أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 1















المزيد.....

ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 1


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6360 - 2019 / 9 / 24 - 21:07
المحور: الادب والفن
    


برغم قلة الأدلة، يُمكن القول أنّ فرع عائلتنا، من ناحية الأم، قد تبرعم بحدود العام 1857 تحت شمس " الشام الشريف "، السخية والمعتدلة في آنٍ واحد. ولو شئنا الدقة أكثر ( على الأقل لإرضاء ضمير الحقيقة! )، لتوجبَ التشديدُ على أنّ الأمرَ يتعلق بدليلٍ ماديّ: أيقونة، تصوّرُ مريمَ العذراء وهيَ تحمل ابنها الرضيع؛ وكلاهما بدا وجهه مُضاء بنور إلهيّ وعيناه تتطلعان نحوَ السماء بأمل ما، مبهم.
في طفولتي، دأبتُ على تأمل الإيقونة، المثبتة على جدار حجرة الجلوس، معتقداً دوماً أنها صورةٌ تجمعني مع أمي. رداً على اعتقادي، قالت الأم ذات مرة، متبسمة لسذاجتي: " حقاً، وأنت في الصورة بشعرك الأشقر قبل أن يتحوّل للون الأسود! ". ولكن، ما شأن هذه الأيقونة بحكايتنا في حقيقة الأمر؟ الإجابة سنحظى بها، ولا شك، في متن الحكاية. في هذه الحالة، عليّ أن أستطردَ ثانيةً بغيَة التأكيد، بأنني شئتُ ذكرَ ذلك التاريخ كونه يسبقُ عامَ ولادتي بقرنٍ كامل. ولكي لا يضطربَ السردُ، بفعل التواريخ المعاصرة ووقائعها، يجب التوضيح منذ البداية بأن الحكاية تخصّ جدّة الأم من جهة والدتها: " ليلى " هذه، ستفتح عينيها على نور الحياة بعد ذلك التاريخ، المفترض، بعددٍ من السنين؛ عددٍ، يُشكّلُ رقمَ الطيرة، 13، لدينا نحن المشرقيين!
ثمة دافعٌ، منطقيّ كما سنرى، جعلَ ليلى محور الحكاية وليسَ رجلها؛ المدعو " علي آغا الصغير ". ومع أننا آثرنا عدم استباق الأحداث، فإن علينا ذكر ماهيّة ذلك الدافع ولو بأقل قدر من الكلمات. باختصار إذن، ينبغي التسليم بحقيقة أنّ الجدّة الكبرى للعائلة امتلكت شخصية قوية ومؤثرة، مثلما يُستدل عليه من واقعة مستطيرة غيّرت مجرى حياتها وأسرتها. المصادفة، من ناحية أخرى، شاءت أن تستمر سلالة ليلى من خلال ولد وبنت. هذه الأخيرة، هيَ جدتي لأمي، " ريما "، التي كانت ذريتها كلها بنات؛ وبصرف النظر عن عدد أولادها الحقيقيّ. إذ قيل لنا أنها رزقت بأبناء ذكور، لم يقدّر لأيّ منهم أن يتجاوز سنّ الحلم. وأصلاً المصادفة، سبقَ أن أنقذت سلالة ليلى من الإنقراض في أوان جائحة الطاعون، المقدّر لها أن تعينَ نيران الحرب العظمى في مهمة إبادة البشر: فضلاً عن ريما، بقيَ شقيقها الأكبر على قيد الحياة. كذلك نجيَ أخٌ واحدٌ لهما من ناحية الأب، وكان يصغرهما سناً. والآن، حان الوقتُ للعودة بالحكاية إلى مبتدئها؛ إلى حدود العام 1857.

***
سردنا، بدأ بحكاية إيقونة العذراء، وفي التالي، لا بد أن نجلوَ لغزها. ليسَ من قبيل الخيال، القول أنّ الإيقونة كانت في ذلك العام ما تني في مكانها الطبيعيّ والأليف بحَي النصارى، سواءً في ركن كنيسة أو في زاوية منزل. بيد أنها كانت إلفة ظاهرية، مفعمة حقاً بالقلق والتوجّس. فمنذ جلاء الغازي المصريّ، " ابراهيم باشا "، عن البلاد الشامية، والنصارى يتعرضون لمضايقات شتى من قبل الأهالي والعساكر. عليهم كان أن يدفعوا ثمنَ التنعّم بالحرية، في أيام الغازي، والذي كان من التسامح أن غض البصر عن مواكبهم وهيَ تجوب الدروبَ.. مواكب، كانت ترفعُ الصلبانَ والإيقونات وسط دهشة وحنق الجيران المسلمين: " أيقونتنا "، لعلها كانت عندئذٍ إحدى المشاركات في تلك المواكب.. من يدري؟
حي الأكراد، بالمقابل، تجلى آنذاك كئيباً وبائساً لأولئك القادمين الجدد إلى دمشق، بعدما قطعوا فيافي جغرافيا الباب العالي اعتباراً من جبلهم الأول؛ " مازيداغ "، المنتصب برأسه الغابيّ على تخوم مدينة ماردين. تأملوا منازلَ الحي عن بعد، ثم ارتسمت على أفواههم ابتسامة البدويّ حينَ يتعيّن عليه أن يسعى لاهثاً في سبيل سرابٍ: ابتسامة مريرة وساخرة، رسمها أولئك الأقارب الأبعدون وهم يدققون أبصارهم بالأعشاش الطينية، المتسلق أعلاها هضبةً تقع تحت الجبل مباشرةً، يشرأبُ منها نتوءٌ على شكل قبّة، سيعلمون لاحقاً أنها تضمّ ضريحَ شيخ طريقتهم النقشبندية. ولعل خواطرهم هدأت، لما حظوا بتلك المعلومة والتي تضافر في تأكيد حقيقة أنّ " الشام الشريف " هيَ مكان الحشر للمؤمنين، الموعودين بالفردوس الإلهيّ..

***
الفتنة بين المسلمين والنصارى، أثمرت أخيراً. جرى ذلك بعد أعوام ثلاثة من تاريخ وصول أسرة ليلى إلى دمشق. ممثلو الباب العالي، هم من زرعوا الفتنة أولاً في تربة لبنان، ثم ما لبثت أن انتشرت بسرعة إلى الشام. واقعة أخرى، كانت في خلفية الفتنة؛ وهيَ حرب القرم ( 1853 )، حيث انتصرت الدولة على الروس بمؤازرة من الدول الأوروبية المسيحية: القيصر الروسي، كان يبتغي الوصاية على أرثوذكس الدولة العثمانية وكذلك أن يكون له الحق في إدارة شؤون كنيسة القيامة.
في الأثناء، كان جيلٌ آخر من الوافدين قد حلّ في ظهراني أبناء جلدتهم ممن أضحوا يُعرفون في الحارة باسم بلدتهم الأولى؛ " ميقر ". اتفاقاً ولا ريب، فإن هؤلاء الوافدين كانوا بالأصل على دين المسيح قبل تحولهم إلى الإسلام. فيما تلا من أيام سيُعرفون بلقبهم المشنوع، " مالا زنكَلي "؛ أي قارعي جرس الكنيسة. كذلك عرفوا بلقب آخر، " مالا لحّو "، المختصر مثلما هو واضح اسماً نصرانياً. كونهم فلاحين فإنّ أعينهم، المنبعث منها بريقُ المكر والطمع، راحت تمسحُ الجنّة الخضراء، المنبسطة تحت الجدول النحيل، المسمّى " نهر يزيد ". ولكنهم سرعان ما صدمتهم حقيقة، أنّ تلك الأراضي الخصبة هيَ من ضمن أملاك أهالي الحي المجاور، الصالحية. عند ذلك، داعبت مخيلتهم فكرةٌ مجنونة: أن يحاولوا استزراعَ الحدّ الرمليّ، الفاصل بين جبل قاسيون وسفحه المأهول.
هناك أساطير مختلفة عن كيفية تحول أولئك الأقارب إلى الإسلام، ولو أنها كلها تستبعد أن يكون ذلك قد تم بالإكراه. وإذاً، استعمالنا لصفة القرابة، محالٌ للتحول الدينيّ عند أولئك القادمين الجدد وليسَ لانتماءٍ عشائريّ مشترك. فبحَسَب رواياتٍ سمعها جيلنا، يتبيّن أن النصارى كانوا منتشرين في نواحي " مازيداغ " عند حلول عشيرتنا فيها بفترةٍ ما من القرن الثامن عشر. عشيرتنا، " دوملّان "، فرَ أفرادها وقتئذٍ بشكل جماعيّ من مواطنهم الريفية في ولاية ديار بكر، الكائنة بين مقاطعتَيْ " جرموك " و" سويرك ".. فروا على أثر اكتساح عسكر الروس لحدود الدولة، انطلاقاً من القوقاز: الروس، لا يجبرون السكانَ المسلمين على التحول إلى دين المسيح، وإنما يقتلونهم حالاً وبكل بساطة.

* مستهل الكتاب الثاني من سيرة سلالية/ روائية، بعنوان " أسكي شام "..





#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عاشوريات
- عصير الحصرم 76
- عصير الحصرم 75
- عصير الحصرم 74
- عصير الحصرم 73
- غرائب اللغات 2
- عصير الحصرم 72
- واقع، حلم ثم كابوس
- الصعلوك
- مدوّنات: إخباريون وقناصل/ القسم الثاني
- الحطّاب العجوز
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 7
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 6
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 5
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 4
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 3
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 2
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 1
- تاجرُ موغادور: الفصل السابع 11
- تاجرُ موغادور: الفصل السابع 10


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 1