أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - جلبير الأشقر - مصر تحت الاحتلال














المزيد.....

مصر تحت الاحتلال


جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)


الحوار المتمدن-العدد: 6367 - 2019 / 10 / 2 - 09:52
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


لا يحيل عنوان هذا المقال إلى أي من الاحتلالات التي تعاقبت في مصر خلال تاريخها الطويل، بل إلى زمننا الراهن، ولا إلى أية من القوات الأجنبية التي تعاقبت على أرضها، بل إلى القوات مصرية الهوية التي تتولّى «حفظ الأمن» في أم البلاد. و«حفظ الأمن» هنا كناية عن حفظ أمن النظام، الذي يتمّ بحرمان الشعب من الأمان من خلال تعليق الحرّيات الأساسية في بلاد طالما اقتصر «حكم القانون» فيها على قانون واحد وحيد هو قانون الطوارئ الذي يلغي كافة حقوق المواطنين والمواطنات.
أما وصف مصر بأنها تقبع تحت «الاحتلال» فهو وصفٌ أخذ يروج في أوساط النشطاء الديمقراطيين المصريين، ويشكّل أقوى تعبير عن حالة الاستياء القصوى التي وصل إليها كل من يتوق إلى الحرّية والديمقراطية وكرامة المواطنين والمواطنات على ضفاف النيل. والحال أن مشهد القاهرة يوم الجمعة الماضي كان حقاً شبيهاً بمشهد مدينة ترزح تحت الاحتلال، وقد استفاقت على انتشار كثيف لقوى القمع وشاحناتها ومصفّحاتها ومنع التجوّل في مناطق المدينة الرئيسية، وذلك بعد حملة اعتقالات طالت خلال أيام قليلة بضعة آلاف من المصريين والمصريات لم تُعرف سوى أسماء ما يقارب الألفين من بينهم.
إن مفهوم «الهيمنة» أحد أشهر المفاهيم التي صاغها المفكّر الماركسي الإيطالي أنطونيو غرامشي وهو سجين في زنزانات النظام الفاشستي الذي حكم بلاده منذ عام 1922 حتى هزيمته في الحرب العالمية الثانية. ويقوم المفهوم على فكرة تكرّرت في تاريخ الفلسفة السياسية، وقد عبّر عنها بأكبر وضوح في القرن السادس عشر (ح. ع.) مفكّر إيطالي آخر هو نيكولو مكيافيلّي في كتابه الشهير «الأمير». ومفاد الفكرة لدى غرامشي أن الحكم الراسخ هو ذلك الذي يقوم على «الهيمنة»، بمعنى أنه يعتمد على مزيج متوازن من القوة (وهي من وظائف الدولة المعهودة) ورضى الشعب. أما الحكم بغير رضى الشعب، استناداً إلى القوة وحدها، فقد أسماه غرامشي «التسلّط»، وقد أدرك فلاسفة السياسة منذ بدايات العصر الحديث أنه الاستبداد هشّ إذ أن الشعوب أخذت تتوق إلى الحرّية منذ ذلك الزمن وبات يصعب حكمها قهراً على الرغم من أنفها.

هذا وقد عرفت مصر في السنوات الأخيرة حالة نموذجية من الانتقال من الهيمنة إلى التسلّط، إذ استولى عبد الفتّاح السيسي على الحكم في الثالث من يوليو/ تمّوز 2013 وهو ينعم بتأييد غالبية واسعة من شعب مصر، رأت فيه مُخلّصاً من حكم «الإخوان المسلمين» الذي أفلح في تنفير أكثرية المصريين بسرعة قياسية. وقد زاد من شعبية السيسي أنه تظاهر لوهلة أولى بالولاء للديمقراطية ولو باستثناء الإخوان منها، إلّا أن حكمه سريعاً ما بدأ يكشّر عن أنيابه إزاء جميع من رفضوا موالاته. ومع ذلك، فقد حافظ على رضى الأغلبية بإيهامها بأنه سوف يخلّص البلاد من الفقر والبطالة ويضعها على سكّة التنمية السريعة والكثيفة. وما لبثت أن انقشعت تلك الأوهام عن حقيقة حكم استفاد من الهيمنة القوية التي حاز عليها في بداية عهده كي يُرسي أسس نظام فردي عائلي تسلّطي لم تشهد مصر ما يضاهيه منذ سقوط النظام الملَكي، حكم يُنذر بتحويل الجمهورية المصرية إلى «جملوكية» ميراثية على غرار ما حصل في سوريا حافظ الأسد وعراق صدّام حسين وليبيا معمّر القذّافي، وجميعها أنظمة انتقلت من الهيمنة إلى التسلّط خلال بضع سنوات.
وممّا يزيد من هشاشة نظام السيسي أنه شنّ حرباً ضروساً على معيشة شعب مصر بإيعاز من صندوق النقد الدولي، وهو يكرّر من حيث لا يدري تجربة أوغستو بينوشيه، الجنرال الذي أسقط الحكم الاشتراكي الديمقراطي في التشيلي عام 1973 بانقلاب عسكري دموي، فرض إثره سياسات اقتصادية نيوليبرالية فجّة، ظنّاً أنها سوف تحقّق معجزة اقتصادية بما يرسي دعائم حكمه في الأمد الطويل. والحال أن التشيلي، بالرغم من أنها عرفت سنوات من النمو الاقتصادي بوتائر فاقت ما تعرفه مصر بدرجات، عرفت في عام 1982، بعد تسع سنوات من الحكم الدكتاتوري النيوليبرالي، انهياراً اقتصادياً حادّاً شكّل مدخلاً إلى نهاية حكم بينوشيه.
أما حكم السيسي فهو أبعد ما يكون عن تحقيق المعجزة الاقتصادية التي وعد المصريين بها، بل إن اقتصاد مصر في الحقيقة، لولا تعويمه من قِبَل الرساميل الخليجية، لأنهار منذ فترة. أما وطأة الحكم على كواهل المصريين فما انفكّت تتعاظم، جامعةً بين الخنق الاقتصادي والخنق السياسي مع زيادة الثاني كلّما ازداد الأول، فيتصاعد قهر الناس كلّما ازداد تبدّد رضاهم ويشتدّ تسلّط الحكم الاستبدادي كلّما تسارع أفول هيمنته على النفوس. وليس التسلّط دليل قوّة بالطبع، بل هو دليل ضعف وانعدام الثقة بالنفس، إذ تنعكس هشاشة حكم السيسي المتعاظمة في انتقاله من انتخابات رئاسية شبه منفتحة في عام 2014 إلى انتخابات صورية تماماً في العام الماضي، كما تنعكس في تحويله مدن مصر إلى مناطق محتلّة في مواجهة رجل واحد لا يملك سلاحاً سوى بثّ شرائط الفيديو على الإنترنت!
تمكّن حكم السيسي من منع انفجار غضب المصريين يوم الجمعة الماضي، غير أن مصر قادمة لا مُحال على جمعات غضب أخرى سوف تصل عاجلاً أم آجلاً إلى «جمعة غضب» تضاهي تلك التي شهدتها يوم 28 يناير/ كانون الثاني 2011 والتي شكّلت المنعطف الحاسم نحو انتهاء حكم حسني مبارك.



#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)       Gilbert_Achcar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثورة مصر والمعضلة العسكرية
- أهم دروس الانتخابات التونسية
- تضارب المصلحة الانتخابية بين نتنياهو وترامب
- صفاقة التفكير الصهيوني والاستعماري
- السلاح بيد الجهلة يجرح
- المملكة السعودية والعداء للإسلام
- هنيئاً لمناضلات المملكة السعودية والسودان!
- الثورة السودانية ومعضلتها الراهنة
- نظام الأبارتهايد اللبناني
- لا تنصر أخاك مظلوماً إن كان ظالمه شريكك
- ماركس والشرق الأوسط ٢/٢
- الثورة السودانية تدخل جولتها الثالثة
- ترامب وسلمان ونجله يحثّون إيران على التسلّح النووي
- العِبرة الكبرى من إعادة الانتخابات في اسطنبول
- خواطر غاضبة على هامش مؤتمر البحرين
- ارفعوا أيديكم عن شعبنا في السودان!
- الثورة السودانية تواجه مناورات الرجعية
- بين نقد «اليسار العربي» والتجنّي عليه
- ترامب… كثور في متجر خزف
- تركيا والانحدار السلطوي


المزيد.....




- تحويل الرحلات القادمة إلى مطار دبي مؤقتًا بعد تعليق العمليات ...
- مجلة فورين بوليسي تستعرض ثلاث طرق يمكن لإسرائيل من خلالها ال ...
- محققون أمميون يتهمون إسرائيل -بعرقلة- الوصول إلى ضحايا هجوم ...
- الرئيس الإيراني: أقل عمل ضد مصالح إيران سيقابل برد هائل وواس ...
- RT ترصد الدمار في جامعة الأقصى بغزة
- زيلنسكي: أوكرانيا لم تعد تملك صواريخ للدفاع عن محطة أساسية ل ...
- زخاروفا تعليقا على قانون التعبئة الأوكراني: زيلينسكي سيبيد ا ...
- -حزب الله- يشن عمليات بمسيرات انقضاضية وصواريخ مختلفة وأسلحة ...
- تحذير هام من ظاهرة تضرب مصر خلال ساعات وتهدد الصحة
- الدنمارك تعلن أنها ستغلق سفارتها في العراق


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - جلبير الأشقر - مصر تحت الاحتلال