أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - موسى اغربي - الأمازيغية ووهم القداسة لدى الحركة -الوطنية-















المزيد.....



الأمازيغية ووهم القداسة لدى الحركة -الوطنية-


موسى اغربي

الحوار المتمدن-العدد: 6377 - 2019 / 10 / 12 - 16:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا يخفى أن الحركة الأمازيغية مثلها مثل "القوة العقلية" في مواجهة "القوة العاطفية"، وذلك في نزاعها الفكري العقلاني، تجاه الخصوم من مختلف المشارب الإيديولوجية التي يمكن حصرها في الإيديولوجية الدينية والقومية العروبية: كل خصومها ينحتون أوهامهم من هتين الإيديولوجيتين، ويلتفون حولهما سواء أكانوا من السلفيين أم من "الحداثتين" مؤمنين أولائكيينلسبب بسيط وهو اعتبار منطقة "شبه الجزيرة العربية" مصدر "الفتح المبين" دينيا ولغويا وثقافيا، وصفتها "العربية" مفتاح سحري لكل من أراد خارج هذه المنطقة أن يمارس الهيمنة الدينية واللغوية، وإذا تجاوزنا مرحلة الهيمنة القرشية باسم الدين في القرن السابع (التي قلما يشير إليها المؤرخون، أو على الأقل تطرح للتداول على سبيل الحوار!!)، فإن انبثاق الإيديولوجيا العروبية في الشام والعراق في العصر الحديث لا يمثل قطيعة مع شبه الجزيرة العربية سواء على المستوى الديني أو الإيديولوجي، بمعنى أن هتين المنطقتين تعتبر إحداهما امتدادا للأخرى لا على سبيل التبعية، بل تقاسم وأداء الأدوار نفسها وأن بصيغ مختلفة وخلافية لا تصل إلى مستوى العداء بين العروبة والسلفية الدينية، هذان عالمان أساسيان وما عداهما "لواحق" أو امتداد يشبه امتداد الذنب على نحو ما تمت الإشارة إليه آنفا!
الحديث عن التعريب في حد ذاته دون ذكر الخلفيات الأسطورية والسياسية، لا يمكن أن يكشف لنا عن حجم الكارثة التي لحقت شمال إفريقيا بسبب نخب كانت تفصل المناطق الجغرافية وفق هواها الإيديولوجي ومصالحها الاقتصادية التي هي فئوية في المقام الأول، ولا نبالغ إذا قلنا أن النخبة "الوطنية" أبلغ ضررا من الغزاة الأمويين، لأن هؤلاء طردوا من شمال إفريقيا بعد غزوة "الأشراف" المعروفة، ولأنهم لم يعلنوا أبدا أن شمال إفريقيا جزء من شبه الجزيرة العربية أودعوا إلى التعريب، كان كل همهم –على غرار البدو الغزاة- السبي والنهب، أما النخبة "الوطنية"، فإنها طمست العقول بأدوات إيديولوجية محضة. ومن أجل الكشف عن هذه الحقيقة لا يجب أن نقف عند "التعريب" في حد ذاته، لأن الأمر لا يقف عند اللغة والثقافة، بل يمس كيان أمة حضارية في شمال إفريقيا برمته!
إذا أخذنا بعض الأمثلة على البلدان التي تم الاستيلاء عليها وحيازتها بذريعة أو بأخرى فإننا نستطيع أن نفهم معنى تحويل شمال إفريقيا إلى الجناح الغربي للأمة العربية والإسلامية.
حينما استولى المعمرون السكندافيونles colonnes scandinaves على أراضياسلانداIslande، وقاموا باستصلاحها، اعتقدوا أنهم بعملهم هذا ساروا على مثال خلق الله للكون Cosmos الذي انبثق من السديم chaos، وهذا الاعتقاد استمرار للاعتقاد الأسطوري لدى الشعوب "القديمة" التي كانت ترى أن الكون cosmos نقيض السديم Chaos، كما تتناقض الأرض "المأهولة" مع القضاء المجهول espace inconu المحدق بها، الأولى هي العالم Monde (وتحديدا عالمنا نحن)، وما عداه ليس كونا Cosmos، ولكنه ضرب من عالم آخر، فضاء غريب، سديمي Chaotique تسكنه مخلوقات "بدائية"، والشياطين، والغرباء الذي يشبهون الشياطين والأشباح Fontômes ومن الطبيعي أن الإنسان يخاف من الآخر الغريب سواء أكان محسوسا أم متوهما في عالم الغيب، كما يخاف من الفضاء الواسع الممتد إلى ما لا نهاية ولا تحده حدود، من هنا اختلاق فكرة الأماكن المقدسة والأماكن غير المقدسة، والتقديس هنا هو بمثابة "نقطة الارتكاز" أو المركز الذي يتيح للإنسان رسم معالم الطرق والتوجهات التي يجب أن يسلكها،ولهذا كانت لكل شعوب الأرض مراكزها المقدسة بدء من المعبد (الكنيسة، المسجد...) وانتهاء بالمراكز الجغرافية، وامتداد ذلك إلى التمييز بين الحضارات واللغات والمفاضلة بين الأجناس، وغير ذلك من التخاريف التي عانت منها الإنسانية عبر عصورها وازدادت في العصور الحديثة مع العصر الكولونيالي ونشوء القوميات والدول الحديثة، وهذا يدل على أن الإنسانية لم تتخلص بعد من تخاريف الشعوب القديمة، بل أضافت إليها تخاريف أخرى سنعرض لها بإيجازفي ثنايا هذا البحث.
و بداية هذه التخاريف وأعظمها (غرابة بطبيعة الحال) هو الاعتقاد بأن الله خلق الكون، ومن بعد ذلك سار الإنسان على هديه وذلك بأن اكتشف "المركز" centre (أي مركز العالم) الذي يعادل (أو بمثابة) إيداع العالم création du Monde ، ولا يمكن لهذا المركز أو الفضاء إلا أن يكون مقدسا لأن له علاقة بالقوة الغيبية العليا، ومن هنا منشأ المعابد ذات القبب والصوامع العالية باعتبارها أدوات التواصل مع هذه القوة! إذن فإن المعمرين الإسكندافيين حينما احتلوا أرض اسلاندا اعتقدوا أنهم فوق مكان مقدس بمجرد ما استصلحوا تلك الأرض، بمعنى أنهم، أصبحوا محتليها، ولم يعد المكان "غريبا" أو "مجهولا" بفعل هذا الاحتلال، إن مجرد هذا الاحتلال والاستقرار فيه فأن الإنسان يحوله بطريقة رمزية إلى الكون cosmosعن طريق إعادة طقس النشوء الكوني Cosmogonie ، أي الإنسان هنا يتخذ نشأة الكون من لدن الآلهة مثالا يحتذى في اكتشاف الأراضي وإصلاحها، أن الغزاة الإسبان والبرتغاليين اعتبروا أن الأرض التي غزوها باسم المسيح ملكا لهم، والصليب التي نصب فوقها حولها إلى أرض مقدسة، بل تعتبر أرضا جديدة لأنها ولدت من جديد، وبفضلالسيد المسيح "أصبحت الأشياء القديمة من الماضي، (إنه يجب ما قبله)، أن البلد الذي اكتشف "حديثا" أصبح "جديدا" ، يتضح من هذا كله أن الله خالق الكون (الكوسموس) هو النموذج المحتذى لخلق من نوع آخر: الاستقرار في الأرض، أو فلاحتها، أو اكتشافها أو غزوها، وفعل الإنسان هذا يكتسب قدسيته هذه على المكان الجغرافي الذي يحل فيه، غير أن هذه القدسية من وجهة نظري انطلاقا من تحليل ميرسيا الياد ضربان يجب التمييز بينهما: قدسية وجودية، وقدسية سياسية، هذه الأخيرة هي من اختلاق الغزاة والسياسة الاستعمارية، أما الأخرى فتحيلنا على ضرب من التفكير الأسطوري الذي لا ينفصل عن حقيقة الوجود الإنساني، وكما أشار إلى ذلك م. ايلياد فإن الإنسان لا يستطيع أن يحيا في عالم ممتد إلى ما لا نهاية بلا حدود دون معالم، هذا العالم "السيديمي"، يحتاج إلى "مركز" أو "بؤرة" العالم، وخارج هذا المركز توجد عوالم لا معالم لها ولا أشكال، إنها عوالم مجهولة وغريبة، المركز يوجد حيث أنا موجود، وخير مثال على ذلك قصة يعقوب Yacob الذي رأى في حلمه سلما يطاول عنان السماء، سلما تصعد منه الملائكة وتهبط، وحينئذ سمع الرب في العلا يقول: "أنا السرمدي أنا إله إبراهيم"، حينئذ صاح وقد استيقظ مرعوبا: كم هو رهيب هذا المكان هنا يوجد بيت الله: "هنا باب السموات"، أخذ يعقوب الحجرة التي كان يتوسدها وخلق منها نصبا صب فوقه الزيت، وأطلق على هذا المكان اسم Béthel أي "بيت الله" .
وينفرد العالم الإسلامي بوجود بيوت ثلاثة مقدسة في القدس والحجاز: مكة، المدينة، على الرغم من أن أرضه تطفح بالمساجد والمعابد، وهذه المساجد الثلاثة أسرت عقول المسلمين في عاطفة من التقديس قل نظيرها، علما بأن لها تاريخا علاوة على أن طقس التعبد السنوي في واحد منها كان في مكان ما من شبه الجزيرة العربية قبل أن يستقر على الوضع الراهن استقرارا كما كان من قبل طيلة قرون عدة. ولا أعرف إن كان في الدنيا مكان يعتقد أن ظل الله يغشاه أكثر من غيره مثلما تعتقد العرب بفقهائهاوقومجيها، أن أرضها أكثر قداسة من كل بقاع الأرض، ولا يهم إن كانت الأرض المباركة والمقدسة تحتل درجة الدنيا الدنيا في مجال السلم الحضاري، لا يهم ذلك طالما أن العقل يقف عاجزا أمام هلوسة غير معهودة، بل هلوسة مدمرة لأنها تعطل حق الشعوب في العيش المشترك بعيدا عن سلاح التعاظم والتفاخر بالأمكنة "المعبودة" التي لا تعدو أن تكون منتوج إنسان وقد بلغ مستوى معينا من الحضارة لا أقول أنه بدائي، ولكنها بن العاطفة التي كانت ضرورية لمواجهة أسرار الكون الذي ظل لغزا عصيا عن العقلنة طيلة قرون منذ أن وجدت البشرية على هذه الأرض.
وعلى الرغم من أن كلمة "الأطلس" متداولة في جميع لغات العالم، والمستمدة من جبالها الشامخة وقممها التي تكسو الثلوج بعضها طيلة العام كله، فإن الأمازيغ لم ينظروا إلى جبالهم أو بلدهم وكأنه مركز الكون على غرار جبل "ميرو" MERUفي الهند وهارابرازيتي HARABEREZAITIفي إيران والجبل الأسطوري "قمة البلدان" MONT DES PAYS في أراضي الرافدين وجبل جيريزيمGERIZIM في فلسطين الذي اعتبر "سرة الأرض Nombril de la Terre وبمقتضى المعتقد أن الجبل عال يلامس السماء CIEL، فإنه يمثل أعلى نقطة في العالم مما ينجر عنه الاعتقاد بأن الأرض التي تحيط بم تمثل البلد السامي، وهكذا اعتقد الإسرائليون أن فلسطين هي البلد الأعلى ولذلك نجت من الطوفان، والتراث الإسلامي ليس استثناء في هذا الباب حيث اعتبرت أرض الكعبة مقابلة لمركز السماء CENTRE DU CIEL .
ليس لدي الآن من النصوص أو الشواهد الأثرية التي تدل على أن الأمازيغ حذوا حذو الشعوب في اعتبار بلدهم الشمال الإفريقي على الرغم من جاذبيته، مركزا للكون أو رابطة بين الأرض والسماء وهم في ذلك مثل السلتCELTES، ولكن ما هو ثابت لديهم هو التمسكبالأرض التي نشأوا فوقها وصد كل جحافل الغزاة عبر التاريخ من الرومان إلى أعراب الدولة الأموية والقريشية. ولم يقف الأمر عند صد الغزوات الخارجية سواء في الشمال أو الشرق، بل إن هذا الصد اقترن بفك الارتباط بالشرق – على الأقل من الناحية السياسية- وذلك بعد أن أقر الخليفة العباسي هارون الرشيد باستقلالية الغرب الإسلامي برمته عن الشرق العروبي لكن أرض الأمازيغ لم يتخلصوا أثناء الثورة الخارجية من البعد الديني الذي أضفى على الشرق قدسيته،وظل الشمال الإفريقي على مدى العصور شاخصا نحو المشرق . وفي مقابل قدسية المشرق نشأت الدولة البرغواطية سنة 742 واستمرت إلى غاية 1148 أي أنها دامت دولة أمازيغية ووطنية طيلة أزيد من أربعة قرون، وليس من الصدفة التاريخية في شيء أن هذه النشأة اقترنت بهزيمة العرب أمام جيش ميسرة الصغرى في المعركة المعروفة بواقعة الأشراف حيث قتل فيها "حماة العرب وفرسانها وكماتها وأبطالها" .
إن الدولة البيروقراطية تعبير عن عمق تاريخي أصيل يتجلى في إثبات الذات الحضارية للمغرب على نحو الخصوص في مواجهة التسلط المشرقي باسم الدين وباسم القداسة، إنها الدولة الوحيدة – في حدود علمي – التي وعت منذ وقت مبكر معنى الشخصية الوطنية التي لا يمكن الحفاظ عليها إلا بواسطة قدسية مناقضة، وهكذا يمكن فهم موقف صالح بن طريف ومن أتى بعده، إذ أنه هو الذي منح البرغواطيين دينهم الوطني ، على الرغم من أن هذا الدين الجديد تم في إطار المثاقفة التي اتخذت أداة لخدمة كبرياء الوطن الجريح ، وهذه ظاهرة نلمسها في الوقت الراهن مع حركات التحرر "الوطني" التي وظفت سلاح العدو – في إطار المثاقفة- لمحاربة هذا العدو نفسه ، إن ادعاء النبوة من لدن مؤسس الدولة البرغراطية وديانتها تسير في اتجاه استعادة القدسية الوطنية نقيضا للنبوة الشرقية.
ولا بد أن أبين هنا أن مواقف الحركة "الوطنية" لا من الأمازيغية فحسب ولكن من قضايا الوطن الأساسية، تنم عن قصر العقل والفضائح الفكرية، بحيث يمكن القول بدون مبالغة ولا تجن أن مصالحها الفئوية أعمتها عن رؤية الوطن المغربي في صورته التاريخية التامة التي تجسد عبر الزمن سلسلة من التكامل والتساكن بين الأديان والثقافات دون التفريط في أساس هذا التكامل ألا وهو الانتساب إلى الأرض وما صنع فوقها من حضارات وثقافات. لابد من الإيمان أولا بأن هذه الأرض المغربية جزء من شمال إفريقيا الأمازيغي منذ قرون، هذا الإيمان قد يمثل بالنسبة لي شكلا من أشكال المعتقد. وهذا صحيح لان الأرض لم تتغير مثلما لم يتغير ساكنوها بالانقراض، وكما يتميز هؤلاء بالانتساب إلى هذه الأرض فإنهم في الوقت نفسه لم يتخلوا عن لغتهم وإن أتقنوا لغات الغزاة خاصة الإغريقية واللاتينية والعربية، بل كتبوا بها آثارا سمت إلى مستوى الأدب العالمي، وأما قرار "التعريب" الذي فرض سياسيا وفي غفلة من الجميع في مرحلة من تاريخنا الحديث فهو قرار أقل ما يقال عنه أنه عدواني، ويمثل مستوى رديئا من التفكير كان يروم اغتصاب الطفولة المغربية وانحطاط المدرسة المغربية، اعني المدرسة العمومية، والأدهى أن النخبة "الوطنية" جعلت من خرافة التعريب قضية وطنية وفي الوقت نفسه تبنت قضايا بالشرق الأوسط بشكل هستيري لم يمنعها من الوقوف إلى جانب الأنظمة الاستبدادية الفاشية بذريعة الأخوة المشتركة في التاريخ واللغة والثقافة، وقد وظفت هذه "النخبة" كل السبل لتوجيه الرأي العام المغربي بدء من الشائعة والاتهام بالعمالة والتظاهر بالوطنية التي لا تعني غير حيازة الوطن لها وحدها، وكل هذه السبل تؤول في نهاية المطاف إلى الإيحاء suggestionالذي لا يفضي إلى غير المعتقد، بكل ما تحمله اللفظة من مساوئ وفي مقدمتها أسر الفكر وإقصاء الحوار الفكري المبني لا على العاطفة بل على التحليل للواقع في ماضيه وحاضره.
كل مواقف الحركة الوطنية من الأمازيغية وكذا مثقفيها الذين نشأوا في حجرها أولها بهم قرابة إيديولوجية من أمثال الجابري وبلقزيز وعلال الأزهر والفاسي الفهري وغيرهم مبنية على التأثير الدوغمائي الذي يمكن أن يمارسه مفهوم "الإيحاء" بالمعنى الموظف لدى المفكر الفرنسي "غوستاف لوبون" وهو على النحو الآتي: الإقناع لا يعني مطلقا الإيحاء.الإيحاء يخضع. التدليل العقلي يمكن أن يقنع لكنه لا يجبر على الخضوع ، إن هذا التعريف الباهر هو الذي جعلني أوظفه في هذا السياق، سياق بيان أوهام الحركة "الوطنية"، حول مجمل القضايا الشائكة التي تمس هوية المغرب بدء بالجذور وانتهاء بالثقافة واللغة، إن الخضوع (أو بالأحرى الإخضاع الإرادي إن صح التعبير)، هو الانقياد بشكل أعمى نحو مجموعة من الأفكار التي يوحي بها من له وسائل التأثير من منطلق "الشرعية" المزعومة له وحده، على الطرف الآخر، (وهو هنا الامازيغية وكل رموزها الماضية والحاضرة)، الذي يتنحى إلى مستوى الإحساس بالدونية، بل وبالخطيئة بالمعنى المسيحي والجرمي، الإحساس بالدونية يتمثل في وجود اقتناع لدى بعض الأمازيغ بأن "عرقهم" لا يرقى إلى مستوى "العرق العربي" بحكم أن هذا الأخير يمت إلى بقاع مقدسة دينيا (اليمن، والحجاز وفلسطين) وإلى أراضي تشكل نقطة الارتكاز سياسيا لمواجهة التحديات الخارجية سواء أتت من الدولة العثمانية أو التوسع الغربي الأوروبي وإسرائيل: في الشام والعراق، من هنا مصطلح "عروبة البربر" المتداول بشكل يبعث على الغثيان والأسى معا سيما وأن القضية هنا ليست قضية معرفية صرفة، بل إن الأمر أعقد من ذلك كله، ويتصل بالخطوات والإجراءات السياسية التي يبنى عليها مصير شعب لازال تائها ولم يقو حتى على إنجاز ما أنجزته بعض الأمم الأوروبية في أواخر القرن التاسع عشر، تلك التي استقلت عن الحكم الإمبراطوري على أساس الوعي بهويتها الوطنية والعلمية، أولا يحق المرء أن تجحظ عيناه ويعجب عجبا أمام ما سطره "عملاق" الفكر القومي العروبي، الجابري، وهو يقارن بين عالمين وأمتين بصورة تبعث على الأسى أمام ما يمكن أن يمارسه "الإيحاء" بأفكار لا يمكن أن تصدر إلا عن عقل إيديولوجي ملوث ومستلب، يقول الجابري: "وهكذا فما يعوق الوحدة العربية هو غياب الإرادة السياسية وهي شيء يمكن أن يتوفر لو كانت هناك ديمقراطية حقيقية في الأقطار العربية، ستكون الوحدة العربية عندما تتحقق، بصورة ما أقوى وأمتن من الوحدة الأوروبية لافتقاد هذه إلى الهوية الثقافية التي تؤسسها لغة واحدة وتراث مشترك هذا فضلا عن توزيع أوروبا كلها إلى أقطار في كل منها دولة / أمة "، وليست من المبالغة القول: إن جميع كتابات القوميين العرب والسلفيين وهم زمرة واحدة، يمكن حشرها في هذه السطور الموغلة في سوق الأوهام وعلى أساسها يصنع الوعي العروبي لدى العربي "في أمة عربية واحدة"، من المحيط إلى الخليج!!
هذه الأوهام هي التي منعت أحد متطرفي العروبيين من رؤية الواقع التاريخي سواء أكان الأمر يتعلق بالشرق أم بشمال إفريقيا، هذا الواقع لو يمكن أن تعانده أوهام إرادتنا، الواقع التاريخي يقول: إن الأمة العربية المتخيلة هي التي تفتقد إلى الوحدة الثقافية واللغوية، ولا عجب في ذلك فقد سبق لي أن ألمحت إلى أن القاعدة التي تتحكم في الواقع الاجتماعي لدى كل الشعوب هو التعدد الثقافي، فما بالك بالشرق الذي تعاقبت عليه عشرات الشعوب والحضارات، والقول بالوحدة الثقافية العربية هو إلغاء هذه الشعوب وثقافتها الاشورية والبايلية والسومرية والكلدانية والكردية والأرمينية...الخ، ومصدر الإلغاء وهذا صار من البديهيات هوالتعصب للعرب من لدن هذا النمط من المثقفين الذين لم يستطيعوا التخلص من المسلمات الغبية حول طبيعة العلاقة بين الغزاة الأعراب وباقي الشعوب والحضارات التي صادفوها في المشرق وفي الشمال الإفريقي، ومن هذه المسلمات الغبية: التاريخ المشترك واللغة الواحدة والثقافة الواحدة والعدو الواحد أيضا (ألا وهو الغرب بهذه الصيغة التعميمية، والأتراك العثمانيون)، هذه المسلمات يرددها بكل غباء سلفي وهابي يبحر في ظلمات الجهل، كما يرددها دكتور في الفلسفة ومنظر لمصير الأمة العربية!!
إن الخطاب المعاد بشكل ممل حول "أحادية" الثقافة واللغة باعتبارهما ميزة "الأمة العربية" يضمر عدوانا على شعوب الأراضي التي هاجر إليها العرب وخاصة بعد الغزوات، وإذا كان الجابري يقارن بين الغرب والأمة العربية، على أساس ما يسميه "بالوحدة الثقافية واللغة المشتركة" فإنه ينسى أو يتناسى سبب قوة الغرب وضعف هذه الأمة، إن قوة الغرب تتجلى في ثقافته بصورة أولى، ذلك أنه لم يستطع أبدا أن يحدث قطيعة مع ماضيه الحضاري الإغريقي والروماني كما يفعل العروبيون سواء في الشرق أو الشمال الإفريقي.
يقول أحد الباحثين العراقيين:"إن سر جبروت تيارات أوروبا المتصارعة حداثية ومحافظة علمانية ودينية، قطرية ووحدوية، يسارية ويمينية قد اتفقت على رؤية شمولية مشتركة وموحدة ومنسجمة إزاء تاريخها وتراثها وتقاليدها مع حرية الاختلاف في تفاصيل الأحداث وتقييمها سلبا أو إيجابا ، غير أن القوم عندنا من سياسيين يمينا ويسارا ومن المثقفين يمينا ويسارا يريدون أن يعاندوا الواقع وأن لا يبصروا إلا ما يريدون وعلى الرغم من الكوارث السياسية التي عانى منها الشرق ولازال بسبب فرض السياسة العروبية على المستوى الثقافي الذي أفضى إلى الطائفية الدينية نتيجة الربط الأعمى بين العروبة والدين الإسلامي. إن الدعاة الأصولية والقومية، في بلدان شمال إفريقيا، لازالوا متحصنين في الكهف الذي أقام أسسه "ميشيل عفلق" الذي يمكن اعتباره في هذا المجال أستاذا فاشلا في صياغة رؤيا شمولية لأزمات الشرق الأوسط على أساس وطني يروم الحفاظ على التنوع الذي يشكل علامة بارزة لمن أراد التعرف على هذه البلاد المتسعة لا جغرافيا فحسب ولكن تاريخيا أيضا إذ أنها تجر وراءها إرثا تاريخيا ممتدا عبر آلاف السنوات، وسكنتها أجناس وأقوام مختلفة لا يشكل العرب منها إلا أقلية مهاجرة، والمهاجرون لا يمكن أن يصبحوا أبدا سادة في بلد الهجرة إلا قهرا وبشكل مؤقت، وهذا ما لم يفهمه العروبيون سواء في الشرق أو في شمال إفريقيا، فتلاميذ ميشيل عفلق في المغرب مثلا لم يبرهنوا أبدا عن بعد نظر لأنهم نشأووا وفطموا على تجزيء تاريخ هذه البلاد على أساس تصور بداية "مثالية" هي قدوم العرب (أو بالأحرى فرسانهم) وترسيخ دينهم، وأما ما قبلها فيعتبر خارج التاريخ أو لا تاريخ، بمعنى أن هناك تاريخا مقدسا وهو التاريخ،الذي سطره الغزاة الأعراب وتاريخا مدنسا هو تاريخ "البرابرة" وكلنا نذكر هذا النفس العدواني لدى بعض الأشخاص الذين أرادوا محو هذا الشعب "البربري"عن طريق محو لغته، فمن متنبئ بانقراضها بعد عقود،إلى"الفيلسوف" الجابري الذي دعا إلى محو كل اللهجات السائدة لصالح أحادية اللغة العربية، وكأن هذه الأمة العربية لا يمكن أن تحيا إلا بمفردها، والزعم زورا بأن هذه الأمة لا يقف في سبيل وحدتها غير الأعداء الخارجيينوالداخليين، ألا وهم الأوروبيون والسكان الأصليون، وبذلك أخطأ القوم في تشخيص الواقع واكتفوا بتسطير كتابات أمثلت التاريخ حتى تحول إلى لا تاريخ أو خرافة، وفي ظل هذه الكتابات نشأت أجيال تائهة عن إدراكمعضلاتها المزمنة تعود في جزء كبير منها إلى الموقف العدواني من تاريخ شمال إفريقيا والحضارات التي ازدهرت هنا، بمعنى أن الحركة "الوطنية" والمثقفين الذين خرجوا من عباءتها (يمينا ويسارا) شنت عهدا من التبعية وقد تخلصنا منها منذ معركة الإشراف على الأقل من الناحية السياسية.
وإذا أردنا أن نقيس مدى هذه التبعية التي دشنتها "الحركة الوطنية" لصالح الشرق العروبي والاستعمار الفرنسي، فيكفي أن نقرأ بعض صفحات كتاب علال الفاسي "النقد الذاتي"، الذي يعتبر بمثابة الكتاب الأحمر، لدى أنصاره حول المغرب أرضا ولغة وتاريخا، لنقرأ هذه السطور: "والمغربي منذ كان، وفي كل أطواره التاريخية، لم يقبل أن يكون تابعا لسلطة روحية خارجة عن الوطن؛ فقد اعتنق المسيحية ولكنه رفض أن يخضع للكنيسة الرسمية، واعتنق الإسلام ولكنه رفض أن يتبع الخلافة العباسية، بل حتى الأموية التي كانت بجانبه في الأندلس. وليس أدل على هذه العقلية من دراسة الطرق والزوايا الموجودة في المغرب، فإننا لا نجد واحدة منها تخضع لمشيخة رسمية خارج الوطن، إن ذلك لم يقع بيد الحاكمين ولا بتدبير الملوك ولكنه وقع بطبيعة الوطن المعتز بكيانه الخاص وبطبيعة المغربي الذي يقبل المبدأ ولكنه لا يقبل أن يستعبده أحد من أجله، لنا الحق في أن نختار من المبادئ ما نشاء، ولكن لا بد من أن نصهرها ونكيفها بالطبيعة المغربية التي تحب الاستقلال في كل شيء" .
لقد تعمدت إيراد هذه الفقرة الطويلة – ونادرا ما أفعل ذلك في كتاباتي- حتى يتضح للقارئ أمران:
الأمر الأول: أن هذا الخطاب يدل على هول عدم الوضوح الفكري لدى هذه الفئة من "النخبة" المغربية التي صوتت على نفسها حتى تكون ناطقة باسم مصالح المغرب، ولكنها في الوقت نفسه تدمره عن طريق ربطه بمشيخه العروبة وإيديولوجيتها الروحية، وليس العيب في هذه الأخيرة ولكن العيب حينما نصبغ بالعروبة تقليدا أعمىللموقف المعروف لدى ميشيل عقلق. فالوطن هنا يكف عن كونه وطنا حينما نعزله عن ماضيه التاريخي، ونعتبره جزء من الجغرافية البعيدة على مستوى اللغة والتاريخ والثقافة.
الأمر الثاني: هذا الخطاب "الأنيق" في ظاهره لا يمكن أن يخفي أو يحجب عنا مرض السكيزوفرينيا التي عانت ولا زالت تعاني منها "النخبة الوطنية"، فهي من جهة تتحدث عن كون المغربي وطنيا منذ نشأته، وهو يحب الأرض التي وجد فيها ولا أدري كيف للشيخ علال أن يتحدث عن حب الوطن والأرض، مع إنكار حضارة من نشأ فوقها ولغته وتاريخه، ويتحدث عن عقلية الاستقلال لدى المغربي ولكننا ضيعنا عقودا من الزمن لنزرع في الأذهان عقلية الانتماء العروبي واعتبار العربية لغة الوطن السيادية، وندرس الآداب العربية في كلياتنا ولا ندرس آداب الشمال الإفريقي وبأي لغة كتب قبل مجيء الغزو العربي! ولا أدري كيف يستقيم الكلام عن "الوطنية الصحيحة" التي لا يمكن أن تتم إلا إذا نجحنا في الاستمداد من الماضي ... والاعتزاز بوجودنا الأرضي .مع التنكر لماضي الوطن المغربي قبل مجيء الإسلام واعتباره مرحلة جاهلية، وأما الاعتزاز بالوجود الأرضي فإنه في ضوء الإيديولوجية السلفية وتوأمها العروبي، فإنه لا يعدو أن يكون تعبيرا عن عروبة هذا الوجود، وكما حدث في الشرق مع الإيديوبوجية البعثية، فإن الوطن لا يمكن أن يمر إلا عبر أرض شبه الجزيرة العربية ... :"أن طريق الانتماء للوطن لا بد أن يمر بالجزيرة العربية" ، وإذن فإننا نحن أمام انتماءين: انتماء إلى الوطن الذي نشأنا فوقه، وانتماء إلى "الوطن العروبي" مهد الإسلام، الانتماء الأول انتماء بالتبعية وإذا كان لهذا ماضي فيجب أن يمحى ومعها لغته، ثقافته، ولا بد من أن يخلق من جديد.
أما الانتماء الثاني: فهو انتماء روحي عن طريق تبني قيم الشرق العروبي قيم الشرق العروبي الإيديولولوجية ومواقفه السياسية والثقافية، وانتماء مادي على أساس اعتباره مركزا وما عداه هوامش، من خلال هذه المعادلة البسيطة إلى حد أنها أصبحت إذا ما ووجهت بالحقائق على الأرض، من أتفه التفاهات. لقد أصبح الإنسان الذي ينتمي إلى شمال إفريقيا أو ذاك الذي نشأ في الشرق وقد عمرته أوهام (العروبة العرفية) ضحية الاغتراب عن أناس تتعايش معهم كل يوم وتتصل معهم في كل شؤون الحياة اليومية، وتشاركهم الأرض والماء والهواء والسماء. إن الإنسان الذي يشعر بالشك بحقيقة انتمائه لبلاده ولناس بلاده أشبه بالطفل الذي يشعر بالشك بحقيقة انتمائه لعائلته، كلاهما يعاني الغربة والاغتراب إلى درجة قد تؤدي إلى الدمار الذاتي أو الجنون. وهذا هو الحاصل فعلا في بلادنا" . من هنا نستنتج أن الأرض التي يتحدث عنها علال الفاسي لا يمكن أن تكون إلا أرضا عربية، ولا بد أن تكون لغتها عربية وعرقها أيضا مصبوغ "بالعروبة"، بل أن الدين نفسه لا يمكن أن يقترن إلا بالعنصر العربي، إن قرونا من الإرث الحضاري في الشمال الإفريقي يجب أن يتوارى أمام القداسة اللغوية والدينية بل والعرقية العربية، وهكذا فالدولة التي يجب أن تكون بداية للتاريخ السياسي في المغرب هي الدولة الإدريسية التي تنسب بكل تجن إلى الفرد الهارب من الاغتيال السياسي أي إدريس الذي ينسب إلى آل البيت القرشي على الرغم من تعصبه لبني قومه من العرب الذين استقدمهم من الأندلس حتى لا يكون تحت رحمة البربر الذين آووه وسيدوه عليهم،بل إن إدريس الثاني قام باغتيال زعيم قبيلة أوربة إسحاق وهو الذي كان وراء اعتلاء أبيه إدريس الأول السلطة ولم يكن قبلها غير آفاق وفار كما أشرت.
إن من تجليات بؤس آراء (ولا أقول فكر) الحركة "الوطنية"، إنها تجاري التيارات الفكرية السائدة في الشرق "العروبي" ببعديها القومي والديني، وهذه التيارات تهدف إلى محو كل ما لا يمت بصلة إلى العرب وتاريخهم، وإلى الدين الإسلامي، وعلى الرغم من بعض الخلافات التي تبدو في الظاهر بين التيار القومي والديني، إلا أنها تقف على أرضية واحدة، وهو تقديس الماضي العربي بما فيه الجاهلية، ولكن هذا التقديس (الذي هو نقيض الاستلهام) يتم على حساب ماضي الشعوب التي خالطها العرب في الشام والعراق ومصر وشمال إفريقيا، ولعل هذا الإلغاء لثقافة ولغات الأقوام التي كانت سائدة على أراضيها قبل قدوم الغزو العربي، يذكرنا بالغزو الأوروبي للقارة الأمريكية الذي تحول في اللغة المتداولة إلى اكتشاف العالم الجديد الذي هو نقيض العالم "القديم"، عالم الهنود الحمر الذين أبيدوا بدون رحمة، نعم الإبادة حاضرة في الحالتين الخلاف فقط حول طبيعة هذه الإبادة، فكر الغزاة ثابت في كل الحالات: تجريد الشعوب المغزوة من إرثها الحضاري والتاريخي واللغوي، وأساليب ذلك تختلف حسب الظروف التاريخية، وفي حالتنا فإن الأسلوب المتخذ والذي اقتنع به الجميع الأمي والجامعي السياسي والمثقف السوري والعراقي والقبطي والأمازيغي، فإنه كما قلنا آنفا يتجلى في "الإيحاء" بالمعنى الذي ورد لدى لبون، وغالبا ما يلجا إليه القادة الاستبداديون وبعض الأشخاص الذي يدعون بأنهم "وسطاء روحيون" قادرون على "إقناع" المحيطين بهم بوجود "ظواهر لا وجود لها على الإطلاق" ،ومن الواضح أن القادة من أبناء "الحركة الوطنية"مارسوا هذه الوساطة فيما يشبه عملية السحر ولا زالوا يمارسونها بشكل مفهوم لدى القلة من الأمازيغ وكتابهم، وهم في ذلك لا يختلفون عن الكونتيسة المعروفة تارنوفيسكا والتي كانت توحي لعشاقها بسهولة ارتكاب بعض الجرائم ، وهذه القوة قوة الإخضاع عن طريق الإيحاء هي التي تقف وراء جل المفاهيم التضليلية في شمال إفريقياالتي انتشرت بفعل تملك النفوذ الإعلامي الذي تتمتع به "الحركة الوطنية" وبفعل قربها من دوائر الاستعمار الفرنسي والاستبداد الشرقي، وليس من النافلة القول بأن من بين هذه المفاهيم المدمرة "عروبة شمال إفريقيا" والربط الآلي بين العروبة (أو العرب) والدين الإسلامي، وعلى أساس هذا الربط الذي يهدف إلى تكريس مفهوم القداسة الخرافية، بنى ميشيل عفلق رأيه، "العرقي" وذلك في المحاضرة التي ألقاها في سنة 1944 (1943؟) بجامعة دمشق، ومنها يتبين لنا مدى الجرأة في إسقاط القداسة الدينية على القداسة العرقية العربية (أو العكس).
يقول ميشيل عفلق: "أن اختيار العرب (من لدن الله طبعا) لتبليغ رسالة الإسلام كان بسبب مزايا وفضائل أساسية فيهم"، "فالإسلام إذن كان حركة عربية وكان معناه تجدد العروبة وتكاملها،فاللغة التي نزل بها كانت اللغة العربية وفهمه للأشياء كان بمنظار فهم العقل العربي، والفضائل التي عززها كانت فضائل عربية ظاهرة أو كامنة""إن العرب ينفردون دون سائر الأمم بهذه الخاصية، إن يقظتهم القومية اقترنت برسالة دينية".
هذه الكلمات التي تقطر عنصرية وأوهام الفضائل العرقية العربية، يتردد صداها في ما يكتب الآن ويعبر عنه، كما كان عليه الحال طيلة العقود الستة الماضية، حينما يتم استحضار (الامازيغية) في شمال إفريقيا. ولا ندري كيف تأتي لعلال الفاسي أن يقرر أن النموذج الإسلامي – على حد تعبيره – لا يعترف بالسمو العنصري لعائلة ولا لفرد . خاصة وأنه بعد هذه الكلمة الأخيرة (مباشرة) يتحدث عن أقطار المغرب العربي ، وقبل هذا كله وبعده، يحق لنا أن نسأل: من سن سياسة التعريب السيئة الذكر، ومن أراد أن تكون العربية وحدها رمز السيادة الوطنية، ألم يكتب بقلمه هذه الكلمات التي تفضح عنصريتهالمهذبة:"على الرغم من كون اللغة العربية هي لغة الدولة المغربية ولغة الإسلام واليهودية في المغرب ولغة التداول والمعاملات بين مختلف العشائر والأركان القومية، فإن عديدا من القبائل المغربية لا تزال متمسكة بلهجتها المحلية التي لا تطمع في جعلها لهجات ثقافية وحياة عامة، ولكنها بالطبع لا تزال تعتبرها لغة الأسرة والتفاهم الاجتماعي المحلي" . ولا بد هنا أن نلاحظ التباس التعابير بشكل مقصود ولكن أيضا بخلفية الخبث السياسي، فمن هي هذه القبائل المغربية غير الأمازيغ أنفسهم وفي أرضهم؟ولكنه يتحاشى ذكرهم كما يتحاشى أي عدو واقعي أو مفترض، كما أن قوله:"لا تزال متمسكة بلهجتها المحلية". يدل على إضمار الرغبة في انقراض اللغة الأمازيغية التي أطلق عليها صفة قدحية "اللهجة المحلية"، أي أنها لا ترقى إلى مستوى اللغة، واللغة المقدسة تحديدا، وأما كونها محلية فهي معزولة وفي نطاق اجتماعي ضيق. إلا أن السؤال الذي يطرح على هذا الرجل ذي العقلية التجارية والسياسية، من خول لك هذا الحكم على أن هذه "اللهجات" لا يطمح أصحابها إلى جعلها لهجات الثقافة والحياة العامة، هذا الموقف هو موقف تيار هذا الرجل الحزبي الذي أراد مرة أن يوحي أن المغاربة أصبحوا عربا بحكم اعتناق الإسلام، ومرة أخرى يدعو إلى تعريبهم، موقفان متناقضان وبشكل متعمد، ولا يخفى على أي قارئ مهما كان وعيه السياسي أن رجال السياسة سواء في الشرق أو شمال إفريقيا يتعمدون وبكل أساليب العنف الرمزي منه والمادي، "مسخ" الشعوب التي اختلط بها العرب، أرادوا لها العروبة والإسلام معا رغم أنفها، أو برضاها كما هو حال الأمازيغ المستلبين، ولا بد أن نتذكر ما قاله أحد الحمقى من دعاة العروبة (أقصد معمر القذافي) داعيا المسحيين العرب للتخلي عن دينهم والدخول في الإسلام.
"أما إذا وجدت في أمة واحدة أديان عدة، أي أن أبناء هذه الأمة يعتقدون بأديان عدة فإن هذا وضع شاذ كما هو الآن في الوطن العربي إذ من الشاذ أن يكون فيه عربي غير مسلم. فالعربي غير المسلم موقفه خاطئ ويجب أن يكون مسلما ويصحح موقفه. لا يجوز أن تكون من الأمة ودين غير دين الأمة، فالقومية والدين وجهان لعملة واحدة، أما فيما يتعلق بالمسيحيين في الوطن العربي، وأولا لا بد من التأكيد أن المسيح قد بعث إلى الإسرائيليين، فإذا كنت إسرائيليا فلا بأس أن تكون مسيحيا ... إذن يجب أن يعتنقوا (أي المسيحيين العرب) الإسلام، وإلا فإنهم يجعلون أنفسهم في موقع الإسرائيليين بالروح، فدين القومية العربية هو الإسلام... ومن الخطأ أن تكون عربيا ومسيحيا، وستبقى المشكلة قائمة طالما أنك عربي وتعيش على الأرض العربية وفي الوقت نفسه تبقى روحك إسرائيلية ... ولا يمكن أن يكون الجسم عربيا، والروح إسرائيلية .
وليس من المبالغة القول بأن الحركة الوطنية نطقت بهذه الكلمات قبل القذافي بعقود، فزبانية العروبة بسلفييهاوقومجييها، مشرقا ومغربا، لسان واحد ناطقا بالحماقة في أمور أكبرمنالإرادويةالمأزومة، أمور تهم الوطن والعلاقة بين أبناء هذا الوطن الذين يجب أن يعيشوا في كنف الإحساس بالمواطنة، لا في وطن تستأثر به حفنة من "الساسة" اللصوص، لأنهم أرادوا سرقة لا خيراته فحسب، ولكن وهذا هو الأخطر مصادرة ميراثه الثقافي والحضاري باسم المقدس والإيمان بأشياء وترهات لا وجود لها حتى في ذهن الذي يدعو إلى الإيمان بها عن طريق الإيحاء وما يوحي به من مهازل ذهنية.
هذا جزء من دراسة قيد الانجاز



#موسى_اغربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- نيابة مصر تكشف تفاصيل -صادمة-عن قضية -طفل شبرا-: -نقل عملية ...
- شاهد: القبض على أهم شبكة تزوير عملات معدنية في إسبانيا
- دول -بريكس- تبحث الوضع في غزة وضرورة وقف إطلاق النار
- نيويورك تايمز: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخاص ...
- اليونان: لن نسلم -باتريوت- و-إس 300- لأوكرانيا
- رئيس أركان الجيش الجزائري: القوة العسكرية ستبقى الخيار الرئي ...
- الجيش الإسرائيلي: حدث صعب في الشمال.. وحزب الله يعلن إيقاع ق ...
- شاهد.. باريس تفقد أحد رموزها الأسطورية إثر حادث ليلي
- ماكرون يحذر.. أوروبا قد تموت ويجب ألا تكون تابعة لواشنطن
- وزن كل منها 340 طنا.. -روساتوم- ترسل 3 مولدات بخار لمحطة -أك ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - موسى اغربي - الأمازيغية ووهم القداسة لدى الحركة -الوطنية-