أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال الجزولي - فِي حُلْمِ اسْتِعَادَةِ الوَحْدَةِ (1)















المزيد.....

فِي حُلْمِ اسْتِعَادَةِ الوَحْدَةِ (1)


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 6343 - 2019 / 9 / 6 - 02:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الفَتْرَةُ الانْتِقَاليَّةُ .. وكُونْفِيدرَاليَّةُ الدَّوْلَتَيْنْ (1)
قَاعِدَةُ الهَرَمِ المُجْتَمَعِي الجَّنُوبِي وَمُقوِّمَاتُ الوُحْدَةِ الأَوْسَعُ
بقلم/ كمال الجزولي


«نُحييكم تحيَّة الشَّوق والمحبَّة، وما مسرَّتنا إلا بكم، فأنتم بعضنا ونحن بعضكم، لا نكتمل إلا بكم ولا يسوؤنا إلا ما ساءكم، سنعمل على أن نعود كما نودُّ، فراقنا كان قاسياً، ولكن التئام شملنا ممكن، فأنتم نصفنا الحلو، وعندما نقول السُّودان نتخيل هذه الخريطة الأليفة الكثيفة بالتَّنوُّع والتَّعدُّد، فلنقترب، ونتعاضد، ونعمل سويَّاً من أجل تقدُّمنا، وتطوُّرنا، ونمائنا المشترك».
رسالة محمَّد ناجي الأصم
إلى شعوب جنوب السُّـودان
بمناسبة التَّوقيع على وثائق الفترة الانتقاليَّة18 أغسطس 2019م


+++

«هذا هو ديدن الشَّعب السُّوداني الذي صنع أكثر من ثورة. إن حلَّ المشكلة السُّودانيَّة يعني حلَّ مشكلة الجَّنوب، ومشاكل إثيوبيا، وإريتريا، وتشاد، وليبيا، وغيرها من دول الجِّوار، لذا نحن سعداء بنجاح ثورة ديسمبر 2018م. إن مستقبل العلاقة بين الدَّولتين، في ظلِّ التَّغيير الذي يشهده السُّودان، وفي ظلِّ الحكومـة المدنيَّة الجَّديدة، سيكون مبهـراً، حيث
ستتعاونان كدولة واحـدة يكمِّل بعضـها بعضـاً، أو كدولتين متقاربتين في حـلِّ كـلِّ القضـايا
العالقة بينهما .. حتَّى أبيي».
تصريح دينق ألور
وزير خارجيَّة جنوب السُّودان السَّابق
ومسؤول ملف أبيي الحالي
لدى زيارته للخرطوم ضمن وفد الرَّئيس سلفاكير
للمشاركة في احتفالات التَّوقيع على وثائق الفترة الانتقاليَّة
تاسيتي نيوز ـ الخرطوم؛ 18 أغسطس 2019م


I
(1) كان تقديرنا *، عقب انفضاض الجَّولة الأولى من مفاوضات السَّلام بين الحكومة والحركة الشَّعبيَّة، بضاحية مشاكوس الكينيَّة، مع نهاية الأسبوع الثَّالث من يوليو عام 2002م، أنه، وسواء انتهت تلك المفاوضات، أو لم تنتهِ إلى أيِّ شئ، فإن أحكَمَ نظر تجاهها هو أن نكفَّ عن اعتبارها «يوم قيامة» سياسي ينجرد فيه «حساب» الحالة السُّودانيَّة «الختامي»، فتنغلق «الدَّفاتر»، ويجري تبادل «المخالصات النِّهائيَّة»! ذلك أن السَّلام ليس محض حقل تفرخ فيه الإرادة الأجنبيَّة، أو وثيقة تكتمل بتوقيعاتنا لمجرَّد أن تلك هي رغبة الوسطاء والميسِّرين، إنَّما هو، في حقيقته، مناسبة من مناسبات صراعاتنا السِّياسـيَّة التي يقـع علينا وحـدنا عبء مجابهتها، وتحمُّـل استحقاقـها، وتدبيرها، وحسـمها. على أننا، كما العادة، لم ننهض، قط، بواجبنا ذاك، ربَّما لأن أحداً من ميسِّري «واغ الواغ» الذين مكَّنَّاهم، بغفلتنا، من أمرنا لم يحفل، أصلاً، بإشراكنا فيه! ولا يتوهَّمنَّ كريمٌ أن ضمير المتكلم للجمع «العاقل!»، هنا، عائد، فقط، إلى قوى المعارضة والمجتمع المدني، فثمَّة أكثر من سبب قوي للاعتقاد بأن الحكومة والحركة نفسيهما ما انفكَّا يتزحزحان، على طاولة المفاوضات، من خانة «الذَّات» إلى خانة «الموضوع»! وما الطريقة الدراماتيكيَّة التي أخرج بها «بروتوكول مشاكوس الإطاري» ذاك، لدى ختام تلك الجولة في 20 يوليو 2002م، ببعيدة عن الأذهان**!
لا جدال، البتة، في كون عالمنا يزداد انشغالاً بمكوِّناته، مهما ترامت أطرافها، وتباعدت، وأن أهمَّ ما يهمُّه هو إطفاء بؤر نزاعاته المشتعلة، بكلفتها العالية التي أثبتت الخبرة أنه سيضطر لسدادها في نهاية المطاف! سوى أننا ينبغي ألا ننسى، ولو للحظة، أنه عالم منقسم، أقله قوى استعماريَّة استكملت مقوِّمات بطشها المادِّي، وأكثره شعوب ما تزال تراكم عناصر نفوذها المعنوي؛ والخلط بينهما ضرب من الغشامة في أفضل الأحوال!
(2) لذلك، ولأن من يفرِّط في أجندته الوطنيَّة لا يعود من سبيل، أمامه، لذمِّ الأجندات الأجنبيَّة، فإن الأمل معقود بالمدى الذي سنفيق فيه، جميعاً، إلى أن ما اصطلحنا عليه بـ «مشكلة الجنوب» هو، فى الحقيقة، محض ملمح أعلى صوتاً لمشكلة بنائنا الوطني كله؛ فهل، تراها، كفَّت «الوحدة»، نهائياً، عن أن تكون خيارنا المصيري؟! ألم يتبقَّ لنا، حقاً، سوى المفاضلة البائسة، من الجَّنوب، إلى دارفور، إلى النِّيل الأزرق، إلى جنوب كردفان، بين «انفصال» مأساوي، وبين «وحدة» بشعرة معاوية لا نجد في أيدينا ما نتداوله بشأنها غير حفنة تدابير عجفاء نظلُّ نتبضَّع بها من عاصمة لعاصمة، ونمضغها، ونثفلها، من جولة مفاوضات لأخرى؟! فأين، إذن، موقع العامل الثَّقافي/النَّفسي/ التَّاريخي من إعراب هذه التَّدابير التي لا يتوقَّف المُيَسِّرون عن اجتراحها بلا هوادة؟‍‍!‍
(3) لقد شاع التَّأكيد، لدى أغلب الباحثين والكاتبين، على عناصر الوحدة بين مفردات منظومة التنوُّع السُّوداني، بما يعفينا من الخوض، هنا، في تفاصيل اقتران الثَّقافي بالسِّياسي، على امتداد خطوط التَّاريخي، والجُّغرافي، والاقتصادي، والإثني***، وما إليه. على أنه، برغم علوِّ صوت السِّياسى فوق هذه العوامل مجتمعة، فثمَّة ما يدفع للتَّجرُّؤ على تقرير أن ثمَّة مشكلة ثقافيَّة تكمن، يقيناً، خلف كلِّ مشكلة سياسيَّة في بلادنا، على قول سديد للمرحوم جمال محمَّد احمد، لشدَّة ارتباط «الثَّقافي» بمسائل أضحى البعض يستخفُّ، مؤخراً، بقيمتها، للأسف، ويهوِّن من شأنها، عياناً بياناً، الأمر الذي ربَّما كان نتاجاً لاستصعاب التَّصدِّي لتعقيداتها، كمسائل «الهُويَّة»، والوعي بـ «الذَّات» وبـ «الآخر»، والاحساس المشروع بالتَّميُّز، قبل أن يُخرج الاقتصاد السِّياسي للتَّساكن القومي، وعلم اجتماعه، من فوق هذا كله، أثقال قسمة السُّلطة والثَّروة، وما إليها.
(4) ولأن العامل الثَّقافي/النَّفسي/التَّاريخي هو، في المحصلة النِّهائية، بمثابة المختبر الأدقِّ لقياس رغائب النَّاس الحقيقيَّة، في ما يتَّصل بعلاقات التَّساكن في بلادنا، والتَّعبير الأصدق في تفسير دوافعهم وخياراتهم، حتف أنف الأزمة العميقة التي لطالما عصفت بهذه العلاقات، لذا، فإن التَّعانف السِّياسي، في ما يتَّصل بما ظلَّ يُعرف بـ «مشكلة الجنوب»، على علوّ ضجيجه وعجيجه، في حالتي الحرب والسِّلم، قد أثبت عجزه التَّام، في كثير من اللحظات التَّاريخيَّة الحاسمة، عن إخفاء حقيقة أن المقوّمات الثقافيَّة/النفسيَّة للوحدة ظلَّت، بالنِّسبة للجَّنوبيّين في قاعدة المجتمع، عموماً، ولمثقَّفيهم الوطنيِّين الدِّيموقراطيِّين، خصوصاً، أقوى من دواعي الانفصال المتهومين به، عادةً، في مستوى الوعي الاجتماعي السَّائد في الوسط والشَّمال النِّيلي، والذي ينشط في تغذيته الانفصاليّون الشَّماليُّون، وجُلهم من انتلجينسيا الجَّماعة المستعربة المسلمة. وربَّما تكفي أعجل نظرة إلى التَّاريخ الحديث للتَّيقُّن من أن هذه المقوِّمات الوحدويَّة تأخذ في الاتِّساع كلما أوغلنا باتِّجاه القواعد الشَّعبيَّة أسفل الهرم المجتمعي الجَّنوبي، مبتعدين عن ربوة سنامه، حيث تتعالى، على العكس من ذلك، ضجَّة الانفصاليِّين الجَّنوبيِّين.


II
لن يطول الأمر بمن أراد البحث، بنزاهة، عن أدلة ملموسة على هذه الحقائق، وقد كنَّا عرضنا لبعضـها في مناسـبات سبقـت، ولا نرى بأسـاً من اسـتعادتها هنا أيضاً، حيث:
أ/ لم تحُلْ ذاكرة الرِّقّ التَّاريخيَّة، وتأثيراتها السَّالبة على صورة المستعرب المسلم «الجَّلابي»، عموماً، خلال القرن التَّاسع عشر، دون تبلوُر صورة الإمام المهدي، عليه السَّلام، كابن للرُّوح المقدَّس «دينق» لدى الدينكا، مثلاً، وانخراطهم، من ثمَّ، في حربه الثَّوريَّة ضدَّ الأتراك، بصرف النَّظر عن انقلابهم، لاحقاً، لمقاومة المهديَّة.
ب/ وفي 1905م خيِّر الإنجليز دينكا نقوك، في منطقة أبيي، بين الانضمام إلى مديريَّة بحر الغزال في الجَّنوب، وبين الانضمام إلى مديريَّة كردفان في الشَّمال، فاختاروا كردفان، حيث صاغوا، لما يناهز القرن، تحت قيادة سلطانهم دينق ماجوك، مع المسيريَّة، بزعامة ناظرهم بابو نمر، نموذجاً فريداً في تساكن القوامات السُّودانيَّة ذات الأصول المختلفة عرقيَّاً وثقافيَّاً.
ج/ ولم تمنع «السّياسة الجَّنوبيَّة» التي اجترحتها الإدارة البريطانيَّة، منذ بواكير الحقبة الاستعماريَّة، ونفَّذتها، ردحاً طويلاً من الزَّمن، وأقامت هيكلها الأساسي على ترسانة من القوانين والإجراءات التي تعيق التَّقارب بين شطري البلاد، وتحول دون تغلغل المؤثِّرات الشَّماليَّة في الجَّنوب، كقانون الجَّوازات والتَّراخيص لسنة 1922م، وقانون المناطق المقفولة لسنة 1929م، واللذين قُصد منهما أن يصبح الجَّنوب، فضلاً عن جبال النوبا الغربيَّة والشَّرقيَّْة، أرضاً أجنبيَّة بالنِّسبة للسُّوداني الشَّمالي، وإلى ذلك قانون محاكم زعماء القبائل لسنة 1931م، وفرض الإنجليزيَّة لغة رسميَّة في الجَّنوب، وتحديد نهاية الأسبوع فيه بالأحد، بدلاً من الجُّمعة، وتحريم ارتداء الأزياء الشَّماليَّة على أهله، وابتعاث طلابه لإكمال تعليمهم بيوغندا، كلُّ تلك، وغيرها، لم تمنع النُّوَّاب الجَّنوبيين من التَّصويت، في أوَّل برلمان سوداني، مع استقلال السُّودان «الموحَّد»، حيث لم يحتج الأمر، كي يتَّخذوا ذلك الخيار، لأكثر من إبداء الأحزاب الشَّماليَّة مجرَّد ضرب من «حسن النِّيَّة»، والوعد بتلبية أشواق الجَّنوبيين للحكم الفيدرالي، الأمر الذي حرص حسن الطاهر زروق، نائب الجَّبهة المعادية للاستعمار "الشِّيوعيِّين"، على تحذير الأحزاب الشَّماليَّة من مغبَّة النُّكوص عنه!
د/ وبرغم تدشين المواجهات الحربيَّة الدَّمويَّة، ابتداءً من 1955م، واستمرار العدائيَّات الناشئة عن خراقة السِّياسة الشَّماليَّة التقليديَّة تجاه الجَّنوب، وقصر نظر المواقف الجَّنوبية، النُّخبويَّة منها تحديداً، تجاه الشَّمال، عسكريَّة كانت أم مدنيَّة، فإن شيئاً من كلِّ ذلك لم يستطع أن يطمس صوت التَّعبيرات الجَّنوبيَّة الوحدويَّة، على تفاوتها، أو يجعله يخفت، سواء في «مؤتمر المائدة المستديرة، مارس 1965م)، أو في «لجنة الإثني عشر، يونيو 1965م»، أو في «اتِّفاقيَّة السَّلام بأديس أبابا، 1972م»، أو خلال سنوات الحرب الطويلة التي اندلعت من 1983م حتَّى التَّوصُّل إلى «اتِّفاقيَّة السَّلام الشَّامل، 2005م»، والتي بلغت بهذه التَّعبيرات أقصى أمدائها.
هـ/ وبرغم مكابرة أقسام مهمَّة من الإنتلجينسيا الجَّنوبيَّة بالإصرار على تضمين الإنجليزيَّة في النُّصوص الدُّستوريَّة لغة رسميَّة للجَّنوب، بل وذهاب بعضهم لاقتراح السَّواحيليَّة، كما في دعوة الشَّاعر سِرأناي كلويلجانق(1)، إلا أن كلمة «الثَّقافي» الحاسمة مضت في هذا الأمر، بحيث انحصر استخدام الإنجليزيَّة بين النُّخب المتعلمة، وهى ليست لغة أفريقيَّة بأيِّ معنى، بينما واصلت اللغات المحليَّة رسالتها، من جهة، وتكرَّس «عربي جوبا»، من جهة أخرى، لغة تواصل lingua franca في قاعدة التَّكوينات القوميَّة الجَّنوبيَّة المختلفة، على غرار «عربي أم درمان» في الوسط وشتَّى مناطق الشَّمال؛ ولا غرو، فالعربيَّة لغة أفريقيَّة حملها "الجَّلابي .. إلى الجنوب .. منذ 1878م ، ووزَّع مفرداتها وصيغها مع بضائعه، ووجـدت فيها قبائل الجنوب .. لغة تتفاهـم بها في ما بينها"(2)، بل لقد لوحظ أن قرنق نفسه ما كان يخاطب قوَّاته في الأدغال، وهي من شتَّى التَّكوينات الإثنيَّة، سوى بهذه اللغة! ومع الإقرار بأن هذا كله لا يزال أقصر من قامة المعالجات المطلوبة فى إطار أيِّ تخطيط ثقافي ديموقراطي راشد، إلا أننا ".. لسنا بحاجة إلى اعتسـاف هذا التطـوُّر الحُـرِّ والموضـوعي بصـيغ دسـتوريَّة .. تنطوي على الإكـراه"(3).
و/ وللمفارقة، فإن لكثير من المثقَّفين الجَّنوبيِّين، ومن بينهم سِر أناى نفسه، ملاحظات أخرى أكثر عمقاً وسداداً على هذا الصَّعيد، أبرزها نزوح أغلب الجَّنوبيّين شمالاً، حين تحاصرهم الحرب والفاقة، بالمقارنة مع مَن لا يلجأ منهم إلى بلدان الجِّوار الأفريقي إلا مضطراً! وإلى ذلك استخدام معظم اللغات الجَّنوبيَّة مفردة «جور»، بمعنى «الغريب»، إشارة إلى اليوغندي أو الزائيري مثلاً، بينما تستخدم مفردة «مندوكورو» للإشارة إلى المستعرب المسلم الشَّمالي(4)؛ وكذلك إحساس الجَّنوبي، أوان تجواله في الشَّمال، بأنه يتجوَّل في أرض تخصُّه، بعكس إحساس الغربة الذي ما يلبث أن يلفـه بمجـرَّد أن تطأ قدماه أرضاً أخـرى، حتى لو كانت في الجِّـوار الأفريقـي (5)!
واستطراداً لا يعود سائغاً، بالنَّظر إلى هذه الملاحظات، التأويل العدائي الذي ساقته غلظة كبد الإعلام الرَّسمي، وجلافته، للمعنى الطليق في عبارة الرَّاحل جون قرنق الشَّهيرة بأنه كان يشتهي أن يشرب القهوة في المتمَّة!
ز/ وحتى فى مفاوضات السَّلام، وبرغم ما كان يحتوشها، مظهريَّاً، من صراعات، ومن ميل مظهري للمفاصلة، إلا أن عين السَّخط وحدها هي التي لا تستطيع أن تلمح خلف كلِّ ذلك طيوف رغبة جنوبيَّة حقيقيَّة فى «الوحدة»، وإنْ بأشراط أكثر غلظة، تحت شعار «السُّودان الجَّديد»!
ح/ كما وأن الدَّواخل المعطوبة وحدها هي التي لا تستطيع أن تلتقط الدَّلالات الوحدويَّة الصَّادحة في حدثين بسـيطي المظهـر، عميقي المخـبر، خلال أبريل 2009م:
أوَّلهما: لمسة وفاء اتِّحاد الطلاب الجَّنوبيين لمدرسة الشَّيخ لطفي الثَّانويَّة برفاعة، والتي ظلت توفِّر لنازحيهم بسبب الحرب، وبجهد أهلي مرموق، منذ 1984م، المأوى والتَّعليم المجَّانيَّين، حتى بلغ عدد خرِّيجيهم 13 ألفاً. شملت تلك اللمسة خطة تأهيل المدرسة من تبرُّعات الخرِّيجين، والتَّوصية لحكومة الجَّنوب بإطلاق اسم الشَّيخ لطفي على أحد شوارع جوبا، إضافة لإنشاء مدرسة في الجَّنوب على غرار الشَّيخ لطفي.
وثانيهما: تفويج أندية الاستوائيَّة لكرة القدم 300 من الشَّباب، من الجِّنسين، بقافلة بصَّات من جوبا إلى كمبالا، يلوِّحون بأعلام السُّودان، مؤازرة لفريق المرِّيخ في مباراته أمام فريق كمبالا ستي، في العاصمة اليوغنديَّة، ضمن البطولة الأفريقيَّة، مِمَّا شكَّل أهمَّ عوامل فوزه يومها.
ط/ أخيراً، وليس آخراً، فإن الشَّماليِّين أصبحوا أكثر تذوُّقاً ليدويَّات الجَّنوب handicraft، خصوصاً مشغولات العاج والأبنوس، كما وأن زوَّار جوبا أضحوا يلاحظون، ولا بُدَّ، كيف أن أجهزة التَّسجيل في السَّيَّارات والمتاجر تصدح، صباح مساء، ليس فقط بأغاني وردي، وكابلي، وزيدان، وإبراهيم عوض، بل حتى النِّعام، ومحمَّد كرم الله، وسائر طنابير الشَّمال النِّيلي!
(نواصل)

الهوامش:
* ورقة قدِّمَت، أوَّل مرَّة، فى ندوة «مركز الدِّراسات السُّودانيَّة»، بقاعة اتِّحاد المصارف بالخرطوم، بين 30 ـ 31 أكتوبر 2002م، بعنوان "التَّنوُّع الثَّقافي وبناء الدَّولة الوطنيَّة في السُّودان"، بمناسبة اكتمال ترجمة ونشر أعمال د. فرانسيس دينق باللغة العربيَّة؛ ثمَّ نُشرت ضمن كتابنا «الآخر» الصَّادر عن دار «مدارك» عام 2006م.
** بعد أن تطاولت جولة المفاوضات الأولى، أقدم الوسيط الكيني الجَّنرال سيمبويا، فجأة، وبأسلوبه العسكري، على وضع مشروع بروتوكول مشاكوس أمام الطرفين للتَّوقيع عليه فوراً، مهدِّداً من يمتنع عن التَّوقيع بتحميله كامل المسؤوليَّة عن فشل المفاوضات!
*** نستخدم مصطلح "الإثنيَّة"، هنا، بدلالة المزاوجة بين مصطلحي "العِرق" و"الثَّقافة".

المصادر:
(1) Sir Anaye Nile Mirror, Feb.74
(2) عبد الله على إبراهيم؛ الماركسيَّة ومسألة اللغة، دار عزة، ص 40
(3) نفسه
(4) أنظر كتابنا "الآخر"، دار مدارك، القاهرة 2006م، ص 24
(5) نفسه، ص 25


+++



#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فِي حُلْمِ اسْتِعَادَةِ الوَحْدَةِ (2)
- إِزْدِوَاجِيَّةُ السُّلْطَة!
- العدالة الانتقالية (4 4)
- العدالة الانتقالية (3 4)
- العَدَالَةُ الانتِقَاليَّة (2 4)
- العَدَالَةُ الانتِقَاليَّة (1 4)
- البَشِيرُ والجَّنَائِيَّةُ: سَيِّدِي زَيْنَ العَابِدِينِ .. ...
- الانْتِقاَلُ أَحْطَرُ أَجِنْدَاتِ الانْتِفَاضَة!
- مفاوضة السجين
- علماء السودان: تاريخ من موالاة السلاطين وتكفير معارضيهم!
- هسيس (شعر)
- كينيا: إرهاب مشحوذ الحدين!
- عجائب علاقات الإنقاذ بالإنتربول
- فِي جَدَليَّة الدُّسْتُورِ والتَّغْييرِ الدِّيمُوقْرَاطِي
- جَثَامِينٌ فِي الحَشَايَا!
- جَدَليَّةُ الدُّسْتُورِ والتَّغْييرِ الدِيمُوقْرَاطِي
- لِمَ لَمْ تَبْلُغ انْتِفَاضَةُ أََبْرِيلَ مَرَمَاهَا؟!
- العَقْلَانِيَّةُ .. حَتْفَ أَنْفِ الخِفَّةِ والاسْتِخْفَاف!
- شُذُورٌ مِنْ سِيرَةِ التَّكْفِيريِّين!
- هَلْ الحِقْدِ الطَّبَقِي اخْتِرَاعٌ شِيُوعِي!


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال الجزولي - فِي حُلْمِ اسْتِعَادَةِ الوَحْدَةِ (1)