أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - توفيق العيسى - الانتظار














المزيد.....

الانتظار


توفيق العيسى

الحوار المتمدن-العدد: 1554 - 2006 / 5 / 18 - 10:10
المحور: الادب والفن
    


بات ليلته قلقا؛ ضاربا الأخماس بالأسداس كما كانت تقول زوجته كلما رأته جالسا على سريره مشعلا سيجارته ؛ في تلك الليلة اجتاحته مشاعر وأسئلة كثيرة ؛قد تكون مرتبطة بغرائبية الحياة في زمن الاحتلال.
تململ في فراشه ؛ فكر فيما سيقدم عليه غدا ؛" ستكون مغامرة محفوفة بالمخاطر" سيعبر عدة حواجز عسكرية عبر طرق التفافية ؛ سيسمع أصوات الجنود يصرخون عليه ؛ وغبار سياراتهم العسكرية سيطارده من جبل الى آخر وما بين شهيق وزفير سيتحاشى رصاصهم الذكي الذي يعرف كيف يخترق الجسد النحيل ويحيله الى قطعة لحم مشوهة ؛ لكنه قرر أن لا يسمح لرصاصهم ولا لأسلحتهم ولا لكل التكنولوجيا في العالم أن تقتله لن يسمح لهم بذلك ؛ سيعدوا سريعا ...سريعا ... فالفقر أسرع من الرصاص لن تكون حياته رهنا بمزاج جندي يهوى الصيد ؛ سيعدوا سريعا ويصل سريعا ؛ سيدخل القدس ويتسلل منها الى "تل أبيب" حيفا الناصرة الى كل المدن التي يسمونها اسرائيل ؛ سيبحث عن أي عمل وفي قرارة نفسه أضمر أنه لن يعود الى بيته وزوجته وأبنائه وأخوته ووالديه كي يضمن استمراره في العمل ويضمن لهم الحد الأدنى من العيش الكريم ؛ سيشتاق لهم؟! نعم لكنه مجبر على تحمل لوعة الفراق.
لكن المزيج الغرائبي عاد يذكره بواقع مقلق ؛ متقلب المزاج ؛ فسيارات الجند ستظل تلاحقه قبل الحاجز وبعده ؛ سيراها في وجبة الغداء وسينزرع رجل أمن في كل شارع وورشة ومصنع وفي العلاقات السريعة ؛ ستكون حياته مرهونة ما بين رصاصهم وسجنهم ؛ وفي كلا الحالتين التهمة واحدة "ارهابي" "قرأ اسمه في الصفحة الأولى " مخرب فلسطيني يحاول تفجير نفسه في مقهى يعج بالمدنيين" " القبض على خلية ارهابية" .
قبل بزوغ الشمس ارتفع صوت المؤذن ؛ هادئا متناغما مع لحظة السكون ؛ لولا صوت منبهات الوقت التي ارتفعت هي الأخرى لتوقظ كل الساعين الى أعمالهم بصخب ؛ نفض النعاس عن عينيه حمل حقيبته وغادر البيت مسرعا دون وداع كي لا يفكر في الأمر مرتين وخوفا أن يغير رأيه اذا ما رأى خوف زوجته .
كانت الحافلة مزيجا من عمال وطلاب وموظفين ؛ انطلقت لتجد مكانا لها على صليب الحاجز العسكري .
انتصف النهار بات الصليب مرهقا ؛ تزاحمت السيارات وضج المصلوبون جميعا؛ اختلطت أصوات الصبية الذين يبيعون المياه والمرطبات بأصوات أبواق السيارات وبعض الشتائم ؛مزيج غرائبي سرعان ما أصبح الجنود الواقفين على الحاجز جزءا منه بصراخهم المتكرر واوامرهم الداعية الى حفظ النظام والتزام الدور ؛ واكتمل هذا المشهد حينما اكتشف المصلوبون انهم بانتظار مرور حافلة المستوطنين التي ستأتي في أي لحظة عبر حاجز الحمرا الى المستوطنة القريبة وعليهم أن ينتظروا بانتظام!!!
اعتقد أن تحالفا من نوع ما فرضته قوى خفية؛ بين الفقر ولاحتلال وشمس أريحا ؛ فكربالعودة الى بيته هربا من القيظ ؛ وفكر أيضا بجدوى المغامرة؛ ألن يستطيع العمل هنا؟! بالقرب من بيته وأصدقائه ؛ فكر أيضا بالعودة الى عمله السابق حتى وان كان المبلغ زهيدا الا أنه لن يضطر للتضحية بحياته ؛ فجأة ترائت له صور عديدة ؛ مشقة العمل ومشقة المطالبة بالأجر ؛ كان شحادا يتسول لقمة الخبز لكنه شحاد من نوع آخر شحادا يعمل بيديه لا يمدها للاحسان لعن ذلك العمل ولعن نفسه لانه ارتضى ان يذل عند ذلك الرجل الذي لم يكن يتورع عن سرقة أجره ؛ ذلك الرجل قوي البنية ذو الضحكة الصفراء التي تظهر أسنانه الصفراء كان كلما ذكر اسمه تخيل رجلا أصفر اللون ؛ حتى لون النقود التي كان يعطيه اياها كان يراها صفراء ؛ كانت حياته مصبوغة باللون الأصفر " لذا علي أن أتسلل عبر مئات الصلبان كي أنجو من لعنة اللون الأصفر "
فكر بالهرب من هذا القيظ لكته في كل مرة كان يحس بقيظ آخر ؛ الأفواه الجائعة؛ الزوجة المنتظرة ؛ تفاصيل الحياة الصغيرة والتي رغم بساطتها هي دافعه القوي لخوض هذه المغامرة وتحمل هذا التحالف الثلاثي البغيض قال في نفسه " أن أصمد أمام الصليب وحراسه خير من الانكسار أمام حاجة العيون المحرومة"
لم يكن وحده كثيرون هم الذين يشاركونه هذه اللحظة وذالك الحلم ؛ اطمئن قليلا لن يغامر وحده واذا قتل "فالموت مع الجماعة رحمة" فلن يموت وحيدا.
اشتد قيظ أريحا؛ والحافلة لم تأتي بعد؛ وضحكات الجند وصراخهم يبعده عن حلمه رويدا رويدا ؛ حتى انطفأ بريق الحلم ؛ فرك عينيه كثيرا كان الجند يلبسون ملابس صفراء والطريق المدودة بعد الحاجز صبغت بالاصفر والناس من حوله اصبح لونهم أصفر؛ حاول الأحتماء من لهيب الشمس ؛ شعر بخيانة ما انه جسده الذي سيخونه في هذه المغامرة ؛ ذابت قواه وبدأ جسده يتلاشى لم تعد عيناه تريان سوى قطرات الماء البارد على علبة المياه الغازية في يد أحد الصبية ؛ تناولها بسرعة وضعها على وجهه وجبينه لينعش جسده ؛ راح يشرب على عجالة كأنه يركض نحو شيء ما؛ السرعة قدره ؛ قدره في كل شيء .
وقبل أن يرتوي جحظت عيناه ؛ أحس بحلقه ينتفخ ؛ يتمزق؛ صرخ؛ ارتمى على الأرض ؛ ألم يخنقه يشد عليه ؛ هرع الجمع لنجدته لم يعرفوا ما يفعلوا حتى هو فقد النطق لم يستطع أن يقول لهم مابه ؛ اتصل أحدهم بالمشفى القريب وآخر بسيارة اسعاف في تللك اللحظة استنجدوا بكل شيء؛ حتى بالجنود على الحاجز ؛ ارتخى جسده؛ غامت عيناه ؛ وسكت ليرى ذلك التحالف الذي انقض عليه ؛ الفقر الاحتلال شمس أريحا ونحلة!! نحلة هي الأخرى شعرت باللون الأصفر في حلقها تنتظر الاوامر العسكرية كي تطير الى عملها عبر الصليب ؛ أضناها العطش فشاركته الارتواء من نفس العلبة ؛ نزلت في حلقه لدغته ؛ شاركته العطش والارتواء والصلب والموت بصمت أيضا .
لم تكن هذه نهاية المشهد الغرائبي؛ فمثلما لم تصل سيارة الاسعاف في موعدها لم تصل أيضا حافلة المستوطنين حتى الان ولم يكف جنود الصليب عن الضحك واصدار الأوامر ولم يكف المصلوبون عن التسلل والانتظار.



#توفيق_العيسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلاد البحر لا بحر فيها ولا نهر - قراءة في رواية بلاد البحر ل ...
- دعوة للعرس
- حوار مع زياد خداش :اوسلو قادتني الى حواسي
- على صعيد الاصلاح لا المزاح!!!!


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - توفيق العيسى - الانتظار