أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - لحسن ايت الفقيه - ذاكرة المجال وفائدتها في درء وقع كوارث الطبيعة بجنوب شرق المغرب















المزيد.....

ذاكرة المجال وفائدتها في درء وقع كوارث الطبيعة بجنوب شرق المغرب


لحسن ايت الفقيه
(Ait -elfakih Lahcen)


الحوار المتمدن-العدد: 6348 - 2019 / 9 / 11 - 21:58
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
    


لقد عيل صبرُنا أمام استفحال الكوارث الطبيعية الناتجة عن التغيرات المناخية، بالجنوب الشرقي المغربي. كلنا يعرف أن الغرب الإمبريالي ماكان لينتبه إلى إفساد الكوكب الأزرق، الأرض التي نحسبها أمُّنا جميعا. لذلك كاد لغوب الفساد يغشى جميع سكان الأوساط الهشة بالدرجة الأولى. كلنا في الواحة سينتظر حتفه، إن قلّ حرصنا وضعف انتباهنا، إن بالسيل الجارف أو بنار حُطم تندلع كل لحظة بغابات النخيل. إن واحاتنا جميعها عِطاب بالنار أو بالفيضان أو بالزوابع الرملية، أو بالجفاف، في أسوأ الأحوال. لا حرث لنا ولا نسل أمام هذا الواقع المهول، ورغم قرحنا ومصابنا، وما أدراك ما مصابنا، لا يزال شعار الحياة بالواحة قائما.
أريد أن أضيف في هذه المقالة المتواضعة بأسا ثالثا، فضلا عن الحرائق وتعرية التربة بالفيضان، خبر حافلة للركاب كانت انطلقت في رحلة سفر من مدينة الدار البيضاء إلى مدينة الريصاني بجنوب شرق المغرب. انطلقت في حدود التاسعة ليلا، بتوقيت المغرب الذي يزيد عن توقيت كرينيتش بساعة، وحدث، لما أوشكت أن تعبر جبال الأطلس الكبير الشرقي، أن نشأ المطر يزخ، ولا يزال كذلك من الساعة الخامسة والربع، من صباح يوم الأحد 08 من شهر شتنبر من العام 2019، إلى حدود السابعة صباحا. وحينما يزخ المطر، في عصر الاحتباس الحراري، فالكارثة منتظرة إن لم يتخذ الإنسان قليلا من الحيطة والحذر. وإنه من الصعب عبور الخانق (كانيون) الممتد جنوبا من فم «زعبل» إلى فم «غِيور»، لكثرة الانهيارات ونزول الأحجار من فوق الدروع الكلسية التي تتوج قمم الجبال. يطلق سكان المنطقة الفم على باب الفج، وأما الخانق «كانيون»، فيسمى «تاغيا، تاغيت» بالأمازيغية. ما كان أحد لينبه العربات ألا تعبر خانق زيز، «تاغيت ن زيز» بالأمازيغية، لأن الرحلة هناك صعبة. وأمام غياب أي علامة لقطع الطريق، أو التنبيه إلى الخطر استمرت الحافلة في سيرها في منعرجات «تاغيت ن زيز». ولا تزال سائرة جارية بالطريق الوطنية رقم 13 حتى بلغت موضعا يسمى «درمشان»، «idr umcan»، حيث يتقاطع الواد وجسر الطريق. شخص بصر السائق الماء يغمر القنطرة على واد «درمشان» لكنه غرير، وأقدم على المغامرة بحافلة على متنها 51 راكبا، سنفصل القول في الهول فيما سيأتي.
يتقاطع واد «درمشان»، والطريق الوطنية رقم 13، بواسطة قنطرة بسيطة لا يمكن لها أن تصمد أمام الفيضان. وقبيل بلوغ واد «درمشان»، في اتجاه الرشيدية، تمتد الطريق بمحاذاة الانكسار الأطلسي الجنوبي الممتد قِبل الجنوب الشرقي إلى مدينة أكادير، وهو خط الزلازل أيضا. يُذكر أن الذين أشرفوا على بناء شطر الطريق، يوم أريد تحويلها عن مسارها الأصلي، قبيل بناء سد الحسن الداخل، عقب فيضان واد زيز سنة 1965، لم ينتبهوا إلى أن واد «درمشان» الذي يصب مياهه بواد زيز يفيض كلما زخ مطر عاصف عنيف. وحسبنا أن دارسي المشاريع لا يستحضرون الوسط ولا ينتبهون إلى ذاكرة المكان، ولا يستنطقون الطوبونيميا، ولا يشركون الرأي أهل المكان. ولو جرى تمييز معنى كلمة «درمشان» لأنجز جسر عالٍ بالموضع المذكور.
يمتد واد «درمشان» بعيدا متوغلا في مساحة واسعة بجبال الأطلس الكبير الشرقي، ويتكون من ثلاثة روافد، أحدها ينطلق من حدود جماعة امزيزل شمالا، والآخر يمتد من حيث الشمال الغربي إلى قرب موضع إدلسن، ويمتد الثالث من حيث الشمال الشرقي إلى الجبل الذي يطل على هضبة سدور. وكل هذه الروافد التي تجتمع في رافد واحد يحمل اسم واد «درمشان»، كانت تصب بواد زيز، وأصبحت تغذي يومه البحيرة الصناعية لسد الحسن الداخل. إنه واد مؤهل، يوم يفيض، ليجرف الحافلات، ويقلب الشاحنات. وإنه واد الخصوبة والحياة، هكذا يليق فهمه.
يمتد واد «درمشان» في مجال قبيلة أيت خليفة الزناتية، وهو مجال يتعرض دواما للانتهاك. وتمتد أرض أيت خليفة على مساحة واسعة في الجبال والوطاء، لكن القبيلة هويتها الثقافية تعرضت للتبكيت والإهمال، وقد سلف الوقوف عند الموضوع بالتفصيل بموقع الحوار المتمدن، وظل واد «درمشان» وحده رمزا للمجالية الثقافية لقبيلة أيت خليفة الزناتية.
تعني «درمشان» بالأمازيغية الزناتية المكان الحي. فالمقطع «در» الأمازيغي تقابله البادئة اللاتينية «Hydr»، يعني الحياة، وهو مقطع يكاد يفيد نفس المعنى في لغات البحر الأبيض المتوسط. وإن هذا الفهم كاف لاستدراك الموقف، لكنه غائب لدى الذين أعدوا مشروع شطر الطريق، بعد ثنيها ألا تغمرها البحيرة الصناعية لسد الحسن الداخل، بعيد سنة 1967. ماذا حدث في العقبى؟ أرجعت التغيرات المناخية واد «درمشان» إلى سابق عهده، أي: يوم سمته زناتة التي سكنت الجنوب الشرقي للمغرب منذ القرون الأولى لميلاد المسيح إلى نهاية العصر المريني. أصبح الواد حيا لحظة، بما تعني الحياة والخصوبة من معنى. ولأن سائق الحافلة القادمة من الدار البيضاء غرير، كما سلفت إليه الإشارة، فقد دفع العربة لتعبر مياه الواد التي صعدت لتغمر الجسر، وكانت العاقبة أن الفيض حمل الحافلة. حملت الأخبار أن الناجين منهم 28 مواطنا، وارتفع عدد الموتى، بعد الجهد الذي عرفه انتشال الجثث، إلى 18 هالكا، وهناك مفقودون طاحوا بالبحيرة الصناعية لسد الحسن الداخل، ولا يزال البحث عنهم جاريا إلى حدود كتابة هذه الكلمات.
صحيح أن السلطات المحلية بمدينة الرشيدية جيشت فريق البحث عن الجثث المفقودة، وتواصل عملها بمثابرة فائقة، وأنقدت الناجين وعرضتهم لعلاج، لكن خطر التغيرات المناخية لا يزال واردا. وكما قال ماو تسي تونغ: «مارس النقد قبل حدوث الشيء ولا تدع نفسك تتعود عليه فقط بعد وقوع الأحداث». ولئن صح اعتبار الجنوب الشرقي من الوطني غير ملائم للتنقل أمام تفاقم الانجرافات، مادامت الطبيعة مختلا توازنها، في الحال، فإن الحدث استثمر في غير محله، استثمر سياسويا. وأمام حصول الفاجعة، وازدياد الارتياب، فيما نكسبه من بنية تحتية هشة، أن كانت طرقا، أو ملاعب، وقد سلف أن جرف السيل ملعبا بالأطلس الكبير الغربي، بإقليم تارودانت، وعلى بساطه لاعبون، وبجواره متفرجون، هلك منهم 07 أفراد، هل نطيق أهوال التغيرات المناخية؟
لا يعقل أن يجرف السيل شاحنة سارية فوق الطريق الوطنية، وإلا فالطريق ليست وطنية. إن تجهيز مواضع الخطر بالجسور القوية الصلبة مدخل إلى التكيف والتغيرات المناخية. وفوق ذلك لا بد من سياسة تنموية تخدم الواحة والجبل. أملنا أن تكون الفاجعة مقدمة حسنة للتفكير في سن سياسة تروم مقاومة كوارث التغيرات المناخية. أملنا أن يحد البأس ويسود الاطمئنان.



#لحسن_ايت_الفقيه (هاشتاغ)       Ait_-elfakih_Lahcen#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجفاف والفيضان متناقضان ملتقيان بجنوب شرق المغرب
- غزو بني هلال وبني سليم للمغرب...، دروس مفيدة للحاضر
- على هامش حرائق الواحات بحوض زيز بجنوب شرق المغرب: هل هي بداي ...
- حوض كير بجنوب شرق المغرب: أزمة التنمية والمجالية والهوية الث ...
- وضع حقوق الإنسان بجهة درعة تافيلالت من خلال الصحافة الإليكتر ...
- التحسيس لأجل قانون أسري ملائم يروم المساوة بين الجنسين في ال ...
- الإثنوغرافيا وأوهام تيسير المشروع الاستعماري الفرنسي للمغرب
- الدروع البشرية والتدبير الأمني في المغرب في نهاية القرن 19
- هل هي بداية حسنة للانقطاع لإعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماع ...
- جمعية «الأثر» وإشكال النهوض بالتراث المادي واللامادي لتافيلا ...
- ورزازات: زواج القاصرات بين تخلف التنمية وإشكال التعدد الثقاف ...
- الرشيدية: زواج القاصرات والنزوع إلى إعمال القاعدة القانونية
- تاريخ واحة «سكورة» بجنوب شرق المغرب وتراثها
- الانغلاق الثقافي والمؤسسات الاجتماعية بالجنوب الشرقي المغربي ...
- القبلة المغربية بين مؤثر الشمس الأمازيغية والاجتهاد في الملا ...
- تدهور الواحات المغربية رغم المؤشرات المشجعة للإنقاذ
- من أجل تدوين أعراف الماء بتافيلالت بجنوب شرق المغرب
- النباتات والأعشاب الطبية بجبال الأطلس الكبير الشرقي المغربية
- التنمية والثقافة، أي علاقة؟ -الجنوب الشرقي المغربي نموذجا-
- الأطلس الثقافي لإقليم ميدلت بالجنوب الشرقي المغربي


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- ‫-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر ... / هيثم الفقى
- la cigogne blanche de la ville des marguerites / جدو جبريل
- قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك ... / مصعب قاسم عزاوي
- نحن والطاقة النووية - 1 / محمد منير مجاهد
- ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء / حسن العمراوي
- التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر / خالد السيد حسن
- انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان ... / عبد السلام أديب
- الجغرافية العامة لمصر / محمد عادل زكى
- تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية / حمزة الجواهري
- الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على ... / هاشم نعمة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - لحسن ايت الفقيه - ذاكرة المجال وفائدتها في درء وقع كوارث الطبيعة بجنوب شرق المغرب