أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 5















المزيد.....

ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 5


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6369 - 2019 / 10 / 4 - 01:10
المحور: الادب والفن
    


جدّتنا الأولى، ليلو، تَخَلّد ذكرُها في آلنا بحيث أن الأقارب الآخرين، المعاصرين لها، أضحى معظمهم بين طيّات سِفْر النسيان. بالطبع، لم تكن تملك أيّ ثقافة كي يقال أنها سعت إلى " أسطرة " نفسها. فالأسطورة، المرتبطة بسيرة هذه المرأة القوية الشكيمة والشديدة المراس، تشكلت بشكل عفويّ وبنفس بساطة صنع الطير لعشه أو النحل لخليته؛ صنعة، يتجلى بها سرّ الخلق والتكوين أكثر من أيّ شيء آخر. إنّ ليلو وإن لم تملك حظاً من الثقافة، إلا أنّ شخصيتها، وبوصفها نموذجاً فنياً، كانت مؤهلة لتنعكس في مادة أدبية. وهذا ما حاولنا فعله هنا، في هذه السيرة الروائية.
أحداث حياة بطلة سيرتنا، منذ المرحلة السابقة لولادتها وإلى نهايتها التراجيدية مع معظم أفراد أسرتها، كان لا بد أن تحيط صورتها بهالة شبيهة بما نراه في أيقونات القديسين. ولو أنني كنتُ في مقام الباحث ( كيلا أقول: الناقد الأدبيّ! )، لعقدتُ مقارنة بين حادثتي السم والأفعى. فإلى مَ كنتُ سأصل؟ مثلاً، كان بالوسع ملاحظة كيفَ أنّ المصادفة تلعب دوراً فعالاً، بل ومصيرياً، في حياتنا كبشر. فهذه امرأة الأب، يبدو أنها تتحيّن الفرصَ للخلاص من الفتاة ( البيضاء كالثلج؟ )؛ بيد أنها تقع في شر أعمالها. للمصادفة، أنّ الأفعى كانت هناك تسعى حول الطفلة. السم، المُفترض أن تُحقن به هذه الأخيرة من لدُن المخلوق الزاحف، سيكون من نصيب امرأة الأب، المدبرة لها الموت بوساطة الأفعى ـ كما راحت شملكان ترددُ في كل مناسبة يرد فيها ذكرُ الواقعة. على أيّ حال، فإنّ ذلك الحدث يتسم أيضاً بالرمزية: الأفعى، كانت في الأساطير ترمز للحياة وترتبط بها عدة ملاحم عن الخلق والتكوين في العالم القديم.

***
من ناحية أخرى، سنجد هذا الحادث قد قلب حياة الأسرة رأساً على عقب. إنّ فاتي، التي أظهرت محبة كبيرة لامرأة ابن عمها، لا مجال للشك بصدقها، لم تدع اليوم الأول من العزاء يمضي دونَ أن تتعجل بطرح فكرتها. قالت لأخيها، حين صارا لوحدهما وقبل توجهه لمضافة كبير آله: " تكلمتُ اليوم مع شملكان، وما إذا كان رجلها جاداً في شأن شرائه كرّوسة، وأيضاً حول عزمك منحه قطعة الأرض. إن أوسمان، كما قالت، مترددٌ في أمر بناء المنزل. لماذا؟ "
" لماذا؟ تكلمي بسرعة لأن عليّ الوجود في المضافة لتقبّل عزاء الناس "، أوقفها بنفاد صبر وقد بدا عليه الانزعاج. عادت الأخت للكلام، بصوت وجل هذه المرة: " بلى، إن تردده هوَ بسبب أن شراء الكرّوسة سيجعله بلا نقود ". رجع موسي لمقاطعتها بنبرة أكثر عنفاً وكأنها هيَ الملومة: " بل إنه قد صرف معظم مدخراته على الخمر وخلان السوء، وربما على النسوة الساقطات أيضاً "
" إننا وحيدان الآنَ في هذا البيت الكبير، وشملكان إنسانة عاقلة ونشطة، فلِمَ لا يمكثان لدينا بشكل دائم؟ "، قالتها بسرعة ولهوجة وليسَ بقليل من الرعب. هز رأسه، فيما يتمعن فيها بخفة ليسألها، " أهذه رغبتك أم رغبة صديقتك؟ ". ثم ما لبث أن استدرك، منبهاً إياها ألا تنقل كلامه لامرأة الرجل: " أما بخصوصه هوَ، فليأخذه الشيطان! "، اختتم كلامه وهوَ يُسوي عقاله البريم الأسود فوق كوفيته البيضاء. غطاء الرأس هذا، جاء به إلى الحارة رجالُ العشيرة الملية ( فرع ‘ آله رشي‘ بوجه خاص )، وصارَ يُزاحم العمامة الكردية. موسي، كان لا يضعه سوى ليلاً، حينَ يتوجه إلى عمله في البساتين، المملوكة من قبل الصوالحة. هؤلاء الأخيرين، كانوا منذ فترة طويلة يضعون غطاء الرأس العربي، وقد أثّروا بدَورهم في جيرانهم؛ كرد الحارة الأيوبية.

***
كوننا أتينا على ذكر الحارة الأيوبية، ينبغي التشديد أن ثمة حدثاً آخر ارتبط بها؛ ولو أنه كان من آثار واقعة تسميم امرأة موسي. وإنه الحدث، الذي سيغيّر فعلاً حياة شقيقة هذا الأخير، وبالتالي، كان لا بد أن يؤثر عليه وعلى ابنته الوحيدة. لنقل أولاً، أنّ تلك الواقعة لم تمر دون مساءلة قانونية. فعندما جرى الإخبار عن الوفاة، تم إبلاغ زعيم الحي بها وذلك عن طريق وجيه العائلة نفسه. الزعيم، كان من الحارة الأيوبية ومكتبه يقع هنالك في مدخل أحد الأزقة، المحتفي بجيرة المسجد وأيضاً الحمّام الوحيد في الحي. فيما بعد ستأخذ المنطقة تسمية جديدة، نسبة لاسم هذا الحمّام الأثري؛ " حارة جسر النحّاس ". أما نعت الحارة الأيوبية، الأكثر قدماً بالطبع، فقد تحول على ألسنة أهالي منطقتنا إلى " الحارة الجديدة "؛ ربما بسبب عمران منازلها المميّز، الشبيه بالعمارة الدمشقية. بعد هذا الإسهاب، نعود مجدداً إلى واقعة التسمم.
بما أنّ وجيه العائلة، حسينو، كان يحظى باحترام ذلك الزعيم، فإن إجراءات دفن المسكينة عيشو جرت في عصر يوم وفاتها نفسه. في ذات الليلة، وقبل توجّه رجل شملكان إلى سهرته المعتادة، راحت هيَ تدور حوله وكما لو أن في فمها حجراً. الرجل، كف عن إصلاح وضع العمامة على رأسه كي يسألها بارتياب عما لو كانت تعرف شيئاً وتخفيه عنه. ثمة عيب هيّن في خلق شملكان، يتمثل في حبّ التباهي أمام الزوج بمظهر النضج وأنها لم تعُد طفلة مثلما اعتاد غالباً على معاملتها. دون تردد، أجابت بسرد سريع للواقعة، يُداور حول ردة فعل فاتي على شقيقها، " لما استفهم منها، عما عنته الراحلة بترديدها قبيل موتها، ‘ ملح الليمون ‘، لم يكن منها سوى الصراخ بأنّ الأمر يتعلق بمادة النفتالين السامة. لما اختليت بها، سألتها عن مغزى ذلك، فاعترفت بكونها قد أخرجت حفنة من هذه المادة من طيّات ثيابي كي تبيد فئران المطبخ. بالنتيجة، وضعت المرحومة المسكية السم في طعامها بوهم أنه ملح الليمون "
" الله، الله..! الآن صارت مرحومة ومسكينة؟ ألم تقولي للجميع، أنها هيَ من أرسلت الحنشَ الأسود نحو مهد الطفلة كي تتخلص منها؟ "، هتفَ الزوج قبل أن يعطي ظهره لامرأته ويمضي.
في خلال السهرة، التي جمعته بخلانه في الحارة الجديدة، كان أوسمان بمزاج رائع بعد شربه عدة أقداح من العرق. راحَ عند ذلك يُعيد قصّ تفاصيل الواقعة، جاعلاً منها طرفة تستحق الضحك والقهقهة. إلا أنّ أحدهم، وكان من آل زعيم الحي، رأى من واجبه أن يبكّر في الصباح إلى مكتب هذا الأخير لإخباره بما سمعه في سهرة اليوم الفائت.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 3
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 1
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 5
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 3
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 1
- عاشوريات
- عصير الحصرم 76
- عصير الحصرم 75
- عصير الحصرم 74
- عصير الحصرم 73
- غرائب اللغات 2
- عصير الحصرم 72
- واقع، حلم ثم كابوس
- الصعلوك
- مدوّنات: إخباريون وقناصل/ القسم الثاني
- الحطّاب العجوز


المزيد.....




- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 5