أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - مع عدم الموافقة!














المزيد.....

مع عدم الموافقة!


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 6365 - 2019 / 9 / 30 - 14:58
المحور: كتابات ساخرة
    


بعد أن تجاوزَتْ ارتكاباته كل الموبقات من تزوير وفساد وقبض رشاوى وما إلى ذلك.. وصار عبئاً ثقيلاً على داعميه، تمّ الزجّ برئيس الدائرة القانونية في الشركة التي أعمل بها في غياهب السجون. ولما كانت الشركة تخلو من أصحاب شهادات الحقوق لتولّي منصب رئيس الدائرة الشاغر باستثنائي، فقد اضطرّتْ الإدارة مذعنةً إلى الاستعانة بي، وأنا الحائز على شهادة الحقوق منذ زمنٍ طويل، ولم تقبل كافة الإدارات المتعاقبة على الشركة تعديل وضعي الوظيفي والانتقال من الفئة الثانية إلى الأولى بسبب انتمائي السياسي.
عندما أبلغني المدير الإداري رغبة المدير العام تكليفي برئاسة الدائرة القانونية، نظراً لحاجتهم الماسّة لي بعد أن تراكمت الدعاوى والقضايا دون أيّة متابعة، وباتت تنذر بعواقب وخيمة.. قبلتُ التكليف خاصةً وأنني حصلتُ على وعدٍ بتعديل وضعي الوظيفي عندما أُثبِتُ كفاءتي وجدارتي.
انكببْتُ على عملي بحماسٍ شديد. وخلال أشهرٍ قليلة بدأت النتائج بالظهور؛ فقد زال التراكم، وانتقلت الدائرة من مرحلة الخسائر إلى الأرباح بمتوالية مدهشة من التحصيل المالي نتيجة المتابعة الحثيثة للدعاوى أمام المحاكم المختصة، ما أثار إعجاب أغلب العاملين في الشركة وعلى رأسهم المدير العام.
بعد مضيّ قرابة السّنة على تكليفي استدعاني المدير العام إلى مكتبه وأسمعني عبارات الثناء والتقدير، وطلب منّي أن أُعِدَّ كتاباً للسيد الوزير أطلب فيه تعديل وضعي الوظيفي، لا سيّما وأن كافة الشروط تنطبق عليّ؛ فالشاغر والاعتماد المالي متوفّران. وحصولي على إجازة في الحقوق تم بعد تاريخ تعييني في الوظيفة. وختم حديثه قائلاً: «لِيكُنْ بِعلْمك أن مستشار الوزير للشؤون القانونية المعنيّ بتعديل وضعك يحبّ الهدايا. وأتمنّى عليك أن تحسب حسابه بهديّة مجزية ليوافق على طلبك سريعاً.. ولا أرى ضرورةً لتذكيرك بأن "يباسة الراس" التي اتّصفتَ بها خلال سنوات عملك، كانت السبب في عدم ترقيتك». سألته مستوضحاً: «وما قيمة الهدية برأيك؟» أجاب بعد أن زمّ شفتيه متفاكراً: «يعني إسوارة ذهب أو مبلغ مالي يعادلها». قلت له وأنا أضمر ما عزمتُ عليه: «حسناً سأفكر في الموضوع».
في اليوم التالي أعلمتُ المدير العام بموافقتي. وقمتُ بإعداد الأوراق المطلوبة للمعاملة ومهمة إذن السفر، وذهبتُ إلى السوق الشعبي واشتريت ثلاثة كيلوغرام من السوركة الرخيصة ووضعتهم في كيسٍ أنيقٍ للتمويه. وتوجّهتُ إلى العاصمة مصطحباً معي معاملة تعديل الوضع الوظيفي و«الهدية».
لدى وصولي إلى الوزارة توجّهتُ فوراً إلى مكتب مستشار الوزير للشؤون القانونية الذي يعرفني جيداً من خلال زياراته المتكررة إلى شركتنا. رحّب بي أيّما ترحيب بعد أن وضعتُ كيس السوركة إلى جانب كرسيّه وقدّمتُ له المعاملة. تفحّصها بعجالة وهو ينقّل عينيه بينها وبين الكيس الغامض بنظرةِ مكّارٍ خبير وقال:
- تكرم يا أستاذ، أنت تستحق التعديل ومنذ زمن، لا سيّما وأن دائرتكم تُعتبر أنموذجٌ مشرقٌ لباقي الشركات. وأنا شخصياً معجبٌ بأدائك. سأقوم بدراسة معاملتك، وغداً إنشاء الله تكون جاهزة.
أحسستُ بضيقٍ مباغت. لقد أجّل التوقيع على طلبي ليستكشف ما بداخل الكيس من هدايا. يا للهول! قلت له وأنا أزدردُ ما تبقّى من لعابٍ في فمي محاولاً إخماد الإحساس بالاضطراب الذي بدأ يتعاظم بداخلي:
- أستاذ المعاملة لا تشوبها شائبة. أرجوك وقّع عليها الآن لأعودَ بها إلى مدينتي، فأنا مسافرٌ اليوم..
أجاب في دهشةٍ مفتعلة خبيثة:
- ولِمَ هذه السرعة في المغادرة؟! كما ترى الطقس جميل ويمكنك التفسّح والتمتّع في العاصمة إلى صبيحة الغد. وكن مطمئنّاً فيما يخصّ مهمة سفرك سأُبقيها مفتوحة.. تعود إلى مدينتك ودوامك بالشركة متى شئت.
وطفق يقلّب أوراقاً أمامه مسمّراً نظراته بها، موقِّعاً على بعضها، وقد تجاهل وجودي تماماً. وكأنه يقول لي في خرس: «ماذا تنتظر؟ هيّا من هنا لأرى ما يحتويه كيسك أيها الغبي!»
أخذ جفناي يرفّان بسرعة واعتراني إلحاحٌ همجيّ في الإصرار على طلبي، فهذه فرصتي الأخيرة قبل إعلان الهزيمة. خاطبته بيأس وبنبرةٍ تشبه الاستجداء:
- أستاذ أرجوك، فأنا..
قاطعني بحزم منهياً النقاش:
- بل أنا الذي يرجوك أن لا تشغلني أكثر من ذلك.. معاملتك تحتاج إلى دراسة، ولديّ الكثير من البريد يتوجّب الاطلاع عليه. كما قلت لك، غداً صباحاً نشرب القهوة معاً وتأخذ المعاملة معك.
خرجتُ مسربلاً بأذيال الخيبة والغيظ يلتهب في داخلي ولا يجد له منفذاً. وتيقّنتُ من أن تعديل وضعي الوظيفي بات في (خبر كان).
صبيحة اليوم التالي دخلتُ مكتبه وألقيتُ التحية، لكنه لم يردّ وبقي مستغرقاً بمجموعة من الأوراق أمامه. حمحمتُ مبتسماً مذكّراً بحضوري وقلت له:
- كيف أحوالك أستاذ، إنشاء الله المعاملة جاهزة؟
حَمْلقَ صوبي بكرْهٍ وبكل ما يستطيع من احتقار. وبهدوء أفعى تتربّص بفريستها قلّص وجهه اشمئزازاً في عبوسةٍ حاقدة، وهو يشقلني طلوعاً ونزولاً، ناقراً بقلمه على سطح مكتبه، ناعقاً بنبرةٍ موبّخةٍ منتقمة:
- كم مرّة أرسلنا لكم تعاميم نُعلِمكم فيها أنه يُمنع تداول البريد بين الشركة والوزارة إلا عبر الدواوين؟ كيف تسمح لنفسك مخالفة البلاغات والأوامر الإدارية وتُحضِر معاملتك باليد؟ إذا كنتَ، وأنت الحقوقي، أول المخالفين لتلك التعليمات، لا عتب على غيرك. اِذهبْ إلى محافظتك وسيصلك الجواب عبر البريد الرسمي. هيّا انتهت المقابلة.
كانت كلماته وقحة سليطة وكأنها قُدَّت من رصاص هبّتْ عليّ كالشواظ. نظرتُ إليه بقنوط وهتفتُ قائلاً وأنا أهمُّ بالخروج:
- كنت أتمنى سماع رأيك هذا عن المراسلات البريدية.. البارحة.
بعد عشرة أيام وصلت المعاملة إلى ديوان الشركة، وقد ذيّلها السيد المستشار بعبارة بارزة وبخطٍّ كبير ومن دون أيّ تعليل: مع عدم الموافقة.



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطاب رسمي
- من ذكريات «الزمن الجميل!»
- روسيا وتركيا و«الكباش» المعلن والمخفي
- أوَّلُ مهمّةٍ حزبيّة
- هل روسيا «الأمّ الرؤوم» لأصدقائها؟
- سورية إلى أين؟!
- هل الحلفاء أخوة؟!
- «القرضاوي» والمسيحية
- مرةً أخرى عن العلمانية
- ذَكَرُ العجل
- دوامُ الحال، من المُحال..
- المنشور
- جاري والدكتورة
- قراءة في «بالخلاص يا شباب!»
- قراءة موجزة في «زمن مستعمل»
- «العمى»
- «الانفجار السوري الكبير»
- قراءة في «بجعات برّيّة»
- كنّا أشقّاء، وسنبقى..
- معجزة العصافير


المزيد.....




- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - مع عدم الموافقة!