أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - مروان عبد الرزاق - رواية «حرب الكلب الثانية»: «فانتازيا واقعية» ومرايا ضريرة لوجوه متشابهة















المزيد.....

رواية «حرب الكلب الثانية»: «فانتازيا واقعية» ومرايا ضريرة لوجوه متشابهة


مروان عبد الرزاق
كاتب

(Marwan)


الحوار المتمدن-العدد: 6371 - 2019 / 10 / 6 - 19:11
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


■ تبدأ الرواية بقضاء القلعة- وهي السلطة التي تبث الرعب في صفوف السكان -على المختلف بالرأي، أو السلوك، من صفوف الشعب، وكان آخرهم «راشد»، وهو الرجل الأبيض الذي دخل زنازين القلعة وتعرض للتعذيب، بدون أن يقول «آخ»، وخرج أكثر بياضاً، لأنه حافظ على مواقفه المبدئية الصلبة، ولم ينهر، وكان شجاعاً ممثلاً للرجل الحديدي.
لكنه يقرر أن يودع ماضيه، بدون الإحساس بأي شكل من أشكال العار، عندما يغير قناعاته، أن يلتحق بالسلطة التي عذبته وأهانته، ويريد أن يصبح مثلهم. وكان المدخل رغبة راشد بالزواج من أخت الضابط الذي عذبه، وهي بيضاء كالثلج، وعيناها خضراوان تميل إلى لون البحر. ولذلك اجتمع المسؤولون في القلعة وقرروا الموافقة على الزواج، باعتبار أن المتشددين لا خوف منهم، وهم يقدمون علمهم وثقافتهم لكي ينسحقوا، مثل «القوميين الذين تحولوا إلى فاشيين، والديمقراطيين إلى طغاة، وممثلي المساواة والرحمة إلى سفاحين». وكانت خطة القلعة أن تستفيد من راشد وذكائه في محو الماضي بسبب آثار «حرب الكلب الأولى»، حيث باع أحدهم الكلب إلى رجل آخر، وعند تسديد الثمن، نبح عليه الكلب، وفي المرة الثانية فكّ قيوده، والتهم صاحب الكلب، وبدأت المعارك بين المجموعتين وراح مئات الضحايا. فغالباً تبدأ الحروب بطرفة، كالوقوف في الصف الأول في صلاة الجماعة، أو بإشهار سكين أو مسدس، أو أن يقول أحدهم هذا «لا يعجبني» فيبدأ القتال، ولذلك اقترح راشد على الضابط، والمدير العام، خطة «أسرى الأمل»، و«أسرى الأمل 2» كمنقذ للنظام، حيث تدور سيارات الإسعاف والشرطة لجلب الأسرى و«إعادتهم في توابيت محكمة إلى بلادهم». وعبر القتل كان راشد والقلعة يَجنون أرباحاً طائلة.
تبدأ حرب الكلب الثانية، مع الشبيه، والمشبوه فيه، حيث يقوم راشد بتجميل سكرتيرته عند طبيب أخصائي حتى تشبه زوجته، وتصبح أكثر إثارة وحميمية. وينتشر بعد ذلك الأشباه في المدينة، بدون معرفة الأسباب، بالرؤية أم اللمس. بحيث يتشابه راشد مع الراصد الجوي، الذي يأتي لبيته ويعاشر زوجته، وأولاده حين يصادفونه يحسبونه أباهم، وتشابه راشد مع السائق، بحيث يكتشف حبه لامرأته، وأخيراً وجود راشد الشبيه بالضابط والمدير العام، وعندئذ تقع الحرب بين الأشباه، ويتم اعتقال راشد وتعذيبه من جديد. ويتم اعتقال الآلاف في أسرى الأمل وقتلهم.
وقد بدأت الحرب الثالثة، حين يأتي الراصد الجوي ومعه قردان، ذكر وأنثى. وقد تحول راشد إلى «داعشي»، من القاعدة؛ ومن أمام خيمته السوداء التي أحاطت بها الأطلال من ثلاث جهات كسواتر حرب، كان «مرتدياً عمامته الضخمة وثوبه الأسود الذي يصل إلى منتصف ساقيه. ودَعَك لحيته الكثيفة التي تخفي ملامحه وصاح بصوت رجَّ المكان « ثكلتكَ أمُّك يا ابن الغبراء، ما الذي أعادك إلينا؟»، وتبدأ الحرب من جديد.

-2-

حازت الرواية على جائزة البوكر لعام (2018) وهي للروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله. وقد قال رئيس لجنة التحكيم إن «الرواية تتناول تحولات المجتمع والواقع بأسلوب يفيد من العجائبية والغرائبية، مع التركيز على تشوهات المجتمع وبروز النزعة التوحشية التي تفضي إلى المتاجرة بأرواح الناس في غياب القيم الخلقية والإنسانية». وقد ذهب قارئو الرواية إلى اعتبارها « أسلوباً فانتازياً يستفيد من العجائبية والخيال العلمي في تشوهات الواقع»، إضافة إلى «أنها فانتازيا عجائبية»، وهي «عالم تخيلي بأكملها»، و«تكنولوجية بامتياز» إلخ؛ إلا أن الرواية ليست كذلك. إنها تمثّل الواقع المتجسّد على الأرض، كما عايشه الراوي في زمن الربيع العربي، وكتب روايته بالتاريخ نفسه، ونقل هذا الواقع بسرده وخياله الروائي إلى المستقبل.

لماذا هذه المشاركة بين السلطة والمعارضة على القتل، وبدون شك بأن ذلك يرجع إلى عقدة الكاتب من المثقفين، بأكثريتهم عموماً، وتمجيدهم للنظام وتلميع صورته، وتزوير التاريخ لصالحه، والمشاركة في القتل، واعتباره نصراً على «الإرهاب»، الذي يمكن وصف أي معارض به.

نعم، لا توجد عجائبيات في الرواية؛ فالكاميرات، والسيارات بدون سائق، كلها عادية ونراها يومياً. أما جهاز «التلفزيون» فرباعي الأبعاد، والذي يمكن للمشاهد «ضرب المذيعة على مؤخرتها»، نوع من التخيّل الروائي، ولن يقدم شيئاً للرواية. والقنبلة التي حطمت زجاج النوافذ هي مستقاة من الضرب اليومي بالطائرات للأهالي المدنيين، ودمرتهم وخلعت البيوت وقتلت البشر والحجر والحيوانات، كما نراها في سوريا وغيرها. ومستشفيات «أسرى الأمل1و2» موجودة في سوريا والعراق، حيث تعتقل السلطات يومياً المئات من المواطنين ولو على الشبهة وتعرضهم لأقسى أنواع التعذيب؛ بالسكاكين وتقليع «أظافر الأطفال، ونزع حنجرة المغنّين، حتى الموت، وتقذف بهم في الأنهر، وحاويات القمامة، أو في مقابر جماعية على أحسن تقدير. وقوة الإبصار عند ضباط القلعة، مشتقة من آلاف المخبرين الذين يعيشون مع الشعب، بحيث يمكن للمخبر أن يُخبر عن أبيه أو أخيه إذا كان معارضاً للسلطة. وتبقى قصة الاستنساخ، وهي «أعظم إنتاج طبي»، فهي موجودة في العالم المتقدم، وموجودة في العديد من الأفلام السينمائية. والتشابه هو من اختراع الراوي، لكي يُظهر أن السلطة في العالم المتخلف لا تقبل بالمختلف عنها، والذي يعارضها، وكذلك المشابه لها، وهي بحاجة لهذه الحروب كي تستمر في السلطة بموقع الإله، القاتل للجميع. ومثال رفض التشابه، نابع من أن الراوي يعالج المقالة الفلسفية لتوماس هوبز، «حرب الكل ضد الكل»، و«الإنسان ذئب للإنسان»، بحسب تعبير محمد عجلان.

-3-

دائماً يكون الانتماء إلى المقالات الحقيقية الناقدة للرواية، ولا تعجبني المصطلحات الجاهزة، الصالحة للزمان والمكان. فالجائزة لا تصنع رواية، إنما تُؤشر إلى جودتها، إن كانت جيدة بالفعل. وفي كل رواية لابد من وجود بعض الخلل على الناقد أن يُشير إليه. مثلاً، مريم الهاشمي تعتبرها من «أدب الحروب» الدائرة في المنطقة العربية، وليست من أدب المدن المنهارة، أو الفاشلة. وفتحية النمر ترى أن «الرواية ونهايتها غير واضحة، واتسمت بكثرة الحوارات على حساب السرد». كذلك «لم يقدم ما يقنعني أو يمتعني» بتعبير نهى الشاذلي، وأحمد حرب لا يقتنع بوصف الرواية بالخيالية، «وهي مجموعة من إسقاطات الحاضر على المستقبل، بدون أن يرتقي الخيال الإبداعي إلى درجة الاقناع». لكن النقد السيئ وغير المجدي بأن «الكاتب استغل جهل لجنة البوكر بأفلام الخيال العلمي وأقنعهم بروايته الهجينة» بتعبير محمد النابلسي. فالرواية ليست هجينة، إنما شيقة ومليئة بالدماء التي تجري يومياً في الساحات العربية. ويوافقه نزار حسين راشد على ذلك و«بأنه بالفعل هناك تطفل على الخيال العلمي بغير إتقان ولا حرفية». الرواية أولاً، لغتها محبكة وسهلة، لكنها تفتقر إلى الشعرية مع أن إبراهيم نصر الله شاعر قبل أن يصبح روائياً. فالصور الجميلة/ والقبيحة غير موجودة سوى في بعض الصور الساخرة لممثلي السلطة، كوصف راشد بالنقطة، أمام المدير العام ذي الطول مترين، والعرض متراً واحداً. ووصف الشعب بالفئران أمام قوة الإبصار الشديدة للسلطة، كذلك لا وجود للمكان حتى يتم وصفه. والحبكة الروائية تتوضح منذ بداية الرواية، وهي مرتبطة بالثيمة الرئيسة التي تشير إلى القتل اليومي للمتشابهين والسواد الذي يطغى على الرواية.
وثانياً، لماذا هذه المشاركة بين السلطة والمعارضة على القتل، وبدون شك بأن ذلك يرجع إلى عقدة الكاتب من المثقفين، بأكثريتهم عموماً، وتمجيدهم للنظام وتلميع صورته، وتزوير التاريخ لصالحه، والمشاركة في القتل، واعتباره نصراً على «الإرهاب»، الذي يمكن وصف أي معارض به. وإذا كان «راشد» ليس حقيقياً، إنما يمثل الإنسان في كل مكان، وهو المدافع عن الطبقة العاملة، أي أنه «يساري»، علماً أنه في الواقع الكثير من اليساريين ضد استبداد السلطة وحروبها. وثالثاً، «حرب الكل، ضد الكل»، غير متقنة كما تمثلت في الرواية كأنها «حرب السلطة ضد الشبيه بها من الشعب»، ولا يوجد صوت للشعب ولو كان رمزاً. فحرب المتشابهات معقدة. إنها رفض للنفس وللشبيه أيضاً، وهي أصعب من صراع المختلفين. وهذا ما نراه في ساحة الصراع في الشرق الأوسط، حيث تتقاتل الفصائل العسكرية المعارضة، وضد السلطة الاستبدادية بفصائلها المتنوعة، بحثاً عن السلطة والثروة. وهذه السلطات لا تكون قادرة على العيش مع المختلف، ومع الشبيه أيضاً، وخلال الصراع لا أحد سينجو بمن فيهم رجال السلطة، حيث لم نجد أحداً منهم لقي مصرعه. ورابعاً، إن القصص القصيرة المترابطة في الرواية، تجعل القارئ يشعر بالملل، بين خمسة وخمسين عنواناً فرعياً تجعله مشتتاً مقابل الثيمة الأساسية، وهي: القتل والسوداوية في الرواية. وخامساً، إن نهاية الرواية مفجعة عندما تبدأ الحرب مع القاعدة، متمثلة في اليساري الذي تحول إلى «داعشي». فأين الأمل داخل الرواية، حيث يجب أن تتضمن الرواية حلاً ما، ولو رمزياً، كما هي المقارنة في رواية «1984»، التي عبرت عن شعاراتها الثلاثة: الحرب هي السلام، والحرية هي العبودية، والجهل هو القوة. ورواية «فهرنهايت 415» بدون أن تتوقف عند القوى الديمقراطية والداعية إلى الحرية التي فجرت الربيع العربي، الذي لم يرَ منه الشعب سوى القتل والدمار والخطف والتهجير. حتى ملهاة الحب عبر المتشابهات مدمرة، بحيث يمكن للرجل/ والأنثى أن تعشق الشبيه وتعيش معه. فهل المراد من ذلك تثبيت مقولة فرويد «الإنسان كائن عدواني وشرس بطبعه، ولديه حب السيطرة والتملك ودمار الآخر»، وإن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان، ونزوع البشر نحو النزوع الطبيعي، بدون حكومة عادلة ومحاكم، وذلك باختيار كل الشخصيات السلبية بدون أي أثر للإيجابي الطامع بالحرية والكرامة. إنها رواية سوداوية، حيث «سيواصل المجتمع إنتاج وسائل تخلفه القاتلة، طالما تسكن في جوانحه نزعة التوحش، تلك النزعة القديمة قدم التاريخ».
من: القدس العربي-١اكتوبر-٢٠١٩



#مروان_عبد_الرزاق (هاشتاغ)       Marwan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية «بريد الليل»: رسائل لم تصل للقارئ عبر ساعي البريد التا ...
- انكسار المقاومة وتوحّش الواقع في رواية «القوس والفراشة»
- رواية: فرانكشتاين في بغداد
- ساق البامبو
- حمام الدار-احجية ابن الازرق
- الانبثاقات السياسية في الثورة السورية
- القمة الأمريكية وكوريا الشمالية
- تشريح الثورة
- ثورة السودان
- وارسو: مؤتمر للسلام أم للحرب
- صعود الجهادية التكفيرية
- هل النظام السوري طائفي؟
- صراع المتشابهات في سوريا(الجزء الثاني)
- صراع المتشابهات في سوريا)الجزء الاول)
- لن اتهم احدا
- بين وثائق القاهرة وخطة الخبراء للانتقال السياسي في سوريا
- ملاحظات اولية:رسالة من مثقفين سوريين للجمعية العامة
- ملاحظات اولية حول مسار الثورة السورية-لماذا لم تنتصر الثورة؟
- العراق, سوريا. إلى أين؟
- الثورة السورية والسلم الاهلي


المزيد.....




- اختيار أعضاء هيئة المحلفين في محاكمة ترامب في نيويورك
- الاتحاد الأوروبي يعاقب برشلونة بسبب تصرفات -عنصرية- من جماهي ...
- الهند وانتخابات المليار: مودي يعزز مكانه بدعمه المطلق للقومي ...
- حداد وطني في كينيا إثر مقتل قائد جيش البلاد في حادث تحطم مرو ...
- جهود لا تنضب من أجل مساعدة أوكرانيا داخل حلف الأطلسي
- تأهل ليفركوزن وأتالانتا وروما ومارسيليا لنصف نهائي يوروبا لي ...
- الولايات المتحدة تفرض قيودا على تنقل وزير الخارجية الإيراني ...
- محتال يشتري بيتزا للجنود الإسرائيليين ويجمع تبرعات مالية بنص ...
- نيبينزيا: باستخدامها للفيتو واشنطن أظهرت موقفها الحقيقي تجاه ...
- نتنياهو لكبار مسؤولي الموساد والشاباك: الخلاف الداخلي يجب يخ ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - مروان عبد الرزاق - رواية «حرب الكلب الثانية»: «فانتازيا واقعية» ومرايا ضريرة لوجوه متشابهة