أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أسعد محمد تقي - - ما فعلته أمريكا وما تريد فعله -















المزيد.....

- ما فعلته أمريكا وما تريد فعله -


أسعد محمد تقي

الحوار المتمدن-العدد: 6380 - 2019 / 10 / 15 - 09:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ بداية خمسينات القرن الماضي استغرقت الولايات المتحدة في التعبير عن نفوذها في بلدان ما كان يُطلق عليه "العالم الثالث" من خلال الأنقلابات العسكرية وإقامة أنظمة مغرقة في مركزيتها من أجل ضبط انتقال عناصر النفوذ من بريطانيا الى الولايات المتحدة .وكان هذا يحدث ايضا كلما شعرت امريكا بأن خطراً ما يتهدد مصالحها في واحدة من الدول الواقعة ضمن مناطق نفوذها وكان الكثير من الدول في القارات الثلاث ضحية لمثل هذا النهج . ففي أفريقيا كانت الكونغو هي المثل , في العام 1961 حدث الأنقلاب الذي قاده موبوتو سيسي سيكو , رئيس اركان الجيش في حينها , بدعم من امريكا وبلجيكا واسقط فيه نظام باتريس لومومبا التقدمي وذهب ضحيته الآلاف من الوطنيين التقدميين وبينهم لومومبا نفسه .. وفي آسيا حدث الأنقلاب في أندونيسيا في زمن أحمد سوكارنو في العام 1965 والذي ذهب ضحيته أكثر من نصف مليون من القوى الوطنية على يد الجنرال سوهارتو قائد الأنقلاب وفي أمريكا اللاتينية كانت تشيلي هي النموذج لهذا المنحى الأستعماري الذي سارت عليه الولايات المتحدة حيث الأنقلاب الذي قام به الجنرال بينوشيت بدعم من الولايات المتحدة ومخابراتها في العام 73 والذي ذهب ضحيته مئات الآلاف من الوطنيين التشيليين وكان في مقدمتهم الزعيم التشيلي سلفادور الليندي . كانت الأنقلابات العسكرية واستعدادها للقمع هي الطريقة المثلى لتكريس النفوذ والحفاظ على المصالح بأقل ما يمكن من التكاليف , وكانت تعبيرا عن إدارة النفوذ بالنيابة . وكان السبب في اللجوء لهذا الشكل من التعبير عن النفوذ هو التهديد القادم من القطب الآخر , الإتحاد السوفييتي , والذي كان يشكل تهديدا حقيقيا بشعاره الأشتراكي بالمقارنة مع الأشعبية الرأسمالية التي كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يتميزون بها . وبالرغم من هذا فإن الرأسمالية , كنظام , كانت ممنوعة على بلدان النفوذ )المستعمَرَة( وكانوا يكتفون بتحويل اقتصادها الى اقتصاد ريعيّ لتجنّب ظهور تبعات الأنتاج الرأسمالي حيث الطبقات المنتجة )العمال والفلاحين( ونقاباتهم وجمعياتهم وما يتبعها من مشاكل تتعلق بالمطالبات الحقوقية والمواقف الوطنية أزاء ما تطرحه السياسة , وباختصار كانوا يريدون هذه البلدان , بقرةً حلوب , تأكل لتعيش وتدر حليبها لهم .
إنتهت الحرب الباردة بين الغرب الرأسمالي والشرق الساعي للأشتراكية بالطريقة المعروفة للجميع بعد تفكك الأتحاد السوفييتي بسبب الأنهاك الذي عاناه من تلك الحرب الباردة وما جلبته تلك المعاناة من علل لم يكن وجود أشخاص مثل يلتسين وغورباتشوف في قيادته أقلّها ضررا , والجميع يعرف ان الغرب الرأسمالي كان يموّل كلَّ حروبِهِ , السياسيّة والأقتصادية والعسكرية , ويلمّع نظامَه ذاته من خلال استثمار ثروات الشعوب المستعمَرَة وإفقار تلك الشعوب فيما لم يكن الأتحاد السوفييتي يسير على مثل هذا النهج لأنه يتناقض والمُثل الأشتراكية .
كانت نتيجة تلك الحرب الباردة لصالح الولايات المتحدة التي تحوّلت الى قطب أوحد ينفرد بإدارة الشؤون الدولية وفق ما يتلاءم ومصالحها الآنية والأستراتيجية , وبدأت باستبدال اسلوبها القديم , أي ادارة المستعمرات أو مناطق النفوذ بواسطة الأنظمة الدكتاتورية التي تأتي عن طريق الأنقلابات العسكرية , بشكل آخر جديد يعتمد سلسلة من المباديء تحت مسمّى "الديمقراطية" . وكانت حصة الشرق الأوسط , بعد نهاية الحرب الباردة , هي المشروع المعروف ب"الشرق الأوسط الكبير" وهو واحد من الأهداف التي من أجلها قامت الولايات المتحدة باحتلال العراق لجعله منصّة لأدارة وتطبيق هذا المشروع والذي كانت فحواه استبدال الأنظمة الدكتاتورية القديمة بأنظمة تعتمد الشكل "الديمقراطي" في الأدارة السياسية للبلاد بالتلازم مع إلغاء المركزية في الحكم والأدارة وتحويل البلد المعني الى وحدات مميزة عن بعضها بواحدة من أسباب التقسيم كالدين او المذهب أو القومية أو حتى القبيلة , فكان الربيع العربي , ومعه تساقطت انظمة عديدة ومعروفة باستبدادها وشراسة حكامها وتحوّلت بلدانها الى ساحات للصراع الفئوي الداخلي أدى في الكثير منها الى ضياع حدود الدولة وسلطتها . ومعروف ان العراق , بالأضافة الى خزينه من الطاقة , يحتل موقعا ستراتيجيا للتحكم في مسارات دول عديدة مهمة لضبط ميزان القوى العالمي لصالح الولايات المتحدة فهناك تركيا الأطلسية وإيران ونفوذها في المنطقة , ودول الخليج وما تعنيه في مجال الطاقة والتمويل المالي , وسوريا وموقعها الستراتيجي في موضوع نقل الطاقة والغاز إلى أوربا بالأضافة الى مكامن الطاقة فيها وفي مياهها الأقليمية .. والعراق يتوسط هذه المنطقة التي تضجّ بالثروات بالأضافة لقربها من بحر قزوين , خزان الطاقة الأعظم بعد نفاذ أو تضاؤل خزين الطاقة في الخليج . ورغم شكلية "الديمقراطية" التي تروّج لها الأدارة الأمريكية إلا أنها انطلت على قطاعات واسعة من شعوب البلدان المعنية بالتغيير وكانت هذه المباديء "الديمقراطية" وأجراءاتها متلازمة مع إجراءات اخرى تشكل فحوى التغييرات التي تتطلع لها الولايات المتحدة في مناطق نفوذها , ولكي يكون الحديث واضحا لنأخذ ما تم تطبيقه في العراق منذ العام 2003 بعد اسقاط النظام الدكتاتوري الذي كان يمثل شكل السيطرة الأمريكية أيام الحرب الباردة , وإذا كان هناك من يعتقد إنه كان معاديا لأمريكا عليه ان يسترجع انقلاب 8 شباط العام 1963 المُوجّه من السفارة الأمريكية في بغداد ومن ثم خروج البعث من السلطة بعد اتمامه عملية الأبادة بحق القوى الوطنية واليسارية والديمقراطية ومُخْلِيا المكان للقوى القومية التي كان يمثلها عبد السلام عارف في انقلاب آخر في تشرين الثاني من نفس العام , وما أن استعادت الحركة الوطنية شيئا من نشاطها السابق , بعد أن عالجت بعضَ جراحِها , حتى حدث انقلاب 17 تموز 1968 وأُعيد البعث الى السلطة خشيةَ مواجهة يومٍ كالرابع عشر من تموز عام 58, وعندما ارادت الولايات المتحدة , بعد إسقاط الشاه , تحجيم الخطر الأيراني على حليفاتها الخليجيات دفعت امريكا النظام البعثي بعد ان تم تغيير الرئيس وتطهير القيادة من المعارضة الداخلية الى خوض حرب مدمرة لم تكن هناك اية حاجة لها , من وجهة نظر المصالح العراقية , وكان بالأمكان تجنبها بالقليل من الحكمة السياسية .. ولم يكتف النظام بهذه الحرب فأوعزت له أمريكا بالدخول للكويت فكان هذا الدخول مبررا كافيا لاحتلال المنطقة بعد تشكيل الحلف الدولي بقيادة الولايات المتحدة والذي كان تجمعا للقوى العسكرية الغربية بقيادتها وكانت الحرب مرة اخرى والحصار الذي انتهى بالأحتلال .. وبعد الأحتلال تمّت اجراءات زرع "الديمقراطية" في العراق فكان الذي يعرفه الجميع , من مجلس الحكم والذي كان وسيلة لتنفيذ ما كانت تتطلع له امريكا , وتشكيل الحكومة الأنتقالية التي وضعت مسوّدة الدستور تحت اشراف الحاكم المدني الأمريكي وكان هذا الدستور الوسيلة لتفتيت وحدة البلاد وتعزيز التقسيم الطائفي والأثني ولكن الجانب الآخر من التوجيهات الأمريكية كان هو الأخطر , فقد كان على اية حكومة ان تأخذ بنظر الأعتبار الرغبة الأمريكية في ان تكون الحكومة وكل مؤسسات الدولة بعيدة عن كل الأنشطة الأقتصادية وعلى الأخص الأنتاجية والخدمية وخاصة في مجالي الصحة والتعليم والثقافة وكلما تلكأت الحكومة في هذا الأتجاه كانت تواجه مشكلة (من قبيل داعش أو انخفاض اسعار النفط بشكل حاد الخ) تجعلها تمد اليد للأقتراض وتجد أمامها صندوق النقد الدولي مستعدا لتقديم القرض المطلوب ولكن مع مجموعة من الشروط وهذه الشروط كلها تصب في اتجاه جعل الأقتصاد العراقي اقتصادا ريعيا فلا انتاج صناعي ولا زراعي وعلى الدولة ان تتوقف عن التوسّع في منح الوظائف لكي تقلل من هدر المال المقترض ومن أجل أن تتوفر لها القدرة على السداد وليس هناك من لا يدرك ان الحكومات التي تشكلت كانت وسائلَ لتعزيز أزمة التمويل الحكومي لكل النشاطات المختصة بالخدمات بسبب تفشي الفساد في مفاصلها وسرعان ما ستجد هذه الحكومة نفسها بحاجة الى المزيد من القروض ومعها المزيد من الشروط التي ترسم لها مسارها وفق ما تريده الأدارة الأمريكية حتى اصبج العراق مستهلكاً لكل شيء وعاجزاً عن انتاج ابسط السلع وبالتلازم مع هذا الواقع كانت شروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تمسح وتزيل آخر ملامح النشاط الأنتاجي من الأقتصاد العراقي .. فبدأت مرحلة جديدة في حياة العراقيين تتمثل ملامحها في تدمير القواعد التي قام عليها اقتصاده منذ تأسيس الدولة العراقية وأهمها وجود القطاعين الأنتاجيّيْن , العام والخاص وتعايشهما معا وفق المنطق المعقول في كون قطاع الدولة العام هو الأكثر نفوذا وبالتالي هو من يقود العملية الأقتصادية بسبب كونه المالك الأكبر للتمويل والذي يتشكل قوامه من عائدات النفط , وهي ملكية عامة بطبيعة الحال .
ولن يمرَّ وقتٌ طويلٌ حتى يتم الرضوخ لكل تطلعات الشركات الأمريكية في امتلاك التصرف بالأقتصاد العراقي وعلى الأخص بالثروة النفطية وحيازة الأستثمار في قطاعات مثل الكهرباء وربما في مجال الزراعة أيضا بعد أن رأينا وزير الزراعة يمنح ملايين الهكتارات للمملكة السعودية في مناطق غرب العراق لاستثمارها في مجال الدواجن ومنتجات الألبان وغيرها . والغريب ان العقد , حسبما تردّد , يشترط الحماية الأمريكية للمنشآت التي تقام في المساحة المستثمرة ومن المثير للشكوك ان امريكا أنشأت قاعدة "عين الأسد" في غرب محافظة الأنبار حيث يدور الحديث عن وجود اكبر حقل للغاز في العالم وبالتالي فإن تقديم الحماية للأستثمار السعودي سيكون "سهلا" وأسهل منه الأستثمار غير المعلن للغاز والبحث غير المعلن أيضا عن معادن يقال إنها موجودة في صحراء الأنبار المترامية كالذهب والليثيوم .
إن دفع الحكومة ودوائرها الى التوقف عن التدخل في ميادين عديدة تحت حجة التقليل من الهدر وتوفير القدرة المالية للحكومة على سداد القروض الأجنبية أنتج لنا تراجعا في مستويات التعليم والصحة وصار من الطبيعي اللجوء للقطاع الأهلي الخاص في هذين المجالين الحيويّيْن , وهوما تتطلع اليه الأدارة الأمريكية أي التحوّل الى القطاع الخاص في كل انشطة الحياة العراقية , وهذه وتلك ومعها تكاليف الكهرباء وتوقف مشاريع الأسكان الذي تسبّب في ارتفاع تكاليف السكن والغياب الكامل تقريبا للوظائف وفرص العمل الأخرى , هذا الغياب الذي فاقمه التعطيل المفتعل والأهمال المقصود لمشاريع القطاع العام , جعلت من الحياة العراقية جحيما حقيقيا لا يُطاق وصار الجميع يتوقع لحظة يتبخر فيها الصبر ومعه الصمت وتنتهي القدرة على الأحتمال وينفجر كل شيء . وبمجرّد أن تتوفر قوى سياسية متماسكة وواضحة الرؤية تتمكن من توجيه الرفض الشعبي لواقع الحياة العراقية التي شوهتها "الديمقراطية" الأمريكية , توجيه هذا الرفض بشكلٍ يعيد للأنسان العراقي بعضَ إنسانيته المستباحة . ولكن بغياب هذه القوى السياسية الناضجة سيغدو الأمر سيئا جدا إذ من الممكن ان تتمكن أية جهة نافذة وتمتلك الخبرة في التآمر , من قيادة هذا الرفض الى ممرات تشكل خطرا كبيرا على كيان الدولة والشعب ووجودهما .
لقد ترافق كل هذا التخريب بالوضع الأقتصادي باطلاق يد اللصوص والفاسدين للعبث بالمال العام ولم يجرِ ضبط الحماية لهذا المال وكان الهدف واضحا للمتابعين وهو خلق طبقة من الأثرياء وتحويلها الى تشكيلة حاكمة من السهل ضبط أدائها بسبب نقاط ضعفها النابعة من فسادها ولصوصيتها وهو ما يتيح معاقبتها وتمزيقها والتشهير بها عند اول بادرة للخروج على المصالح الأمريكية ولذلك نجد هذه الفئة مستعدة لخيانة بلدها .
وإلى جانب كل هذا قبلت الولايات المتحدة حدّا من النفوذ الأيراني في العراق لا يصل الى حد تهديد النفوذ الأمريكي ومصالح امريكا وفي هذا كانت تميل كعادتها الى البراغماتية لأن القبول بالنفوذ الأيراني المحدود سيجنّب الأمريكان ما قد تثيره إيران , إذا جُرِّدت من مصالحها الأقتصادية ونفوذها بالكامل , من مشاكل بسبب العلاقة الوثيقة بعدد من التشكيلات السياسية وما يفرضه التماثل المذهبي مع الجزء الأكبر من الشعب العراقي وما تفرضه 1200 كيلومتر من الحدود بين ايران والعراق .. وكان القبول الأمريكي ببعض النفوذ الأيراني في العراق قد استخدمته امريكا لبث الصراعات الطائفية وانساق مع هذا التوجه الكثير من العراقيين بسبب المسار الطويل من تغييب الوعي العراقي ونشر الجهل بشكل مبرمج حتى ان البعض قد نسي ان الذي احتل العراق وقام بتدمير كل بناه التحتية والمؤسساتية هي الولايات المتحدة وليست ايران التي يشتمها ليل نهار بالرغم من انها , وكل دول جوار العراق , يستحقون الشتيمة لأنهم لم يفوّتوا فرصة لتكريس الفوضى والضعف فيه .
كل هذا التتابع الغريب لعناصر المأساة العراقية جعل العراقيين يندفعون الى الشارع في احتجاجات عاصفة استجابة لأية دعوة للتظاهر والغريب ان التظاهرات هذه لم يَرْشَح شيءٌ عن الجهة الداعية لها ولكن المراقب يستطيع ان يتلمس آثار الجهة التي تريد احتوائها ودفعها بالأتجاه الذي تقتضيه مصالحها وليس مصالح المتظاهرين . ففي الوقت الذي نجد هتافات المتظاهرين الشباب تلعن الفساد والفاسدين وتطالب بالأصلاح ووضع حد للبطالة نجد ان هناك من يدفع باتجاه حرق البنايات الحكومية واستخدام العنف والغريب ان العنف اسقط الكثير من الشهداء دون ان تكون للمتظاهرين اية يدٍ فيه ولا أحد يعلم لماذا انطلقت رصاصات القنّاص وأسقطت ضحاياها من كلا الطرفَيْن , المتظاهرين وقوّات السلطة ومن الجهة الأخرى سارع المسؤولون في الحكومة الى المطالبات بالأستجابة لمطالب المتظاهرين دون ان يدركوا , او إنهم يتظاهرون بعدم ادراكهم , إن المطلب الأساسي هو التخلص من تشكيلتهم الحاكمة وتغيير النهج العام لنظام الحكم وتهيئة الظروف لتعديل الدستور بما يضمن خدمة الشعب وتوفير الحياة الكريمة له بكل تفاصيلها ولا يدع مجالا لتسرب الفساد لمنظومة الحكم كلها . ومع سلمية المتظاهرين الا اننا فوجئنا بسقوط شهداء تجاوز عددهم المئة شهيد , وفق الأرقام الرسمية , وآلاف الجرحى الأمر الذي يثير التساؤل عن الجهة المستفيدة من هدف تصعيد المواجهات الى هذا الحد الخطير . وفي هذا التساؤل ربما يجب التذكير بأن هناك جهات عديدة مستعدة للقيام بمثل هذا العنف .. قوات السلطة تحت تأثير توجيهات خرقاء من مسؤولين يخشون على امتيازاتهم ومكاسبهم الخرافية .. وهناك التشكيلات المسلحة لبعض القوى السياسية تحت تأثير الشعور بالولاء للجهة السياسية التي تمتلكها .. وهناك الجهة الأخطر وهي المجاميع المؤتمرة بأوامر الأحتلال وعلينا ان نتذكر ان عشرات الآلاف من المنتمين للشركات الأمنية الخاصة مثل "بلاك ووتر" والتي اسقطت , في العام 2007 سبعة عشر قتيلا من المواطنين الذين صادف وجودهم هناك في ساحة النسور عند مرور موكب السيارات التابعة لهذه الشركة , وطبعا هناك عدد غير معروف من الشركات الأمنية التي لا تتبع القانون العراقي من أمثال بلاك ووتر .
وهناك سؤال آخر يفرض نفسه بإلحاح حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تشعر بأن انفرادها بالشؤون العالمية بدأ يتلاشى , الأنفراد وليس التأثير , أمام تصاعد النفوذ الدولي لقطبين جديدين هما روسيا والصين؟ روسيا القوية عسكريا والصين الأولى اقتصاديا , وهذا يقتضي التسليم بالتعددية القطبية في ادارة الشؤون الدولية .. وعودة تعددية الأقطاب تقتضي إعادة النظر , أمريكيا , بالأنظمة التي تم بناؤها , ومنها نظامنا العراقي , في فترة انفراد أمريكا بإدارة الشؤون العالمية , لأنها لم تعد صالحة لحماية مصالحها ؟ والبعض يرى إن احتمال العودة لأساليب الحرب الباردة أمرٌ واردٌ جداً , فيما يرى البعض الأخر إنه أمر ضروريٌّ وحتمي طالما بدأت الأدارة الأمريكية وقادتها من أساطين الرأسمال المصرفي والصناعي ترى بوضوح تسرب النفوذ الروسي والصيني الى بلدان نفوذها هي . والعودة لأساليب الحرب الباردة يعني العودة لأساليب الأنقلابات العسكرية وقبلها نشر الفوضى والخراب اللذيْن يجعلان من تحرك الجيش أمرا لابدّ منه .
علينا ان نعترف أن الأحداث الأخيرة طرفاها الشعب المنهك بكل مصائب الظلم , وفئة (ولا أقول طبقة لأنها لا تمتلك أية علاقة بالعملية الأقتصادية الأنتاجية للخيرات المادية) من الحكام الفاسدين الى حد مذهل يخنق الحياة ويقتل الجمال فيها ويلغي الأحساس بالسعادة لدى الشعب . هذه الفئة تهين العقل العراقي بسرقاتها المكشوفة وبتَوَقُّف الخدمات والتسبّب بهذا التراجع الحضاري الشديد البشاعة وكأنها تتحدى قدرة العراقي على الرفض . وهناك طرف ثالث يريد استخدام كل هذا من أجل الحفاظ على مكتسباته ومصالحه التي لا تعرف الحدود , إنه العم سام .. وهذا بالطبع لا يعفي دول الجوار من جزء من المسؤولية في خلق هذا الواقع المؤلم للشعب العراقي .. الشعب المعروف بطيبته وألمعيته .
البعض يرى ان الهدف من تصعيد الفوضى ورفع حدة المواجهات عن طريق ايقاع الخسائر بالأرواح بواسطة القناصة او الدفع باتجاه حرف التظاهرات عن مسارها المطلبي الى مسار يتسم بالعنف السلبي تجاه المنشآت والدوائر الحكومية والمرافق الأدارية العامة ليس سوى مقدمة لرفع درجة الصدام الى مستوى يضيع معه الأمان والقانون وتضيع حدود الدولة ومؤسساتها لتنتشر الفوضى وعندها لن يكون هناك سوى الحل الذي تتطلع له الجهة المحركة لهذه الفوضى , أي ان تتحرك القطعات العسكرية لتعلن بيانها رقم واحد بقيادة احد الضباط المُعدّين أمريكيّاً مسبقا لتولي ادارة البلاد بديلا عن هذا الشكل المائع والسهل الأختراق وغير الملائم للحفاظ على المصالح الأمريكية في مرحلة جديدة من صراع الأقطاب الدولية .



#أسعد_محمد_تقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحكومة والتظاهرات وأشياء أخرى
- ما نخشاه ... وما نأمله
- ترامب - الرئيس الجديد
- أمريكا كثيرا ما تسحق حلفاءها - حديث عن قانون -جاستا-
- اتفاق القرض الجديد تحت خيمة صندوق النقد الدولي
- إلى أدباء وكتاب العراق
- الطريق الذي بدأ في شباط
- السياسة الأمريكية و العراق
- دعونا نقرأ الوقائع
- الصراع في العراق - بعض ملامحه
- الأرهاب .. الحريات .. نفاق الغرب
- شارلي إيبدو وزوبعة التضامن
- العملية السياسية وديمقراطية العصا والجزرة
- هل سيدفن العراقيون مشروع بايدن ؟
- ماذا يحصل لو توقف الإرهاب؟
- حديث عن التقسيم
- نابوكو و تحرير أوربا عبر تدمير العراق وسوريا
- ويحدّثونك عن الربيع العربي
- الدكتور عبد الخالق حسين بين النوايا الطيبة والموقف من اليسار
- النكتة الأمريكية


المزيد.....




- -الطلاب على استعداد لوضع حياتهم المهنية على المحكّ من أجل ف ...
- امتداد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جدي ...
- توجيه الاتهام إلى خمسة مراهقين في أستراليا إثر عمليات لمكافح ...
- علييف: لن نزود كييف بالسلاح رغم مناشداتها
- بعد 48 ساعة من الحر الشديد.. الأرصاد المصرية تكشف تطورات مهم ...
- مشكلة فنية تؤدي إلى إغلاق المجال الجوي لجنوب النرويج وتأخير ...
- رئيس الأركان البريطاني: الضربات الروسية للأهداف البعيدة في أ ...
- تركيا.. أحكام بالسجن المطوّل على المدانين بالتسبب بحادث قطار ...
- عواصف رملية تضرب عدة مناطق في روسيا (فيديو)
- لوكاشينكو يحذر أوكرانيا من زوالها كدولة إن لم تقدم على التفا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أسعد محمد تقي - - ما فعلته أمريكا وما تريد فعله -