أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ليلى والذئاب: الفصل الثامن/ 3














المزيد.....

ليلى والذئاب: الفصل الثامن/ 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6395 - 2019 / 10 / 31 - 03:58
المحور: الادب والفن
    


حمّوكي، " مُهرّب العشّاق " ـ كما لقّبه صديقه متهّكماً ـ أثبتَ أنه جديرٌ بحل المعضلة، المتسبب هوَ بها. في البدء، وبحَسَب خطته، عمدَ إلى ايصال خبر هروب الابنة إلى والدها محمد آغا مع كشف شخص المتورّط؛ وهوَ الفتى البدويّ، الذي كان يعمل مستخدماً لدى عليكي آغا الصغير. ومثلما كان المأمول، هُرع الأب لمقابلة هذا الأخير فورَ علمه بالخبر. لم تساور الرجلُ الظنونَ، على الأرجح، حينَ التقى هنالك بملاحظ نواطير البستان. مع ذلك، طلبَ دون مواربة من حمّوكي أن يتفضل بالخروج من الحجرة، لأنه سيتحدث في أمر شخصيّ. فكم كانت دهشته كبيرة، لما سمع جوابَ المعنيّ: " إنني هنا، تحديداً من أجل حل موضوع اختطاف ابنتك "
" مَن أنتَ، أيها الصعلوك، كي تتجاسر فتكلمني بهذه اللهجة وتتطاول على شرفي؟ "، زمجر الآغا وقد لاحَ من حركته أنه في سبيله لاستعمال عكازه الأنيق بغيَة تأديب ذلك الفضوليّ. تدخل المضيفُ للحيلولة دونَ الرجل المجروح الكرامة وخصمه، راجياً من الأول ضبط النفس كي يتم التفاهم بشكلٍ عقلانيّ وحكيم. هدأ محمد آغا، ولعله فطنَ إلى أن مقامه لا يسمح له بالعراك مع رجلٍ أقل كثيراً من مستواه. بدا أنه قادمٌ فعلاً لمداراة الفضيحة بأي ثمن، قبل أن يعطي أوامره لرجاله بالخروج بحثاً عن الابنة الضالة وقتلها هيَ ومن تسبب بإغوائها. عند ذلك، قدّم له عليكي آغا الصغير بعضَ التفاصيل، المتعلقة بالوساطة المقترحة. ولكنه جعل حامل الرسالة وكما لو أتى إليه، كونه معلّم الفتى الهارب. في بادئ الأمر، أعلن الأبُ رفضه الاعتراف بزواج ابنته وشدد على أنه يُمكن أن يغفر لها لو عادت إلى المنزل: " كيفَ يُمكنني قبوله صهراً، ذلك البدويّ الأجرب! ". رد عليه المضيفُ، وكان آملاً بعدُ بتليين رأسه، " كلنا خلقنا من تراب، يا آغا. ويجب على المؤمن عدم نسيان حقيقة، أنّ حضرة الرسول نفسه من بادية الحجاز ". على الأثر، عندما تم تقديم الشاي للضيف، كان هذا قد وافقَ مُسبقاً على استقبال الهاربين. الرجل، أقسمَ أيضاً بشرفه ألا يُلحق الأذى بأيّ منهما. بعد ذهابه، علّق حمّوكي قائلاً: " كيفَ لنا الوثوق بكلمته، وهوَ قد أقسمَ بشيءٍ لم يعُد يملكه؟ ".

***
قرابة ثلاثة أسابيع، انقضت على تلك المقابلة العاصفة، وإذا صالحية الأكراد تشهدُ جادتها الرئيسة مشهداً فريداً يمتّ للغرابة أكثر منه للإثارة. مجموعة فرسان، عليهم أردية العربان البدو، ساروا الهوينا بخيولهم المزينة، يحيطون بهودجٍ شبيهٍ بحجرة صغيرة مغلقة، وقد حُمّل على ظهر جملٍ يتمايل يمنة ويساراً. ما أن وصلوا إلى الساحة الآخذة شكل الهلال، والمشكّل نجمَها مسجدُ سعيد باشا، إلا وصار بعضهم يرقّصُ فرسه فيما الآخرون أخذوا بإطلاق النار من بنادقهم. بضع خطوات، كانت تفصلهم عن منزل محمد آغا؛ بجدرانه الحجرية المنيفة، المفتوح في وسطها بابٌ حديديّ شامخ، مقوّسٌ من الأعلى. دليلُ هؤلاء البدو، لم يكن سوى حمّوكي. إنه هوَ، الماكرُ صاحبُ المكيدة، مَن تعهّدَ نقلَ رسالة والد الفتاة المخطوفة إلى الصهر الغاصب. هذا الأخير، اعتبر أهله قَسَمَ الأب، المعلوم، وكما لو أنه بمثابة مباركة لزواجه من المحبوبة. وكانت حكمة منهم، ولا شك، أنهم احتياطاً كانوا قد أجلوا العرسَ إلى حين نجاح الوساطة مع أبي الفتاة.
محمد آغا، وبرغم عدم توقعه هكذا استعراضٍ أقرب إلى الفضيحة، كان بدَوره قد أخذ احتياطاته. لقد سبقَ وتحصّنَ في استراحته بالبستان، مع أنّ الوقتَ أضحى على أعتاب الخريف. هداه تفكيره إلى حصر موضوع الابنة بقدر المستطاع، ومن ثم سيجعلها تدفع الثمنَ لاحقاً مع عشيقها. ولكن خطته انقلبت رأساً على عقب، لما حضرَ أحدُ رجاله لاهثاً كي ينبئه بوصول الموكب المهيب، مختتماً بالقول: " إنهم يتقدمون ببطء إلى البستان، بعدما عُلم أنكم هنا في الاستراحة ".
بناء على أوامر الآغا، تمّ على عجل نصبُ خيمة كبيرة في البستان بمقابل مقر إقامته. ذلك أنّ صالة الاستراحة، المخصصة للضيوف، كانت أضيق من أن تتسع لهذا العدد من الرجال علاوة على من سيحضرون بعد قليل. ذلك أنّ الدعوة وجهت إلى زعيم الحي ووجهاء آخرين، لحضور حفل عقد القران. الرجلُ المهان الكرامة، فضّلَ سخريةَ الناس على فضيحةٍ ستخسف أرضاً باسمه وسمعته ما لو انتشرَ خبرُ هرب ابنته. وكان حينَ اجتمع مع والد الفتى، الذي تصدّرَ الموكب مع شيخ قبيلته، قد أصرّ على أن يأتي الشيخ كي يعقد قران الابنة وكما لو أنها ما تفتأ عذراءً. خلافاً أيضاً للعُرف، جرى بعدئذٍ الاتفاق مع الرجل على المهر. بينما كان فلاحو الآغا يُشاركون بالرقص واللهو خارجَ الخيمة، مُدّت مائدة كبيرة في داخلها للضيوف والمدعوين، حفلت بأصنافٍ من المأكولات الكردية والشامية. كان الوقت قد أضحى على مشارف الغروب، وقد تصاعد في الجو المعبّق بنفح الريف رائحةُ شواء الحملان، التي كان البدو قد أحضروها احتفالاً بالمناسبة السعيدة.
لم يشفَ غليلُ محمد آغا من ابنته، سوى بنيلها العقاب على يده في المساء نفسه. العادة الكردية في ذلك الزمن، كانت تقتضي أن يقوم أشقاءُ العروس بضربها بالعصا في ليلة الزفاف وذلك لتأكيد سلطتهم عليها، الأبدية. " فاتي "، وهوَ اسمُ العروس، كونها بلا أخوة ذكور، فإن الأب أخذ على عاتقه حمل العصا. كان للعروس شقيقة وحيدة، وكانت طفلة بعدُ: ستُعرف هذه باسمها ولقبها، " نورا هلّو "، بعدما كبرت وصارت من نساء الحارة الأكثر سطوة. وإنها هيَ مَن منحت حليبَ ثديها لوالد كاتب هذه السطور، وكانت آنذاك تُرضع ابنتها المماثلة له في العُمر.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليلى والذئاب: الفصل الثامن/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الثامن/ 1
- ليلى والذئاب: الفصل السابع/ 5
- ليلى والذئاب: الفصل السابع/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل السابع/ 3
- ليلى والذئاب: الفصل السابع/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل السابع/ 1
- ليلى والذئاب: الفصل السادس/ 5
- ليلى والذئاب: الفصل السادس/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل السادس/ 3
- ليلى والذئاب: الفصل السادس/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل السادس/ 1
- ليلى والذئاب: الفصل الخامس/ 5
- ليلى والذئاب: الفصل الخامس/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل الخامس/ 3
- ليلى والذئاب: الفصل الخامس/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الخامس/ 1
- ليلى والذئاب: الفصل الرابع
- ليلى والذئاب: تتمة الفصل الثالث
- ليلى والذئاب: الفصل الثالث/ 3


المزيد.....




- فنان إيطالي يتعرّض للطعن في إحدى كنائس كاربي
- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ليلى والذئاب: الفصل الثامن/ 3