أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - بلد العميان















المزيد.....

بلد العميان


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 6385 - 2019 / 10 / 20 - 13:03
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


هربرت جورج ويلز Herbert George Wells - ولد في ٢١ سبتمبر ١٨٦٦ توفي في ١٣ أغسطس ١٩٤٦ في لندن، مفكر روائي وكاتب قصص قصيرة بريطاني. من أشهر أعماله : آلة الزمن The Time Machine -، الرجل الخفي - The Invisible Man ، جزيرة الدكتور مورو - The Island of Doctor Moreau، حرب العوالم - The War of the Worlds وأوائل الرجال على القمر - The First Men in the Moon. يعتبر من مؤسسي أدب الخيال العلمي، وقد اكتسب شهرته بفضل رواياته التي تنتمي لهذا النوع من الأدب الذي يستعمل بعض الإكتشافات والبحوث العلمية لخلق عالم مستقبلي يتميز بالغرابة وعدم الإحتمال. بعكس معاصره الفرنسي جول فيرن Jules Verne فقد حوت روايات ويلز انتقادات اجتماعية ورؤية فلسفية للعالم، ولم يكتف بسرد المغامرات. ولا شك بأن قصة بلد العميان The Country of the Blind تعتبر من أهم قصصه من الناحية الفلسفية والتي تطرح العديد من الأسئلة بخصوص الإدراك الحسي وبخصوص الثقافة والمعتقدات التي تنتقل من جيل لآخر دون التساؤل عن صحتها أو عدم صحتها، وطريقة تنظيم الحياة الإجتماعية. وهي إحدى أشهر قصص ويلز القصيرة كتبها سنة ١٩٠٤ وقد نشرت لأول مرة في عدد أبريل من مجلة ستراند The Strand Magazine، وأدرجت عام ١٩١١ في مجموعة من القصص القصيرة بعنوان بلد العميان وقصص أخرى The Country of the Blind and Other Stories .. . قام ويلز بإعادة كتابة القصة لاحقا، مع نسخة موسعة نشرت لأول مرة من خلال دار نشر إنكليزية خاصة تدعى غولدن كوكريل، في عام 1939.
القصة تتحدث عن مجموعة من المهاجرين من "البيرو" فروا من طغيان الإستعمار الإسباني إلى منطقة جبلية وعرة، ثم حدثت انهيارات صخرية نتيجة هزة أرضية في جبال الإنديز فعزلت هؤلاء القوم في واد سحيق يستحيل الوصول إليه. وبعد فترة من الوقت انتشر بينهم نوع غامض من التهاب العيون أصابهم تدريجيا جميعا بالعمي وقد فسروا ذلك بنوع من العقاب السماوي نتيجة انتشار الخطايا بينهم. هكذا لم يزر أحد هؤلاء القوم ولم يغادروا واديهم قط لمئات السنين لكنهم ورثوا أبناءهم العمي جيلا بعد جيل وأصبحوا مجتمعا من العميان، وبعد تعاقب الأجيال نسوا تماما معنى الرؤية ومعنى الأشياء المرئية، وكونوا عالما خياليا وفلسفة تتناسب مع عالم يخلوا من النور.
نونييز Nuñez، مستكشف وخبير في تسلق الجبال من مدينة Bogotá في Colombia، شارك في رحلة تسلق جبال الانديز مع مجموعة من البريطانيين، وفي إحدى الليالي انزلقت قدمه فسقط من قمة الجبل الشاهق، واعتقد رفاقه أنه مات نتيجة السقوط على أحجار الوادي من علو شاهق. لكن نونييز لم يمت .. لقد سقط فوق وسادة ثلجية حفظت حياته وعضامه من الإنكسار. وعندما استيقظ وتمكن من المشي علي قدمين متألمتين اكتشف البيوت العجيبة التي تملأ الوادي، واكتشف ألوانها الفاقعة المتعددة بشكل غريب، بيوت منظمة في خطوط مستقيمة ولكنها كلها تخلو من النوافذ .. وقال في نفسه أن من بني هذه البيوت لا بد أن يكون أعمي كخفاش، وكان ذلك مجرد فكرة خطرت في ذهنه. في البداية حاول ان يجذب إنتباههم من بعيد، وراح يصرخ وينادي الناس لكنهم لم ينظروا نحوه ولم يلاحظوا وجوده .. هنا تأكد من أنهم عميان فعلا ... إذن هذا هو بلد العميان الذي كان يسمع عنه كثيرا دون أن يصدق وجوده الحقيقي، وتذكر المقولة الشهيرة : " في بلد العميان يصير الأعور ملكا " - "In the Country of the Blind, the One-Eyed Man is King" وأحس بأنه أكتشف شيئا عظيما أهم من تسلق الجبال وبأنه وجد رسالة جديدة لتوصيلها لهؤلاء العميان. وبعدما وصل إليهم واكتشف أنهم يتكلمون الإسبانية مثله، راح يشرح لهم من أين جاء، "بوغوتا" بلد الضوء والحضارة حيث كل الناس يتمتعون بالبصر، لكنهم بطبيعة الحال لايعرفون معنى البصر ولا معنى النور ولا السماء ولا غروب الشمس ولا النجوم ولا الرؤية. راحوا يتحسسون وجهه ويغرسون أصابعهم في عينيه .. بدت لهم عضوا غريبا جدا. ولما تعثر أثناء المشي قدروا أنه ليس علي ما يرام، أعتبروه معاقا ذا حواس ضعيفة ويحتاج للمساعدة، ويتفوه بأشياء غريبة غير مفهومة ويتخيل بأنه جاء من وراء ما يسميه بالجبال. وعندما يأخذونه لكبار القرية، هنا يدرك أنهم يعيشون حياتهم في ظلام دامس، لقد مر عليهم خمسة عشر جيلا دون أن يعرفوا معنى النور وبالتالي صار عالم "نونييز" هو الأقرب إلي عالم الأساطير. عرف فلسفتهم العجيبة وإدراكهم للأشياء المحيطة، هناك ملائكة ترفرف بأجنحتها وتغني لكن لا تقدر علي لمسها أو الإمساك بها، أدرك نونييز أنهم يتحدثون عن الطيور. والزمن يتكون من جزءين : بارد ودافئ - المعادل الحسي لليل والنهار-.. ينام المرء في الدافئ ويعمل في البارد. لم يكن لدي نونييز شك في أنه بلغ المكان الذي سيكون فيه ملكا، سيسود هؤلاء القوم بسهولة تامة وسيتحكم في أمور القرية أو المدينة ويصبح ملكا أو شخصية حاكمة بطريقة أو بأخرى لأنه يمتلك سلاح الرؤية. لكنه لم يتخيل صعوبة الأمر ولا درجة تنظيم العميان وقوة حواسهم الإدراكية الأخرى، ذلك إنهم يعرفون كل شيء بآذانهم، ويميزون جميع الأصوات، يعرفون متي مشي علي العشب أو الصخور. كانوا كذلك يستعملون أنوفهم وحاسة اللمس ببراعة تامة. لقد نظموا حياتهم وبنوا بيوتهم وعبدوا الطرق بطريقة تجعلم يتحركون في واديهم الجميل بكل بساطة وسهولة ويعرفون كل حجر من الوادي ولا يتعثرون أبدا أثناء تنقلهم من مكان إلى آخر. راح يحكي لهم عن جمال الجبال والغروب والشمس .. هم يصغون له باسمين ولا يصدقون حرفا واحدا مما يقوله. قرر أن يريهم أهمية البصر ويثبت لهم قدرته على الرؤية، رأي المدعو "بدرو" قادما من بعيد فقال لهم : أرى بدرو هناك وسيكون هنا بعد قليل .. أنتم لا تسمعونه ولا تشمون رائحته لكني أنا أراه. بدا عليهم الشك، لأنهم يعرفون عادات بدرو والطريق التي يسلكها، وأنه من المستحيل أن يكون هنا بعد قليل، وراحوا ينتظرون، ولسبب ما لم يفهمه نونييز، قرر بدرو أن يغير مساره ويبتعد. فراح يحاول أن يقنعهم بطريقة أخرى، يصف لهم ما يحدث أمام المنازل وفي الشارع والساحة الكبيرة، لكنهم طلبوا منه أن يصف لهم ما يحدث بداخل المنازل وما وراء الجدران .. وبدأت العلاقات تتدهور بينه وبينهم، وأصبح أكثر عدوانية، وحاول الهرب، لكنهم لحقوا به بطريقة العميان المخيفة .. كانوا يصغون ويتشممون الهواء ويكونون دائرة من حوله تضيق شيئا فشيئا، حتى انتابه الخوف، لو ضرب عددا منهم لاعترفوا بقوته لكنه لم يجرؤ على الإعتداء على العميان. بعد الفرار ليوم كامل في البرد والجوع إضطر للعودة لهم واعتذر قائلا لهم "أعترف بأنني غير ناضج .. لا يوجد شيء اسمه البصر .. ". كانوا طيبي القلب وصفحوا عنه بسرعة، وفي هذا الوقت بدأ يميل لفتاة تسمى Medina-Saroté وجدها جميلة رغم أن العميان لم يكونوا يحبونها لأن وجهها حاد بلا منحنيات ناعمة وصوتها عال وأهدابها طويلة، كانوا يحكمون على جمال الوجوه بواسطة تحسسهم بأصابغهم للوجه، أي انها تخالف فكرتهم عن الجمال. لما طلب يدها لم يقبل والدها ولا بقية العميان لأنهم كانوا يعتبرونه معاقا جسديا وقاصر من الناحية العقلية وأقل من مستوي البشر .. نوعا من المجاذيب. لكن الفتاة ميدينا كانت تميل لنونييز وتحبه، ووجد الأب نفسه في مضطرا لطلب رأي الحكماء، وكان رأي الحكماء قاطعا .. الفتي عنده شيئان غريبان منتفخان يسميهما ( العينين ). جفناه يتحركان وعليهما أهداب .. وهذا العضو المريض قد أتلف مخه وجعله يحكي أشياء غريبة عن وجود السماء والجبال والشمس ومدن أخرى .. إلخ. لابد من إزالة هذا العضو الغريب ليسترد الفتي عقله، بالتالي يمكنه أن يتزوج الفتاة. بالطبع ملأ نونييز الدنيا صراخا .. لن يضحي بعينيه بأي ثمن.غير أن ميدينا ارتمت علي صدره وبكت وهمست : ليتك تقبل .. ليتك تقبل ..! هكذا صار العمي شرطا ليرتفع المرء من مرتبة الانحطاط ليصير مواطنا كاملا. وقد قبل نونييز أخيرا ورضخ لتضرعات حبيبته وبدأ آخر أيامه مع حاسة البصر وإدراكه للألوان والظلال والعالم من حوله بواسطة العينين .. خرج وحيدا ومهموما ليتأمل العالم للمرة الأخيرة، رأي الفجر يغمر الوادي بلونه الساحر، ورأى الوادي الجميل والجبال البعيدة، وأدرك أن حياته هنا مستحيلة وغير محتملة، الأنهار والغابات وزرقة السماء وضوء النجوم وألوان الأزهار والطيور .. كيف يفقد هذا كله من أجل أسطورة، كيف يمكن أن يقنع نفسه بعدم وجود هذه الأشياء التي يراها أمام عينيه؟ استمر سائرا وهو يفكر في عدم العودة إلى هذا الجحيم، واتجه إلي حاجز الجبال حيث يوجد ممر يشبه المدخنة الحجرية تتجه نحو قمة الحاجز الجبلي، ونتيجة خبرته في تسلق أصعب الجبال، بدأ في التسلق بدون أن يفكر في أي شيء سوى الإبتعاد عن هذا الوادي. عندما غربت الشمس كانت يداه تنزف دما وتمزقت ثيابه ولكنه كان بعيدا عن بلد العميان .. رفع عينيه نحو السماء وراح يرمق النجوم .
بلد العميان، هي نوع من الحكايات الرمزية التي تعالج قضية الإنسان الغريب، او اللامنتمي The outsider، غير أن هذا الغريب ليس كلامنتمي ألبير كامو "ميرسو"، لأنه غريب غرابة مطلقة، تكاد أن تكون غربة أنثروبولوجية، بينما غربة ميرسو هي غربة أنطولوجية تتعلق بالوجود. نونييز يعيش في عالم مغاير لعالم العميان المبني على جغرافية وزمان ورموز مختلفة تماما عن ما يعرفه في عالمه الذي تعود عليه. المثير في القصة أن نونييز هو الذي حاول في البداية أن يلعب دور المبشر وأن يقنع العميان بوجود عالم مرئي يتكون من المدن والسماء والجبال والشمس إلخ، ولكنهم سخروا من أحلامه وأعتبروه معتوها، وعاملوه على هذا الأساس. وفي النهاية أضطر أن يخضع للأمر الواقع واعترف بعدم وجود كل ما يدعيه وذلك ليتمكن من الزواج من ميدينا التي يحبها وتحبه. غير أن المجتمع لا يقبل الغرباء ببساطة، يجب عليه أن يقدم شيئا ما في المقابل ليصبح مثلهم ويحصل على شهادة المواطنة، طلبوا منه عينيه ثمنا للزواج من حبيبته، وقبل في البداية ولكنه تراجع في آخر لحظة ولم يتمكن من التضحية بعينيه.
النقطة الأخرى التي يمكن ذكرها هي أن نونييز لم يشك لحظة واحدة في عالمه هو كما تعود أن يراه، لم يشك في حقيقة الجبال والسماء والنجوم، اليقين الذي تتمتع به الأشياء المرئية هو الذي جعله لا يفهم عالم العميان.-



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العين وآلية الرؤية
- إنتحار إنكيدو
- الأشباح، وظاهرة الشخص الثالث
- أفيون الفقراء
- العار والمحبرة
- والتر بنيامين وتجربة الحشيش
- مقبرة الكلاب
- بذور القلق
- الفن والحشيش
- الوجه المثقوب
- العقل المخدر
- شكسبير والحشيش
- تصفيف أولي
- اللسان المقطوع
- ساندويتش من الضوء والمطر
- الجسر الوهمي
- عودة إنكيدو
- آلام كوشيز
- الإنتظار
- ما هي فائدة الجيوش؟


المزيد.....




- بالأسماء.. 48 دول توقع على بيان إدانة هجوم إيران على إسرائيل ...
- عم بايدن وأكلة لحوم البشر.. تصريح للرئيس الأمريكي يثير تفاعل ...
- افتتاح مخبأ موسوليني من زمن الحرب الثانية أمام الجمهور في رو ...
- حاولت الاحتيال على بنك.. برازيلية تصطحب عمها المتوفى إلى مصر ...
- قمة الاتحاد الأوروبي: قادة التكتل يتوعدون طهران بمزيد من الع ...
- الحرب في غزة| قصف مستمر على القطاع وانسحاب من النصيرات وتصعي ...
- قبل أيام فقط كانت الأجواء صيفية... والآن عادت الثلوج لتغطي أ ...
- النزاع بين إيران وإسرائيل - من الذي يمكنه أن يؤثر على موقف ط ...
- وزير الخارجية الإسرائيلي يشيد بقرار الاتحاد الأوروبي فرض عقو ...
- فيضانات روسيا تغمر المزيد من الأراضي والمنازل (فيديو)


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - بلد العميان