثير في الأفراد، وهو قابلة للتحقيق والممارسة شريطة توفر الإرادة من جهة وشريطة الحرص على إغناء الآخرية والغيرية بالواقع اليومي المعيش وبحياة المجتمعات والأفراد. وفي هذا السياق نود التأكيد على أهمية بناء ثقافة الاختلاف في المجتمع الليبي – المفقودة- ونسبية الحقيقة، فالاختلاف سيؤدي لا محالة إلى تلاقح الأفكار، للولوج إلى المقاربات والتصورات والمتمثلات المتنوعة التي تستطيع مواجهة الانكسارية، والهشاشة الإنسانية من أجل تنظيم المعيش اليومي المشترك وتحصين المجتمع حتى يصبح كما أوضح الكاتب نظاما مجتمعيا وقيميا قابلا للحياة، كما نود التأكد أيضًا على أهمية أن تكون التصورات أو المقاربات ثلاثية الأبعاد، بحيث تكون صورة المقاربات أو التصورات أوالمتمثلات المطروحة مثل تقنية صورة ثلاثية الأبعاد 3D، وهذه الثلاثية كما طرحها الكاتب تعتمد على ضرورة الاختلاف وتقديسه، واحترام الاختلاف والعمل على ممارسته في المعيش اليومي، وأخيرًا قبول بالآخر على رغم من الاختلاف معه، بحيث تصبح ثقافة الاختلاف ممارسة يومية في المجتمع الليبي.
• ينتقل بعد ذلك الكاتب إلى العنوان الثاني من الجزء الأول من الفصل الثاني والذي جاء تحت عنوان " الحوار وبناء العقد الاجتماعي والأخلاقي، : الشروط والمتطلبات، ففي الصفحات من (230-237) يوضح الكاتب بأن انفجار " الربيع العربي" جاء من أجل تشجيع الحوار بين مختلف الفاعلين ومراجعة مرتكزات العيش المشترك ومتطلباته، فالتضامن - كما يراه دوركايم - في المجتمعات البشرية يعد باني العلاقات ولروابط الاجتماعية ومحصن المجتمع من الهزات والتوترات المدمرة، ويأتي الحوار كشرط لذلك التضامن المجتمعي، فالحوار حسب وجهة نظر الكاتب يعد أكثر الحاحًا لضمان استقرار المجتمعات بعد كل الرجّات السياسية والاجتماعية والتغييرات الدينية العنيفة، وتناول الكاتب عدة مفاهيم للحوار، وبشكل مبسط، فمثلاً يراه : تفاعل فكري إيجابي الذي يُغني عن الخصومة، عن الاتهام المتبادل وعن التخوين والتكفير واستبعاد الآخر الذي من شأنه أن يكسب الحوار رفعة وسموا أخلاقياً وفكرياً. وأتفق مع الكاتب إلى حاجة المجتمع الليبي إلى تأصيل ثقافة الحوار، ونبذ الإقصاء والعنف ودون إقصاء أو استبعاد، ودون اللجوء إلى أساليب القمع وتصفية الآخر.
• تحت عنوان مجتمع المساواة وليس مجتمع الغلبة والإقصاء الصفحات (238- 243) يُوضح الكاتب أهمية محاورة المغلوب ضرورة فكرية، فهي تُشكل مدعاة للتأمل والتدبر واستلهام العبر ومراكمة الخبرات، فالحوار كما يراه الكاتب طارد للضغينة ونابذ للحقد ومطهر للمجتمعات من أدران الخراب، وهو بالتالي تحصين ليبيا من الداخل والخارج في مواجهة التوترات والأزمات. أعتقد بأن جل ما طرحه الكاتب حول هذا الموضوع ليس محل خلاف.
• في الصفحة (240) يُبين الكاتب بأن "عدد المهجرين يفوق تعدادهم 2 مليون نسمة حسب الجهات العارفة". تفتقر هذه المعلومة إلى مصدر محدد، وفي هذا الصدد أود التأكيد بأن عدد المهجرين قسريًا من مناطقهم غير معلوم، لكن الرقم المذكور أعتقد بحاجة إلى تحديد مصدره.
• في الصفحات (244- 248) يرى الكاتب بأن التوافق يعد ضرورة مجتمعية ليبية راهنة ومستقبلية، فالحوار هو فن إدارة الاختلاف وتنظيم العيش المشترك والوصول إلى بناء التوافق السياسي والاجتماعي بالرغم من المعوقات، فالتوافق هو نمط تفكير ورؤية للحياة والعالم تنبني على القبول بحق الاختلاف والتعدد. في الحقيقة استعراض وتحليل متميز لمفهوم التوافق ودلالاته وربطه بمفهومي الحوار والاختلاف بشكل منطقي.
• ينتقل بنا الكاتب بعد ذلك إلى العنوان الثالث من الجزء الأول من الفصل الثاني تحت عنوان المواطنة ودورها في مرحلة الأزمات في الصفحات (248- 260) أوضح الكاتب بأن المواطنة لا تولد جاهزة مع الفرد وإنما هي تُبنى بناء تدريجيًا، وتطرق إلى الجذور والسياقات التاريخية لمفهوم المواطنة، وربطها بالمشاركة في الشأن العام، وقدم الكاتب حزمة من المفاهيم والدلالات، فالمواطنة مثلاً : كما يراها الكاتب تحول دون اللجوء إلى العنف والاحتكام إلى القوة وهي تولد شراكة في مواجهة الآفات، لذا من المهم الاستثمار في قيم المواطنة. في الحقيقة ما تم طرحه الكاتب من مفاهيم ودلالات تُبين امتلاك الكاتب لمهارات متميزة في الاستعراض المفاهيمي من جهة، إضافة إلى مهارات ربط الأفكار بعضها ببعض، لتجعل جل الموضوعات المطروحة أكثر تماسكًا وبشكل منطقي ومتميز.
• في الصفحات (260- 270) يضع الكاتب العنوان الرابع من الجزء الأول من الفصل الثاني وهو: التوافق من أجل القيم المدنية المشتركة: أية قيم يريد المجتمع الليبي؟ يبدأ الكاتب كما عودنا بمدخل عام، ومن ثم البدء بطرح التساؤلات. وفي هذا الصدد يطرح الكاتب سؤالين هما: هل إن مراجعة نظام القيم ضرورية اليوم في المجتمع؟ وما هي القوى المجتمعية المؤهلة أكثر من غيرها لإنجاز مثل هذه المراجعة القيمية الضرورية؟ حيث يرى الكاتب الحاجة للتخلي تدريجيًا عن القيم السالبة في المجتمع، وأن يتم استبدالها بقيم عقلانية جديدة يكون تأثيرها إيجابيًا على الأفراد حتى تحفزهم على الاقتناع بالمواطنة وبالإنتاج، وحاول الكاتب بشكل متميز ربط الإجابات بمفاهيم القيم بالمواطنة وبالحوار وعمليات التوافق المجتمعي وإدارة العيش المشترك، ويرى الكاتب إن مكونات المجتمع تتوافق اعتمادًا على آليتي الحوار والتفاوض من أجل ضبط أولويات القيم وتحديد المدة الزمنية الضرورية لإنتاجها أخذًا في الاعتبار خصوصيات المجتمع الذهنية والثقافية والاجتماعية والتاريخية وطبيعة انتظارات الأفراد وحاجيات البلاد المستقبلية.
• ينتقل الكاتب مباشرة إلى العنوان الخامس من الجزء الأول من الفصل الثاني الذي جاء تحت عنوان "العقل المدني الليبي : شرط التعايش ورهان المستقبل في الصفحات ( 271-275) قام الكاتب بتفكيك مصطلح العقل المدني الليبي وإعادة تركيبه بغية فهمه، فالتمثلات والعلاقات – حسب وجهة نظر الكاتب – كلها من إنتاج آلية واحدة، ألا وهي آلية العقل، فالعقل هو محصلة الشرائح القبلية والاجتماعية الثقافية والدينية التي تراكمت على امتداد فترات مختلفة من الزمن والتي شكلت ما سمى اليوم بالعقل الجماعي، ويرى الكاتب بناء على التحليل السابق بأن من مظاهر الأزمة المجتمعية الليبية هو تعاضد العقول الأربعة الصغرى أيّ العقل السلطوي، والعقل القبلي، والعقل الأخلاقي، والعقل الغنائمي صلب العقل الشامل في إنتاج نظم فكرية ومعرفية وأخلاقية تؤبد السلطة والقبيلة والغنيمة، وبالتالي إنتاج تأبيد الأزمة العميقة، وللخروج من هذه الأزمة يرى الكاتب بضرورة قيام ثورة العقل المدني، وهو العقل الجماع للاختلاف والتنوع، والمدنية هي أساس التنوع وهي أيضًا تكريس روح الاختلاف وهي شرط من شروط بناء الدولة والمجتمع. في الحقيقة هناك ربط منطقي للأفكار، بواسطة مجموعة من المفاهيم والدلالات التي تمكن القارئ من إدراك العلاقات التي تحكم أهمية وجود العقل المدني الليبي برهانات المستقبل الدولة الليبية.
• في الصفحات (276- 279) يضع الكاتب العنوان السادس من الجزء الأول من الفصل الثاني والذي جاء تحت مسمى "الدولة المدنية في ليبيا: شروطها وإمكانيات إنجازها، حاول الكاتب التأكيد أهمية قيام دولة ضامنة للمواطنة والحقوق العامة والأساسية والمساواة الاجتماعية وحسن توزيع الثروات الوطنية، وصاهرةّ للهياكل الاجتماعية الأولية ومنجزة للعدالة والمساواة بين الأفراد وكافلة للكرامة البشرية، وفي هذا السياق طرح الكاتب سؤال عن أية احتمالات ستكون في ليبيا للدولة المدنية أم الدولة الدينية؟ واستعرض الكاتب أهم المحطات التاريخية حول مسيرة الدولة الدينية في بعض المجتمعات البشرية سواء مع الحضارة الفراعنة، أم الديانة اليهودية، ومن ثم المسيحية، ووصولًا إلى المجتمع الإسلامي، حيث بين الكاتب بأن الإسلام لم يعرف تجربة الدولة الدينية على الرغم من وجود روابط ظاهرة بين نشوء الدولة الجديدة وبين الرسالة السماوية، حيث أكد بأن الدولة الإسلامية الناشئة كانت مدنية أساسًا أيّ تقبل الاجتهاد البشري. إن أبرز ما يلاحظ من الاستعراض السابق وهو أن الكاتب طرح عدد من المفاهيم المهمة، والأساسية التي لا يمكن لأيّ تقدم مجتمعي أن يحصل بدونها، مثل الحوار، والاختلاف، والتوافق، كما أن التركيز على مواطن الضعف أو السلبيات الموجودة في المجتمع الليبي أنما تهدف إلى وضع أسس وقواعد صحيحة بشكل متماسك.
• بالرغم من كون الكاتب طرح سؤال حول عن أية احتمالات ستكون في ليبيا: هل للدولة المدنية أم الدولة الدينية؟ إلا أنه نجده تحدث أيضًا على احتمال بروز الدولة العسكرية، بالتالي ربما كانت هناك حاجة إلى إضافة هذا الاحتمال إلى السؤال المذكور، وبين الكاتب أيضًا حاجة ليبيا إلى دولة توافقية والتي تعني – حسب وجهة نظره - روح المواطنة، فلسفة وممارسة، وتعمل على منع الصدامات والتوترات السياسية منها والمسلحة والدفع باتجاه الحوار المفضي بطبيعته إلى التوافق المؤسس والبناء. في الحقيقة مفهوم الدولة التوافيقة غير واضحة المعالم والحدود والدلالات، في حين تناول مفهوم ودلالات الدولة الدينية – التيوقراطية بإسهاب وتحليل كبيرين، بالتالي الأمر ربما يحتاج إلى توضيح أكثر فيما تعلق بالدولة التوافقية، فمثلاً : هل التوافقي يعني مثلا : الخلط بين المدني والديني والعسكري؟ كما أن السؤال المطروح من قبل الكاتب حول احتمالات دولة مدينة أم دينية ربما بحاجة إلى مراجعة، بمعني هناك حاجة إلى إضافة احتمال جديد وهو الدولة التوافيقة، وفي الصفحات (285- 286) يقول الكاتب " التعدد العرقي في المجتمع الليبي على النقيض من القراءة التي تغلب مبدأ التجانس" في الحقيقة المقولة مقتضبة جدًا وكانت بحاجة إلى توضيح، بالرغم من كون المجتمع الليبي حسب وجهة نظر محمود أبو صوة " تمكن خلال رحلة طويلة وشاقة من الانتقال من حالة التشتت والفرقة إلى حالة التناغم داخل مجال أسهمت الجغرافيا بلاد الواحات وليس النظام القبلي في رسم أهم ملامحه2" وحاصل القول أنه لا يجوز أن نطلق تعميما مطلقا دون الولوج إلى شرحه وتوضيحه.
• في الصفحة (287) يطرح الكاتب سؤال وهو : إذن ما العمل؟ حيث يرى الكتب بأن الليبرالية إذا ما تزاوجت مع الرأسمالية المتوحشة تصبح مشكلة عويصة وذات تأثير سالبة خاصة في المجتمعات الهشة والانكسارية، ولكن الليبرالية كما يراها الكاتب ليست فقط اقتصادًا وتنمية وهو الجانب الذي يقول الكاتب لا نريد تبنيه البتة، إنها كما يقول أيضًا الثقافة السياسية، ويطرح هنا الكاتب مفهوم الليبرالية المقننة والمنظمة، وهي – حسب وجهة نظره- توفر بعدًا ثقافيًا وحقوقيًا لا استغناء عنه، ويقول : أنها المدنية التي لا محيد عنها بالنسبة إلى كل المجتمعات" ويستطرد الكاتب قائلاً: أن مقترحنا الفكري ينبني على الدعوة إلى الفصل بين الشق الاقتصادي الليبيرالي وبين الشق الثقافي والسياسي الذي نحن بأشد الحاجة إليه" وبعد ذلك يقول الكاتب " أن النقاد سيقولون إن الليبرالية كل شامل ، فلسفيا وسياسيا واقتصاديا وقيميا".أعتقد بأن مفهوم الليبيرالية المقننة والمنظمة ربما تحتاج إلى توضيح أكثر من حيث المفاهيم والدلالات ، وربما نكرر السؤال الذي طرحه الكاتب وهو : هل يمكن فصل الجانب الثقافي والاجتماعي عن الجانب الاقتصادي عند تطبيق وممارسة الليبرالية؟ !.
• في الصفحة (289) يطرح الكاتب مفهوم الاقتصادي الاجتماعي التضامني، في بضعة أسطر معدودة بالرغم ما يمثله هذا المفهوم من كونه حلا من الحلول الناجعة التي طرحها الكاتب، إلا أنه لم يتطرق إلى توضيح مفهومه ودلالاته ومبادئه وخصائصه ومزاياه. بشكل عام أعتقد بوجود حاجة إلى التوسع في قراءة مشروع الاقتصاد الاجتماعي التضامني لتمكن القارئ من فهم واستيعاب المقصود بشكل أفضل وأعمق، وكذلك تبرز الحاجة إلى وجود أمثلة دامغة التي تُبين صحة التوجه إلى مشروع الاقتصاد الاجتماعي التضامني.
• ينتقل الكاتب بعد ذلك إلى العنوان السابع من الجزء الأول من الفصل الثاني والذي جاء تحت عنوان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أساس الديمقراطية المدنية : قراءة في ظاهرة الفساد في الصفحات (290- 301) يوضح الكاتب إلى إغفال الأدبيات في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين عن معطى مهم وهو معطى الفساد ودوره في تعطيل التنمية وإهدار الموارد. بالرغم من كوني أعتقد بأنه ليس إغفال إنما مرتبط بعدم سماح النظم السياسية وخاصة العربية للبحاث بالتطرق لمثل تلك الموضوعات، وعمومًا يرى الكاتب بأن الفساد منتج لأشكال عديدة من الفساد الاجتماعي والسياسي والمالي والإداري، ويرى الكاتب بأن ظاهرة الفساد موجودة منذ عقود في المجتمع الليبي المعاصر، وازدادت ترسيخا وانتشارًا في الآن نفسه إلى أن أصبحت فعليا ظاهرة بنيوية، متغلغلة في مفاصل المجتمع، ويوضح الكاتب معطى سوسيولوجي لا يمكن إنكاره وهو كون الفساد المستشري في الأداء الاقتصادي خلال الفترة من 1986- 2010م أدت إلى "قتل" الطبقة الوسطى، ومنعت ظاهرة الاستقطاب الطبقي، على الرغم من كونها كانت دعامة أساسية للنظام السياسي منذ 1969م، وهي فرصة أخرى من الفرص المهدورة عمدًا، ولذلك تنامت حالة الإحباط والغضب لدى هذه الطبقة جراء الشعور بالإهمال الأمر الذي جعلها تندفع بقوة نحو التغيير السياسي سنة 2011م غير سائلة عن المآلات المحتملة. عمومًا فإن ما طرحه الكاتب ربما يشكل دعوة لمن أراد للبحث والكشف عن ظاهرة الفساد في المجتمع الليبي، ودوره في تعطيل التنمية وإهدار الموارد.
• في الصفحة (303) هناك حاجة إلى تعديل الفقرة التالية حيث يقول الكاتب " تجميد القانون رقم 15 لسنة 1984م حول موضوع الأجور في ليبيا" والصحيح هو قانون 15 لسنة 1981م للمرتبات.
• يصل الكاتب إلى العنوان الثامن من الجزء الأول من الفصل الثاني تحت عنوان "الحق في التنمية العادلة مكون أساسي من مكونات المدنية الليبية" في الصفحات (304- 309) يرى الكاتب بأن الإخفاق في تحقيق التنمية كانت سببًا مركزيًا من أسباب الانتفاضات العربية، إلا أن تلك الانتفاضات لم تحقق التنمية المرجوة، بالتالي تبرز الحاجة إلى البحث عن الحلقات المفقودة، فالتنمية كما يعرفها الكاتب "هي مجمل الإجراءات السياسية والإدارية والتنفيذية التي تسعى السلطات العمومية اعتمادًا عليها إلى تحقيق قدر من التنمية المحلية الخاصة بهذه المنطقة أو تلك" ويوضح الكاتب عدد من المشاكل القديمة – الجديدة التي يتم إعادة إنتاجها بصيغ مختلفة منها : غياب الاستقلالية، الارتباط بين السياسي وأشكال التوظيف، التخطيط الفوقي أو الارتجالي، التحالف الارتجال الإداري مع الفساد وإهدار الموارد، غياب التصورات اللامركزية، ويصل الكاتب إلى محصلة وهي ثمة صعوبات وإخفاقات عديدة يمكن أن نلمسها بالعين المجردة، وهي تعود في جذورها إلى تهميش الإنسان، بالتالي فإن الكاتب يدعو إلى تنمية الإنسان والتي تعني توفير البيئة الحاضنة لأن يكون الفرد شريكًا وليس متفرجًا معنيًا وليس مقصيًا، وقادر على الخلق والابتكار وليس مجرد مستهلك، وهذا يعني حصول عملية أسماها الكاتب بتثوير " منزلة الإنسان العربي". وعموما فإن الكاتب يرى بأن تعطيل المدنية ووجود شبكة الظواهر السلبية حال دون صناعة المعجزة الليبية التي يقول " نراها ممكنة بفضل العقل الليبي الخلاق والثروات الطاقوية والمادية المهمة وهي ممكنة التحقيق"، ولا شك أن القارئ قد لاحظ تركيز الكاتب على معرفة أسباب الإخفاقات والسلبيات، وكذلك البحث عن الوسائل التي تسمح بالتغلب عليها، بادئي الأمر بتجديد العقلية الليبية وذلك بغية أن ترى تلك العقلية الإخفاقات والسلبيات كما يجب أن تكون.
• بعد ذلك ينتقل الكاتب إلى الجزء الثاني من الفصل الثاني من الكتاب تحت عنوان "إعادة البناء في المجتمع الليبي شروطه ومتطلباته، يؤكد الكاتب على أهمية القيام بمراجعات عميقة في ظل انسداد الآفاق جراء انهيار الدولة بكل مؤسساتها واندثار النظام السياسي الذي حكم ليبيا من 1969 إلى 2011م، وحدد أولويات تلك المراجعة في مستويات ثلاثة رئيسة، إعادة بناء الشخصية القاعدية الليبية، وإعادة بناء العقل الليبي بناء حداثيًا ومدنيًا، وإطلاق مسيرة التحديث المجتمع الليبي من عقالها بعد كل هذا التعطيل، وهذا كله يتطلب ثورة تربوية وتعليمية وفكرية يراها الكاتب تتجسد في عدة مستويات منها : التربية على المواطنة والهوية الوطنية الليبية وعلى الانتماء إلى البلاد، والتربية على تقديس الجهد المنتج والعمل والإنتاج، والتربية على حسن إدارة التفاوض وفن الحوار، وتطهير الذاكرة التاريخية وتخليصها من الأحقاد. في الحقيقة جل ما طرحه الكاتب من مستويات الجد مهمة تحتاج إلى وقفة للتدبر لضمان الاستفادة من الطرح المذكور في عملية إعادة البناء في ليبيا، وعلى هذا النحو فهي دعوة إلى إعادة بناء العقل الليبي وتحريره من قيود واستعباد الفكر الواحد، حتى يتمكن من رؤية الحقائق كما يجب أن تكون.
• طرح الكاتب في الموضوع الأول من الجزء الثاني من الفصل الثاني عنوان "إعادة بناء ليبيا: الشروط والمتطلبات، في الصفحات (314- 317) ويسعى الكاتب من خلال إثارة هذا الموضوع إلى البحث عن مواطن القوة والفرص المتاحة من الزلزال المجتمعي 2011م حسب ما يسميه الكاتب، وذلك للاستفادة منه في تحصين ومناعة المجتمع، ولتحقيق ذلك طرح الكاتب عدة تساؤلات يحاول من خلاله الولوج إلى إجابات للموضوع المذكور وهو كيف يتم إعادة بناء ليبيا؟. حيث يرى بأن الحل ليس سياسيا أو اقتصاديا فقط، وإنما هو تربوي وثقافي ومعرفي، فالأزمة الليبية كما يقول الكاتب هي في عمقها ثقافية، ولذلك هي تحتاج إلى فلسفة موجهة قبل أن تحتاج إلى الموارد، ويقسم الكاتب عملية إعادة البناء إلى عائلتين متكاملتين هما: عائلة المراجعات البنيوية التحتية والمادية والمؤسساتية، وعائلة المراجعات التربوية والثقافية المتكاملة، وعمومًا يحاول الكاتب في هذا العنوان التأكيد على أن أهم أسباب الخروج من الإخفاقات والأزمات هو أن نبدأ في التفكير والممارسة.
• تطرق الكاتب في الصفحات (317- 324) إلى أولويات المراجعات البنيوية التحتية والمادية والمؤسساتية، وهي الأولوية الأولى استئصال كل مظاهر العنف المسلح ، والأولوية الثانية إعادة بناء الدولة المدنية العادلة والضامنة لإدارة الشعب والحريصة على الديمقراطية والتي تتضمن إعادة إحياء مؤسسة الجيش والمؤسسة الأمنية، والأولوية الثالثة بناء حكومة وحدة وطنية، والأولوية الرابعة إعادة بناء الاقتصاد وتنمية شفافين وعادلين، والأولوية الخامسة إعادة بناء الإدارة الليبية بناء حديثا، والأولوية السادسة إعادة بناء البنية المؤسساتية والثقافية والصحية. في حقيقة جل ما طرحه الكاتب مهما من حيث أهمية الموضوعات، لكنها ربما تحتاج إلى إعادة ترتيب الأولويات، فمثلا: الأولوية الأولى عند استئصال مظاهر العنف ربما يُطرح تساؤل مهم وهو: من الذي سيقوم بهذه العملية؟ وما هي الجهة التي يناط بها استلام الأسلحة؟ وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأولوية الثانية والثالثة، ما هي الجهة التي ستقوم بعمليات بناء المؤسسة العسكرية أو الأمنية؟ . أعتقد الأمر بحاجة إلى وجود حكومة وطنية قوية قادرة على فرض إراداتها على الجميع، بالتالي تبرز الحاجة إلى إعادة ترتيب هذه الأولويات حسب ما تقتضه المرحلة وتحتاجه من مقومات، وتبرز الحاجة إلى تضمين المؤسسات التعليمية ضمن عنوان الأولوية السادسة إلى جانب المؤسسات الصحية، كونها بحاجة إلى صيانة أو إعادة بناء أو بناء جديد، بالرغم من كون الكاتب تطرق إلى مؤسسات التعليم في متن هذه الأولوية دون تضمنيها في العنوان الرئيس للأولوية السادسة.
• أما العائلة الثانية من الأولويات الثقافية والتربوية والرمزية في الصفحات (324- 344) فيحددها الكاتب في التالي: الأولى: إعادة بناء العقل الليبي بناءً حديثًا، والثانية إيجاد السياسات التربوية والثقافية الملائمة لإعادة البناء، والثالثة تطوير البنيات الاجتماعية وتحديث المجتمع، والرابعة إعادة بناء المنظومة القانونية وتحديث التشاريع الليبية، والخامسة الاستثمار بسخاء في كرامة الشباب مستقبل ليبيا، والسادسة ضرورة تفعيل واقع المرأة وتمكينها سياسيًا واجتماعيًا، في الحقيقة ربما تحتاج هذه العائلة إلى ضبط العنوان ففي الصفحة ( 317) ذكر الكاتب اسم العائلة المراجعات التربوية والثقافية المتكاملة في حين تم ذكرها في الصفحة (324) تحت عنوان عائلة الثقافية والتربوية والرمزية، فالأمر بحاجة إلى ضبط بعض العناوين، وكذلك إعادة ترتيب بعض الأولويات، فإعادة بناء المنظومة القانونية ربما تأتي بعد إعادة بناء العقل الليبي، وقبل إيجاد السياسات التربوية والثقافية.
• وفي سياق الحديث عن الأولويات نود التنويه إلى ملاحظة جد مهمة وهي وجود محنة لا يزال يعيش فيها المجتمع الليبي وهي محنة الأولويات، ففي ظل غياب أهداف واضحة ومحددة للتغيير الحاصل في 2011م، غابت أيضا مسألة تحديد الأولويات المجتمعية، ولاحظنا سعى الحكومات المتعاقبة منذ 2011- 2019م على وضع مسألة ترضية المناطق والقبائل المنتصرة في أولويات عملها.
• في الصفحة (325) يقول الكاتب " التاريخ الصراعي الطويل بين مصراتة وبين الزنتان والمشاشية من جهة وبين الزنتان والصيعان من جهة أخرى" أعتقد بأن الجملة بحاجة إلى مراجعة وتدقيق تاريخي فحسب معلوماتي لا يوجد صراع بين مصراتة والزنتان أو بين الزنتان والصيعان.
• لقد أعجبتني مقولة الكاتب في الصفحة (327) عندما يقول "فمن يروم تغيير مجتمعه عليه الإمساك بناصية الفكرة، وهذا يعني التفكير بعقل متجدد، كي نرى الأشياء كما يجب أن تكون.
• يخلص الكاتب إلى مجموعة من الاستنتاجات الهامة، ففي الصفحة (343) يقول بأن ليبيا اليوم هي مجتمع الورش المفتوحة بلا عد أو حصر لأنها تمر بمرحلة التأسيس من العدم تقريبًا، فلم يعد من المفيد منهجيًا وسياسيًا التركيز على أخطاء الماضي، وإنما يكون مفيدًا على النقيض من ذلك التركيز على البناء الجديد، من خلال اللقاء بين مكونات المجتمع الليبي والعمل على توافق التصورات والمشاريع والخطط حول الكليات الأساسية كحد أدنى من أجل ضمان الاستقرار ومعاودة الانطلاق، ويتوجب أيضًا بناء جسور الثقة بين الفاعليين السياسيين والقبليين والدينيين وبين المجتمع، كما يرى الكاتب بأن إنجاز ذلك مرتهن بتحقيق المصالحة الوطنية وتغليب العقل المدني وتعميق روح الحوار كإطار دافعًا للعدالة الانتقالية التسامحية وغير الانتقامية، وفي الصفحات (345- 351) يعرض الكاتب خاتمة الكتاب، وأعجبتني استعانة الكاتب مقولة لخليفة علي بن أبي طالب " أيها الحق ما تركت لي من صاحبًا" وأكاد أجزم بأن الكاتب قد عاش تلك الكلمات المؤثرة، خصوصًا عندما يكون هذا الصاحب من ذوي العقل القبلي الذي لا يقبل أيّ نقد البتة، ويختم الكاتب بملاحظات جد مهمة وهي ضرورة إيجاد القارئ الجيد والقراءة الموضوعية، والتدبر والتفكير بشكل جدي وعقلاني فيما حصل في 2011م. وهذا يعني أن ما يعزز عقول البشر ويوسعها التأمل والتدبر الحر والجريء في أرفع المواضيع وأسماها، واستعين هنا بمقولة لسقراط يقول فيها "ما استحقت الحياة أن نعيشها إذا لم نتأملها جيداً". فالقراءة المطلوبة كما يقول الكاتب هي التي تملك الجرأة العلمية على التشخيص الاختلالات العميقة وعلى التنبيه إلى المخاطر من شراكة جماعية في الإخفاق وإلى ضرورة تجاوز النقص المنهجي في الشخصنة الحصرية للازمة. فالقراءة تمد العقل فقط بلوازم المعرفة، أما التفكير فيجعلنا نملك ما نقرأ، كما دعا الكاتب إلى ضرورة تجديد بنيان المجتمع الليبي من أجل سبل القوة، من خلال بناء توافق بين كل مكونات الليبية من أجل التعايش السلمي، وبناء فلسفة مدنية جديدة في مجال العيش المشترك، وإعادة بناء الدولة الوطنية بكل عناصر القوة وموارد الصلابة والتحصين والمتانة، وأخيرًا حسن تحصين الموارد المالية والطاقوية الليبية وحسن استثمارها في إعادة الانطلاق والتأسيس والعمل على استئصال كل جذور المنتجة للإقصاء والانكسارية الاجتماعيين.
ملاحظات عامة:
• هناك ملاحظة من خلال قراءة هذا العمل، وهي بالرغم من المحاولات الحثيثة التي قام بها الكاتب لتوثيق ما أمكن من معلومات، إلاّ أنّ العمل في بعض جوانبه شكل مادة وصفية مصحوبة ببعض التفسيرات والمقاربات تفتقر إلى الشواهد والممارسات والمؤشرات الدالة على ذلك.
• ربما تبرز مسألة ضبط المفاهيم فمثلا : لاحظنا بأن الكاتب استخدام أكثر من مفهوم للحاصل بليبيا في 17 فبراير 2011م، فمرة استخدام الانتفاضة، ومرة الانفجار، ومرة أخرى الزلازل المجتمعي، بالتالي أعتقد بأن الأمر كان بحاجة إلى تحديد ماهية الحاصل في ليبيا في 17 فبراير 2011م، فهل هو انتفاضة، أم انفجار، أم زلازل مجتمعي، أم ثورة، أو غير ذلك؟
• سعى الكاتب إلى نحث عدد من المفاهيم والمقولات الخاصة بالحالة الليبية ومحاولة ربطها في إطارها التاريخي، وتأكيد هيمنتها على الحالة الليبية خلال مرحلة ما بعد 2011م، وهذا ربما يطرح تساؤل حول الحالة الليبية، وهو: هل تُشكل الحالة الليبية حالة فريدة لا تمثلها حالات أخرى؟، من ثم قام الكاتب بنحت تلك المفاهيم الخاصة بالحالة الليبية!.
• بين الكاتب بأنه اعتمد على عدد من المقابلات المعمقة مع عدد من الليبيين، وعند القيام بمراجعة تلك المقابلات تبين أن عدد المقابلات التي اعتمد عليها الكاتب حوالي أربعة عشر مقابلة، سبعة مقابلات منها كانت قبل 2011م، ومقابلة واحدة في سنة 2013م، ومقابلتان كانتا في سنة 2016م، في حين كانت هناك حوالي أربعة مقابلات غير محددة التاريخ، مثل : الصفحة رقم (46) حيث يقول الكاتب أفادتنا مصادر سياسية مطلعة أن الدائرة المقربة من القذافي ...إلخ، وكذلك في الصفحة (73) حيث يقول جمعنا خلال بحوثنا شهادات عديدة حول تذمر رجال الأعمال والجامعيين أيضا من الدور السالب للمسؤولين من أصول بدوية، وكذلك في الصفحة (198) حين يقول حوارات معمقة مع سياسيين مقربين من السلطة في المرحلة السابقة حول أهمية الدولة القطرية وجدواها في مراحل الفوضى..إلخ، من ثم أعتقد الأمر كان بحاجة ربما إلى تقنين عمليات المقابلات الشخصية، وكذلك تبرز الحاجة إلى التركيز على سنوات ما بعد 2011م.
• أوضح الكاتب بأنه اعتمد في منهجيته على الملاحظة السوسيولوجية، إلا أنه لم يوضح كيف تم توظيف تلك المنهجية، خاصة ونحن نعلم بأن الملاحظة السوسيولوجية تكون مبنية على المعايشة المباشرة للظاهرة المراد دراستها، ومن جهة أخرى أعتقد بأن بعض جزئيات هذا العمل اعتمدت على التحليل البنيوي، حيث البحث في البنيات الخفية الكامنة وراء البنيات الظاهرة، كما تم الولوج إلى تحليل بعض الممارسات الصادرة عن النظام السياسي أو أفراد المجتمع بإيعازها إلى عوامل نفسية ومبررات سيكولوجية، بالتالي الأمر ربما كان بحاجة إلى توضيح وضبط أكثر.
• أود طرح ملاحظة أعتقد بأنها بحاجة إلى مراجعة وتدقيق من قبل الكاتب وهي وجود بعض المقولات والفرضيات المطروحة – من قبل الكاتب - لم تكن على مستوى واحد من حيث التشخيص والتحليل والتفسير، وهناك بعض المقولات أخذت حقها من حيث التشخيص والكشف والتحليل والتفسير مثل: مقولة المجتمع المعطل، ومحنة الصوت والفكر الواحد، والضيم المتعاضد، في حين توجد بعض المقولات تم ذكرها بشكل عابر دون أن تأخذ حقها في البحث والكشف والتحليل والتفسير السوسيولوجي، مثل: مقولة المعارضين الوافدين ونهم الغنائم.
• وأخيرًا يمكن القول بأن الكاتب استطاع إلى حد كبير الإجابة على سؤالين هذا الكتاب وهما
1. : كيف يمكن أن نقطع علميًا مع القراءة الأزموية لمرحلة ما بعد فبراير 2011م، وأن نجعل منها منطلقًا لمرحلة مؤسسة جديدة؟
2. وهل يملك المجتمع الليبي موارد تاريخية واجتماعية وسياسية واقتصادية وقيمية كافية لإعادة البناء ومغادرة حالة الإخفاق؟
حيث أشار الكاتب بأن ليبيا تملك فعليًا كل موارد القوة وإن طالت رحلة الفوضى، كما تميز الطرح بوجود رؤية استشرافية وأفكار وتصورات تنويرية تؤسس للمجتمع المنشود القائم على الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وحماية الحقوق، والحريات.
أن إجابات التي يطرحها الكاتب أنما هي في مضمونها رسالة صادقة إلى الشعب الليبي تصف واقعه بكل موضوعية وحيادية دون أيّ تزيف أو محاباة، وتطالبه بضرورة التدبر والتفكير في البحث عن حلول ناجعة فالأمر عظيم والمصيبة دهماء.
الهوامش :
- الصدارة هي مصطلح يستخدم في الأفراح الليبية وبقصد به النسوة اللاتي يلبسن الزي الوطني ويتزين في الأفراح ليكونوا في مكان معين ومحدد في الفرح.
2- محمود أبوصوة، مدخل لتاريخ ليبيا العام – جدلية المجال والهوية، ( طرابلس- ليبيا : دار الرواد ،2012) ص 619



#حسين_سالم_مرجين (هاشتاغ)       Hussein_Salem__Mrgin#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاحتجاجات المجتمعية في المنطقة العربية والحاجة إلى إعمال ال ...
- إصلاح منظومة التعليم الجامعي الحكومي في ليبيا - الواقع – وال ...
- ماذا تريد وزارة التعليم بحكومة الوفاق الوطني الليبية من مؤسس ...
- مشروع الجمعية الليبية لكليات التربية مدخلًا نحو إصلاح وتطوير ...
- الحراك المجتمعي في ليبيا 2011م والحاجة إلى مقاربات وتصورات ت ...
- الجودة وضمانها في التعليم ..المفهوم والدلالات
- البحاث والأكاديميين الليبيين...وسؤال إلى أين تتجه ليبيا ؟
- الشيخ والقبيلة في حرب طرابلس 2019م
- إلى أين تتجه ليبيا 2 ؟
- ظاهرة الفساد في ليبيا - الواقع وآليات المنع والمكافحة 2011- ...
- علم الاجتماع والنسيج الاجتماعي في ليبيا
- التعليم صناعة أيها السادة
- علم الاجتماع في الجامعات الليبية – دعوة لإعادة التعريف
- خطاب إلى فائز السراح رئيس المجلس الرئاسي- الحقيقة يجب أن تُق ...
- استنطاق المسكوت واستظهار المضمر في حكومة السراج
- ترهونة تتبنى رؤية جديدة لدور الجماعات المسلحة في طرابلس
- دليل مواصفات المدققين وضوابط تسمية وإعداد وتكوين فرق التدقيق
- معايير الجودة والاعتماد في التعليم الجامعي التحديات والرهانا ...
- فلسطين- انتفاضة شعب من جديد
- مراحل الحصول على الاعتماد الأكاديمي الدولي لبرنامج إدارة الأ ...


المزيد.....




- نيويورك.. الناجون من حصار لينينغراد يدينون توجه واشنطن لإحيا ...
- محتجون في كينيا يدعون لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ
- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - حسين سالم مرجين - مراجعة كتاب: ليبيا التي رأيت، ليبيا التي أرى: محنة بلد-