أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الداهي - من التعددية المنهجية ألى نسقية الثقافة ( درتسة في المنجز النقدي للباحث د. محمد مفتاح)















المزيد.....



من التعددية المنهجية ألى نسقية الثقافة ( درتسة في المنجز النقدي للباحث د. محمد مفتاح)


محمد الداهي

الحوار المتمدن-العدد: 6343 - 2019 / 9 / 6 - 05:34
المحور: الادب والفن
    


تمهيد:

يصعب أن نتناول أي مؤلف لمحمد مفتاح ، ونتدبر معانيه ، ونكشف عن خلفياته المعرفية دون النظر إليه بوصفه حلقة مردوفة وموصولة بحلقات أخرى . وما حفزنا على ذلك هو أن محمد مفتاح استطاع خلال ثلاثة عقود من الممارسة النقدية والبحث الجاد أن ينتج نسقا معرفيا متكامل ومتضافر العناصر ومشيدا على قاعدة ابستمولوجية متينة. وبتتبعنا لما يكتبه ، نجده يتجه على المستوى العمودي والتطوري من التعدد المنهجي إلي نسقية الثقافة. أما على المستوى الأفقي والتزامني فإن عناصره تتداخل في علائق متلاحمة، وأنساقه المعرفية والمنهجية تتقاطع في بنيات متراصة وتستدعي معطيات جديدة تفرضها طبيعة الخطاب المعاين والتطورات المعرفية السريعة التي مست في الجوهر مفهوم النص بصفة خاصة ومفهوم الأدب بصفة عامة؛ وتتغيا بلورة تصور منهجي شامل وملائم يسعف على تحليل الخطاب الشعري العربي .

تضرب التعددية المنهجية بجذورها في كتاب في سيماء الشعر القديم(1982) الذي أكب على نونية أبي البقاء الرندي. واعتمد فيه على أربعة مناهج : الشعرية بشقيها العربي والغربي ،والسيميائية، والتداولية ، والفيلولوجية. وما يلفت النظر في هذا الكتاب أن صاحبه اتبع القراءة الموازنة التي تتعامل مع القصيدة بمنظار الشعرية العربية ومقاييسها، وتستثمر آراء المحدثين الذين قوموا ما في بعض أراء القدامى من خروج على جادة الصواب ، وتنفتح على الإسهامات الغربية التي تقدم إضاءات جديدة ومفيدة حول بنية الخطاب الشعري. كما نهج القراءة الكلية التي تنظر إلي جميع العناصر والمستويات في تضافرها وتفاعلها.

عمق محمد مفتاح في تحليل الخطاب الشعري (إستراتيجية التناص) (1985) تصوره للتعددية المنهجية التي يمليها تعقد النص وحفوله بمستويات متنوعة ومتباينة. ورغم أهمية النظرة الأحادية من حيث تجانس مفاهيمها، وقدرتها على معالجة مستوى من المستويات النصية بنوع من الاستقصاء وبمزيد من الدقة؛ فإنها تعجز عن مقاربة النص في شموليته وعن إضاءة المستويات الأخرى واستيعابها. يعي محمد مفتاح مدى خطورة الانتقائية والتلفيقية في التعامل مع نظريات مختلفة والمتح منها؛ ولهذا يتحصن بالأسئلة الابستمولوجية لمعرفة الظرفية التاريخية والابستمية التي ظهرت فيها النظريات ولتمييز ثوابتها من متغيراتها وللإمساك بالعناصر الجوهرية والملائمة القابلة للتشغيل والتطوير والتوسيع والقادرة على الإسهام في بلورة وصياغة نظرية شاملة. استند محمد مفتاح في تحليل الخطاب الشعري إلى مناهج متعددة (النظريات اللسنية ، التيار السيميائي ،الشعرية) مشيدة على الصرح اللسني -السيميائي. فقام في البدء بالتعريف بها والكشف عن الخلفيات الابستمولوجية المتحكمة فيها، ثم نهض بمساءلتها للتغلب على المحرجات والعوائق الابستمولوجية وللتمكن من فرز العناصر الصالحة لاستثمارها في إطار بناء منسجم. فابتدر عرض ثلاثة مواقف تحكمت في تعامله مع مادة التأليف سواء أكان عربيا أم غربيا. مبتدئا بما ثبت الإجماع حوله( على نحو المقاطع، ونبر الكلمات، وبعض أمثلة النظرية الجشتالية، والموجهات)،ومثنيا بمناقشة النموذج لتدارك نقائصه وإعادة تصنيفه بالإضافة أو الحذف (على نحو الأفعال الكلامية ، ونموذج كريماص)، ومثلثا بإعادة صياغة المشاكل وبتوسيع المفاهيم الإجرائية مما يترتب عليه بنيات جديدة ( مثل التشاكل، واللعب، والتناص، والتفاعل).لقد قربته النظرية الكلية الجامعة بين اللسانيات الوضعية والذاتية المستغلة لكل معطيات النص من إدراك خصوصية النص الأدبي ،ومن التوقف عند الأسباب التي جعلتها تهتم فقط بالمعطيات القابلة للإحصاء والتكميم؛ وهو ما فوت عليها التعمق في المعطيات النغمية( التنغيم والنبر والإيقاع) والمجاز( الاستعارة والكناية والمجاز المرسل).وقبل انتقال محمد مفتاح آلي تحليل نونية ابن عبدون، عرف بالعناصر التي سيعتمد عليها مدخلا على بعضها إضافات نوعية ومانحا إياها أوضاعا اعتبارية جديدة. واستطاع أن يقدم تصورا شموليا للنص الأدبي بالاعتماد على المنجزات الغربية المفيدة وبرد الاعتبار لبعض المفاهيم التراثية وبالتحلي بالجرأة العلمية وبحصافة الاجتهاد. وفي كل ذلك كان يعي تمام الوعي بضرورة احتواء المفاهيم ومساءلتها وتطويعها وفق متطلبات الظرفية التاريخية والتطلعات إلى التحديث. يمكن أن يستخدم ذلك التصور الشمولي بوصفه نموذجا قادرا على دراسة كل أنواع الخطاب واستيعاب جميع المقاربات االأدبية ، ثم قابلا للتطوير والاستكمال بحسب خصوصية النص وبحسب التراكمات المعرفية السريعة. ويقوم هذا النموذج على محورين (أفقي وعمودي) قابلين لاستيعاب بعض العناصر الجديدة ولتغيير مواقع بعضها والاستغناء عنها. ويعرض محمد مفتاح تصوره لهذا النموذج على النحو التالي: «استقينا عناصره من بنية شديدة التعقيد وهي الشعر، فأنواع الخطاب الأخرى غير المعقدة مثل النحو والفلسفة والفقه...وما شاكلها من ضروب الخطاب «العلمية» لا يعار فيها الاهتمام للعنصر الصوتي، ولكن المعجم واسترسال المعنى وخطيته ومنطقية التركيب تكون هي الأساس. ومعنى هذا أن العناصر الأفقيية تختلف نسبة وجودها في فنون الخطاب، لأنها محكومة بالمحور العمودي(المقصدية -المجتمعية) أي أن المتكلم وحالاته العقلية المشعور بها(الرغبات والمعتقدات) وغير المشعور بها(النرفزة والاكتئاب غيرالمباشرين)، ومحيطه العام يوجهان فعله وعمله الكلاميين....وهكذا فان العملية الكلامية بمختلف وظائفها تعكس مواقف الذات وأفعالها وحالاتها العقلية وتمثل في الوقت نفسه العلاقات الإنسانية المتفاعلة"ص169.

حافظ محمد مفتاح في دينامية النص(1987) على المنطلقات المنهجية نفسها (التعدد المبني على النظرة الوضعية والذاتية)والابستمولوجية( مساءلة النظريات المعتمدة) التي تحكمت في الكتاب الآنف الذكر. لكنه غير زاوية النظر(البرهنة على دينامية النص) في التوليف والمواءمة بين مختلف المناهج المشغلة، وفي رصد ثوابتها الجوهرية ( بيولوجية النص،استغلال علم الرياضيات، النزعة العلمية التجريبية المحض)؛ ووسع المتن ليشمل-بالإضافة إلي النص الشعري - النص القصصي والنص الصوفي والنص القرآني. أوضح في البدء الأسس الابستمولوجية والعلمية للاتجاهات التي اكتسحتها النظرية البيولوجية وهي في حلتها الجديدة المستعارة من ابستمية المنتصف الثاني للقرن العشرين . ورصد تجليات المؤشر البيولوجي المشترك في النظرية السيميائية والنظرية الكارثية ونظرية الشكل الهندسي ونظرية الحرمان ونظرية الذكاء الاصطناعي ونظرية التواصل والعمل، وبين الأسس الابستمولوجية الكامنة وراء توظيفه، والمتحكمة في كل نظرية على حدة؛ بحيث أرجعها إلى "أساسها العقلاني الذي تمتد ركائزه - على الأقل - إلى فلسفة كانط ، وافقها الوصف الظاهراتي الواقعي: تنطلق من ظاهر الواقع إلى اكتشاف ماهية البنية المتجذرة في الفكر الإنساني والمحددة بيولوجيا"ص34.وان اختلفت هذه النظريات من حيث منطلقاتها ومبادئها ، فهي تتفق في خضوعها لعاملين أساسيين: عامل اقتصادي يبين فعالية الآلة، ويحض على تأنيس الإنسان بها والتحكم فيها ، وعامل سياسي يتغيا الكشف عن آليات الإنسان البيولوجية واللسانية للتنبؤ بغيب مكنون سلوكه أو خلقه.

استخلص محمد مفتاح ثوابت هيمنت على أصحاب تلك النظريات جميعا في النظر إلى اللغة أو إلى تحليل النص(المقصدية، الفضاء /الزمان،اعادةالانتاج/الابداع،الهيمنة/ الجدال، المشابهة/ التفرد، الظهور/الكينونة).وقبل الانخراط في التحليل عمد إلى الكشف عن المفاهيم الجوهرية(النمو،والحوار، والصراع) والمفاهيم الفرعية ( المقصدية، والتفاعل، والمعرفة الخلفيةالمشتركة، والفضاء/الزمان) التي انبنت عليها تحليلات الكتاب؛وطرح جملة من الأسئلة النقدية والمعرفية حول مدى انسجام ذلك اللبوس المعرفي على قيس الثقافة العربية الإسلامية ذات الخصوصية المتميزة،وأظهر عالمية وإنسانية تلك النظريات وأهمية التناسل الذاتي والثوابت النفسية والذاكرية والتفاعلية والفضائية -الزمنية في وجود النص وتفريده من حيث الغرض الكلامي ومن حيث تعبيره عن الهوية والخصوصية العربية الإسلامية، وعليه استنتج ما يلي:" بهذا المنظور يمكن أن نوفق بين المكتسبات العلمية العالمية ليصير لنا علم للنصوص ،وبين الأخذ بعين الاعتبار خصوصية الثقافة القومية وتفرد النص وتميزه داخل الثقافة وداخل الجنس الأدبي نفسه" ص45. ونعاين في دينامية النص إعادة كتابة ترسيمة النموذج الذي سبق أن ألمعنا له،إذ تمت إضافة عناصر إلى المحور العمودي على نحو التفاعل والتملك وعناصر أخرى إلى المحور الأفقي على غرار التوليد والتحويل والانسجام والزمان-الفضاء." على إن هذه المفاهيم جميعها هي عمودية بالنسبة إلي عناصر الخطاب الشعري التي هي : الأصوات، والمعجم، والتركيب، والمعنى والتداول. ولكن هذه العناصر ليست خاصة بالخطاب الشعري إذ كل خطاب يحتوي عليها، ولهذا ، فإننا ملزمون بإنجاز عملية فرز وبتحديد خصائص بنيوية مميزة لكل خطاب . وهذه العملية مستحيل لعدم وجود أي جنس أدبي نقي، ولتحطيم المبدعين المعاصرين قيود الأجناس الأدبية ومواصفاتها، ومع ذلك ، فإنه لابد من التسليم بوجود خصائص فوق تاريخية تكون مرئية أحيانا ، ومحتاجة إلى استنباط أحيانا أخرى»54.

يدخل كتاب مجهول البيان(1990) في إطارإخصاب القضايا البيانية التراثية بأسئلة جديدة قوامها النقد والبرهنة والتأويل ، ولتدارك مابقي ناقصا في طروح القدامى( إثبات علاقة الاستعارة بقياس التمثيل ، والكشف عن وضعها المعرفي ، والارتقاء بها من مستوى الجملة إلى مستوى النص(أو السياق)، واستنتاج منها مقاييس التأويل)؛ ولتقديم مقترحات لدراسة الاستعارة في منظور "علم الدلالة المعرفي" بصفة خاصة ، وفي منظور "العلم المعرفي" بصفة خاصة. ينطلق محمد مفتاح في مستهل المؤلف من التحديد الأرسطي(الشجرة الفرفورية) للتعريف به ، وبيان تأثيره على الدراسات القديمة والحديثة؛ثم يكشف عن خلفياته الابستمولوجية وعن ثغراته، ويدعو إلى تجاوز الابستمولوجيا الأرسطية الوضعية التي اهتمت بتحليل الكائنات الطبيعية والمفاهيم اعتمادا على مقوماتها الملاصقة قصد تبني التحليل بالمقومات السياقية التي تستمد نسغها من تفاعل المفاهيم والخطاب وسياقه ضمن بنية شاملة.كما يدعو إلى الانفتاح على نظريات جديدة مراعية لعلاقة الاستعارة بما قبلها ومابعدها(السياق). وفي هذا الصدد، يشيد بالنظرية التفاعلية(رتشاردز، ماكس بلاك،لايكوف، جونسون، كوفيتش...) المبنية على ترابط اللغة بالادراك والمعرفة والمتحررة من كثرة التقسيمات والتفريعات، والقادرة على تشخيص رؤية أو أيديولوجية مجتمع من المجتمعات. ومع ذلك لايرتاح محمد مفتاح للبدائل الجاهزة،بل يناقشها بوصفها مجسدة لخصوصية حضارية ، ويكشف عن ثغراتها وهفواتها لغرض تقديم تصور علمي ينسجم ومنطلقاته المعرفية والمنهجية ويتماشى وقوانين النسق الذي يتحرك فيه. وهذا ما نلمسه من باب التمثيل في الصفحات84-85-86؛إذ بين حدود مقاربة العلم المعرفي في تناول الاستعارة، وحاول بكفايته المعرفية أن يوسعها على نحو يمكنه من تحليل النصوص الاستعارية( مثل المناقب والكرامات، وبعض الشعر المعاصر،وبعض القصص والأمثال القرآنية)؛ وذلك في أفق الخروج بتأويل شامل، والكشف عن آليات الانسجام والتفاعل. أردف محمد مفتاح الفصول النظرية بفصل تطبيقي تظهيرا للمفاهيم وتثبيتا للعلاقة الجدلية بين النظرية والممارسة. وفي هذا الصدد موضع الكتاب ضمن نظرية تفاعلية عامة تنظر إلى موقع كل عنصر من العناصر في إطار بنية شاملة؛ وضمن نظرية تفاعلية خاصة ترتقي بتحليل الاستعارة من الجملة (التحليل المقومي) ، فالنص(تفرع سلسلة من الاستعارات من الاستعارة النواة) ، ثم إلى السياق ( استخدام التمثيل للاضطلاع بتأويل شامل). ومثل في التظهير بالترجمة- المنقبة المنتقاة من كتاب التشوف المتعلقة بأبي زكريا يحيى الرجراجي. استعمل الوقائع الحرفية لإبراز موازاتها المضمرة، وتعامل مع النص الظاهركمشبه( أو مشبه به) يحيل إلى مشبه به (أو مشبه)، وهو المقصود والأمثل وعالم الإمكان. وهذا ما فعله ديرقن في مقاربة المزرعة الحيوانية لأوريل. فمحمد مفتاح يريد أن يصل إلى استعارة السياق ليبين أن النص هو جماع من الاستعارات المترابطة التي توازي الخلفية الثقافية والاجتماعية؛ وهو مايدعوه بالتمثيل (المقابل لمفهوم الرمز عند امبرتو إيكو).استخلص ثلاث بنيات أساسية: أولها التدين الشعبي (فهم الرجل العادي المجاب الدعوة في إطار التصوف) وثانيها غريزة المحافظة على الحياة(يبذل ذلك الرجل قصارى جهده لاستدفاع شبح الموت في بيئة ممحلة) وثالثها الجنس (مسألة ضمنية ثاوية بين السطور).

رغم أن الكتاب مخصوص للجانب البياني(إعادة تقعيد الاستعارة وفق التراكمات المعرفية الجديدة)، فهو يضيء الجوانب الأخرى، بل اكثر من ذلك يقدم تصورات منهجية قابلة لتعميمها على أنواع خطابية متعددة ؛ مع مراعاة بطبيعة الحال ما ينماز به كل خطاب من خصوصية،وينفتح على مناهج متعددة(سيميائية الدلالة، وسيميائية التلقي، والتداولية ، والكارثية، والذكاء الاصطناعي، وعلم النفس المعرفي) ، وينظر برؤية نسقية إلى بعض المجالات المعرفية المتداخلة في ما بينها على نحو حلزوني( الفقه، والمنطق، والبيان، والانتربلوجيا، والفلسفة). وعليه، نعتبره فاتحة انخراط الأستاذ محمد مفتاح في المنهاجية النسقية.

صرح محمد مفتاح بالمنهاجية النسقية في كتابه التلقي والتأويل(1994)الذي يهدف إلى ترسيخ وتعميق ماورد في مجهول البيان؛ وذلك بطرح فرضية أصلية تهم الضرورات البشرية، واشتقاق منها فرضيات فرعية تتعلق بكونية الآليات المنطقية والرياضية والنفسية، وبتأطير سلوكات اللغة وغيرها بسبب تفاعلات الإنسان مع محيطه، وباستهداف مفكري المغارب إلى منتصف القرن الهجري التاسع من كتاباتهم وتأويلهم توحيد الأمة وتوحيد الدولة للقيام بـأعباء الجهاد.

انصب الباب الأول على الجانب البياني، مبينا أن البلاغيين المغاربة كانوا مطلعين على الكتب البيانية المشرقية، وأنهم لم يكونوا نقلة بل أبدعوا حسب ما يتيح لهم المجال الجغرافي بخصائصه السياسية والثقافية والاجتماعية، واطلعوا على الكتب البلاغية النظرية، وعلى أصول الكتب المنطقية وتلخيصات الفلاسفة المسلمين لها؛ ولذلك حاول بعض البيانيين المغاربة» ضبط معالم البيان المشرقي واستصلاح أرضه وإزالة الأعشاب والطفيليات بآليات المنطق والرياضيات وبمفاهيمها لتحقيق نوع من "التراضي " على قوانين الكتابة والتأويل"ص18. حلل محمد مفتاح في هذا الباب ثلاثة نماذج من الاتجاه المنطقي الرياضي:

أ-اعتمد أبو المطرف أحمد بن عميرة في التنبيهات على ما في التبيان من التمويهات على المقدمات البرهانية لضبط التأويل وصياغة معايير له تجنبا لتفاقم آفة التشغيب والفتنة ، وللفت النظر إلى الأخطاء الفظيعة التي يقع فيها المؤول غير المعتمد على البرهنة المنطقية؛ لهذا السبب اقترح معايير تعصم من الخطأ ( تقديم الدلالة الصريحة على المفهومية، وسُلمية الدلالة، وتقديم المذكر على المقدر، وغائية الخطاب). لقد كان رهان ابن عميرة ذا طبيعة مزدوجة: تقنين التأويل( خصوصا تأويل القرآن)، وصياغة قواعد بلاغية مختصرة تمكن من تحقيق الوظائف الدينية والدفاع عن العقائد والوظائف الدنيوية المعتقدة.

ب-تغيا ابن البناء المراكشي العددي من كتابه الروض المريع في صناعة البديع تقوية المنة في فهم الكتاب والسنة، وتقريب صناعة البديع وضبطها وتنظيمها، وصياغة قوانين تأويلية تعصم من القول في كتاب الله وسنة رسوله من غير علم، وتجنب الأمة مغبة التفرقة والتشرذم. ويعتبر وريثا شرعيا لتقاليد المدرسة الرياضية المنطقية العربية؛ ومن المفاهيم الرياضية والمنطقية التي استثمرها في جنس " تشبيه شيء بشيء" وفي جنس "تبديل شيء بشيء" نذكر النسبة أو التناسب أو المناسبة.

ج- استهدف أبو محمد القاسم السجلماسي من كتابه المنزع البديع الوقوف على لطائف القرآن، ومعرفة وجوه إعجازه، وتنقية البلاغة العربية من فساد التقسيم وتداخل الأقسام وتراكبها، واستنتاج قوانين التأويل التي تعصم من الهذر والقول والمخاطبات بغير علم الله، ونقل نظرية المقولات الأرسطية إلى ميدان علم البيان وتطبيقها بنجاح ." إن السجلماسي الأرسطي لم يزغ عن طريق أرسطو ولذلك تبنى المبدأ المذكور ( الجنس العالي لايترتب تحت شيء ولايحمل على جنس آخر أصلا . المنزع ص290) وعلى أساس هذا المبدأ وضع الأجناس العشرة العليا ونوعها أنواعا ، وحاول أن يضع حدودا فاصلة بينها، ولكن اعتراضية عقبات أحيانا فأدلى بملاحظات ذكية تقربه من الابستمولوجية المعاصرة" ص63.

استنتج محمد مفتاح أن هذه النماذج الثلاثة تتضمن أفكارا مازالت لحد الآن محافظة على راهنيتها في بعض روافدالثقافة الغربية ( كالإعلاميات والدراسات اللسانية ودراسة تحليل الخطاب...) التي أعادت قراءة ومساءلة الإرث الأرسطي، وتستبطن كذلك عناصر كونية أملتها الفطريات الإنسانية وفرضها التعامل مع المنطق والرياضيات. وفي هذا الصدد يبين محمد مفتاح أن خلل الثقافة العربية المعاصرة يكمن في إيمانها المطلق بما يرد علينا من الغرب معتبرة إياه من صنع خيالهم؛ في حين ماهوإلا إعادة قراءة للميراث الارسطي. ولم تستطع معاودة قراءة المناطقة والأصوليين المسلمين بطريقة إبداعية إلا نادرا جدا. مع العلم أن مؤلفاتهم تتضمن كثيرا من المعطيات التي أكدتها الابستمولوجية المعاصرة؛ على نحو الاستعارة التناسبية والإبدالية والتشبيهية عند ابن البناء، ووجود التحليل المقومي sémique في التحليل الأصولي والبلاغي ، وعدم اختلاف " النموذج الأمثل" عن نظرية المقولات الارسطية التي استثمرها السجلماسي...الخ.ويشيد محمد مفتاح كثيرا بما اضطلع به السجلماسي من مجهود للتعمق في قراءة كتب أرسطو وخصوصا كتاب المقولات.وهذا ما جعل طروحه قريبة من صنيع المحدثين، لان أرسطو وضع نظرية التعريف التي هي قاعدة التحليل المقومي المميز بين الصفات الجوهرية وبين الصفات العارضة، كما صاغ المقولات التي تشترك كثيرا مع فرضيات" النموذج الأمثل".

انكب محمد مفتاح في الباب الثاني على أمثلة من الكلام وأصول الفقه للتأكد من صحة وضع قوانين التأويل لتحقيق وحدة الأمة ووحدة الدولة وتعبئة عموم الشعب لتحمل أعباء الجهاد وتحقيق المصالح.

أ- خصص ابن رشد فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال،و الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة لتناول معضلة التأويل؛ فوضع في المرتبة العليا التأويل الناتج عن القياس المنطقي الذي هو أتم أنواع القياس، وهو مخصوص بالراسخين في العلم. ونبه من خطورة وضعه في الكتب الجدلية والخطابية حتى لا يطلع عليه العامي.استخدم أرسطو كذلك نظرية التوسط ونظرية الطرف المحايد في حل مشاكل فلسفية وكلامية وسياسية وتأويلية قد تكون مصدر خلاف بين الناس . وما يهم محمد مفتاح بالدرجة الأولى هو توظيف ابن رشد لهما في تأويل النصوص "والتوسط والحياد مكونان اثنان من مكونات المربع السيميائي المنطقي،أو المربع أو المسدس السيميائي المعاصر،والمربع السيميائي وسيلة تأويلية وتوليدية في الوقت نفسه" ص99.

ب-إن كان كتاب لباب العقول في الرد على الفلاسفة في علم الأصول لأبي الحجاج يوسف بن محمد المكلاتي ( ت 626-1228) مخصصا للرد على الفلاسفة وخصوصا أرسطو وأتباعه من غير المسلمين ومن الفلاسفة المسلمين مثل الفارابي وابن سينان فهو متمحور حول غاية كبرى وهي مهاجمة التفرقة والذب عن وحدة الجماعة وتماسكها. ومن الآليات التي وظفها في كتابه( نظرية المقايسة ،وآليات المنطق الصوري، والتأويل). ومن خلاله يتبين مدى تمثله للكتب المنطقية الأرسطية( خاصة المقولات و البرهان) وإطلاعه على ما كتبه الفارابي وابن سينا في المنطق والإلهيات ومزجه بين قياس التمثيل وقياس الشمول وإتباعه لنهج ابن حزم وابن رشد المناوئين لقياس الغائب على الشاهد وخصوصا في مجال الإلهيات. يرى محمد مفتاح أن "كتاب المكلاتي يدخل ضمن نسق عام ونسق خاص، ونسق أخص؛ فالنسق العام هو انتماء كتابه للمنهاجية الكلامية التي تمزج المقايسة والبرهنة. والنسق الخاص هو تجنب المقايسة والاعتماد على البرهان لضبط قوانين التأويل؛ وأما النسق الأخص فقد دفع الرجل بالتجريد والتأويل خطوة إلى الأمام في نطاق ما تسمح به الكفايات البشرية. وبهذه الأنساق يمكن أن يؤول كتابه بأنه يحقق هدفين مزدوجين: أحدهما هو فتح آفاق للخيال المرتكز على آليات كونية وإنسانية مما يؤدي إلى مغامرات استكشافية. وثانيهما توكيد وحدة الأمة ووحدة الدولة للقيام بأعباء الجهاد بمحاربة الطوائف المبتدعة"ص120.

ج- قام أبو إسحاق الشاطبي في الموافقات والاعتصام بتوظيف المنطق لبناء أحكام الشرع، وبتحديد العلاقة بين الجزئي والكلي، وبنقل التمييز بين الصفات وعلاقة الأنواع بعضها ببعض إلى المجال الديني، وباستثمار نظرية التعريف لتشييد المسائل الفقهية، وبتسخير نظرية التجنيس للربط بين القضايا الفقهية والأحكام الشرعية، ولصياغة تعريفات اصطلاحية. واجتهد لوضع مبادىء للتأويل مع مراعاة ما سماه محمد مفتاح بالمجال التداولي، ويشمل قواعد على نحو مراعاة أوضاع المؤول( مجاراة الأولين) وأوضاع المؤول(الإقرار بوجود الظاهر والباطن في القرآن)وأوضاع المؤول له( مراعاة ما يليق بالعامي وعدم إطلاعه على كبار المسائل) ومراعاة المؤول لمقتضيات الأحوال ومجاري العادات، واعتبار الخطاب القرآني متعال الأجزاء مترابطها. وعلى الجملة، يهدف الشاطبي من مشروعه الفكري توطيد قوانين تأويلية متينة صحيحة ضمانا لقوة الدولة ووحدتها ولتطفئة ثائرة الفتنة، واستنباط الأحكام الجديدة المسايرة لروح العصر.

بين محمد مفتاح أن المشروعات الفكرية الثلاثة( لابن رشد والمكلاتي والشاطبي) تتفق في استثمار الآليات المنطقية، وصياغة قواعد تأويلية تعصم من القول في الشريعة بما لا سندله من نقل أوعقل. وأظهر " أن التأويل إذا لم يكن مستندا إلى مشروع فكري وسياسي فانه يكون مجرد مادة استهلاكية أولهوا ولعبا يشغل عن الحياة الدنيا وعن الآخرة "ص144.

خصص الباب الثالث لمثالات التأويل( مثال الإنسان من خلال قصيدة ابن طفيل، مثال الحيوان من خلال كرامات آبى يعزى، ومثال النبات في روض التعريف بالحب الشريف لابن الخطيب) التي تحكمت فيه آليتان أساسيتان: المقايسة الطبيعية التي حلت محل المنطق، والتوفيق بين فئات المجتمع وتعزيز السلطة. وان اتفقت هذه النماذج في غايتها الكبرى ، فقد اختلفت في وسائل التعبير، وفي التكيف مع الظرفية التاريخية، وفي توظيف بعض آليات المنطق الطبيعي المنسجمة وطبيعة النموذج. وظف محمد مفتاح في تحليله لقصيدة ابن طفيل مفهومين جوهريين( الصورة والعمق) للتدليل على انسجام النص واتساقه وعلى دفاعه عن التوفيق بين الموقف الشعبي وبين الموقف المتفلسف وعن المصالحة بين السلاطين للتمكن من القيام بفريضة الجهاد. وانطلاقا من البنيات الموضوعاتية وآليات التمثيل، نفذ محمد مفتاح إلى البنية العميقة لدعامة اليقين لأبى القاسم العزفي للكشف عما خفي منها وهو إبعاد بعض المناقب والكرامات التي تعبر عن الجذور الوثنية وعن الصراع بين السلطة المركزية وبين سلطة أبي يعزى، وما ظهر منها وهو تلك المناقب والكرامات التي توفق بين أبي يعزى وبين سلطان الوقت، وبين أبي يعزى وبين فقهاء عصره، وعلى دور أبي يعزى في المصالحة بين القبائل المتناحرة. وبين محمد مفتاح إن كتاب ابن الخطيب ينهض على التوسطية في تعبئة الناس، ويقوم على استعارتين نموذجيتين( المحبة شجرة، النفوس أرض) تتولد عنهما استعارات مفهومية فرعية وتعابر استعارية معتمدا على معلوما ت افلاطونية وافلوطينية وهرمسية للربط بين العالم العلوي والعالم السفلي والواقع الاندلسي، ومدافعا عن وحدةالامة وعن تكوين الإنسان السياسي الكامل ليتحلى بالصبر ويضطلع بالجهاد.

يسعىالتلقي والتأويل إلى تبيان أن عملية التلقي مشيدة على قواعد تاويلية تتحكم فيها آليات منطقية وقوانين كونية، ومعززة بحجج وتصورات لدعم وحدة الامة والتوفيق بين مختلف الفئات.لقد بني هذا الكتاب على منهاجية بنيوية -نسقية توازن بين تحليل بنيات كل خطاب على حدة وبين العلائق البنيوية والوظيفية التي تهم مختلف الانواع الخطابية المعاينة.

بين محمد مفتاح في التشابه والاختلاف أن الرؤية الشمولية تضرب بجذورها الى التصورات الهندية والفيتاغورية والافلاطونية والرواقية والأفلوطنية وبعض التيارات الصوفية والفلسفية والفكرية الإسلامية الجديدة. لكن المحدثين أعادوا الاعتبار لها واعتمدوا عليها ، شأن القدماء ، لتفسير نظام الكون ورفض اختلاله وعمائه وفوضاه، وإعطاء لكل عنصر مرتبته ودرجته ضمن النسق العام، والكشف عن البنية الرابطة بين مختلف العناصر والمجالات والظواهر. تقوم الرؤية الشمولية على مفهومين قاعديين ( الدينامية والانتظام) تتناسل منهما مفاهيم كبرى على نحو التشابه والتناظر والانتظام والانسجام والاتصال والانفصال. تنتظم هذه المفاهيم لتحديد طبيعة العلاقة والترتيب( الترتيب الخطي ، والترتيب الشجري، والتفاعل الدينامي والتجاوري) والاشتراك( التناظر والمقايسة)ووحدة النظام رغم تشعبه وانشطاره، ولضبط الآليات المتحكمة في نسقية الثقافة.

أبرز محمد مفتاح في التدريج أن مقصوده من التعامل مع النظريات والمناهج المختلفة هو حل الأشكال المنطلق منه والوصول إلى الهدف المنشود. ويتمحور الأشكال حول دفع الأغلوطة الانطلوجية والاغلوطة التشييدية المتطرفة. وعرف بجملة من استراتجيات تحليل الخطاب المتبعة بفرنسا وإنجلترا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وكشف عن أسسها المعرفية والمنهجية ،وبين اتفاقها في بعض القوا سم المشتركة على نحو تجاوز حدود الجملة للتعامل مع الخطاب بوصفه كلا منسجما ومتماسكا. وعلى جري عادة مفتاح قام باستخلاص لباب الأشياء وبإعادة صوغ المفاهيم وإعطائها وضعا اعتباريا جديدا على نحو تكون فيه متماشية مع استراتجيته. وتنبني إستراتيجيته على ما يلي:

- مراعاة الشروط المقامية (أو الظرفية ) والشروط البيولوجية والنفسية والمعرفية للمنتج والمتلقي، ونتيجة لهذا تدفع الأغلوطة الأبدية والأغلوطة التاريخانية النسبية.

-إعطاء تعريف جديد للتخاطب ليستوعب العلاقة بين خطابين أو بين أنواع من الخطاب. وهو ما يفترض أن يكون هناك خطاب أعلى وأنواع خطابية فرعية. تم استنتاج من الخطابات المتداخلة بعض العلائق المطردة والمرتبة تدريجيا من الكثرة إلى القلة على القياس والتقريب : المطابقة، والمناظرة، والمحاذاة، والمماثلة، والمضاهاة، والمضارعة، والمشاكلة، والمشابهة.

- اعتبار النص نسقا مغلقا مكونا من عناصر مترابطة ومتفاعلة ومنضبطة ذاتيا، وبنية منفتحة على ما يعرفه المجتمع من تحولات اجتماعية وتاريخية تمس في الجوهر وظيفة الأدب.

- توفر النص على بياضات وفرجات يضطلع القارئ بملئها لإضفاء طابع الانسجام عليه ،وتضمنه لنواة بسيطة تتفرع إلى بنيات معقدة. ورغم انشطارها وتشعبها تظل محافظة على الوحدة والانسجام.

-اتسام الخطاب الأدبي بتعدد القيم ، ومن ضمنها خصيصة الخصائص التي تم اقتراحها لتحل محل المفاهيم التي استهلكت بكثرة؛ وهي المواضعة الجمالية.

مما تقدم يستنتج محمد مفتاح ما يلي:" وقد حاولت إستراتيجيتنا أن تستثمر بعض مفاهيم القراءة الطبيعية والقراءة الاصطناعية فركزت على نسقية الخطاب بما يعنيه من انغلاق وانفتاح، وعلى تنظيم الذاكرة الدلالية، وعلى بعض مظاهر الاستدلال، وعلى مفاهيم بيولوجية وفيزيائية وجمالية"ص53.

لما فرغ محمد مفتاح في فصل الانتظام من عرض ومناقشة الأطروحات المتداولة حول كتب المنتخبات والكتب الجامعة والكتب التي تتعدد مواضيعها، أدلى بدلوه ليقدم أطروحته الخاصة. قدم في البداية الرأي( يندرج فيه احمد أمين، وابراهيم كيلاني، ومحمد عابد الجابري) الذي يسم مؤلفات أبي حيان التوحيدي بالتششت والاضطراب المطلقين، ويرجع ذلك إلى الثقافة الموسوعية للكاتب. وأعقبه بالتيار الذي يأخذ بالتشتت والاضطراب النسبيين ،وخير من يمثل هذا الاتجاه هو داود القاضي. باعتماد محمد أركون على علم الدلالة البنيوي وعلى النتائج المستخلصة من دراسة الفلسفة اليونانية، تبنى رأيا مغايرا يثبت من خلاله توفر مؤلفات مسكويه على وحدة دلالية عميقة.

ينتقض بنيان أطروحتي التشتت والاضطراب أمام طرح محمد مفتاح المشيد على قاعدة لسانيات الخطاب ونظريات التلقي والتأويل، والمبرهن على وجود تجليات الانتظام في البصائر لأبي حيان التوحيدي؛ وتتجلى في الاحالات، ووجود وحدة موضوعاتية جامعة ( الجد/ الهزل)، ودراية المؤلف بشروط التأليف وبقواعده ومراميه( الجمع ،والتحليل، والتصنيف، وتوخي الغايات، وتبليغ رسائل)، ومراعاة شروط الجنس المعتمد عليه في التأليف، واستبشاع أشكال الخلل والتفرقة. لايتوقف محمد مفتاح عند هذا الحد، بل يسترسل في تفصيل مظاهر الوحدة مشيرا إلى اشتباك العالم الأوسط الإنساني بالعالم العلوي، وإلى تراتبية العلوم وأهدافها، والى تراتبية الكائنات ومراميها، وإلى تراتبية الإنسان ومغازيها.ورغم ارتكاز معالم الوحدة ،في المؤلف السابق وغيره، على أفكار فلسفية يونانية ، فان التوحيدي استطاع - بالإضافة إلى المحافظة على بعدها الإنساني الساعي إلى إسعاد البشر- أن يكيفها مع المنظور الاسلامي؛ إذ يبقى «الله هوالمصدر الحق لكل ما في الكون، ومصير كل ما في الكون إليه، والله أدرى بحكمته في مخلوقاته، فكل ما في الكون من عقليات ووهميات وظنيات وحسيات وعمليات يسري فيه روح الله وفيضه "ص77.

بعدالتدليل على مبدأ الانسجام من خلال فرض المحاكاة( العالم السفلي يحاكي العالم العلوي)، افترض محمد مفتاح أن كتاب البصائرمسرح لواقع إنساني عميق ولواقع نصي سطحي، واستطاع أن ينفذ إلى العمق بأوليات انتربلوجية وثقافية وتعبيرية.وبعد إثبات الوحدة على المستوى المثالي العميق ، وعلى الواقع الواقعي العميق، قام بتأكيدها على المستوى السطحي للكتاب بالاعتماد علىآليتين ، وسم الأولى بالانضباط الذاتي( وجود آليات تضمن استقرار النص وانتظام فقراته وأجزائه) ؛وأطلق على الثانية التفاعل( أوجه الاختلاف والائتلاف بين الفقر).بالجملة ، لقد تعامل مفتاح مع كتاب البصائر بتصور شمولي ينفي العماء واللانظام ويقر بوجود بنية عميقة ذات نظام متراص ،وبوصفه نواة لبقية آثار المؤلف ،و حكاية لكون مثالي وحكاية لكون واقعي . ولايمكن تعميم النتائج المتوصل إليها على كتب أخرى إلا بعد التأكد من وجود قواسم مشتركة، وهذا ما تستحث عليه المقايسة الجدية.

تمحور الفصل الثالث حول ثلاثة مفاهيم جوهرية:التوازي والتماسك والتفاعل.أثبت محمد مفتاح مدى شح النظريات القديمة والحديثة في وضع مفاهيم إجرائية لوصف ظاهرة التوازي. ولهذا استفرغ جهوده لبيان شموليتها وتجلياتها المختلفة( مقطعية وعمودية ومزدوجة وأحادية وتناظرية) من حيث الطبيعة ودرجاتها ونوع العلاقة في شعر أبي القاسم الشابي على وجه العموم وفي قصيدة النبي المجهول على وجه الخصوص. وقد شخصها بالمنهاجية الظاهراتية التي تنتقل من الظاهرة إلى الدينامية التوليدية. تعامل محمد مفتاح مع التماسك بوصفه مفهوما شاملا يحوي مفاهيم تراتبية إجرائية خاصة على نحو التنضيد والاتساق والتشاكل والترادف. وعلى جري عادته، يتحرر من إسار التصورات الغربية لينسل منها مفاهيم ملائمة لطبيعة اللغة العربية، وهكذا فصل بين الترابط النحوي الذي يشمل التنضيد والمحيلات وجهات الأفعال وبين الترابط المعجمي الذي صنفت فيه أنواع العلائق التي تخص مفردات المعجم (التكرار، والاشتقاق، و والكناية، والمجاز المرسل). بنى مفهوم التشاكل على ثوابت لغوية وانتربلوجية. واعتمد على المعرفة الموسوعية لاستنتاج المقومات السياقية القادرة على التأليف بين مفردات متنافرة. ولم يكتف بإثبات انسجام الرسالة، بل كشف عن بعض الثوابت الانتربلوجية( ثنائية الطبيعي/ الثقافي؛ السلم/الحرب؛الدين/ الالحاد؛التملك/ رفع الحيازة...)،واستغل بعضها للبرهنة على وجود الكليات التجريبانية من خلال بعض مفردات النبي المجهول. واستنتج من خلالها السر الذي يكمن وراء خلود بعض الأعمال الأدبية بخاصة الرومانسية منها، وهو التعبير عن الثوابت الانتربلوجية في الكائن البشري ( ثوابت أخلاقية وجمالية ودينية) بطريقة عميقة وجميلة ومؤثرة. شعب محمد مفتاح مفهوم التفاعل إلى تفاعل مذهبي يبين إطلاع الشاعر على بعض اتجاهات المذهب الرومانسي المدافع عن قيمة الحرية؛ والى تفاعل ذاتي يتجلى في تنظير الشابي للخيال الشعري عند العرب، وفي التعبير عن الغنائية، وفي الاحتجاج على مظاهر الظلم والاستعباد،وفي تشخيص الثوابت الإنسانية ؛ وإلى تفاعل وجودي يعكس - من خلال الجنة الضائعة، أحلام شاعر، قيود الأحلام- تجاذب الذات بين محدوديتها وسعة الميراث الثقافي والغنوصي. لقد حاول محمد مفتاح مما تقدم أن يقترح إطارا نظريا يراعي الخصائص الجمالية والأيديولوجية والكونية عند تحليل الشعر.

خصص الفصل الرابع لتحقيب الأدب المغربي بمنهاجية نسقية تفترض تمحوره حول وظيفة الدعوة إلى الاتحاد والجهاد وخدمة المقاصد السياسية، وتقتضي التعامل معه بوصفه نسقا فرعيا من نسق مجتمعي عام، واعتماد المقايسة لإثبات العلاقة بين الأنساق. انتقد محمد مفتاح التحقيبات المتداولة لكل من عبد الله كنون ومحمد بن تاويت ومحمد بن شقرون ومحمد حجي ومحمد الأخضر بحجة" تبنيها للآماد القريبة القائمة على مصير شخص مما أدى إلى نتائج غير محمودة ألا وهي: إن الآداب تعتريها قطائع...وأنها مجرد حلقات لاصلة بينها ولايجمع بينها جامع ما عدا أنها تنتمي إلى بقعة معينة من أرض الله الواسعة فتنتسب إليها"ص163.واقترح تحقيبا بديلا لحمته الناظمة هي الدعوة إلى الاتحاد للقيام بالجهاد، وأركانه استثمار الخيال المعقلن، والاعتماد على " عيون الوقائع"، والأخذ بمفهوم الأمد البعيد( من فتح العرب للأندلس إلى حدود الآن) الذي يتكون من أربع حقب ( حقبة الهيمنة، حقبة التحصين، حقبة البعث، حقبة استكمال التحرير وبناء الدولة العصرية). ومثل لهذا النوع من الأدب الداعي إلى الجهاد والاتحاد بجملة من الآثار الشعرية والنثرية. لما فرغ من التمثيل والتحليل والبرهنة، تأكد من صحة الفرض المنطلق منه، وهو أن روح الأدب المغربي هو الدعوة إلى الجهاد. إن ما عرفه العالم الحديث من تحولات وثورات كبرى، فرض على مفتاح القيام بتحقيب جديد يتبنى مفهوم الإبدال الضعيف (الإبدال الجديد يحتوي القديم ويتجاوزه دون إلحاق أدني تغيير بالغايات المشتركة) الذي يقر بتحكم إبدالين في الأدب المغربي الحديث: إبدال ما قبل الاستقلال، وإبدال الدفاع عن الهوية مع الانفتاح الضروري على الثقافة الإنسانية ، وبانتعاش الإبدال القديم بتعاظم الهم الوطني الساعي إلى استكمال تحرير التراب الوطني؛ وهكذا بدأت جماعة من الأدباء يخلدون الذكريات التاريخية والوطنية المجيدة شعرا ونثرا، وتركزت جهود المجتمع المدني للجهاد الأكبر المتمثل في بناء دولة عصرية مستقلة وقوية ومحافظة على كيانها وشخصيتها.

بين محمد مفتاح في الفصل الخامس الذي وسمه بالتشابه أن اللغة الشعرية أيقونة بامتياز، لأنها قابلة للمزج بين الكلام والتشكيل لأغراض جمالية وأيديولوجية مقصودة ،وأوضح بان التنظيرات الترجمية تقوم على أزواج(الترجمة الدلالية/ الترجمة التواصلية)، ونمذج الأيقون إلى عدة أنواع (المثالي والمتماثل والمتشابه والمتناظر). وعلى ضوئها قام بنمذجة الممارسة الترجمية إلى مايلي: ترجمة أيقونية نموذجية مثالية ،و ترجمة متوازية، وترجمة أيقونية متناظرة أو متكافئة. ويرى محمد مفتاح أن الترجمة" يجب أن تراعي كل محددات النص من سياق وقارئ وتواصل وشكل ونمذجة للأيقون"ص202. ولم يكتف بالتنظير ،بل امتحن إجرائية النمذجة المقترحة لتقويم وتقنين ترجمة القصيدة المجسمة la colombe poignardée et le jeu d’eau للشاعر الفرنسي أبولينير إلى الإنجليزية، فاستنتج استحالة ترجمة النص الأصلي كما هو لاختلاف الأنساق اللغوية، وانفلات كثير من الخصائص الشكلية واللغوية على ترجمة التكافؤ أو التواصل ."وعليه، فإن الدرجتين الوسطيين، درجة المماثلة والمشابهة، هما مناط كل ترجمة تجمع بين الأمانة وإعادة الابداع، بين المعاني الواردة في البنية السطحية النصية وبين أبعادها الرمزية الضاربة في أعماق النفوس البشرية، بين المحافظة على تداخل الأنساق وبين الرسالة المركبة، بين التعقيد الظاهر والتعقيد الخفي، بين الأبعاد الروحية والمادية" ص210.

إن ما قدمناه هو "غيض من فيض" ، بحيث أن المشروع النقدي والفكري لمحمد مفتاح يحتاج إلى مبحث مستفيض للكشف عن الآليات والضوابط المتحكمة فيه. ومع ذلك سنحاول في عجالة ملامسة بعض الثوابت التي ينبني عليها على المستوى التزامني( العمودي) والتطوري( الأفقي).

أ- المستوى التزامني: يتعامل محمد مفتاح مع مناهج متعددة رغم ما يتطلب منه ذلك من جهود مضنية ومتواصلة لتذليل المعضلات المعتاصة والإلمام بكل منهج على حدة، والتعرف على توجهاته ومبادئه وأسسه الابستمولوجية. وقبل تشغيل المفاهيم ، يعرف بالمنهجية والظرفية التي تبلورت فيهما، ثم يغربلها ويفحصها لبيان ملاءمتها الابستمولوجية ومواطن ضعفها وقوتها، ويكشف عن مرجعياتها الفكرية والفلسفية ، ويسهم في إعطائها وضعا اعتباريا جديدا بالتوسيع والتلقيح والتعديل. وما يحرص عليه هو أن تكون منتجة ، وذات مردودية ، ومشيدة على أسس متينة في الحقل الذي وظفت فيه. يتجشم مختلف المشاق المنهجية من تطويع وتلئيم وتظهير قصد تشييد تصور شامل لتحليل النص ، وصياغة نموذج ملائم لمعالجة الخطاب الشعري في تعقده وشموليته. وهكذا عمل مفتاح على صياغة نموذج قابل للتطوير والتعديل والتوسيع تبعا لما تعرفه التراكمات المعرفية والمنهجية من تطورات سريعة تمس طبيعة النص ووظيفته داخل المجتمع. ولم يكتف بإضافة عناصر إلى هذا النموذج (المثبت في تحليل الخطاب الشعري ص169،وفي دينامية النص ص54،وفي التلقي والتأويل ص87)،والاستغناء عن بعضها، بل استثمرها في التحليل مبرهنا على العلاقة الجدلية بين النظرية والممارسة. يقوم النموذج المستمد من بنية الشعر الشديدة التعقيد على محورين، أحدهما أفقي وثانيهما عمودي. فالنص ينمو بطريقة أفقية حسب آليات معينة مثل أدوات الربط والمعجم والأصوات والاستعارات والكنايات. وهذا الترابط الأفقي يمكن أن يقسم بدوره إلى نوعين: أحدهما خاص،وهو الذي يبحث فيه المختصون بلسانيات الخطاب، وثانيهما عام،وهو ماينطلق من ثوابت قليلة مفترضة يبرهن عليها بقراءة النص قراءة متعددة قائمة على حفريات في اللغة مما يؤدي إلى علاقة أفقية شاملة. كما أن النص يتوالد بطريقة عمودية متدرجة من العام إلى الخاص مما يسمح بالاستدلال الغيابي، ومبنية على مبادئ المقصدية - المجتمعية والتملك والتفاعل. ويمكن أن يستوعب مبادئ أخرى على نحو التوليد والتحويل والانسجام والزمان/ الفضاء. لكنها تكون عمودية بالنسبة إلى عناصر الخطاب الشعري التي هي: الأصوات والمعجم والتراكيب والمعنى والتداول. وبما أن هذه العناصر ليست خاصة بالخطاب الشعري، فالأمر يقتضي تحديد ما ينماز به كل خطاب من خصائص بنيوية مميزة. وما يلفت النظر في مؤلفات مفتاح أنها تتضمن بعض المحيلات التى تؤكد مدى ترابطها وتكاملها وإصرارها( بخاصة الإحالات البعدية) على مواصلة مشوار البحث عن نموذج متكامل لتحليل النص و" اكتشاف الآليات التي تحكم الثقافة العربية"(1).وبرجوعنا إلى النماذج المقترحة والمستثمرة في التطبيق ، نلاحظ أن مفتاح دائم الإطلاع على المستجدات المنهجية والمعرفية، ومحصن بالأسئلة الابستمولوجية الملائمة لتحديد خلفيات المناهج والتركيب فيما بينها،ولدفع الأغلوطات التي تنفي صيرورة الحقيقة وتستبعد الشروط المجتمعية والتاريخية، وللمزج بين مكتسبات العلوم الصرف والعلوم الإنسانية، ولتجاوز مخلفات " الأممية البنيوية"، وللكشف عن الثوابت الكونية والإنسانية المتحكمة في العقل البشري، وللتمييز بين أجناس الخطاب وأنواعه وأصنافه، ولترميم بعض الصروح النظرية حتى تكون مسايرة لروح العصر وتتدارك نقائصها وثغراتها. ان المناهج المترابطة نسقيا، تعمل على إضاءة مختلف جوانب النص من زوايا متعددة وبطريقة تفاعلية متأرجحة بين مقتضيات الأحوال( المقصدية، التكييف، الشروط المجتمعية والبيولوجية والنفسية للذات المنتجة والمتلقية، جمع المعرفة وبناؤها واستخدامها، تشغيل الخلفيات المعرفية، ضبط قواعد التأويل ، التعبير عن ثوابت كونية،الحوار الخارجي...) وبين دينامية النص(تنمية النواة الدلالية، السالبية، التماسك، التوازي، التشعب ، الرمزية الصوتية ،الفضاء/الزمان، التشاكل، الحوارالداخلي ، الصراع، التدرج ، التشابه ...)؛وبين المبادىء الكلية والمبادىء الخاصة لبيان فرادة الخطاب وخصوصيته ولتمييزالشعر الراقي الذي تتناغم جميع عناصره في بنية متراصة من الشعر العادي الذي يُبرز فيه عنصر على حساب العناصر الأخرى.

ب- على المستوى التطوري: تبنى محمد مفتاح في كتابي التلقي والتأويل و التشابه والاختلاف على المنهاجية الشمولية(2) Holiste Holistic أوالمنهاجية النسقية Systémique أو المنهاجية الماكروسكبية Macroscopique .وهي منهاجية جديدة فرضها المنطق التطوري للعلم الذي " انتقل من الواقعية المادية ( التصور الميكانيكي للذرة) إلى الواقعية الرياضية ، أي التفكير في الواقع كله من زاوية إنبائه وانتظامه الرياضي العلاقي" (3). لقد جاءت هذه المنهاجية لتقويض المنهجية التحليلية Analytique التي تفصل ما بين العناصر والمعطيات وتركز اهتمامها على دقة التفاصيل والجزيئيات، والنظرة المقولية التي تفرض حواجز فاصلة طبيعية موجودة مسبقا، والنزعة الوضعية التي تقر باستقلال الكائنات والأشياء بعضها عن بعض ،والنظرية الذرية Atomisme التي" اعتبرت الذرة مجالا كهرطيسيا صغيرا ، وعممته على المجال الكوني الكهرطيسي الكبير. ودُعي هذا النموذج الأول بالنموذج الكوني، وواضعه هو العالم الإنجليزي رذرفورد(1871-1837) الذي شبه فيه الذرة بمجموعة شمسية تحتل النواة مركزها ،وتسبح الإلكترونات حول النواة مثلما تسبح الكواكب حول الشمس"(4).لايعتبر جول دو روزناي Joël de Rosnay الرؤيا النسقية نظرية أو علما أو أداة كباقي الأدوات ، بل أداة رمزية مكونة من مناهج متعددة، ومن تقنيات مستعارة من ميادين مختلفة(5). وهي مقاربة موحدة وعبرميدانية، تمكن من تجميع وتنظيم المعارف بغرض ضمان فعالية اكثر للفعل(6)،وتحليل تعقد الظواهر المجتمعية والكونية. تكشف المقاربة الشمولية عن تصور الإنسان للإلمام بمجالات وميادين معرفية متعددة. لكن أهميتها تكمن في حَفْز الإنسان على غزو ميادين جديدة لمتح منها معلومات ثرة تسهم بدون شك في توسيع وإغناء مقاربته للكون. إن التعددية المنهجية التي تبناها مفتاح بصبر وجلد أفضت به إلى نسقية الثقافة. وهكذا شغل ما تراكم لديه من مناهج وتقنيات ومفاهيم لإيجاد البنيات المتناظرة والمتشابهة التي تتحكم في الأنساق الثقافية تزامنا وتطورا. وإن كان يتبنى المفاهيم الأساسية للنظرية العامة للأنساق (التفاعل، الغائية، الانتظام)، فهو يطوعها -انسجاما مع رؤيته للعالم واستحضارا للشرط التاريخي والاجتماعي - للنظر" إلى الإنسان من حيث هو روح وعقل، ومن حيث أنه يعيش في محيط يتأثر به ويؤثر فيه" 213. وتقوم إستراتيجية مفتاح النسقية على المداميك الثلاثة التالية:

أ-تعاملت مع نسق واحد لبيان ما يتوفر عليه من آليات تضمن استقراره وانتظام عناصره وتفاعلها الدينامي(أنموذج كتاب البصائر وشعر الشابي).وفي هذا الصدد استخدمت تقنيات التنضيد والمحيلات والتوازي والتشاكل لإثبات اتساق النص وتماسكه ،وللبرهنة على الثوابت الإنسانية ، ولنفي أطروحة التشتت

ب- أكبت على تحليل الأنساق الثقافية المتداخلة ( المنطق الصوري، الأصول ،النحو، النقد الشعري، الرياضيات...)، وبيان الغاية المتوخاة منها والمتمثلة في الدفاع عن وحدة الأمة وفي توظيف الآليات " الكونية الإنسانية".وبالرغم من تغليب نسق ثقافي على نظائره ، فهو- في الآن نفسه -يبقى مرتبطا بها لأغراض تأويلية وتقعيدية، ومحافظا على استقلاليته ومرتبته داخل النسق العام.

ج- أعادت تحقيب الأدب المغربي ارتكازا على لاتكافؤ الأنساق ، وافتراض وجود نواة موجهة وهي الدعوة إلى الاتحاد والجهاد، وعلى التعامل مع الثقافة بوصفها أنساقا دينامية ممتدة في أمد بعيد، تجمعها روح تعكس الصراع مع الأجنبي لضمان التوفيق والوحدة.

نقل محمد مفتاح المبدأ العام للنظرية النسقية إلى مجال خاص هو النسقية الثقافية. ولم يقصرهدفه على استنتاج مبادئ التنسيق المتحكمة فيها، بل تعداه إلى إعادة قراءة التراث بواسطة الاستدلال بالمقايسة وبالمخالفة حتى يتمكن الإنسان العربي المسلم من ربط الحاضر بالماضي، وتخليد سجيته،والوعي بأهمية الاختلاف في الحياة اليومية.وما يلفت النظر أنه وظف مفاهيم علمية ومنطقية لتحليل الظواهر الأدبية؛ اذبين مدى خضوع عناصرها ومكوناتها المتراتبة والمتدرجة لمركز جذب يرسي دعائم الانتظام.إن الترتيب الخطي على سبيل المثال يتلاءم مع روح الثقافة الإسلامية التي تسلم بوجودإله خالق كل شيء، وتقيم تراتبية بين مختلف المخلوقات التي هي الملائكة فالإنسان فالحيوان فالنبات فالجماد.يتوسع محمد مفتاح في تصنيف القدماء للعلوم وترتيبها.وللايضاح نكتفي بالتمثيل بتراتبية من التراتبيات الممكنة في البصائر ، وهي تراتبية العلوم وأهدافها (1996،ص70-74).إن العلوم تفيض من منبع واحد، فتتكامل بالوحدة وتختلف بالكثرة. ومهما تنوعت الأصناف فهي تشترك في تحقيق سعادة البشر،ومراعاة التدرج والترتيب من اسفل إلى أعلى لمراعاة الفائدة والثمرة والموضوع والصورة .لقد صنف أبويان التوحيدي العلوم إلىثلاثة: علوم دخيلة ،وعلوم شرعية،وعلوم لغوية، وأخضعها إلى تراتبية متوجة ومكللة بعلم معين، وجعل التصوف "تاجا على رؤوس كل أصناف العلوم ومجمعا لثمراتها»ص72. بنى التوحيدي تصنيفه للعلوم على أساس الترابط للاضطلاع بوظيفة جوهرية مشخصة في الفعل الواحد النافع ، والخضوع لمبدأ التدرج الذي يقتضي أنه كلما اقترب صنف من المصدر إلا وازداد كمالا وكلما انزاح عنه انحط عن الكمال، و تشرب كل علم إلى درجة ما بالأخلاق مهما كان جنسه وصنفه، وإثبات وجود الله باري الكون ومبدعه الأعظم .ويبين مفتاح أن انبناء بحثه على التراتبية المتفتحة والمتنورة،كان لغرض "إثبات مركزية ما ضمانا لوحدة الأمة والوطن خوفا من التشرذم والحروب الأهلية ريثما تنتشر العقلانية بين أفراد المجتمع... فمن أراد أن يحرق المراحل في هذا الشأن فإنه يحرق نفسه؛ ومع ذلك لابد من الاستفادة من المفاهيم العلمية لما بعد الحداثة. ولذلك فقد وظفنا "التفاعل" و"العماء" واللانظام".ص87 .

يمكن أن أبدي بعض الملاحظات العامة التي عنت لي وأنا اقرأ كتابه التشابه والاختلاف بوصفه عنصرا أساسيا من نسق معرفي ونقدي مغلق وقابل للانفتاح على مستجدات أخرى:

أ- تعامل محمد مفتاح مع النسق" من حيث هو جماع من العناصر التي تندغم في تفاعل دينامي، وتنتظم لتحقيق هدف مشترك"(7)،وابرز حدوده وعناصره الجوهرية وأنواع العلائق الموجودة فيما بينها والترابطات التي تدمجها في كل منظم ومتراص. فرغم اهتمامه بالجانب البنائي والوظيفي للنسق، لم يفصل ظاهرة التعقدComplexité . ومرد ذلك في وجهة نظري المتواضعة جدا إلى اعتماد مفتاح بصفة خاصة على بنية الشعر التي يكون فيها التفاعل بين العناصر بسيطا على نحو الغاز المكون من جزيئاتMolécules الأوكسيجين. في حين أن الرواية -شأن الخلية - تتكون من عناصر متعددة ومتنوعة ، متراتبة ومترابطة في تفاعلات دينامية معقدة( وهوما أشار إليه مفتاح في التشابه والاختلاف ص36). إن بنية الشعر تحتم على الشاعر الخضوع للحلقة السلبية la boucle négative التي تسعى إلى ضبط السلوك وتكييفه مع غاية منشودة،وإلى تصحيح أي تغيير نحو"الزائد" أو نحو"الناقص"،والى المحافظة على التوازن والانضباط الذاتي. في حين أن بنية الرواية تستوعب التنوع والاختلاف، وتمتثل للحلقة الإيجابية positive التي تدفع في اتجاه التطور الذي قد يفضي أحيانا إلى اندثار النسق أو توقف وظائفه بحدوث انفجارما، وتشخص توازن القوى Equilibre de forces المتساوية أو المتعارضة (جيشان ، الحكومة والأحزاب، الدولة والقوى الأجنبية) الذي قد ينتهي بحصول تغير منفصل discontinu على نحوالتحاق قوة بأخرى في " محطة" تاريخية معينة، أو توازن المد flux الذي يحسم الخلافات ويسويها في شكل التعامل التجاري ( المال مقابل البضاعة)، ويرسي تقاليد سياسية واجتماعية مبنية على التراضي أو التوافق بين مختلف أطراف النزاع الاجتماعي والسياسي. ولما تكون مختلف الأطراف راضية على النتائج المحصل عليها، يتحقق التوازن الدينامي وتشتغل مختلف فروع النسق العام في حالة استقرار وثبات Etat stationnaire. ما يلاحظ على الأستاذ مفتاح نزوعه الكلي نحو وحدة النسق وانتقاده الشديد لأنصار الاختلاف والخصوصية " وهكذا نجد تيار مابعد الحداثة يناهض التراتبية والكليانية والنسقية، سياسيا واجتماعيا وفكريا فيدعو إلى مايشبه الفوضى بالتركيز على الاختلاف والخصوصية والذاتية، متأثرا بنظرية العماء في الفزياء وفي الرياضيات وفي الكيمياء، فيحلل الظواهر الثقافية والنصوص الأدبية في منظار التفكيكية" (1996 ص 87)،ويعلل ذلك بعدم دخول المجتمع في عهد العقلانية السياسية والاجتماعية والدينية.ألا نلاحظ هنا -بعكس ما عايناه في جميع كتاباته من إشادة بالمنظور التاريخاني- رفضا للطفرات الثورية وإمكانات اقتصاد الزمن بذريعة تحسين الأوضاع بالتدريج وتقديرا للتقاليد بوصفها السر الكامن وراء التماسك الاجتماعي؟(8).ألا تتحكم الأنساق العمائية Systèmes chaotiques(الصدفة أو الروح الشيطانية بلغة لابلاصLaplace) في تطور العلوم والفكر البشري، وفي تقويض مفهوم الحتمية الملموسة le déterminisme concret الذي كانت تتبناه الأزياء الكلاسيكية؟

ب- انسجاما مع النقطة السابقة ، نلاحظ إن مفتاح في كل مؤلفاته يشير إلى مفاهيم الاختلاف والانفصال والتعارض والتباين واللاتشاكل. لكنه ينزع بالكلية إلى التدليل على ظاهرة الانسجام النصي. ألايمكن بالمقابل البرهنة على عدم تجانس النص ؟ وسنمثل بمثالين فقط ، أحدهما متعلق بالنظرية العلمية الكوانطيةQuantique التي فندت مطلق الاتصال، وأقرت» بوجود كيانات جسيمية متقطعة ومنفصة" (9)؛ وثانيهما متعلق بتحليل الخطاب، إذ ميز دومنيك مانكونو بين التماسك النصي وبين اللاتجانس Hétérogénéité الذي تسهم فيه العناصر التالية :تعدد الأصوات، والاقتضاء، و Négation ،والخطاب المنقول، ووظائف الاستشهاد، والتناص، والتشارح ، والتعدد اللغوي، والسخرية...(10).

ت-جاءت الرؤيا الشمولية أو النسقية لتجاوز الإنسان ذي البعد الواحد(تنفيذ القرارات المتخذة من أعلى، والاستهلاك) والإنسان ذي البعد المزدوج ( التكيف مع الواقع بنية تغييره) للمراهنة على الإنسان المتعدد الأبعاد Multidimensionnel الذي ينظر إليه من زوايا متعددة( بيولوجية وثقافية واجتماعية ورمزية) مندغمة في كلية متراصة Totalité.فالحاجات الإنسانية أصبحت غير غيرمرتبطة فقط بالسياق السوسيو-اقتصادي، بل كذلك بالبعد البيولوجي ( الوحدة هي الجسم) وبالبعد الثقافي ( الوحدة هي الشخص) وبالبعد الاجتماعي ( الوحدة هي الوطن) وبالبعد الرمزي ( الوحدة هي الكائن). وهي أمور موكولة إلى التربية النسقية المبنية على غايات منسجمة مع ما يعرفه العالم من تطورات سريعة وخطيرة، تستحث الإنسان على تسخير معارف ثرة وبذل قصارى جهوده لفك مغاليق الأنساق المعقدة، وتشغيل مقاربات تفاعلية متعددة منافية للتحاليل السطرية Linéaire أوالقطاعية Séquentielle، والإكباب على نقطة واحدة من زوايا متعددة لفهمها واستيعابها. وإذا كنا نلاحظ في كتابات مفتاح كثيرا من ثوابت المنهجية النسقية المتمثلة في إدماج مفاهيم ذات مرجعيات متباينة، وفي الاعتماد على مجالات متنوعة ( الأدب والمنطق والرياضيات والانتربلوجيا والبيولوجيا والذكاء الاصطناعي...)، وفي نسج علائق متينة ومحبكة ومحكمة بين عناصر النسق ،وبين النسق الفرعي والنسق العام، فإننا نتريث في إبداء أي حكم حول تصوره للإنسان المتعدد الأبعاد إلى حين اكتمال حلقات مشروعه النسقي.

ج-رغم أهمية المنهاجية النسقية في الحفز على الخيال والإبداعية والابتكار، وعلى حل المشاكل المعقدة، فهي لاتسلم من أخطار ولا تخلو من ثغرات . وقد شخصها جول دو رزناي في تبني النظرة الأحادية والنموذج الشمولي، وتوظيف اللغة الرياضية، والتركيز على الجانب الوصفي العلائقي دون النفاذ إلى المبادئ التي تشترك فيها الأنساق، وتعقيد الأمور بكثرة القياسات والتماثلات والتشاكلات Isomorphismes والاستعارات، والإفضاء إلى النزوع النسقي Systémique المتشدد أو إلى النزوع البيولوجي Biologisme الاختزالي، ونضيف إلى ذلك ما أورده برنار دي اسبانيةB.d’Espagnat، ويتعلق بتشعب العلوم إلى تخصصات صغرى ومغلقة، و بإدخال في المعادلة القاعدية عناصر جزئية إضافية تصبح ، بمقتضى انتقاض الشموليةHolisme ،أشياء صلبة على نحو الحقائق في حد ذاتها(11). ويمكن أن نجمل ماسبق في هذه القولة لادكار موران Edgar Morin"يكاد الإكثار من التوحيد أن يفضي إلى التبسيط المفرط ثم إلى الأفكار المسكوكة والوصفات الفكرية"(12).

الختام :

إن أي مؤلف من مؤلفات محمد مفتاح إلا ويعتبر حلقة هامة ضمن مشروع فكري مترابط ومتكامل، يبين أصالة مفكر مغربي في الإفادة من التراكمات المعرفية والمستجدات المنهاجية، وفي إرساء ممارسة نقدية ومعرفية مشيدة على أسئلة ابستمولوجية متينة، وفي الكشف عن الثوابت والفطريات الإنسانية الكونية، وفي البحث المستمر عن اقتراح تصور شامل لدراسة مختلف الظواهر النصية ولتحليل على وجه الخصوص الخطاب الشعري. وتندرج الرؤيا الشمولية والنسقيبة لضحد أطروحة التشتت والعماء واللانظام، وللتعامل مع النسق في انغلاقه وانفتاحة،وفي تزامنه وتطوره ،وفي كليته وجزئياته ،وفي انتظامه وديناميته؛ ولإبراز عناصره وعلائقه المتراتبة والمتدرجة والمتفاعلة والمتضامة للاضطلاع بوظيفة جوهرية ولتحقيق غاية مذهبية موحدة.

*************************

الهوامـش

1-" التحليل السيميائي؛ أبعاده وأدواته" حوارمع الدكتور محمد مفتاح، أجراه الأساتذة :عبد الرحمن طنكول،ومحمد العمري ،وحميد لحميداني،دراسات سيميائية أدبية لسانية، العدد 1، خريف 1987،ص20

2-Bernard d’Espagnat,Penser la science ou les enjeux du savoir, Dunod,1990.

تبنت الميكانيكا الكوانطيةQuantique ( المناقضة للميكانيكا النيوطنية والنسبوية Newtonienne et relativiste) مفاهيم الانفصال والانقسام (non-sèparabilitè et non-divisibilitè) والانتظام والدينامية .أصبح الآن مفهوم الدائرة الشمولية Cercle holiste شائعا في الأدبيات العلمية بخاصة الفيزيائية منها.وهي ترفض أن يكون مرجعها" الواقعي" مكونا من أشياء متباينة،حتى وإن كانت مترابطة فيما بينها بتفاعلات.وهكذا لاتقر إلا بالكون كله.انظر في هذا الصدد إلى الصفحات التالية:123-155-165.

3-سالم يفوت ، مفهوم الواقع في الفكر العلمي المعاصر مظاهر النزعة الاختبارية لدى الوضعيين الجدد وستروس، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، سلسلة الأطروحات والرسائل:7،1980،ص117.

4- الرجع نفسه ص94.

5-Joël de Rosnay, le macroscope vers une version globale, Seuil, 1975,P10.

6-Ibid,P91

7-Ibid,P101.

8-رغم إيمان التاريخانية بثبوت قوانين التطور التاريخي ( حتمية المراحل)، فهي تقربدور المثقف والسياسي لإحداث الطفرة واقتصاد الزمن بالفعل الواعي والإرادة والفهم التاريخي" فالوعي التاريخي لاينشأ إلا بفعل مفاضلة بين واقعين تاريخيين متفاوتين"" عبدالله العروي المؤرخ /المفكر" حوار من إنجاز الأستاذ بنسالم حميش، الوحدة،العدد22/23،1986،ص152. انظر كذلك إلى عبد الله العروي أوراق ، المركز الثقافي العربي ، البيضاء، ط2،1996،ص120.

9-سالم يفوت ، مفهوم الواقع في التفكير العلمي المعاصر م.سا ص93.

10-Dominique Mangueneau , L’Analyse du Discours,Hachette,1991,P127-152.

11-B.d’Espagnat Penser la science PP156-157.

12-Joël de Rosnay, le macroscope ,op,cit ,P140

2-مؤلفات محمد مفتاح المعتمد عليها:

- في سيمياء الشعر العربي القديم ،دار الثقافة، ط1 ،1982. - تحليل الخطاب الشعري( إستراتيجية التناص)، المركز الثقافي العربي بيروت -الدارالبيضاء،ط1،1985 .

- دينامية النص[تنظير وإنجاز]، المركز الثقافي العربي بيروت ،(لبنان) ، الدار البيضاء(المغرب) ،ط 1،1987.

- مجهول البيان ، دار توبقال ، الدار البيضاء ،ط1، 1990.

-التلقي والتأويل مقاربة نسقية، المركز الثقافي العربي،ط1،1994.

- التشابه والاختلاف نحو منهاجية شمولية، المركز الثقافي العربي ،ط1،1996.

*******

*ملحوظة :

أنجزت هذه المداخلة في إطار لقاء ثقافي حول الكتاب المغربي وتلقيه.التشابه والاختلاف مثالا. نظمته جمعيتا الامتداد الأدبي والبحث التاريخي بالقصر الكبير ( المغرب). وكان مجمل رد الأستاذ محمد مفتاح على النحو التالي:إن نظرية الأنساق نظرية متماسكة، تتجاوز النص لتنظر إلى ما يحيط به،وهي لاتنقص من قيمة أي عنصر من العناصر،لأن كل ما في الوجود له الحق في الوجود. لقد كان الهدف من تبني المنهاجية النسقية هو تشغيل بعض المفاهيم والمبادئ العلمية في الحقل الأدبي ونسقية الثقافة،ودفع أطروحة التشتت والتشرذم،ودعم أطروحة الوحدة والتوفيق، وبيان فكرة التسامح عند أبي حيان التوحيدي، والنظر إلى الثقافة المغربية بمنظار وظيفي . وإبراز أن هناك فطريات وآليات كونية تؤدي إلى مغامرات استكشافية .لكن المجتمع بكل مكوناته السياسية والثقافية Umvflt هو المسؤول على إخراجها من القوة إلى الفعل وتطويرها.وبين أن طرح دريدا يبحث عن المعنى الكامن في النص ،في حين تعمل النظريات التشييدية على بنائه.ويرى أن أنصار دريدا يشيعون أطروحة الفوضى باسم الاختلاف والخصزصية والذاتية ، وهم بهذا الصنيع يبعثون أفكار يهودية قباني من مرقدها.





#محمد_الداهي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لحكاية والقصة القصيرة تأليف جون-بيير أوبريت
- المرايا المتقابلة في-حيوات متجاورة- لمحمد برادة
- صحوة الحواس ( في تأبين روح الأديب الراحل محمد غرناط)
- من يعيش ثمانين حولا لا أبا لك يسأم (احتفاء بعيد ميلاد محمد ب ...
- تأصيل سلوك القراءة
- المصالحة بين التراث والحداثة
- بلاغة الإطفاء
- جمالية البين بين حوار مع الباحثة ستنفاني مشينو
- تشييد نظرية شعرية موسعة بمنهاجية سيميائية مركبة
- رجع الصدى في رواية وليمة الكذب للروائي أمين زاوي
- الأصعب من أين نبدأ؟ وكيف نصل؟
- التربية على القيم في المدرسة
- التراث والحداثة في المشروع الفكري للراحل محمد عابد الجابري
- نهاية محتملة لحكاية - عنزة السيد سوغان
- قراءة في كتاب-اعترافات روائي شاب- لأمبرتو إيكو
- نظام التربية والتكوين: واقع وآفاق، حوار مع د.عبدالله الأشقر
- اللباس موضوعا شعريا
- الرواية والسياسة
- تطلعات الملاحق الثقافية بالمغرب
- مغامرة الرواية تطلعا إلى المواطنة التخييلية


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الداهي - من التعددية المنهجية ألى نسقية الثقافة ( درتسة في المنجز النقدي للباحث د. محمد مفتاح)