أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل أحمد - هل يمكن عبور النفق المظلم؟ تأملات في الشأن السوري















المزيد.....


هل يمكن عبور النفق المظلم؟ تأملات في الشأن السوري


عادل أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1551 - 2006 / 5 / 15 - 12:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تعيش سوريا شعبا وحكومة ، موالاة ومعارضة ، هاجسا يؤرق مضاجعها . فثمة تهديد وضغوط خارجية، ووضع اقتصادي شبه منهار, إضافة إلى وضع داخلي مأزوم ومهدد بالانفجار نتيجة لغياب الفعالية السياسية الضابطة ، وفسحة الحرية والأمان المهدئة . هذا الهاجس بما يولده من أسئلة ويطرحه من احتمالات ، جعل العنوان العام للعمل السياسي هو إحداث نقلة نوعية على صعيد الحكم والإدارة ، السياسة والاجتماع ، الاقتصاد والثقافة .
ولحدة هذا الهاجس أصبح من البداهة أن يكون الجواب عن أي سؤال حول الأوضاع في سوريا ، ومن كل المواطنين تقريبا عدا عن المهتمين ، هو " فالج ، لا تعالج " . فما هي طبيعة هذا الوضع الذي يوصف ب " الفالج " وهل يمكن معالجته ؟ ثم ما هي وسائل وأدوات وطرق هذا العلاج ؟
بداية ، لا بد من الإقرار بأن هناك أزمة. أزمة سياسية اقتصادية، اجتماعية وثقافية ؛ أي أزمة عامة شاملة ، والتي توصف من قبل الكثيرين بأنها أزمة مستعصية على الحل . وهذا يقود مباشرة إلى اليأس والإحباط لدى الجمهور الأكبر من الناس . بالتالي فان المهتمين بالشأن العام انكبوا على دراسة هذا الوضع ، وفككوه إلى أجزاء، واقترحوا الحلول والمخارج التي تفك استعصاءاته وتضعها على طريق الحل النهائي بعد أن تخرجه من حالة الموات والسكون التي يعيشها .
في هذا الإطار ثمة أطروحات ثلاثة متداولة ويُعمل عليها بهذا الخصوص :
- الأطروحة الأولى وهي التي يتبناها النظام السياسي (السلطة) تحت عنوان ( الإصلاح ، التحديث والتطوير).
- الأطروحة الثانية وتتبناها بعض القوى ( الإخوان المسلمون ، عبد الحليم خدام ، قوى كردية وليبرالية) تحت عنوان " جبهة الخلاص الوطني" مستندة إلى قراءة خاصة للداخل السوري وللوضع الإقليمي والدولي . وهي قوى تعمل في الخارج وتوصف بأنها ( تستند إلى علاقات وطيدة بمراكز وقوى تؤدي ولو بطرق مواربة إلى الولايات المتحدة والغرب عموما ).
- الأطروحة الثالثة وهي المتبناة من قوى "إعلان دمشق " والتي تطرح التغيير الوطني الديمقراطي المتدرج والسلمي والآمن . وقوى هذا الإعلان تعيش في اللحظات الراهنة أزمة داخلية كان السبب المباشر لها وان لم يكن السبب الأساس هو إعلان قيام " جبهة الخلاص الوطني " والتي شهدت انتقال أحد أطراف الإعلان ( الإخوان المسلمون) إلى موقع آخر وتحالفات أخرى .
والى جانب هذه الأطروحات الثلاث هناك قوى ومجموعات وشخصيات تحاول أن تبحث عن طريق خاص بها ، لكن ما يميزها أنها تنوس في أفكارها بين الأطروحات الثلاث، الأمر الذي لم يؤهلها حتى اللحظة كي تعبر عن نفسها في أطروحة مستقلة بها وذات قبول شعبي .
هذا القراءة تقودنا إلى القول بأن هناك ثمة اعتراف ب / وإدراك ل الأزمة وعمقها ، وقناعة بضرورة التغيّر ( التحديث والإصلاح ) ، أو التغيير الكلي (استبدال النظام الاستبدادي بنظام وطني ديمقراطي) مع اختلاف في التوجهات والأهداف والأدوات ، وتوحد في الرؤيا الضبابية وغير المكتملة والناضجة للحلول المطروحة وطرقها ووسائلها .
كيف يمكن عبور هذا النفق المظلم؟ كيف يمكن الوصول بالبلاد إلى وضع يؤمن لها حريتها واستقرارها وأمنها ، ويوفر لأبنائها العيش الكريم والحرية والطمأنينة ، ويجنبها " التجربة " وصعود الجلجلة ويقيها من الفوضى والانهيار ؟
إن محاولة الإجابة على هذا السؤال تستلزم الإحاطة بعدد من العناصر، فنحن حين نتحدث عن الواقع القائم في سوريا، آفاقه ومآلا ته ، نتحدث عن أمرين اثنين هما الوطن كجغرافيا والوطن كشعب . الوطن كجغرافيا ليس موضع خلاف أو تباين ، إذ هناك اتفاق كامل على وحدته وسلامة أراضيه وعلى ضرورة استعادة ما سلب منه . أما الوطن كشعب فهو "مربط الفرس " ومنه وعليه ومن أجله يجري كل شيء . فالوطن ، أي الكتلة البشرية التي ولدت وتعيش على أرض الوطن وسنختصر تسميتها بالمجتمع السوري ، في هذا المجتمع نجد : 1ـ النظام السياسي ( السلطة ) ، 2ـ المعارضة ، 3ـ وبينهما والأصل فيهما معا المجتمع . إذن هناك ذات وموضوع ، فحالة الاستعصاء القائمة في الوضع السوري تعبر عن عمق الأزمة على مستويات ثلاثة : السلطة والمعارضة والمجتمع ( الأغلبية الصامتة المغيبة والغائبة عن الفعل ) و(الدولة - الوطن ) جغرافيا وشعب ومؤسسات ، علاقات وقوانين وبنى كموضوع، ولا ريب أن هذا التوصيف ينطبق على وضع طبيعي لا استثنائي ، وضع تكون فيه السلطة السياسية ، سلطة تقوم على الدستور والقانون وتأتي من خلال صناديق الاقتراع وليست تلك القائمة على القوة كمنشأ ومآل ، وتكون المعارضة سلطة بديلة ( حكومة ظل ) . أما في وضع سوريا الاستثنائي فان المعادلة تتغير لتصبح السلطة ( الحكم) هي الموضوع والمعارضة هي الذات وليكون المجتمع ذو بعدين ويمثل الحدين معا ؛ فهو ممثلا بقواه البشرية والإنسانية ذات خالصة هي صاحبة المصلحة والفعل والتأثير في أية عملية أو حراك سياسي ضمن إطار التحول والتغيير ،( ولا ريب أنها تشكل موضوعا للعمل أو جزءا من الموضوع بشكل دائم ) ، أما في علاقاته الاجتماعية والاقتصادية ووسائله وعلاقاته الإنتاجية فهو الموضوع الأساس .
1 ـ تنبع أزمة السلطة من : - شعورها بحجم وعمق المخاطر الخارجية من جهة ، ومن شعورها بتنامي حركة المعارضة الداخلية المعلنة والمضمرة ، ومن خوفها من التلاقي أو التعاون الذي يمكن أن يحصل بين قوى الداخل أو بعضها وبين القوى الخارجية وليس أدل على ذلك من ردة الفعل تجاه إعلان قيام ( جبهة الخلاص الوطني ) بين عبد الحليم خدام والإخوان المسلمين وقوى أخرى . عبر هذا الرد عن نفسه بتشديد القبضة الأمنية في الداخل ، وإصدار حكم بالإعدام ( خفف إلى اثني عشر عاما ) على أحد الناشطين والمحسوب على الإخوان المسلمين ، وكذلك في تعيين السيدة نجاح العطار نائبا لرئيس الجمهورية والذي حمل عددا من الرسائل والى اتجاهات مختلفة ، وفي إغلاق عدد من المواقع الالكترونية من مثل موقعي arraee.com و lazikia.org . ويعود أصل هذا الشعور بالخوف إلى المبدأ الذي تقوم عليه هذه السلطة وتنطلق منه وهو مبدأ إلغاء الآخر واعتبار السلطة حقا محصورا بها ومقصورا عليها ومن غير الجائز للآخرين حتى التفكير به .ومعروف أن ما أسس لذلك هو تراكمات حركة الثامن من آذار وشعارات ( الحزب القائد والثورة والوطن الاشتراكي ) هذه الشعارات التي امتطت أفكار الأمة العربية الواحدة وكذلك الوحدة والحرية والاشتراكية ...
والسلطة في خوفها المقيم والدائم هذا على نفسها وعلى مصالح أهلها ارتكزت في الدفاع عن نفسها على إلغاء الآخر وإقصائه وهو في معظم الأحوال الشعب السوري وقواه الحية من خلال قانون الطوارئ الذي تحول إلى حالة أبدية ومعه الأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية وما يعنيه ذلك من تغييب للحرية والقانون . وهي في سعيها المستميت هذا للدفاع عن نفسها سمحت لطاقم السلطة بارتكاب كل أنواع التجاوزات والسير في طرق الفساد والإفساد لتصل بالبلاد إلى وضع غاية في المأساوية على الصعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية .
وبدلا من عقد العزم على التحرر من الخوف والانكباب على مهمة التغيير الذاتي وتحرير المجتمع من الخوف والقيود وإطلاق قواه لبناء وطن جديد(شكل بيان القسم الرئاسي عام/ 2000 / وعدا ورديا بهذا الخصوص) . رأينا هذه السلطة وقد أفشلت أي عمل بهذا الخصوص وارتدت على بيان القسم ، فكان اغتيال ربيع دمشق ، ومن ثم التوجه نحو الخارج هربا من الأزمة الداخلية ، والأسوأ من كل هذا طرح مسألة الداخل والخارج واعتبار أن كل إثارة لمسائل تتعلق بالوضع الداخلي هي بمثابة عون للخارج وتهديد للوحدة الوطنية كما تراها السلطة إياها . وهكذا تحولت هذه السلطة من ذات يمكن أن تكون فاعلة إلى موضوع . وتحولها إلى موضوع لا يعني أن المطلوب هو إسقاط النظام . فمؤسسات الدولة القائمة ضرورة لا بد منها للمشاركة في فعل التغيير لبنية البلاد وأسس نظامها السياسي . صحيح أن هذه المؤسسات منخورة ويعشش فيها الفساد والمحسوبية ، وهي في اللحظة الراهنة عاجزة عن أن تقوم بدورها الوطني ؛ لكن هذا لا يطرح هدمها بل مهمة إصلاحها جذريا ، الوزارات ، مجلس الشعب ، مجالس الإدارة المحلية ، البلديات ، القوانين ، الدستور .... ويمكن لأي مراقب أو دارس أن يلحظ أن في هذه المؤسسات من العامل البشري أعدادا كبيرة يمكن لها أن تساهم في انجاز وإنجاح المهام المطروحة على جدول أعمال التغيير .
2 ـ المعارضة : وهي بلغة القرن الماضي ومفاهيمه ، تتوزع بين معارضة وطنية ديمقراطية ومعارضة يمينية وكان لكل فصيل أو جزء منها شؤون وشجون ، لكنها ومع بداية القرن الجديد وسيادة مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة بفعل تداعيات ونتائج نهاية الحرب الباردة وسيادة قطب واحد على العالم ، كما بفعل ثورة المعلومات ، أخذت هذا المعارضات عبر الاعتراف بالآخر والحوار معه تقترب شيئا فشيئا من بعضها البعض ليتشكل لدينا مفهوم جديد أو مصطلح جديد تنضوي هذه المعارضات تحت تسميته وخاصة بعد بروز لافت لهيئات ومنظمات جديدة تعنى بالشأن الوطني وحقوق الإنسان وحرية التعبير . هذه التسمية هي الطيف الوطني ، وهذه التسمية تستوعب كل الوطنيين من أهل اليمين واليسار ، كل المؤمنين بمثل الحرية وقيمها من المعارضة كما من المحسوبين على النظام .
من خصائص الشعب السوري والتي تأكدت عبر تاريخه ، رفض الاحتلال والوصاية والتدخل الخارجي . وإحساس مرهف وعميق بالانتماء ، ومن هنا تميز بشعور عال بالوطنية وبالعروبة ، وكانت الوحدة العربية المبدأ الذي ضحى بالكثير الكثير من أجله ، كما كانت فلسطين وقضية شعبها في رأس أولوياته ، وليس عبثا أن سميت دمشق قلب العروبة النابض . لذلك فان من بديهيات أي فعل سياسي الحفاظ على هذه الخصائص والارتباط بتلك المفاهيم وتطويع كل شيء من أجل الوطن ووحدته أرضا وشعبا ومجتمعا . من هنا فان على المعارضة السورية أن تعمل على توحيد الطيف الوطني في جبهة واحدة تتبنى برنامجا موحدا يتمثل المشتركات الوطنية ويستطيع أن يحشد قوى المجتمع خلفه ، آخذا بعين الاعتبار قضية العلاقة بين الداخل والخارج ، وذلك للحؤول دون أية ذريعة قد يستخدمها النظام أو السلطة لشق الصف الوطني وإرهاب المجتمع ، واستغلال وطنية الشعب السوري لإبعاده عن الانخراط في النشاط السياسي والكفاح من أجل الحرية ودولة القانون ( وهذا ما عبرت عنه بكل قوة معظم القوى السياسية وبقية أطراف الطيف الوطني عموما ) .
لهذا ، وللوصول إلى هذه الحالة فان على المعارضة وكافة القوى ، منظمات وجمعيات ، شخصيات ومؤسسات ، كل الطيف الوطني الذي تحدثنا عنه ، أن تنطلق وباعتبارها ذاتا فاعلة لتعتبر نفسها ( تحول نفسها) موضوعا للعمل عليه ، وذلك عبر مراجعة نقدية ذاتية ، تشخص الأمراض وتكشف العيوب والنواقص في طرحها وأساليب عملها ، وأن تؤهل نفسها بالتالي كي تصبح القاطرة التي يمكنها ، ومعها الإنسان السوري ، أن تغير في بنية الدولة والمجتمع . هذا الطريق هو ما يمكن أن نطلق عليه طريق الألف ميل الذي يبدأ بخطوة واحدة . أي البدء بالنفس أولا ( الذات ) ومن ثم الانتقال إلى الموضوع .
3 ـ المجتمع :
العنصر الأساس ، الموضوع الكلي ، مجموع أفراد الشعب والذي عنه تنبثق الدولة ( السلطة) ، ومنه تخرج المنظمات والهيئات والأحزاب والمجالس التشريعية والهيئات التنفيذية والقضائية . هذا المجتمع ( الدولة) هو موضوع الفعل ألتغييري ، وهو مادة العمل المباشر , وهو الهدف الذي من أجله ينبغي أن يجري كل شيء .
المجتمع ، الشعب بأغلبيته الصامتة هو الأكثر مصلحة بالتغير أو التغيير ، فنسبة البطالة المرتفعة ، والوضع الاقتصادي المتدهور الذي يلقي بظلاله السوداء على مستوى معيشة الناس ودرجة شعورهم بالأمان والاستقرار ، وغياب الحرية التي توفر الثقة بالنفس وبالوطن ، وتدهور حال القضاء والقانون وتسيد الأجهزة الأمنية وتحكمها بكل شيء ، الأمر الذي يغيب فعل المجتمع وهيئاته الاجتماعية والمدنية، ويولد الخوف واليأس والإحباط . كل هذه الأمور تؤكد مصلحة الشعب بتغيير الحال ، ولكنه للأسباب نفسها لا يعبر عما في نفسه بل ويتجنب الاهتمام بالشأن العام عموما .
ولما كانت هذه الشرائح من المجتمع وهي الأغلبية المطلقة ، هي الكتلة الاجتماعية البشرية صاحبة المصلحة في التغيير ، والوحيدة التي بدون مشاركتها لا يمكن انجاز أي تقدم نحو الأمام ، فان الأمر يستوجب من الجميع بلا استثناء العمل على مساعدتها كي تتقدم باتجاه الإمساك بقضيتها والاشتراك في العمل من أجلها ، مرة ثانية، هذا الفعل مطلوب من كل وطني مخلص أينما كان موقعه ومهما كان اتجاهه .
ولعل أفضل ما يمكن المساهمة به في هذا الإطار هو تحديد برنامج عملي يحدد الآليات والوسائل والأطر التي يمكن أن تقودنا جميعا نحو الهدف المنشود والذي سنحدده بوطن للجميع ومن أجل الجميع ، وطن قادر على اللحاق بركب التطور والتقدم ، وطن حر مستقل وديمقراطي .
ـ 4 ـ من خلال ما سبق ، وللدخول عمليا ب / والبدء في ( مسيرة الألف ميل والتي تبدأ بخطوة واحدة ) تنبغي الإجابة على الأسئلة المطروحة في الشارع السوري وبين الناشطين فيه عموما ، سنحاول في هذه العجالة تحديد الأسئلة آخذين بعين الاعتبار استمرار الضغط الخارجي والذي يشكل بحد ذاته خطرا أكيدا على الوطن والمجتمع ومصالحهما ومستقبلهما من جهة ، واللجوء إلى الحل القاصر إياه من قبل السلطة والمتمثل بتشديد القبضة الأمنية على المجتمع ، مما يزيد في استفحال الخطر ويعيق تحقق وحدة الإرادة لأطياف المجتمع وقواه كافة في مقاومة كل أنواع الأخطار الخارجية والداخلية من جهة أخرى . مضافا إلى ذلك عزوف المواطن عن الاهتمام بالشأن العامة بناء على تربية استمرت عقودا وخوفا من المساءلة عموما ، وكذلك بسبب استغراق المواطن الكلي في البحث عن العمل ولقمة العيش والأمان والاستقرار .
أصبح واضحا لكل ذي بصيرة أن شعار التغيير الذي لاقى رواجا وشعبية وقبولا في بادئ الأمر وبسبب من توفر الظرف الدولي والإقليمي من جهة ، ولتوفر بعض المعطيات الداخلية المعلنة والمضمرة من السلطة نفسها من جهة أخرى . أصبح واضحا أن هذا الشعار لم يعد مناسبا في الظروف الحالية لنفس العوامل بعد أن تغيرت اتجاهاتها. وإذا كنا نريد أن نكون أكثر وضوحا ، فيمكن القول أنه لا الظرف الدولي يسمح به ، ولا تتوفر على الصعيد الداخلي أية إمكانات حقيقية له ،هذا إذا لم نقل أن الشعب ، البشر ، الناس ، المواطن السوري لم يعد يبحث في ظل الضغط الخارجي وما يحمله من مخاطر ، وفي ظل الاستبداد وما يولده من خوف وقلق ومن مآلات يذكره بها الوضع العراقي كل يوم ، لم يعد يبحث إلا عن الاستقرار والأمان النفسي والاقتصادي بغض النظر عن طبيعة الحكم وأساليبه . من هنا فان سؤال ما العمل ؟ والذي كان ولا يزال مطروحا ، وذلك بغرض الوصول إلى تحقيق هدف التغيير . إن مثل هذا السؤال ينبغي أن يطرح الآن ولكن لغرض آخر وهدف مختلف .
عليه فان ما يجب تحديده اليوم هو ماذا يريد الشعب السوري حقيقة ؟ ماذا تريد نخبه ( والتي يفترض بها أن تستشعر نبض الشعب وتترجم تطلعاته إلى أهداف وخطط عمل ) ؟ هل مجتمعنا بوضعه الراهن قابل وقادر على أن يمارس دوره وحقه وواجبه ؟ هل يمتلك أدواته الكفيلة بذلك ؟ هل هناك كتلة تاريخية قادرة على حمل الأهداف المطروحة ؟ هل هناك قوى سياسية حقيقية ( تمثل قوة واقعية على الأرض ) على تواصل وتفاعل مع الشارع والجمهور ؟ وأخيرا ولما كان الجميع يطرح العمل الديمقراطي كوسيلة لانجاز المهام التي يضعها لنفسه فان السؤال الأهم هو ، هل يمكن القيام بأي عمل ديمقراطي من دون توفر مناخ ديمقراطي ؟ وهل هناك مجتمع مدني سوري ومنظمات مدنية حرة ومستقلة تتمتع بالحرية والعمل قانونيا ؟ أليست الديمقراطية عملية تطورية وكي تُعاش على أرض الواقع وتتجذر تحتاج إلى هيئات ومؤسسات ومجتمع مدني وقانون ودستور وفكر متحرر من الأيديولوجيا عموما ، تكفل لها الاستمرار والتطور ؟ أليس الفرد الحر الديمقراطي شرط أساس للديمقراطية؟ .
لا شك أن السوريين ( قوى وشخصيات ، منظمات وهيئات ، كتاب وباحثين ، نشطاء وجالسين على الرصيف ) موالاة ومعارضة ، لا شك أنهم تعلموا الكثير خلال السنوات القليلة الماضية ، فالتجربة والتراكمات المختلفة ، التقدم والتراجع ، كل هذا جعل من الحوار وحرية التعبير عن الرأي ، الاعتراف بالآخر واحترامه ، الديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان ، الحرية والقانون ، جعل منها مقولات ومبادئ متداولة ومقبولة وقادرة على أن تعود وتحتل الصدارة في مخيلة وتفكير الناس ووعيهم ، وتحتل حيزا من اهتمامهم . وهي لكي تصبح في المقدمة من اهتمامهم هذا يجب أن تسبق بالنسبة لهم بتوفر أساسيات الحياة ومقومات استمرارها ، العمل والأجر العادل وتوفر الكفاية الاقتصادية والشعور بالاستقرار والأمان. ومثل هذا لا تؤمنه إلا دولة للجميع ومن أجل الجميع ، دولة مؤسسات تجعل من القانون وتطبيقه هدفها الأول وتعمل على إدارة المجتمع بما يخدم تطوره ومصالح مواطنيه بحزم وعدل .
ولذلك وقبل سؤال ما العمل ، ينبغي تحديد الهدف ، الموضوع . فهل المطلوب هو التغيير الكلي ؟ هدم المؤسسات القائمة والبدء بمؤسسات جديدة من الصفر ؟ تغيير الدولة والسلطة واستبدالها بأخرى جديدة ؟ هل تغيير القوى والأشخاص والإتيان بقوى جديدة وأشخاص آخرين يمكن أن يحقق التغيير المطلوب ؟ أم أن المطلوب هو تغيير يطال البنى والمؤسسات , المجتمع والإنسان ، تغيير تراكمي يحافظ على الدولة كمؤسسة ، وعلى المؤسسات كوسائط للحكم والإدارة ، تغيير الهدف منه الوصول إلى المشاركة الحقيقية للإنسان السوري بإدارة مجتمعه وحل قضاياه ؟
نعتقد أن مثل هذا الهدف ، وانسياقا مع ما تقدم ، يستلزم تأصيل المجتمع المدني وإبراز أهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه في صيانة الحريات الأساسية للمجتمع وذلك لارتباطه الوثيق بالتحولات الديمقراطية المعاصرة التي انطلقت منذ تسعينيات القرن المضي .
قلنا المجتمع المدني تمييزا له عن المجتمع السياسي . فالمجتمع بشكل عام يتخلق على شكل منظومات أولاها المنظومة السياسية وهي التي تتشكل من الدولة كإدارة ومؤسسات حكومية وأجهزة ومؤسسات رسمية والمكرسة لبسط سلطان الدولة وسيطرتها ، والثانية منظومة المجتمع المدني وهو ما يتشكل من الأحزاب السياسية والنقابات ومنظمات ومؤسسات المجتمع المختلفة كمنظمات حقوق الإنسان وحماية البيئة والمستهلك والجمعيات الثقافية والاجتماعية والعلمية وغيرها من المؤسسات والتكوينات الاجتماعية التي تنشأ وتعمل طوعيا وبشكل مستقل عن الدولة ، والثالثة منظومة المجتمع الأهلي وهي التي تشكل في بلدان المشرق عموما الملاذ الذي يلجأ إليه المواطن في ظروف الفقر والقمع والاستبداد والخطر ، وهذه المنظومة وان وصفت بالمتخلفة إلا أنها لا زالت تحتفظ بدور هام في ظل الأوضاع الراهنة .
للمجتمع المدني ــ الذي يتصف بوجوده الخاص خارج إطار الدولة ( حسب تعريف غرا مشي ) ـ علاقة جدلية بالدولة ، فهو مساند وعون لها حين يكون هو مصدر الشرعية للدولة وذلك عبر مشاركته الفعلية في صنع واتخاذ القرار ؛ وهو معارض لها عندما تتصرف هذه الدولة وكأن المجتمع وجد من أجل خدمتها وليس العكس . وهذا ما ينطبق على حالتنا السورية .
وكلما كان المجتمع المدني يمتلك وعيه القانوني والاجتماعي والثقافي الرفيع كلما كان مؤهلا وقادرا على تحريك المجتمع وتنشيطه . وكلما زاد نمو ووعي المجتمع المدني كلما أصبح قادرا أكثر على أن يلعب دوره في حماية الحقوق والحريات من تسلط الدولة ، وكان قادرا من جهة أخرى أن يحصن المجتمع ضد الاضطرابات والأحداث العاصفة .
يشكل مبدأ نشر الثقافة السياسية ، والعمل على إعادة صياغة أسس ومرتكزات وقيم الثقافة السياسية السائدة , ونشر نمط جديد من الثقافة يبشر بقيم الحرية والمواطنة ودولة القانون والحريات مما يفسح في المجال لبعث روح المسؤولية عند الأفراد ودفعهم نحو المشاركة الفعلية في الشأن العام ويعزز عندهم كما في المجتمع بشكل عام إرادة العمل والفعل في تقليص درجة تحكم الدولة وأجهزتها في اتخاذ القرار أو الانفراد به ، يشكل مدخلا ضروريا وخطوة أولى .
إن من شأن تفعيل وتنشيط هيئات ومؤسسات المجتمع المدني أن يقوم بدور حاسم في تكريس الوحدة الوطنية والسلم الأهلي ، بنفس الوقت الذي يقود إلى تمكين الشعب من المشاركة الفعالة في إدارة شؤون الدولة والمجتمع من خلال تنظيماته ومؤسساته وهيئاته التي تأخذ على عاتقها مقاومة هيمنة وتسلط الدولة ( السلطة المخولة أو المعنية بإدارة شؤون الدولة ) على المجتمع .
هكذا ، وكلما انصرفت الأحزاب والقوى والهيئات والمؤسسات والشخصيات وكل الإرادات الفاعلة في المجتمع ، ليس في إطار المعارضة فقط بل في المجتمع ككل ، إلى تنمية وتعزيز هذا الاتجاه دون أن ننسى أهمية الضغط على الدولة كي تسمح به كلما قطعنا خطوة أخرى من مسيرة الألف ميل ، إذ ليس القصد هو تجسيد معارضة سياسية في مواجهة الدولة ، وإنما إيجاد صيغ تنظيمية خلاقة تعمل على الارتقاء بالوعي والثقافة ، والقدرة على الضغط وبالتالي الوصول إلى نوع من المشاركة في صنع القرار وإطلاق آلية للتغيير الذي يجب أن يكون متواصلا ومتدرجا في بنية الدولة والمجتمع .
خلاصة القول ، ليس المطلوب هو التغيير الذي تطرحه المعارضة بتكويناتها المختلفة ، كما أنه ليس الإصلاح الذي تطلقه السلطة بشكل منفرد . المطلوب هو الوصول إلى نوع من المشاركة بين الشعب ( من خلال تكويناته السياسية والمجتمعية ) وبين الدولة ( من خلال مؤسساتها ) في صنع القرار واتخاذه بدءا من موضوع مكافحة الفساد والوضع الاقتصادي المتردي للمواطن عموما ، والبطالة التي تمسك بخناق قطاع الشباب خاصة ، وانتهاء بتغيير يطال بنية الدولة والمجتمع بحيث تتكون لدينا دولة الكل الاجتماعي والتي يشكل الإنسان أثمن شيء فيها .
هل نسلك هذا الطريق حيث يمكن انجاز تراكم عملي بطيء وهادئ ولكنه فعال وقابل للنمو والازدياد والرسوخ ، أو أننا سنبقى : كناطح صخرة أوهى قرنه الوعل .



#عادل_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحراك السياسي في المجتمع السوري -وجهة نظر
- الوحدة : شرك أم طريق خلاص
- بيدي لا بيد عمرو
- الصراع على سورية - المشهد الراهن - المخرج
- منظمات المجتمع المدنية
- اعلان دمشق : ولادة على عجل
- لماذا اغلاق منتدى الأتاسي ؟
- الشهيد جورج حاوي : السؤال الكبير
- المسـألة الوطنية ودورها في وحدة قوى اليسار والديمقراطية
- الماركسية وأفق البديل الاشتراكي
- عندما تختلط السياسة بالرغبات
- سورية : ضرورة التغيير وموجباته
- عن التاريخ والفكر والانسان
- عن التاريخ والفكر وزالانسان
- الوحدة الوطنية كأداة أساسية في مواجهة المخاطر
- سوريا : التغيير وأدواته
- رؤيا عامة لحالة سياسية جديدة
- رؤية عامة لحالة سياسية جديدة
- كي لا نفتح بوابات المجهول
- نحن والليبرالية


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل أحمد - هل يمكن عبور النفق المظلم؟ تأملات في الشأن السوري