أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - مشهد من رواية ظلال العائلة














المزيد.....

مشهد من رواية ظلال العائلة


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 6372 - 2019 / 10 / 7 - 15:00
المحور: الادب والفن
    


وصل رهوان؛ غادر سيّارته بعد أن أوقفها خلف سيّاراتنا.
كان متدثِّرًا بمعطف، وعلى رأسه طاقيَّة من صوف ممّا يناسب برد الأسابيع الأخيرة من فصل الخريف. جلس على حافّة السور الواطئ غير بعيد منّا. أخرج علبة السجاير ودخَّن سيجارة وهو لا يلتفت إلى أحد. بدا كأنّه ممثّل في فيلم سينمائيّ صامت.
احترمنا صمته، ولم نشأ أن نعكّر مزاجه بطرح الأسئلة عليه. ظلّ يدخِّن سيجارته ونحن نتبادل أطراف الحديث، ولربّما كان يسمعنا، بل من المؤكّد أنّه كان يسمعنا، لكنّه لم يشأ أن يشارك في الحديث، وكان ضجيج المدينة أعلى من المعتاد، أو هذا ما شعرت به في ذلك النهار.
دخَّن سيجارة ثانية ثمّ ثالثة، وكان بين الحين والآخر يُخرج هاتفه المحمول من جيب معطفه، يفتحه ويتابع كما يبدو حسابه على الفيسبوك، يضع الإعجابات سريعًا ثمّ يغلق الهاتف ويعود إلى التدخين. ومن خلفه، كان الجنود يراقبون حركة الناس في غدوّهم ورواحهم، ولم يكن المشهد مُريحًا بأيّ حال.
كدتُ أشركه في حديثنا عن عسف الجنود الذين قتلوا خلال الأشهر الأخيرة عددًا من الشابّات والشبّان عند باب العمود، على مسافة قريبة من موقعنا هذا الذي نشغله. بعض عمليّات القتل هذه تمَّت على مرآى من عيوننا، ولم نستطع فعل شيء.
وجدتُه مستغرقًا في حوار داخليّ، فلم أشأ أن أقطع حواره. ثمّ جاء دوره لنقل الركَّاب. وقفتِ امرأة قرب سيّارته وفتحت الباب، هبَّ مسرعًا نحو السيَّارة، فتح بابها وجلس خلف عجلة القيادة، ومضى نحو جهة ما.

***
عاد بعد ثلاث ساعات؛ وهو على غير الحالة التي كان عليها في الصباح.
أدركْنا أنّ لديه ما يقوله. كنّا ندير ظهورنا لسور المدينة، وقف في مواجهة السور لكي نرى ملامحه بوضوح وهو يتلفَّظ بالكلام؛ كان بريق عينيه ينمّ عن مفاجأة سارّة.
قال إنّ المرأة طلبت منه أن يوصلها إلى بيتها في الحيّ الشمالي الواقع على تخوم مستوطنة "قمَّة الذئب" القريبة من القدس.
قال:
-دار بيني وبينها حديث وأنا أنظر عبر المرآة إلى وجهها الذي يشي بأسى خفيف. سألتها إنْ كان لديها عمل تؤدِّيه. قالت إنّها تعمل في البيت.
ثمّ راح يخلط كلامًا في كلام، قال:
-كنت في الصباح متعكِّر المزاج لأنَّ امرأة صدَّتني حين أبديتُ إعجابي بجمالها ودعوتها إلى لقاء، هدَّدتني بأشقَّائها. اعتذرتُ منها ولم تقبل الاعتذار، إلا أنّها كما يبدو كتمت الأمر ولم تخبر أحدًا؛ ولم يخفِّف من نكدي سوى تلك المرأة التي جلست في الكرسي الخلفيّ، وقالت إنَّ اسمها فريال.
قال:
-أثارت فضولي؛ سألتها عن طبيعة حياتها هي وبقيّة سكّان الحيّ الصغير الواقع على تخوم المستوطنة.
قالت إنّهم لا يختلطون بالمستوطنين ولا يقيمون أيّ علاقة معهم، لكنّهم يرمون قمامتهم أمام بيوت الحي في بعض الأحيان.
قال:
-تعاطفتُ معها وأبديتُ استيائي ممّا يفعله المستوطنون؛ طلبتْ منّي أن آخذ الأمر ببساطة، وقالت إنّ بإمكاني الدخول معها لكي أشرب فنجان قهوة في البيت.
قال:
-أوقفتُ السيَّارة في ساحةٍ قريبة من بيتها؛ غير بعيد من المستوطنة. أخبرتني ونحن ندخل البيت بأنّها ستدعو صديقتها سميرة لتشرب معنا القهوة. هاتفتْها، وبعد نصف ساعة جاءت. كانت ترتدي تنُّورة قصيرة. جلستْ قبالتي ووضعت ساقًا على ساق. ظلَّت تبدِّل وضع ساقيها وأنا أذوب من الانفعال. نهضتْ ومدَّت يدها إليّ، وقادتني إلى غرفة نوم مُسدلة الستائر، وكانت فريال هي التي أغلقت علينا الباب.
قال موجِّهًا كلامه لي:
-لن أنساك من النعم التي تهبط عليّ يا بن العمّ.
كان دوري لنقل الركّاب قد حان. جاء راكب وراكبة، أخذتهما في سيّارتي ومضيت مبتعدًا. كانت المدينة تنوء بكمٍّ وافر من الحكايات، بعضها غثٌّ وبعضها الآخر ثمين.



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشهد من رواية مديح لنساء العائلة
- مشهد من رواية فرس العائلة
- خمس وأربعون سنة من الكتابة للأطفال/ شهادة.
- أهل البيت/ قصة
- أدب الأطفال والتشجيع على القراءة
- أنا والرواية/ شهادة
- أدب الفتيان وتحديات الانتشار في زمن الثورة التقنية
- عن صفقة القرن وورشة البحرين
- عن أدب السجون
- الغسيل/ قصة قصيرة
- الاتحاد الحيفاوية مسيرة نضالية حافلة
- قصص عدي مدانات/ مقالة
- عن العودة وحلم العودة
- عن الجبهة الوطنية الفلسطينية وتجربة الاعتقال والإبعاد
- إشكاليات التحديث الثقافي في فلسطين للباحث سعيد مضية.
- الفارس/ قصة
- زجاجة ماء/ قصة قصيرة جدًّا
- من دفتر اليوميات 24/3/2008
- عيد ميلادها
- من دفتر اليوميات23/03/2008


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - مشهد من رواية ظلال العائلة