أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - عن الرأسمالية الشريفة














المزيد.....

عن الرأسمالية الشريفة


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 6363 - 2019 / 9 / 28 - 10:15
المحور: الادب والفن
    


وصلتني ذات يوم رسالة ورقية من صديقِ لي كان قد هاجر إلى الدنمارك. كنت في العشرين من عمري ولا أزال في سوريا بعد. يومها لفتت انتباهي جملة "الرأسمالية الغربية شريفة" كان قد كتبها الصديق في الرسالة، وأوضح ما يعنيه من خلال مثال بسيط عن آلية البيع والشراء والتعامل التجاري والثقة المتبادلة بين البائع والمستهلك. كتب على ما أذكر بأن الإنسان قد يشتري صحن بيض ينبغي أن يحتوي على عشر بيضات، يدفع الثمن كاملاً حتى لوكان مثلاً ثلاث عشرة ليرة وسبعة قروش، في البيت قد يكتشف الزبون أن الصحن يحتوي فقط على تسع بيضات وقد يحدث أن يستهلك منه بيضة أو أكثر ومع هذا يدّعي أن الصحن ناقص، ولهذا السبب يحق له إعادة ما اشتراه، وعلى البائع أن يثق به ويسترد البضاعة منه ويعيد له نقوده - مجرد رؤية الفاتورة - دون نقاش.

بعد تلك الرسالة بسنوات قليلة سافرت إلى ألمانيا وتعرَّفت على الآلية التجارية لعمل الرأسمالية الغربية الشريفة، هناك أدهشني هذا النظام المتطوّر وما برح يدهشني بقدرته الشفّافة على تجديد نفسه وتجديد المجتمع الذي يسبح في فلكه. لكني - وللأمانة - بقيت إلى اليوم مؤمناً بقضية الصراع الطبقي في البلدان الخفيفة ذات الطابع الزراعي والخدماتي ومدافعاً شرساً عن ضرورة الثورة على شريحة البرجوازية البيروقراطية والطفيلية، المتفسخة أخلاقياً والمتعفنة معرفياً.

حين علمت - مع بدايات الألفية الثالثة - عن نشوء تجمع لمناهضة العولمة في سوريا تحت اسم "البديل"، قوامه حوالي عشرة أشخاص يرأسهم شخص عسكري بسيط بالمعرفة والخبرة وسجين سياسي سابق، حينها لم أستطع أن أتمالك نفسي فسقطت أرضاً من شدة الضحك، وقلت جملتي الشهيرة: "يا لسخرية القدر، العسكري الفقير يريد مناهضة العولمة!"

ذهبت البارحة إلى مكتبي في الجامعة. هناك اكتشفت بأن آلة صنع القهوة خاصيتي قد صارت قديمة ومملة. ولأن يوم الأثنين - نهاية هذا الشهر - سيبدأ الدوام الجامعي وستبدأ المحاضرات، قرَّرت صباح هذا اليوم الذهاب إلى أحد المحلات لبيع القطع الكهربائية لشراء آلة جديدة، بعد أن غوغلت إنترنيتياً عن العروض المتوفرة والمناسبة لمكتب جامعي. في المحل اشتريت آلة لطبخ القهوة، صغيرة الحجم وسهلة الاستعمال، من ماركة "نسكافيه دولتشي غوستو" بعد أن تم تنزيل سعرها بنسبة 70%. هذه الآلة مصممة في الحقيقة بطرقة عصرية رشيقة وجميلة واقتصادية، ويمكن استخدامها بكبسة زر لصنع أنواع عديدة من القهوة والمشروبات الشبيهة وبمذاق رائع وطيب.

دفعت ثمن الآلة حوالي أربعين يورو، عدت إلى المكتب مباشرة وهناك فتحت علبة التغليف الكرتونية لأجد في داخلها - كما في داخل كل علبة - دليل التشغيل ومعه كوبوني شراء كهدية بقيمة أربعين يورو. ابتسمت راضياً وصرفت الكوبونين أون لاين مباشرة واشتريت بقيمتهما تسع علب من كبسولات القهوة بأنواع متعددة، أي حوالي 120 كبسولة، أي 120 فنجان قهوة كبير، هذا يعني أنني ساشرب القهوة لمدة أربعة أشهر مجاناً، دون مقابل. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن تكلفة فنجان القهوة من ماكنات الشوارع أو ماكنات الأبنية الحكومية أو القطاع الخاص حوالي واحد يورو على الأقل، فهذا يعني أنني وفرت على نفسي مبلغاً وقدرة 120 يورو.

والأنكى من هذا هو أن للآلة كفالة/ضمانة لمدة سنتين، فهذا يعني أن للمستهلك (الرخيص) الحق بإرجاع الآلة متى شاء - كما له الحق بإرجاع صحن البيض الناقص حتى لو لم يكن في الحقيقة ناقصاً - وشراء آلة جديدة والحصول على كبونات جديدة وشراء كبسولات قهوة وشرب فناجين القهوة مجاناً وهكذا دواليك إلى آخر العمر.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدة أبراهام
- قصيدة إِنْزيغْتن
- المِلزَمة
- صلولين
- نشرة أخبار
- كيف صار المُهَنْدِس كاتباً -2-
- كيف صار المُهَنْدِس كاتباً -1-
- ملعب مقبرة الشهداء
- كيف لا ترون؟
- من شبَّ على شيءٍ شاب عليه
- كيف تتكلم؟
- يوسف وفهيمة
- سجائر غارغويل
- قانون الكُنَافَة
- لماذا تركض؟
- السَفَّاك
- شمعة ديوجين
- وكنا ندخن الرَّوْث
- الفيل الأسود
- جريمة في ستراسبورغ - فلم كامل


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - عن الرأسمالية الشريفة