|
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية....6
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 6378 - 2019 / 10 / 13 - 05:46
المحور:
الادب والفن
انسان مع وقف التنفيذ ....رواية.......-6- ===================== كان يشرف على كل أوكار القمار بطنجة ، كان سيد طنجة بامتياز . دخل السجن أكثر من مرة . ولم يردعه عن طريقه الذي اختاره شيئ . عندما يفرجون عنه يجد نصيبه من أرباح القمار محفوظا دون ان يتجرأ عليه احد . يسوق سياراته دون رخصة سياقة . لا يعبأ بشيئ . حين تركته عشيقته ثريا ، وعادت الى مصنع الخياطة بالميناء القديم لطنجة ، لم يتمالك نفسه . اقتحم الميناء بسيارته فولفو ، سيارة لم تكن متوفرة في شوارع المغرب كله حينئذ . ضرب حارس باب المعمل الذي حاول منعه من الدخول وطرحه بلكمة واحدة أرضا . دخل المعمل وأخرج ثريا بالقوة وهي تستغيث وتترجاه أن يتركها لحالها . وحالما ركب سيارته ، لاحظ ان سيارة شرطة قادمة نحوه ، ضغط على دبوس السرعة برجله ، وفر بسيارته ، لكن سيارة أخرى للشرطة كانت له بالمرصاد ، فعاد وراء ، وأخذ يسوق بسرعة جنونية وسط ساحة الميناء الضيقة ، لكن كل المنافذ كانت موصدة ، فقد انضافت سيارة شرطة ثالثة ، ولم يكن من بد أمامه الا أن يقفز بسيارته من رحبة الميناء الى رمال الشاطئ . ليس فيلما هوليوديا او بوليوديا ، انه واقع طنجة . هرب عبر الساحل ، لكنه حين وصل الى "الواد الجديد " لم يبق له مزيدا من فسحة الهرب ، نظر حوله فاذا جيش من رجال الشرطة يترقبونه عند الشارع وفوق قنطرة الوادي ، خرج من السيارة رفقة ثريا وسلم نفسه اليهم . بعد قضائه فترة سجنه التي دامت سنتين ، خرج من سجن طنجة الجديد . ملك في السجن. بمجرد ما يدخل يحظى بكل الاحترام من قبل سجاني السجن ، اما المسجونين فانهم عبيد له طواعية . كابران منذ اليوم الأول . الجميع في خدمته . حتى تابعه ابن حيه "حجون " ، ورغم ضعف بنيته الجسدية ، ونحالته ، كان يحظى باحترام كبير من جميع ابناء الحي . هم في الحقيقة يخافون من الكبيري ولا يحترمون "حجون" . حجون يكرهه الجميع . فقد تابعه كان متجبرا ، ظالما ومسيطرا ، عكس الكبيري الذي كان قويا بما تحمله الكلمة من دلالة ، لم يكن يعتدي على أحد من بسطاء الناس ،بل كان يفرض نفسه على فتوات طنجة وكبار لصوصها وقماريها. ولم يكن يحترم رجال السلطة أو يذعن لهم . بعض الضعف يورث النفس الضعيفة شحنات من التسلط والجبروت . تماما كما تصنع سلطاتنا معنا اليوم . تابع الكبيري الملقب ب" حجون " ، كان يحتقر الجميع رغم أن لكمة واحدة من أي شخص قد تسقطه أرضا . شوقورو سارق خمسة نجوم ، استطاع أن يسرق فندق الريف بطريقة ذكية جدا ، طريقة مبتكرة الى درجة أن الخيال الشعبي نسج حولها سردية سبقت حبكات أفلام هوليوود بعقود . تقول رواية الخيال الشعبي أن شوقورو هذا بعد تخطيط طويل ، استطاع أن يسرق خزانة الفندق ، ويقفز عبر نافذة مكتب المدير الى شجرة نخيل ، وبعد أن ألصق برجليه كرتي تينيس قفز مرة أخرى الى الأرض دون أن يصيبه مكروه . لكن أخاه وشى به ودلهم على مكان اخفاء المال والمجوهرات بغرسة مورى . فتم الحكم على شوقورو بعشرين سنة نافذة . حين خرج من السجن كان يبدو كرجل غربي ، قامته الطويلة وشعره الأشيب المتدلي من مرفقيه ، ولباسه الأنيق . لم يكن يلبس الا الكومبليه ، يعتني بتلميع حذائه . ورغم قصائه تلك المدة الطويلة في السجن ، الا انه لم يفقد نزعة السرقة ، وكان يأتي كل يوم تقريبا بطنجرات الضغط ، وعلب السجائر المهربة ، وقناني الخمر الغالي . غير أن حجون كان دائما ما يضايقه ويطالبه بنصيبه . في احدى الليالي وبعد ان لعب الخمر برأسه ، وامتلأت حقينة الغضب من حجون ، لم يبق امامه الا التخلص منه نهائيا . أسر لبقال الحي ان الليلة هي آخر أيام "حجون " . كان مستوى الضغط الذي راكمه شوقورو أكبر من اي احتمال ، ولربما خطط لطريقة قتله . ففي صباح يوم بارد ، بينما كان بطلنا متوجها الى المدرسة ، وجد حشدا من الناس مجتمعين على جثة مرمية في احد أساسات أحد المنازل ، حين تم كشفها ، علم الناس ان الجثة ل"حجون " . رهبة مشاهدة جثة في تلك السن تركت في نفسية بطلنا الصغير ندبة لا زالت حية في ذاكرته . حجون المقزز والظالم مرمي كجثة عفنة في أساس احد المنازل . قرر البطل الصغير أن لا يذهب الى المدرسة وبتابع سيناريو الأحداث ويطلع على جذور الحكاية . بعد لحظات قدم رجال الشرطة ، طوقوا المكان ، عاين وكيل الملك الجثة ، حملوها ووضعوها في سيارة اسعاف . انطلقت بصفارتها نحو المستشفى . لا زال وجه المفتش الذي تكفل بالقضية منقوشا في ذاكرته ، كان رجلا متوسط القانة ، مستدير الوجه ، تبدو على محياه علامات الذكاء ، يلبس لباسا عاديا غير متكلف . بل انك لا تظنه اذا ما رأيته أنه مفتش شرطة . أخذ يطلع في وجه الحاضرين ، وكان من بينهم شوقوور . قبل هذه العملية ، لاحظ بطلنا علامات تعجب على وجه المحقق وهو يبحث في الجثة ويعاينها قبل أخذها الى المستشفى . لم يعثر على قطرة دم واحدة . جثة صفراء مطروحة في أساس منزل ، بها ثقب صغير على صعيد الخصر الأيسر . يبدو أنها جريمة منفذة بحرفية عالية . عمد المجرم الى تجفيف كل أثر للدم ، حتى ان الشرطة لن تستطيع اكتشاف مكان الجريمة . لا أثر يدل من أين استقدمت . ولكشف المجرم لابد من محقق داهية . راح المفتش يتأمل الوجوه ، بدا من الوهلة الأولى أن الجميع يحمل سمات البراءة . لكن شوقورو وبفعل اغتباطه بارتكاب جريمة كاملة ، ولأن روح الله عزيزة عليه كما نقول في أمثالنا الدارجة التافهة . فقد ركبه الغرور ونطق بجملة لا زالت عالقة في ذهن بطلنا الصغير ؟ " مستحيل أن يعثروا على المجرم " ، قالها ووجهه يقطر غرورا .تأمله المفتش دون أن ينطق ببنت كلمة . كان بطلنا الصغير يتابع المشهد بوعيه الطفولي ، يلتقط المشاهد والصور ، يدون في ذاكرته الطفولية ما قد يتحول يوما الى سردية تؤرخ لحي أرض الدولة . لاحظ المفتش ان جرحا طفيفا يعلو عنق شوقورو ، سأله ببراءة المحقق المتمكن ، دون أن يظهر في سؤاله أي اتهام : -من أين جاءك هذا الجرح ؟ وببداهة عجيبة أجابه شوقورو -قطعة قصدير أيها المفتش ثم ذهب الى حاله المفتش يحوم حول ساحة الجريمة . وعاد اليه بعد ساعة تقريبا وسأله " -يبدو أنه جرح طري ، وهنا لا أرى الا منازل من آجور واسمنت . بارتباك سطحي أجاب شوقورو : -قطعة قصدير احدى شاحنات الرمل . بحسه العملي داخل الضابط الشك في هذا الشخص المثير للانتباه . لا أحد يلبس مثله من بين كل الحاضرين الذين يبدون جميعهم من دراويش الحي ، ولا أحد منهم يعتني بمظهره مثله . وهو ما جعل الخدش الذي يعلو عنقه يثير شك الضابط . أحس الضابط ان رائحة غريبة تحوم في المكان ، وبسرعة استطاع أن يحددها . انها رائحة الخمر . اقترب من شوقورو وسأله سؤالا بسيطا ليتأكد فقط ان الرائحة تخرج من فمه : - هل تسكن بالجوار ؟ -نعم هناك .......وأشار بيده الى مسكنه . في الحقيقة كان شوقورو مكتفيا بالاختباء في حانوت بسيط جعله مسكنا له ، حانوت لا تتجاوز مساحته مترين طولا ومترا ونصف عرضا . عندما تأكد الضابط أن الرائحة تنبعث من فمه زاد شكه فيه . سأله للمرة الثالثة وابتسامة عريضة تملأ وجهه : -يبدو انك استمتعت هذه الليلة ؟ ابتسم شوقورو هو أيضا ،ورد عليه : - نعم كانت ليلة رائعة في فندق مرحبا . في هذه الأثناء تركه الضابط ، وذهب عند ثلاثة من مساعديه وطلب منهم أن يرافقوا شوقور الى المخفر .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية ...5
-
ايران تنتصر مرة أخرى ، متى يتعلم العرب فن الانتصار ؟
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية...4
-
مواطن مع وقف التنفيذ ....رواية -3-
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية -2-
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية
-
انما الامم الاخلاق....قصة
-
حوار مع زيغموند باومان حول دور وأهمية المواقع الاجتماعية
-
يخت الملك الفاخر وفقر المغاربة المذقع
-
الربيع الايراني
-
انتحار في عيد الأضحى ....قصة قصيرة
-
حدود الملكية المطلقة بالمغرب
-
لن أيأس
-
أمينة بوعياش تخرج الفيل من خرم ابرة
-
عشرون سنة من الحكم ، عشرون سنة من اللاحكم
-
خطأ الملك ، كيف نتعامل معه ؟
-
هل تكمل الجزائر مسارها المتفرد ؟
-
أنوار الخائن -رواية 1-
-
القضاء أول درجات الارتقاء
-
اضحك ، انهم يكرهونك
المزيد.....
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
-
باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح
...
-
مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل
...
-
لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش
...
-
مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
-
مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف
...
-
-بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام
...
-
تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي
...
-
-حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين
...
-
-خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|