أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هيثم جبار عباس - موت صغير تعيد الحياة لابن عربي .... قراءة في رواية موت صغير للروائي السعودي محمد حسن علوان















المزيد.....


موت صغير تعيد الحياة لابن عربي .... قراءة في رواية موت صغير للروائي السعودي محمد حسن علوان


هيثم جبار عباس
شاعر ، كاتب، صحفي

(Haitham Jabbar Abbas)


الحوار المتمدن-العدد: 6356 - 2019 / 9 / 20 - 00:50
المحور: الادب والفن
    


موت صغير رواية للكاتب السعودي محمد حسن علوان فازت بجائزة بوكر العربية لعام 2017 , علوان الذي اعاد الحياة للشيخ الاكبر محيي الدين ابن عربي الذي وافاه الاجل قبل ( 777) عاما , حيث كانت وفاته في سنة 634 هجرية , الموافق من سنة 1240 ميلادية , لا يوجد انسان عربي او غير عربي واع او مثقف او قارئ لم يعرف محيي الدين ابن عربي او لم يسمع به, ولكن اغلب هؤلاء يجهلون حياته, محمد حسن علوان الروائي الشاب المغترب في كندا جعل من كلمة ابن عربي الشهيرة ( الحب موت صغير ) عتبة لروايته التي كشف اسرار شخصية ابن عربي عن طريق المتخيل السردي والسياحة في التراث الصوفي العربي الاسلامي الذي ابدع في تناوله بهذه الرواية .
وكما هو معروف ان اغلب المتصوفين قد كُفروا وفُسقوا واُتهموا بالالحاد والزندقة, من قبل الفقهاء وبعض رجال الدين, فمنهم من قُتل وصُلب ومنهم من استخدم التقية ونجى بدمه مثل ابن عربي , الذي قال عنه ابن خلدون حين سئل عن مؤلفاته مثل فصوص الحكم , والفتوحات المكية , وايمان فرعون , وترجمان الاشواق وغيرها من كتب الشيخ محيي فقال (( لا شك في اشتمال (الفصوص) المشهورة على الكفر الصريح ولا شك فيه , وكذلك ( فتوحاته المكية ) فان صح صدور ذلك واستمر عليه الى وفاته فهو كافر مخلد في النار بلا شك )) بالمقابل توجد طائفة من العلماء تعظم الشيخ ابن عربي وتعده الحبر الاعظم والكبريت الاحمر, هكذا اطلق عليه لفرط علومه الربانية كجلال الدين السيوطي , اذن الكتابة عن شخصية قلقة واشكالية تعد انجازا بحد ذاته.
قلت ابن عربي استخدم التقية وذلك قد ظهر جليا في التناقض بين اقواله امام الامراء والقضاة واشعاره بين طلابه فحين اعتقل في القاهرة وارسل اليه القاضي ليحقق معه قال له :
ــــ احقا قولك ان الله متحد مع مخلوقاته ؟
ــــ لا يقول بالاتحاد الا اهل الالحاد
ـــــ وقولك ان الله يحل حلولا في خلقه ؟
ـــــ من قال في الحلول ففقهه معلول
ـــــ لدي صحائفُ فيها تهمٌ موجهة اليك باقوال باطلة متزندقة اتنكر هذه الاقوال ؟
ــــ اقول اصرف خاطرك عن ظاهرها , وانظر في باطنها يتبين لك ذلك
ــــ ما لنا الا الظاهر
ــــ هذا قول العوام لا قول القضاة
ــــ تأدب والا امرتهم ان يعودوا بك الى السجن ... (ص 398 )
وبالفعل عادوا به الى السجن وهو ينكر الاتحاد بالخالق وحلول الخالق بمخلوقاته , علما ان ديوانه مليئا بشعر يوحي الى ذلك كقوله :
خليلي لا تعجلا واكتما ـــــ حديثي حذارا على مهجتي
فاني اتحدتُ بمن قام لي ـــــــ اذا ما توجهتُ في قبلتي
وهذا يعني ان الله يقوم له مثل ما هو يقوم لله في صلاته , لانهما متحدان, لذا كفره اغلب الفقهاء , علما ان كلامه الفلسفي الصوفي يحتمل عدة وجوه ولكنه امام القاضي انكر الحلول والاتحاد واتخذ التقية حفاظا على دمه.
موت صغير رواية ممتعة جدا , بل هي تحفة فنية , تعد من روائع الادب العربي على الرغم من ضخامة حجمها التي قاربت الستمائة صفحة, فهي غير مملة, يأخذك الروائي في سياحة سردية بلغة عربية فصحى لغة عصر ابن عربي , ويدخل بك في دهشة ويخرج بك من انبهار واندهاش وغرائبية عجيبة , اجمل ما في الكتابة عن الصوفية هي لغتها , في سرعة البديهية وحضور الجواب ارتجالا, فقد كانت اجوبة ابن عربي بديهية عن كل سؤال يُطرح عليه في اي حوار مع امراء او علماء او متصوفة , ونحن نعلم جيدا ان اغلب هذه الحوارات والتفاصيل الدقيقة في الرواية هي من عنديات الكاتب وليس من ابن عربي , ولو نقلها الكاتب حرفيا من ابن عربي لم يكن له فخر في ذلك , ولكن محمد حسن علوان نفسه يقول (اردتُ ان اجعل ابن عربي يتحدث كما كان يتحدث ويفكر مثلما كان يفكر , ويكتب كما اراد ان يكتب , وكان طبيعيا ان تاتي لغة الرواية محملة بظلالها التراثي واللغوي المتصلة بتلك الفترة التي دارت فيها احداث الرواية ).
استخدم الكاتب مفردات ومصطلحات لم يسمع بها القارئ البسيط , ولكنها كانت مستخدمة في عصر ابن عربي ولا سيما ان لغة الاندلس كانت مزيجا من الآرامية والفرنجية والسريالية ناهيك عن العربية , كذلك في تركيا كانت مزيجا من اللغة العثمانية التركية والتركمانية والعربية , لا تقتصر الدولة او الولاية على لغة واحدة , فبالتاكيد كل لغة تكتسب مصطلحات ومفردات من زميلتها اللغة الاخرى اثر التعايش في بلد واحد, الا ان الكاتب حين استخدم هذه المصطلحات مثل ( خرجنا معا من بيتي لنجد تختروانا يكاد يسد الدرب ) ( حتى اقترب الجاشنكير المنوط به تذوق طعام السلطان ) (وندخلهم في ديوان الجند ليصبح لكل منهم جامكية بدلا من نصيب الغنائم ) فمن خلال سياق الجمل يجعلك الكاتب تفهم معنى المصطلحات الغريبة عليك بدون هوامش وبدون شروحات كالاتي
التختروان == عربة لها ذراعان من الأمام وذراعان من الخلف تحملها الدواب
الجاشنكير == رئيس الطباخين الذي يتذوق الطعام قبل السلطان
الجامكية == الراتب الشهري للجند
اوتاد الرواية الاربعة
طهر قلبك ثم اتبعه حيث يريد , هكذا قالت له فاطمة بنت المثنى , الام الكبرى لابن عربي ( القابلة المأذونة ) او ما يسمى بالجدة التي كانت اول من ارضعته , كان يطيعها ويحبها كأمه, وكانت كلماتها ذي اثر كبير تقع على قلب الشاب محيي الدين , فاخذ يطهر قلبه من كل شائبة ذنب حتى عرف اول وتد يثبت قلبه واخبره الاول بمكان الثاني والثاني بمكان الثالث والثالث بمكان الرابع , واصبحت هذه الاوتاد الاربعة هي المحور الرئيسي للرواية.
لكل نص روائي ثيمة تدور حولها احداث الرواية , حتى لو كان السرد هو سيرة كسيرة ابن عربي في ( موت صغير) , تعتمد الرواية على اربعة اركان او اوتاد جعلها الكاتب الموضوعات الرئيسية التي يبحث عنها القارئ والسارد معا, السارد في الرواية هو ابن عربي وجاء سرده بصيغة ضمير المتكلم , فاخذ يبحث عن اوتاد قلبه التي تثبت ايمانه ولا يمكن ان يتزعزع ابدا .
انتقل ابن عربي وعمره ستة سنوات من مرسية الى اشبيلية وعند مفترق الطرق اراد ان يودع فاطمة بنت المثنى , وكانت قد تنبأت به بان يكون لهذا الصبي شئن عظيم , (( ادن مني يا بني , لبيك يا اما ,, في اشبيلية وتد من الاوداد الاربعة ولا شك ,, من هم الاوتاد الاربعة ,, من يحفظون الارض من كل سوء ,, وكيف اعرفهم ؟ ,, هم يعرفونك ,, وكيف اجدهم؟ ,, هم يجدونك .... ثم ضمته الى صدرها واشارت الى قلبه وقالت له : طهر هذا , ثم اتبعه )) ( ص 42) وقضى طفولته و شبابه في اشبيلية ولم تظهر عليه اي علامة من علامات العرفان والصوفية , حتى اخذته الجذبة في احدى المقابر وغاب عن اهله اربعة ايام كان يناجي ربه ويدعوه ويستغفره ويبكي داخل المقبرة , واخذ يجالس الصوفيين وياخذ من علومهم وينهل من عرفانهم حتى اصبح واحدا منهم , وكان كثير التردد على شيخه الكومي , وتعلم الكثير منه حتى نبغ في مطلع شبابه , التقى بابن رشد الفيلسوف المعروف وتحاور معه فعرفه ابن رشد انه نابغة , جالس الامراء والخلفاء ولا سيما ا ن اباه كان كاتبا في بلاط الملك , وكان يريد لولده ان يعمل كاتبا ايضا ولكن ابن عربي يرفض ذلك , كان في صباه يقول لابيه : لا اريد ان اكون كاتبا اريد ان اكون وليا من اولياء الله , فيرد الاخير : وكيف تكون وليا؟ , فيجيب : الله يختار اوليائه وما علي الا ان استعد لاختباره واتأهب لاقداره , فيرد عليه ابوه : وهل ستبقى عاطلا عن العمل حتى يختارك الله وليا ؟ فيجيبه : بل اطلب العلم واثني الركب والزم الشيوخ ... يا ابي ان قلبي تعلق بالله فلا تصرفني عنه . مد ابي رجله وركلني في جنبي وهو يصرخ : اعوذ بالله اتراني شيطانا اصرفك عن الله يا ولد , قم لا بارك الله بك اغرب عن وجهي . ( ص 121 ) وكان كلما اصابه هم او غم التجأ الى امه فاطمة ليسألها عن وتده , او يذهب الى المقبرة ليتعبد ويعتزل الناس , ولم يترك هو وصديقه الحريري وراقا الا زاراه واخذا من كتبه ما شاء الله من العلم ان يأخذا , وفي لية من ليالي المقبرة وهو منعزل فيها يجالس الموتى , شعر بحركة من حركات الاحياء واذا به الشيخ الكوميّ , كان الكوميّ يراقب محيي الدين وحركاته وتعبده وانعزاله فقضى معه في المقبرة ستا وسبعين ليلة , دارت بينهما احاديث جمة عن الفلسفة والصوفية
ـــــ اجبني يا محيي : اذا اجتمع عارفان في حضرة شهودية عند الله ما حكمهما ؟
ـــــ هذه مسالة تفترض ولا تقع ..... ولماذا لا تقع ؟
ـــــ لان الحضرة لا تسع اثنين , بل ان العارف لا يرى نفسه في حضرة الله فكيف يرى عارفا اخر
ــــ فكيف تفترض اذن ؟......تفترض بالتجلي .......
ـــــ اجبني يا محيي من ساكن القبر الثالث عشر من اول سور ؟
ـــــ الشاعر ابن زيدون ــــ اذن اسمعني يا ولدي ... ليبك يا شيخ
ــــ انا وتدك الاول , وفي افريقية وتد ثان , فاقبل عليه يثبت قلبك . (ص180)
هكذا ثبت محمد حسن علوان اول وتد او اول لبنة ليبني ثيمة الرواية على محور الاوتاد الاربعة , اما عنصر الدهشة والتشويق والمواظبة على القراءة التي حبكها الكاتبة بمخيلته السردية الرائعة والتي تطوق القارئ وتجعله غير منفك عنها , تكمن في عدة احداث في الرواية , منها التقاء ابن عربي بابي بكر الحصّار , حيث ان ابن عربي حلم حلما ان هناك شخص يلتقي به في مراكش سيحمله الى مكة, وابي بكر الحصّار حلم نفس الحلم بان هناك شخص ياتي من الاندلس سيذهب معه الى مكة , واخذ كل منهما يبحث عن صاحبه , ودام هذا البحث اربع سنوات , وهما في نفس المدينة ويعرف احدهما الاخر, ولكن لا يعرف احد منهما انه صاحبه المقصود في الحلم , حتى دار حديث بين ابن عربي وزوجته واخبرها انه يبحث عن رجل يقوده الى مكة , فأخبرته زوجته بانها تعرف هذا الرجل, وقالت له : حين سكنا مراكش قبل سنوات جاءنا صبي يطرق الباب وقال : هل انتم من الاندلس؟ قلت: نعم قال : هل تريدون المغادرة الى مكة ؟ قلت له: كلا من انت , قال انا غلام ابي بكر الحصار, يبحث عن اناس من الاندلس يريدون السفر الى مكة ,!! وانا لم اخبرك يا زوجي العزيز لاني لا اعلم انك تريد الذهاب الى مكة , هنا تيقن ابن عربي ان ابي بكر الحصار عالم الحساب والرياضيات الذي يعرفه في مراكش انه هو المقصود في الحلم فذهب اليه فلم يجده في البيت فجلس في عتبة بابه ينتظره وحين عاد الحصار الى بيته (( لمحني جالسا قرب باب بيته فتوقفَ , وقفتُ , تبادلنا النظرات دون سلام , اقترب مني ووضع يديه على منكبَيّ وهو يحدق في وجهي بتمعن, امتلأ وجهه بالرجاء وارتجفت شفتاه, سالت من عيني دمعة, ففرت الدموع من عينيه , وعانقني وراح يبكي ويقول : آه يا اندلسي ! اربع سنوات .... اربع سنوات في انتظراتك ! )) (ص259)
مثل هكذا حدث مشوق مليئة بالمباغتة والدهشة والعجائبية ومحبوك حبكة عبقري, لا نجدها في اغلب الروايات الا برواية مثل موت صغير, علما ان هذا الحدث مشابه له احداث كثيرة تمليك بالدهشة والمباغتة والتشويق وترغمك على مواظبة القراءة .
التقى بالحصّار وهو المبعوث الالهي كما اطلق عليه ابن عربي , وبالفعل اخذه الى مكة ولكن في طريقهما الى بيت الله, لقى الحصّار حتفه في القاهرة وبقي ابن عربي في القاهرة مع صديقيه الحريري والخياط وهو يبكي ويندب صديقه الذي حلم به ورافقه الدرب من الاندلس الى مصر, ودار حوار بين الخياط وبن عربي وكان ابن عربي غارقا بدموعه وهمه وغمه على صديقه الحصار , فاخبره اني اعلم انك تنتظر وتدا ثانيا يا محيي , وهنا انتبه ابن عربي واساغ السمع بكل جوارحه كيف عرف هذا الرجل اني انتظر وتدا في أفريقيا ؟ فهمس الخياط في اذنه ان وتدك الثاني قد مات , هنا انقبض ابن عربي واحس بان اركانه قد شلت فجأة , واندفع من اعماق صدره اعصار هائل من البكاء فقال له الخياط : هون عليك يا ابا زينب لا يموت وتد حتى يرث وتدا اخر , اندهش مرة اخرى ابن عربي فاخبره الخياط بانه هو وتده الثاني كما امره بالخروج الي مكة.
الحب هو الدين الرسمي للمتصوفة
الصوفي لا دين له غير الحب , ولا عقيدة له غير حب الله وعباده وكل مخلوقاته , فلا يوجد صوفي يكره الناس او يحقد على انسان مهما كان هذا الانسان مرتكبا من موبقات , ولا شك ان ابن عربي واحد منهم ان لم يكن سيدهم , فالصوفي دينه العشق والحب فكيف ان وقع الصوفي نفسه في الحب كابن عربي الذي وقع بحب نظام بن الشيخ زاهر الأصفهاني.
تتكون (موت صغير) من اثنا عشر سِفر , كل سِفر بما يقارب خمسين صفحة, فحين سافر ابن عربي الى مكة يصطحب معه رفيق دربه بدر الحبشي كانت الرواية قد دخلت في السِفر السادس , فتمنيت ان لا ينتهيا السِفران السادس والسابع لفرط جمالهما ورقتهما ولغتهما , ففي هذين السفرين تجربة وقوع ابن عربي في شباك الهوى , تجربة حبه الغرامية مع عشيقته نظام , التي صاغها محمد حسن علوان صياغة وحبكها حبكة يُحسد عليها من قبل جميع الروائيين, تجربة غرامية ادخلت الشيخ محيي الدين ابن عربي في دوامة عشقية وصلت به حالته الى انه يطوف في بيت الله الحرام في نفس اليوم المخصص لطواف النساء وهو لا يعلم بذلك , وبدلا من ان يلبي او يهلل او يسبح او يكبر اخذ يهذي بابيات شعرية وهو في غيبوبة فقد طاف اكثر من الف مرة في هذا اليوم ولا يعلم ما يجري حوله هو يقول
ليت شعري هل دروا ـــــــ اي قلب ملكوا
وفؤادي لو درى ــــــــــ اي شِعب سلكوا
اتراهم سلموا ـــــــــــــــ ام تراهم هلكوا
حار ارباب الهوى ــــ في الهوى وارتبكوا
وبقي يطوف ويهذي بهذه الابيات حتى شعر بضرة كف على كتفه ففزع والتفت فاذا هي نظام بنت زاهر الاصفهاني عشيقته
ــــ ماذا تفعل هنا يا رجل ؟
ـــــ اطوف
ـــــ تطوف في هذا اليوم ؟
ـــــ ومالي لا اطوف في اي يوم ؟
ــــ هل نظرت حولك ؟
ــــ يا الهي ماذا يحدث
الحرم مليء بالنساء فقط ولا رجل غيري وكل الانظار متجهة الي ( ص 318 )
بقي ابن عربي في مكة عدة سنوات وخطب نظام التي يهيم بحبها الى ابيها الشيخ زاهر واخته فخر النساء , والف في مكة الفتوحات المكية وترجمان الاشواق وهي قصائد في حب نظام , الا ان نظاما التي تعشقه اكثر من عشقه لها رفضت الزواج به, فترك مكة وسافر الى الشام, وكانت تاتي اخبار مكة الى الشام عن طريق الاصدقاء والتجار والقوافل فعلم ان الشيخ زاهر وعائلته تركوا مكة ولا يعرف ان استقر بهم النوى, بسبب لمز وغمز الناس عنه حيث يقولون لبئس الشيخ بنته يشبب بها في الشعر, اذ انتشر ترجمان الاشواق انتشار النار في الهشيم , بل وصل ترجمان الاشواق الى الشام قبل وصول ابن عربي, واخذت الناس تطعن بابن عربي في المساجد والخاقانات والندوات والمجالس ويقولون لبئس الشيخ الذي يشبب بالغواني, فترك الشام وهاجر الى مصر متجها الى صديقيه الحريري والخياط , الا انه في مصر لقي مصيره في السجن , فالشام طردته ومصر سجنته , خرج من السجن واتجه الى دار السلام , احبته بغداد واحبها واستقبلته بحفاوة وبقي فيها ثلاث سنوات ,فتح حلقة تدريس في احد جوامعها, ففي الليل ويُؤلف وفي النهار يُدرس, وفي يوم ما دخل بدر الحبشي عليه وهو يدرس طلابه فاخترق صفوف الطلاب وهمس باذنه وقال: هناك خرجت من المسجد جنازة لابد ان تشيعها ! نظر ابن عربي بوجه بدر فرى اصرارا في كلامه فصرف طلابه وقال لبدر من هو صاحب الجنازة ؟ فشد بدر على يديه وقال له : انه الشيخ زاهر الاصفهاني .
انظر كيف يلعب الكاتب دورا مشوقا وجذابا في حبكة الرواية , لا احد يعرف حياة هذا الرجل المتصوف هل فعلا التقى بنظام عشيقته في بغداد بعد كل هذه السنين ؟ وهل فعلا هما في بغداد ولم ير احدهما الاخر . ذهب الى الجنازة وشيعها انصرف الناس كلهم عن قبر الشيخ الا سودكين رفيقه الشاب وبدر الحبشي امرهم بالانصارف وبقي وحده يبكي عند القبر , واخذ يسال عن بيت الشيخ زاهر الاصفهاني ليلتقي بنظام , حتى وقف في بابها باب رباط المتعبدات , وفاتنا الذكر ان نظاما كانت متعبدة اعلم اهل زمانها وهي فتاة متصوفة عابدة زاهدة , طرق الباب فخرجت نظام ترتدي الخمار عزاها بابيها وعمتها , نظرت اليه تأملت في وجهه فرأت سنوات من الشوق والخوف والوجل والحب المؤجل حتى هذه اللحظة تبادله نظرات مرتبكة ثم ابتسمت ورحبت به , ولكنها لم تدعوه للدخول فالمكان مخصص للنساء العابدات فطال وقوفه في الباب ...(( اشعر ان وقوفي طال في الباب , استجمعت شجاعتي وقلت :
ــــ اسمعي يا نظام
اسندت راسها على حافة الباب في خفر وابتسمت وهي تقول: قل يا محيي .
ـــــ تعلمين ما بقلبي من حبك ....
ازدادت ابتسامتها اتساعا وصفاء وهي تقول بصوت هادى كأنها تهدهد رضيعا لينام: اجل اعلم ذلك ولا انساه
ــــ واعلم ما بقلبك من حبي
ــــ بل تعلم بعضه ولو علمته كله لما صدقت )) (ص428)
دار بينهما حديث صغير وقال لها: اذن لم ترفضين الزواج مني ؟؟ (( مدت يدها . اجل مدت يدها ونحن في طريق يمر منها الناس ومست ترقوتي , صغرت ابتسامتها وزادت عيناها اتساعا وقالت وهي تنظر الى حيث تجول بيدها في عنقي : لاني لا املك ذلك يا حبيبي
ــــ ولماذا
ـــــ لاني وتدك الثالث
لم يجب ابن عربي بل تجمد بمكانه , فقالت له : والاوتاد يتزوجون الارض يا حبيبي ..... في مطلية وتدك الرابع والاخير فاقبل اليه وثبت قلبك. (ص429) .
واخيرا ترك بغداد وسافر الى تركيا برحلة طويلة مليئة بالعجائب والغرائب والدهشة والانبهار والاحداث المشوقة, ومر بطريقه في الموصل وحلب وقام فيهما من ثم انتقل الى تركيا في مدينة مطلية وبقي فيها ردحا من الزمن حتى التقى بوتده الرابع الذي عرفه بدون ان يذكر اسمه له , الا ان ابن عربي طلب مرافقته فقال له اني مبعوث لغيرك يا محيي مثلما كان الحصار مبعوث اليك ... اتذكر الحصار ؟ ... يا محيي انا وتدك وستظل في قلبي الى الابد فقال له ابن عربي ما اسمك ؟ فاجابه مبتسما : انا شمس , شمس الدين التبريزي . ( ص 539 )
واخيرا عاد ابن عربي من مطلية الى دمشق حتى مات فيها , هنا اكتملت الرواية ولكن الكاتب ترك عدة اسئلة للقارى ولا بد من الاجابة عليها من قبل القارى او الناقد او المتفحص للنص , منها مثلا ما هي العلة من عدم قبول زواج نظام بنت الشيخ زاهر الاصفهاني من ابن عربي وهي التي تعشقه وتحبه وما المانع من تزاوج الاوتاد؟؟؟ ثانيا ماهو سبب نفور مريم بنت عبدون زوجة ابن عربي الاولى بعد موت زينب ابنتهما فمن بقي لها في بجاية لكي تعود وتترك زوجها بمكة وهي التي تعشقه وتحبه ؟؟؟ هل هناك ضريبة يدفعها الصوفي في حياته بحيث تجعل زوجته تنفر منه وتهجره بسبب كثرة تعبده وانشغاله باوتاده، ويولي اهتماما لطريقته الصوفية اكثر مما يولي اهتماما لعائلته ؟؟ لماذا اخذ الكاتب محمد حسن علوان يطرق على وتر الموت والهجران من بداية الرواية حتى نهايتها ؟ محمد ابو بكر الحصار مات فجأة ، بنته زينب ماتت فجأة ، حبيبته نظام هجرته، زوجته مريم نفرت منه ، شيخه زاهر تركه ثم مات رفيق دربه بدر الحبشي الذي رافقه اكثر من خمسة وعشرين سنة مات ايضا , بل روى كيف مات هو (( جلست التقط انفاسي ثم حاولت الوقوف مرة اخرى , . مادت بي الارض , سقطت على وجهي , تقافز الدجاج من حولي هلعا , تعلق نظري بورقة صفراء لم اجرفها . متُ. )) (ص591) , هل كان الكاتب يقصد من وراء هذا العزف الحزين على وتر الموت والهجران تشويق المتلقي من خلال عملية القراءة , ام انه يضع وجه المعاناة للمتصوف امام القارئ??. اسئلة كثيرة طرحها الكاتب على القارئ في ( موت صغير) سيجيب عليها الزمن .






#هيثم_جبار_عباس (هاشتاغ)       Haitham_Jabbar_Abbas#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طين صوفي فائض ... قراءة شعرية في كتاب طين فائض للمبدع حيدر ك ...
- تعليق نشاط اتحاد الأدباء والكتاب في البصرة
- الناقد ياسين النصير : المثقف ماء الحياة
- اسماء المدعوين الى مهرجان المربد العاشر
- لصوص الله سرقوا عقول بعض المفكرين والباحثين / الجزء الخامس و ...
- لصوص الله سرقوا عقول بعض المفكرين والباحثين / الجزء الرابع
- لصوص الله سرقوا عقول بعض المفكرين والباحثين / الجزء الثالث
- لصوص الله سرقوا عقول بعض المفكرين والباحثين / الجزء الثاني
- لصوص الله سرقوا عقول بعض المفكرين والباحثين
- وداعا يا ثقافة الشعارات
- صدور باكورة سلسلة ( لأن) عن مؤسسة السياب التداولية في البحث ...
- محمود عبد الوهاب وليالي الأربعين
- ( صحراء نيسابور ) استنساخ سردي من كتب الخرافة والخيال
- ملابسات تأخير ملتقى الرواية العراقية الدورة الثانية
- رئيس اتحاد الادباء والكتاب العراقيين في البصرة كريم جخيور ين ...
- رسالة الى السيد علي الخامنئي
- انعقاد مهرجان المربد الشعري التاسع في البصرة لعام 2012
- وقعت في ما كنت اخشاه
- الانانية في ميزان الدكتور سعد صلال
- الرد على مقال الاستاذ جاسم العايف الموسوم ب(ملتقى قصيدة النث ...


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هيثم جبار عباس - موت صغير تعيد الحياة لابن عربي .... قراءة في رواية موت صغير للروائي السعودي محمد حسن علوان