أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وائل الخطيب - ونوس .. إعادة إنتاج الأسطورة ونقد اللاوعي















المزيد.....

ونوس .. إعادة إنتاج الأسطورة ونقد اللاوعي


وائل الخطيب

الحوار المتمدن-العدد: 6339 - 2019 / 9 / 2 - 20:49
المحور: الادب والفن
    


الأسطورة الألمانية أو الحكاية الشعبية - مع الفارق في المصطلح - عرفت باسم (فاوست) وهو اسم الإنسان الذي باع روحه للشيطان .. ليس هو الشيطان كما يعتقد الذين سمعوا فقط عن المسرحية الشهيرة،ولعل هذه إحدى المفارقات في عنوان مسلسل مصري اتخذ من الجانب الآخر - الشيطان- عنوانا له (ونوس).
فإذا كان (جوتة) المسرحي و (مارولو) الشاعر اتخذا من الجانب الإنساني (فاوست)عنوانا لعمليهما الإبداعيين فإن (عبد الرحيم كمال) كاتب السيناريو قام بالتركيز على الجانب الشيطاني في الأسطورة.
أعتبر هذا مدخلا أساسيا للتعامل مع مسلسل (ونوس) .. فالسيناريست ومنذ الحلقة الأولى يقدم لنا (مفستوفيليس) أو الشيطان بطريقة تقترب كثيرا من المخزون الشعبي عن صورة الشيطان .. الحضور والاختفاء المباغتين والمتناقضين مع قوانين الطبيعة الإنسانية .. دقات على باب الشقة مع ظل من خلف زجاج الباب المغلق ثم حين يفتح الباب لا تجد أحدا... ثم ظهور مفاجيء لـ (ونوس) أمام الباب مع وجود (إنشراح) الأم والزوجة خارج باب الشقة.
ويتكرر هذا التقديم في مشاهد كثيرة .. هو - ونوس - حاضر دائما من حيث لا تدري وبحيث لا تدري .. يتجاوز القوانين الأرضية لطبيعة الجسد البشري الذي يستحيل انتقاله في الزمان والمكان في غمضة عين كما يقولون.
السيناريست يلح على استدعاء هذا المخزون في لا وعي المشاهد ليقدم (ونوس) من خلاله لا عن الشيطان الذي نعلمه في الدين.
هذا المخزون يجعل السيناريست أكثر حرية في التعامل مع جميع شخصيات المسلسل لأنه ببساطة شديدة يقدمهم لنا من نفس المكان في اللاوعي ...
هذا اللاوعي لدى المشاهد يتجه بطبيعته إلى التنميط سواء في الشخصيات أو في الأحداث بحيث يكون التوقع من المشاهد هو السبيل الأكثر حضورا أثناء فعل المشاهدة أو الفرجة.
من هذا المكان في اللاوعي تأتي شخصيات عائلة (ياقوت) .. وهنا نقع في نفس المشكلة من رفض و قبول مسألة دلالات الأسماء في الدراما المصرية ... دلالة اسم (ياقوت) بالاتساق مع فكرة المسلسل لا يمكن تجاهلها أو غض الفكر عنها... كذلك بقية أسماء أفراد عائلة (ياقوت) .. (عزيز) الابن الأكبر .. (نبيل) .. (فاروق) الأبناء الذكور لـ (ياقوت) .. وهنا يلقينا كاتب السيناريو في مركز معالجته الدرامية للفكرة الإطار (فاوست) ورغباته المادية والجسدية... فـ (عزيز) يتحول إلى نقيض دلالة الإسم .. وكذلك (نبيل) و (فاروق).

منذ البداية ومن أول مشهد لعائلة (ياقوت) في صالة المنزل يعرض تليفزيون صغير موضوع في الصالة مشهد من فيلم (سفير جهنم) .. إنه واحد من أعمال تناولت الأسطورة أو استلهمت المسرحية (فاوست) ليكون السؤال هل قصد السيناريست ثم المخرج الكشف عن فكرة المسلسل ؟ ومن أول مشهد ؟ لينصرف من شاء وليبقى من يشاء؟ هل هذا ما يسعى إليه القائمون على عمل درامي من ثلاثين حلقة يكشفون من أول مشهد فكرته؟
للإجابة عن هذه التساؤلات - التي هي في الحقيقة سؤال واحد – تأمل عنوان الفيلم (سفير جهنم) .. إنه ينطلق من نفس مقصد السيناريست (عبد الرحيم كمال) .. من الجانب الشيطاني لا من الإنساني كما فعل جوتة ومارلو في (فاوست) مع فارق جوهري أننا في (فاوست) أو في (سفير جهنم) نرى الإنسان يوقع صكا مع الشيطان ونتابع تداعيات هذا التوقيع .. بينما في (ونوس) لا نجد (ياقوت) موقعا لصك البيع ومن هنا نبدأ في متابعة تداعيات الرفض ومسارات تطور الشخصيات التي تنتمي لـ (ياقوت) الإنسان الرافض للتوقيع بالرغم من أنه أتى تقريبا بكل فعل شيطاني باعترافه (قتل و شرب خمر وزنى) ويتبقى فقط الجانب الشكلي (توقيع الصك).
من الذي وقع الصك للشيطان في مسلسل (ونوس)؟
أول اثنين فقط وقعا الصك هو(غريب) الشاب المنسحق ماديا وجنسيا يمارس عملا متواضعا أسفل كوبري وأحيانا يتسول بطريقة معروفة كونه عامل نظافة للشوارع .. ثم نراه يرتاد كباريه تمتلكه (حياة الراقصة) يشرب الجعة بشراهة ويدخن بشراهة ويجالس فتيات الحانة أو الكباريه... (غريب) يعيدنا إلى المنظور الديني لغواية الشيطان للإنسان واتباع الإنسان لرغبات الشيطان إن جاز التعبير .. من خلال هذه الشخصية يعيدنا كاتب السيناريو إلى توقعاتنا المبنية على المخزون الأسطوري ثم الديني للصراع الأبدي... ويكشف السيناريو في مشهد رائع عن وسيلة من وسائل الشيطان لكسب جولة في هذا الصراع .. جريمة قتل (حياة الراقصة) ينفذها (غريب) – ويعلم المشاهد مسبقا بهذه المعلومة – ويتهم فيها ظلما الشاب الفنان صاحب الصوت الجميل الدارس للموسيقى العربية (نبيل) ابن (ياقوت) .. ثم بطريقة فنية يوافق السيناريست توقعات المشاهد فيعلن براءة المظلوم وكشف المنفذ الحقيقي .. في الملاهي المهجورة يلتقي (غريب) مع (ونوس) .. (غريب) منتشيا بقدرته على تضليل الشرطة وهروبه من الاتهام بالقتل .. و(ونوس) جالسا على كرسي صالون قديم – عرشه – ثم نسمع صوت صافرات سيارات الشرطة آتية للقبض على (غريب) بعد توصل الشرطة له كجاني مدان بجريمة القتل .. وحوار أكثر من رائع يكشف فيه (ونوس) لـ (غريب) أنه لم يحرضه مباشرة على القتل وأن (غريب) فهم إشارات (ونوس) بالكلمات خطأ كون (حياة) حشرة يستطيع سحقها وأن فعل القتل كان ترجمة خاطئة لهذه الإشارات وأن لا سبيل لـ (غريب) من الهروب من مصيره (الإعدام) .. يتوسل (غريب) لـ (ونوس) أن ينقذه ، باعتبار مواد الصك الموقع بينهما .. (ونوس) يقول لـ (غريب) أن الحل الوحيد هو أن بدلا من أن يموت بقصاص القتل .. يموت معه .. يموت مع الشيطان فيكتب له حياة جديدة .. بالفعل يوافق (غريب) ويقوم بشنق نفسه .. بقتل نفسه .. فيضحك (ونوس) على غباءه .. لقد مات (غريب) تحت بند قتل النفس المحرم دينيا وصفته هنا (كافر).. وبهذا يكسب (ونوس) جولة في الصراع أغوى وأوعز ووسوس فنفذ الإنسان فارتكب الكبيرة أو المعصية الكبيرة ثم في النهاية لم يهرب لمن بيده القدرة على الغفران بل هرب لمصير اشد عذابا في الدار الآخرة
سنعود للشخصية الثانية الموقعة على الصك ولكن بعد أن نقف قليلا عند مفارقة أكثر من رائعة قدمها لنا السيناريست (عبد الرحيم كمال) ، وهي مفارقة يمكن أن تكون صادمة لكثيرين وهوؤلاء أستسمحهم في مساحة فكر ومساحة عقل قبل أن ينهالوا علي بوابل من الهجوم الشديد الرافض والمتهكم.
المفارقة ايضا تم بنائها على مخزون الوعي الديني ومخزون اللاوعي في نفس الوقت،المفارقة تم بنائها على انحيازنا لهذا الوعي ولذلك اللاوعي .. وهي مفارقة تكشف بل وتعري هذين المخزونين وتوصمهما بالضحالة والتدني بدون كلمات.
(ياقوت) يداهمه المرض والوهن/ينام على رصيف تم تقديمه بصريا أنه امتداد لكنيسة/يأتي إليه (ابانوب) خادم الكنيسة/يساعد (ياقوت) ويستضيفه في حجرته داخل الكنيسة مقدما له الغذاء والدفء/وفي سياق مطاردة (ونوس) لـ (ياقوت) يدخل (ونوس) الكنيسة ليشي بـ (ابانوب) قائلا للقس أنه لا يصح أن يقيم (مسلم) في كنيسة بل ويصلي بها... المفارقة هنا أن المشاهد المسلم يتقبل بكل أريحية وجود (الشيطان) في كنيسة بل ولا يرفضه، ويتعامل معه من خلال المخزون الضحل لديه للدين ومخزون اللاوعي الشعبي الإسلامي عن الكنيسة والدين المسيحي... ويظل المشاهد هذا متقبلا للفكرة ومستجيبا لمخزونه،ثم فجأة يصدمه مشهد وجود (ونوس) – الشيطان – داخل المسجد الذي يصلي فيه (فاروق) الابن الأكبر لـ (ياقوت)... فيكتشف هذا المشاهد ضحالة مخزونه الديني وضحالة مخزون اللاوعي عنده... هذين المشهدين يكشفان عمق الرؤية وروعة المعالجة الدرامية الكاشفة لاهترائنا وتفسخنا النفسي وخطورته.





عودة للشخصية الثانية التي وقعت صكا مع الشيطان
شخصية (كرباج) .. بدوافع الفقر والعوز والغرائز البشرية يوقع – لطفي لبيب – أو (كرباج) الصك .. بعد فترة من تقديم الشخصية نتعرف على هذه الدوافع التي تتجاوب مع توقعات المشاهد المرتكنة على المخزون الديني ومخزون اللاوعي. كاتب السيناريو يمتلك أدواته في رسم هذه الشخصية تحديدا رغم قصر ظهورها الزمني على مساحة المسلسل.
ولا يفوتكم المكان الذي يقدمها لنا .. التكية أو المساحة الداخلية لمسجد ذو صفة شعبية صوفية.. شحاذ مقطوعة ساقاه يقبع داخل نصف برميل يتحرك على دواليب (عجل)،يشحذ وهو يدعو لمن يقدم له الصدقة.. نتيقن من توقيعه على الصك في مقابلة مع (ونوس)،وفي جملة حوارية قصيرة نعرف أنه وقع دون إجبار : (أنا دفعت الثمن وانت عارف) .. يقولها لـ (ونوس)... المثير هو الاسم (كرباج) من أين أتى هذا الاسم ولماذا؟
(كرباج) يعذب سامعه بدعوات تجري على لسانه فتلهب ضميره فيقدم الصدقة.. ربما؟
(كرباج) أدة تعذيب وممارسة الضغط في (يد) ممدودة من جسم مشوه؟.. ربما
(كرباج) بهذه الصفات هو الشخصية التي تصلح أن تكون فيما بعد حامل رسالة من (ونوس) إلى (ياقوت) داخل التكية... لا يعرف (ياقوت) حكاية توقيع (كرباج) على الصك،والذي يعرف هو (القصبي) خادم التكية.
لماذا وقع (كرباج) على الصك ؟ أو بمعنى أوضح ما السبب في التوقيع ونحن نراه في هذه الهيئة الرثة المغبرة وهذا التشوه الجسدي؟ وتحضرنا الإجابة من المخزون لدينا المتكون عن فكرة ممارسة الشحاذة وكسب المال بطريقة سهلة ولكنها مهينة بحسب رؤيتنا ومدى إيماننا برفض هذه الوسيلة للكسب.
(كرباج) جسديا مشوه بإرادته،برضى وهدف،فهل تصلح هذه الأسباب لأن تكون دافعا لتوقيع صكا مع الشيطان يبيع روحه له بموجبه؟
في تقدمة الشخصية للمشاهد عبر مطاردة قصيرة يقف (ونوس) مباعدا قليلا بين ساقيه وزاوية تصوير منخفضة ليظهر (كرباج) من خلالها،في معالجة بصرية متسقة مع توقعات المشاهد،لكنها أيضا تحمل زخما من المشاعر الرافضة لهذا الانسحاق وساخرة إلى حد كبير تحت تأثير من صورة شحاذ مشوه باع روحه للشيطان،وفي جملة نكتشف مدى انصياع (كرباج) واستسلامه، (ونوس) يقول لـ(كرباج) : اتكلم بأدب مع سيدك.
رغم أنها جملة تعتبر عادية لكنها مع الرؤية البصرية تشعر المشاهد بكم من الخوف لا يمكن وصفه إلا بكلمات كثيرة لنكتشف قدرات المخرج في تقديم مشاعر يصعب وصفها بكلمات قليلة بل وتصديرها بكل براعة للمشاهد من أجل ما يمكن وصفه بالترهيب.
ونوس للسيناريست عبد الرحيم كمال،يقدم لنا نسخة تليفزيونية جديدة للأسطورة والمسرحية بظلال دينية ومخزون في اللاوعي يمتزج فيه الخيالي بالحقيقي،براعة السيناريو في بنائه النفسي والاجتماعي للشخصيات،ساهم في بناء (ونوس)،الشيطان،لتتداخل مكونات البناء وتمتزج فيسهل توجيه النقد (فنيا) لهذا المخزون المتراكم بأبعاد أسطورية ودينية،وبمهارة السرد الدرامي للأحداث وبراعة الأداء التمثيلي لشخصيتي (ونوس) – يحيى الفخراني – و (ياقوت) – نبيل الحلفاوي – يقبع المشاهد في حلبة مصارعة فنية على مستوى الدراما والتمثيل وعلى مستوى مصارعة أخرى بين وعيه ولا وعيه بغلافيهما الديني والأسطوري.



#وائل_الخطيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مثل إيكاورس .. عالم كافكا ورواية الجريمة. وائل الخطيب
- الشعبي لمواجهة التسلط - مقاربة في مسرحية حلقة نار للكاتب أشر ...


المزيد.....




- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وائل الخطيب - ونوس .. إعادة إنتاج الأسطورة ونقد اللاوعي