أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - قاسم علي فنجان - ليلة تشرينية















المزيد.....

ليلة تشرينية


قاسم علي فنجان

الحوار المتمدن-العدد: 6380 - 2019 / 10 / 15 - 02:22
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


(انتصر المسيح لأن سبارتاكوس هزم))
بدا مصدوما وهو يجلس معي في المقهى، يقلب نظره يمينا وشمالا لا يعرف ماذا يريد، بدأت تخرج منه كلمات لم افهم منها شيء، سألته ماذا تقول؟ قال: كانت ساره حاملا عندما اخترقت الرصاصات جسدها. سألته من ساره هذه؟ ولماذا قتلت؟ ولم انت مهتم جدا لأمرها؟ فالنساء هنا تقتل لأي سبب، احمرت عيناه كثيرا فقد امتلأت بالدموع، وبصوت مبحوح قال: كانت مع زوجها تسعف المتظاهرين، وقد اغتيلا امس، لقد كانت حاملا، لقد كانت حاملا، كررها اكثر من مرة، مصدوما، متعجبا، مندهشا، لا يعرف ماذا يقول او يفعل، بدا يتساءل مع نفسه، كيف لأنسان ان يقتل انسانا آخر بدم بارد؟ هل هناك بشاعة اكثر من هذه؟ اردت ان اخفف عنه صدمة الحدث، قلت له: لماذا لا نذهب الى احد النوادي ونشرب ما نشاء من العرق، سمعت ان "الترفيهي مفتح، او المهندسين، واذا كلش نروح لهوازن". قال: العرق لا ينفس عن غضبي او حزني او المي.
اقترب الوقت من الرابعة عصرا، كنا قد سمعنا ان الناس تتجمع عند مداخل ساحة التحرير، من جهة ساحة الخلاني، ومن جهة ساحة الفردوس، والتجمع الاكبر كان من جهة مستشفى الجملة العصبية، لقد كان عصر يوم جمعة، ذهبنا الى هناك، قال لي فرحا انظر الى هذه الجموع، انها ابلغ رد على خطب الجمعة القذرة، وخطابات السياسيين والمثقفين الحمقاء، وعلى قتلة ساره وطفلها وزوجها والمئات الاخرين، هذا المشهد فقط الذي يستطيع ان يهدأ من سورة غضبي.
مشينا مع الجموع السائرة، قال: هل تملك منديلا لتغطي به وجهك وتمسح دموعك التي ستسيل من الغازات؟ قلت له لا اخرج ابدا بدون منديل، صيفنا لا يحتمل، لكن هل المنديل يحمي من الرصاص؟ سألته، نظر الي وقال: وهل المنديل يقي من نوعية الغاز هذه او يحميك من الهراوات؟ يبدو ان لا شيء يحمينا من اعتداءهم، كما لم يحمنا احد من سرقاتهم ونهبهم المستمر لنا.
كانت الجموع غفيرة جدا، كما لم يتوقع احد ذلك، في الطريق الممتد من جسر القناة الى مستشفى الجملة العصبية، كان هناك موزعو وجبات الطعام المجاني، وقناني المياه وايضا قناني "البيبسي"، الذي تمتع بأهمية قصوى، فالغازات المسيلة للدموع لا تعالج حروقها سوى قناني البيبسي، كانت الطبول والدفوف ومكبرات الصوت تصدح بأناشيد مختلفة، والشعارات و "الهوسات" يتردد صداها ما بين وزارة النقل والنفط ومول النخيل "لا فاسد لا عميل الشعب هو البديل" و "زغار كبار اجوج اهل المدينة" و "نموت عشره نموت ميه ماكو رجعه يا زويه"، لم تكن تظاهرة بقدر ما كانت احتفالية بسقوط هذه الطغمة العفنة، او هكذا بدت تعبيرات المتظاهرين.
مع تصاعد حدة التظاهر، علا صوت الموت، كان الرصاص هو الصوت الذي علا، فبدأت معركة كر وفر، وبدأ القناص يلتقط ارواح ذوي الثمانية عشر عاما، ركضنا منسحبين بين بقايا اشجار، سمعنا احدهم يقول بعد ان سقط احد الشباب امام اعيننا، قال: "ولك هذوله اخوات الكحبه كتلونا"، اخرج رأسه وهو يلوح بيده ويقول لقوات الموت "كواويد، لحدمن تبقون ادافعون على ذوله"، ثم قال بعصبية "بس الكواد والساقط يدافع على ذوله"، كانت المشاهد مروعة، فأنت في جبهة مشتعلة، انهارت قوى هذا المتظاهر وبدأ يضرب بكفيه ويقول متحسرا "خرب الله لو اكو سلاح".
قلت لصديقي "هسه هاي زينه، لو شايفينا نادي وكاعدين بيه مو احسن"، لكن سارة الحامل وزوجها لم يفارقا مخيلته وشفتيه، وكان يقول: ترى كيف سنأخذ بثأرهم، وتذكر بيت شعر لبلند الحيدري يقول فيه:
((العدل اساس الملك.
ماذا.......؟
العدل اساس الملك/ صه... لا تحك
كذب....كذب....كذب
الملك اساس العدل
ان تملك سكينا تملك حقك في قتلي)).
نعم يجب ان نملك، نحكم، نسيطر، حتى نستطيع ان نأخذ بثأر هؤلاء الذين قتلوا.
ونحن بين الاشجار محتمين من رصاص قناص لا يرحم، رن تلفونه، قال: من يا تراه يتصل الان؟ "الو منو.
- يمعود هاي وين انت؟
- ليش خو ماكو شي.
- ولك تصوب تحسين، وهو هسه بالكندي.
ذهبنا الى مستشفى الكندي، وكانت المفاجأة، مشهد مرعب، لم نكن نتوقع هذا العدد من الضحايا والجرحى، كانت المستشفى كلها ردهة طوارئ، امتلأت ثلاجة المستشفى بالموتى، والردهات ازدحمت بالمصابين، اصطبغت الارضية باللون الاحمر من دماء المصابين، نسوة تبكي وتلطم على الخدود، وانين وتأوهات المصابين يتردد صداها في كل ردهات المستشفى، كانت مجزرة.
بحثنا عن تحسين بعد ان نسيناه من هول الصدمة، وجدناه في احدى الردهات وهو يتأوه من شدة الالم، ونزيف الدم لا يتوقف، كانت اصابته في الفم اي في منطقة الرأس كباقي الاصابات، يقال ان هناك تعليمات صدرت بقتل اكبر عدد ممكن من المتظاهرين، فليس صدفة ان تكون اغلب الاصابات في الرأس.
- ها خويه تحسين شلونك. قلنا له بصوت متخشب وعيون لا تصدق الحال. قال لنا احد الاصدقاء الموجودين بقربه: هو لا يستطيع الكلام. "بس هو شلونه، غير محروكه الكعبة عنده هسه". قلنا دعونا نأخذه الى مستشفى آخر، فقد نجد عناية اكثر. قال احد المصابين الراقدين في الردهة: "وين تاخذوه هي كل المستشفيات مليانه، وبعدين يكولون بمستشفى الشيخ زايد كاعد يعتقلون الجرحى، فخلوه هنا احسن". حقيقة سيطر الخوف علينا وقلنا نعالجه هنا قدر المستطاع، ادخلناه غرفة العمليات وجلسنا في الممر المكتض بالجرحى واسرة المستشفى تنقل الضحايا الذين تجلبهم سيارات الاسعاف وحتى "التكاتك". كان المشهد مروع، في هذه الاثناء سمعنا صياحا يتعالى في احدى ممرات المستشفى، ذهبنا لنستفسر عن الحدث، واذا بشخصين يشتمان بعضهما، كانوا اقرباء لمتظاهرين قتلا في ساحة التحرير، نسمع احدهم يقول "هسه المرجعية تحلها وتعاقب اللي كتلوا المتظاهرين"، واذا بالثاني قد استشاط غيضا فقال له " والله لانعل ابوك لابو المرجعية، صار سنين احنا مثل المطايا تابعيها وهاي النتيجة خسرنا كل شي حتى اولادنا". كان الوضع قابل جدا للانفجار في اية لحظة. قاربت الساعة الحادية عشر ليلا، لكن ليل بغداد دامي جدا، قلت لصاحبي دعنا نذهب وسيخبرونا الاصدقاء عن تطورات حالة تحسين.
في طريق العودة لم نكن نتكلم، اصابتنا حالة من التخشب الجسمي من هول الصدمة، خفت ان اكرر عليه ما طلبته بالذهاب الى احد الاندية، لكنه بادر وقال لي: "شلون راح تخلص ويه ذوله" يقصد حكومة الاسلام السياسي، وتابع يقول "اليوم شفنا اللي ما شفناه بعمرنا كله، شنو من عصابات هاي؟ شنو من اجرام و وحشية هاي؟ ولك شلون راح يخلص العمر وياهم، يعني ساره شنو اللي ارتكبته هي وزوجها حتى يقتلوها بهاي الطريقة البشعة وهي حامل، وهذوله الشباب اللي بعمر الورد شنو اللي اقترفوه؟ طلب مني ان اجد "شرب" ينهي به ليلته المأساوية، شرب كثيرا وبدأ يغني ((رديت وجدامي تخط حيرة وندم، رديت وعيوني تخط گبل القلم)).



#قاسم_علي_فنجان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرئاسات الثلاث واخفاء جريمة قتل المتظاهرين - حكاية من الفلك ...
- لمصلحة من عقلنة الطقوس والحوادث الدينية؟
- السوسيولوجيا في خدمة السلطة
- الضحية والجلاد ما بين حسام وحميدتي
- الانتحار بين الفهم الديني والسيكولوجيا المبتذلة
- مذكرات نائب: بمناسبة ذكرى احداث 2003
- الطقوس الدينية لمجتمعات الافق المسدود
- تكالب الجرذان على جثة محتضرة
- مسلحون مجهولون
- 6 كانون الثاني ونهاية المؤسسة العسكرية
- سجن الكرخ المركزي والمعتقلات النازية
- مفهوم عصاباتي حول عطلة النصر على داعش
- الشكل الطائفي للتعليم الجديد ووحشية المجتمع
- نهاية معمل المصابيح الكهربائية
- طروحات ضد اُخرى.. هل الحزب الشيوعي العمالي على اعتاب مرحلة ج ...
- القتل على الشكل
- الانتخابات والموت
- -تحالف سائرون- الى اين؟
- الخليفة من قريش حصرا
- الوعي النسوي والسياسة


المزيد.....




- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - قاسم علي فنجان - ليلة تشرينية