أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال حكمت عبيد - كفاك تلاحقني...قصة قصيرة














المزيد.....

كفاك تلاحقني...قصة قصيرة


جمال حكمت عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 6353 - 2019 / 9 / 17 - 14:01
المحور: الادب والفن
    


في بلد بعيد عن بلدي، احتلت سنينُ إقامتي فيه مسافة من سنين عمري. عشت بإحدى مدنه، أسير بشوارع أحيائها كل يوم كإنسان آلي، لا تجمعني بها أية ذكرى، ولا تعيدني رائحتها إلى ماضٍ أستمتع به، لكن خارطتها مرسومة في عقلي؛ لكي لا أضل الطريق وأنا اقود سيارة الأجرة التي ألتقط منها رزقي.
في صباح هذا اليوم صنع لنا ولدي البهجة في قلوبنا، بحصوله على شهادة البكالوريوس بعلم الاقتصاد، وقد ملأت الفرحة بيتنا كخيوط الشمس في هذا الصباح المشرق، وقلت في نفسي جعله الله يوما مباركا وسعيدا. عند العصر ذهبت إلى عملي وما زالت خيوط الفرح تبسط اسارير وجهي. وفي أول الطريق استقل سيارتي ثلاثة أشخاص، رجلان وامرأة، المرأة مع أحدهم جلست في الخلف وثالثهم جلس بجانبي، دار الحديث بينهم، عرفتهم من خلال حديثهم انهم ضباط في الجيش الأمريكي يعملون في القاعدة العسكرية القريبة من مدينتي. كانوا يتحدثون الإنجليزية، وكعادة الركاب وفي غالب الأحيان يشركونني معهم في الحديث، وهذا مصدر سلوتي في ساعات عملي، فأنا لا استطيع اجبارهم على سماع أغنية أحبها كما يفعلها سائق التاكسي في بلدي. كان حديثهم لا يخلو من الجد والضحك فهم ذاهبون الى المطعم للعشاء . وحينما اشركوني معهم في الحديث، فاجأتني السيدة الجالسة خلفي بالسؤال:
- انت تتكلم الإنجليزية بوضوح، وهل تستطيع التحدث بلغة هذا البلد؟
نظرتُ اليها من خلف المرآة التي امامي وكانت تبدو بعمر الثلاثين، سمراء، وجهها مائل للصفرة ، باردة الدم، شعرها اسود يصل الى خديها، عيناها سوداوان غائرتان، صعب عليّ تحديد أصولها. فأجبتها:
- نعم، وزدت قليلاً بالإجابة بلغة البلد الذي نحن فيه. لكن فضولها جرّها معي الى سؤال آخر وكأنها ضابط تحقيق وقالت:
- وهل تجيد لغة أخرى؟
- نعم، العربية. وقالت في الحال:
- انا اعرف أتكلم العراقية ..اندهشتُ من كلماتها، فلقد تحدثَت بضعة كلمات باللهجة العراقية. لم أقل لها أنا عراقي، لكنني قلت لها:
- كيف تعلمتيها؟ قالت:
- في العراق وفي سجن ابو غريب.
- هل كنتِ مسؤولة في السجن هناك؟
- كلا ..كنت مسجونه هناك. استغربتُ ما قالته تلك المرأة!
- كيف تُسجَنين وانتم من دخل العراق بأسلحته؟
- كنتُ مسجونة عاماً هناك لكوني قتلتُ الكثير من العراقيين.. وضحكت!!..
كلماتها في الحال صفعتني..صدّقتها، وضحكتها افقدتني ارادتي.. شعرتُ بانتهاك جميع اوصالي .. ذهبتُ سارحاً في خيالي بعيداً الى وطني والى صور مازالت عالقة في ذهني، وما حل بأصدقائي وأهلي، فتوجم وجهي.. فركتُ عينيّ كي استجري منها دمعة انحبست، وأخرى انحدرت كماء السفح على خدي . فتوقفت تلك المرأة في الحال عن الحديث وراحت تسألني:
- لماذا الدمع على خديك؟
قلت لها وحشرجة الغضب في صوتي :
- العراق بلدي ومن قتلتيهم أبناء بلدي، ألا يحق لي أن احزن عليهم؟
راحت بلا حياء تسألني وكأنها استهجنت دمعي:
- كم سنة انت تعيش هنا؟
- خمسة وعشرين عاما . سكتت دون تأسفٍ.. ولم ينبس احد ببنتِ شفةٍ.
انقطع الحديث بيننا وساد الصمت في السيارة حتى وصلوا إلى محطتهم. اخرجوا النقود وكانت كالعادة مع اكرامية التوصيلة "البقشيش " وفي هذه المرة ازادوها. رفعتُ أطراف أصابعي كمن يتقي عدوى مرضٍ ، والتقطت حق اجرتي فقط، ورفضتُ ما ازادوا عليه، علَنّي أهينهم وأرضي نفسي، وهذا أضعف الإيمان. غدوتُ مكترباً، لم اقوَ على السياقة، فركنتُ سيارتي على حافة الطريق.. اخذتُ نفَساً عميقاً علّني أخففُ من ضيقي، وزفرتُ زفرةً حارة، وصحت بصوت عالٍ: الى متى تبقى تلاحقني يا وطني.



#جمال_حكمت_عبيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين ملجأ العامرية وفالنتاين يوم واحد
- رأسي والقِطّ
- حبة الهيل..قصة قصيرة
- القارب
- حكاية من بغداد
- ملجأ العامرية
- موسم الذباب...قصة قصيرة
- روزا والبحر...قصة قصيرة
- حلم ومرآة...قصة قصيرة
- براء ...قصة قصيرة
- فِراق...قصة قصيرة
- شهامة عراقي أصيل..قصة قصيرة
- أمي وأوجاع وطن
- وظيفة في دار العجزة..قصة قصيرة
- حرب وأشياء أخرى..ح3..قصة قصيرة
- -ما بين بغداد ورواندا طريق واحد-..قصة قصيرة
- سارت معي..قصة قصيرة
- وفاء امرأة هولندية
- مرفأ بلادي
- عزاء صامت..قصة قصيرة


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال حكمت عبيد - كفاك تلاحقني...قصة قصيرة