أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ليلى والذئاب: الفصل الثالث/ 1














المزيد.....

ليلى والذئاب: الفصل الثالث/ 1


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6370 - 2019 / 10 / 5 - 00:43
المحور: الادب والفن
    


في الفترة تلك، التي وقعت فيها فاتي بورطة على خلفية واقعة وفاة امرأة أخيها مسمومةً، كان عُمر " عليكي الصغير " بالكاد قد تجاوز الخمسة أعوام. فيما سبق من السيرة، كنا قد وعدنا بنبش أوراق هذا الفرع من العائلة حينَ يأتي الوقت المناسب. في واقع الحال، أن والده قريبٌ بشكل مباشر إلى أوسمان؛ فهوَ ابن خاله. الوالد، وسيُعرف فرعُ عائلته باسمه المختصر، " نيّو "، كان آنذاك الوحيد في آله ضِمْنَ سلك الدرك، وقد ضَمَنَ لنفسه بذلك دخلاً ثابتاً وكذلك بعض الهيبة في الحارة.
بحُكم عمله في كتيبة الحراسة، المكلفة بتأمين حماية ديوان الوالي بالقلعة، كان من الطبيعي أن تتوثق علاقة نيّو بكبير آله، حسينو؛ الذي أضحى أيضاً مُعرّفاً بلقب " الحاج ". أحياناً، كانا يخرجان من مدخل القلعة، في طريقهما للحارة، وقد وضع كلّ منهما يده على أنفه مزوداً بمنديل، كي يتجنب رائحة القمامة، المرمية في الخندق من قبل أهالي المناطق المجاورة. ولكن في نهار اليوم التالي لتشييع ضحيّة النفتالين، كان كلاهما قد حصل على إذن من عمله: ذلك جرى نتيجة رغبة السلطات في فتح تحقيق بالحادثة، عقبَ ارتكاب أوسمان هفوةً لا تغتفر ولا يعلم إلا الله كيف يُمكن أن تدارى عاقبتها.
وإذاً، توجه الدركيّ والباشكاتب إلى مكتب زعيم صالحية الأكراد، بغيَة محاولة التأثير عليه إن كان لناحية الهيبة أو الصداقة. ثم ما لبث الثلاثة أن انتقلوا إلى موقع الحادثة، وكان برفقتهم هذه المرة مأمورٌ من الدرك مع اثنين من عناصره. الزعيم، كان متعاطفاً بشكل واضح مع رواية صديقه حسينو عن الحادثة. بل وأكّد الصديقُ استعداده للقسَم على المصحف بأنّ قريبته، فاتي، هي إنسانة خفيفة العقل، تطلق الكلامَ جُزافاً ـ وكان ضميره مرتاحاً لهذه الناحية من الإفادة، على الأقل!

***
مضافة الحاج، كانت جزءاً من منزله الفائق الاتساع، وقد جُعل لها بابٌ على الزقاق لا يبعد سوى بضعة أمتار عن الباب الرئيس للمنزل. في صدر المكان، كان ثمة كتبية ارتفاعها بقامة رجل، تكدست على أرففها المجلدات وغالبيتها ذات مواضيع دينية وتاريخية. في جانبها، انتصبت خزانة خشبية قديمة، كمَنَ خلف زجاجها النظيف مفرداتٌ من لغة التباهي في ذلك الزمن؛ سيوف شركسية قصيرة وخناجر كردية وطبنجات ألمانية ووسام عثماني.. فضلاً عن تحف مختلفة الأحجام. على الجدران، علقت أطر من الخشب المصدّف، تحتوي آيات قرآنية، إلى بعض جلود الحيوانات. وراء مجلس صاحب المضافة، كان ثمة سجادة أعجمية صغيرة، تمثل صيد الأيائل وقد تدلت في أوسطها، من اعلاها إلى أسفل، سبّحة من القهرمان.
" أحتاجُ لمقابلة الحريم على انفراد، وبالطبع بوجود مأمور الدرك والعناصر "، كذلك تكلّم الزعيمُ مع الحاج مستخدماً اللهجة الشامية. ولكنه استدرك، متسائلاً ما لو كان أحد الحريم لا يعرف العربية. فقال له الحاج، أنّ إحداهن تعرفها ويمكن أن تترجم للأخرى. بعد قليل، دخلت فاتي وشملكان إلى المضافة وكانتا سافرتي الوجه حال معظم نساء الحارة حتى ذلك الحين. كانت فاتي مضطربة، عيناها تكبتان بكاءها؛ ولو أنها في قرار نفسها كانت مقتنعة ببراءتها. بينما انتبهت الأخرى إلى نظرات مأمور الدرك، المذهولة والمحمومة، المثبتة فيها. لما تكلمت فاتي، عبرَ الترجمة، شعرَ الزعيمُ بتعاطفٍ تلقائيّ تجاهها. على ذلك، اكتفى بتسجيل أقوالها والقَسَم الذي كانت قد أدته في بداية التحقيق: كان جلياً، أنه أمام امرأة خفيفة العقل من المحال أن تخطط لارتكاب جناية. مثلما أن دافع القتل مفقودٌ، ولم تحفظ سجلاته سابقاً أي واقعة مماثلة في هذه العائلة أو حتى في الحارة عموماً. إلا أنّ الزعيمَ أرتكب بدَوره هفوةً، وكانت غير مقصودة بلا ريب: من سنّ فاتي، أعتقَدَ أنها هيَ زوجةُ المدعو أوسمان ( صاحبَ الهفوة الكبيرة! ) لا هذه الفتاة، المترجمة، التي تلوح كما لو كانت طفلة.

***
قلنا أنّ فاتي، إضافة لما اتفق عليه الجميعُ بخصوص مداركها العقلية، كانت في سنّ العنوسة بالنسبة لسنّ الزواج في زمنها. كانت قد تجاوزت الثلاثين بقليل، مقتنعة بوظيفتها في الحياة ـ كسند لشقيقها الوحيد ومربية لابنته. قدَرُ هذه الأخيرة، شاءَ أن تكون هيَ أيضاً وحيدة أبيها، وفوق ذلك، يتيمة. لقد ارتضت فاتي بمصيرها طوعاً، وربما لاقى ذلك هوىً في نفسها مع مرور الأيام. إذ أضحت كوابيسها تتمحور تقريباً على موضوع واحد، ألا وهوَ أن تترك منزل أبيها لسبب من الأسباب. صارت الدار الكبيرة فردوسها الصغير، وبفضل نشاطها وتفانيها كانت المكانُ دائماً يتألق بالنظافة وتتفتح فيه كل ربيع مئات الأزهار.
بيد أنّ راعية الدار، في حقيقة الأمر، لم تكن بعيدة تماماً عن مرمى الرجال. أحدهم، كان " نيّو " نفسه؛ ولو أنه لم يتقدم فعلياً لخطبتها أو حتى يلمّح للمسألة. كل ما هنالك، أنه هدد أكثر من مرة زوجتيه بمجيء ثالثتهم إن لم يكففن عن العراك اليوميّ. عند ذلك، انتهت كلتا المرأتين إلى أنّ حال رجلهما من الناحية المادية لن يسمح له سوى الاقتران بفتاة غير مناسبة. لما بحثن عمن يمكن أن تكون هكذا مرشحة للزواج من رجلهن، الذي كان أيضاً قد تجاوز سنّه الأربعين، لم يجدن سوى المسكينة فاتي.
كلتاهما انقطعت ذريتها بعدما أنجبت صبياً، وبالطبع على أثر مجيء أخوة له لم يقيض لهم الاستمرار في الحياة. الطريف، أنّ أكبر الصبيين سيُعرف لاحقاً باسم " علي آغا الصغير " في حين كان الآخر معروفاً ب " علي آغا الكبير ". السبب، أن الأول كان أقصر من أخيه. وإنها غيرة النسوة، التي استدعت أن تعمد أم هذا الأخير إلى تسمية ابنها " علي " على غرار أخيه الكبير: لقد كان يحز في نفسها أن يُنادي الخلقُ زوجَها ب " أبي علي "، فقررت أن يكون لابنها نفس الاسم!

* مستهل الفصل الثالث من الكتاب الثاني، لسيرة سلالية/ روائية، بعنوان " أسكي شام "



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 5
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 3
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 1
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 5
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 3
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 1
- عاشوريات
- عصير الحصرم 76
- عصير الحصرم 75
- عصير الحصرم 74
- عصير الحصرم 73
- غرائب اللغات 2
- عصير الحصرم 72
- واقع، حلم ثم كابوس
- الصعلوك
- مدوّنات: إخباريون وقناصل/ القسم الثاني


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ليلى والذئاب: الفصل الثالث/ 1