أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حكمت حمزة - الضبط المحكم...أم الوهم المحكم؟















المزيد.....

الضبط المحكم...أم الوهم المحكم؟


حكمت حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 6334 - 2019 / 8 / 28 - 17:12
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كل شخص لديه ميول الى النقاشات حول الايمان والالحاد، أو وجود خالق من عدمه، سواء من ناحية الخوض فيها وتناولها، او مجرد الاطلاع عليها، لا بد وأنه سمع أو قرأ عن قضية الضبط المحكم، التي يتم استخدامها من قبل المؤمنين، بغية اثبات وجود خالق لهذا الكون، واستحالة ان يكون قد جاء بشكل عشوائي. الضبط المحكم باختصار وببساطة، يقول بأن هذا الكون مضبوط بمعايير دقيقة جدا، وفيه ثوابت عديدة، بحيث لو تغير هذا الثابت بشكل ضئيل جدا جدا، لما كان هذا الكون قد نشأ، ولا كانت حياتنا ممكنة فيه. لكن هل تعتبر هذه الحجة دقيقة وكافية، وهل يمكن ان تشكل دليلا قويا يعتد به، وهل هناك فعلا ضبط محكم حقيقي واقعي، أم هو مجرد وهم؟
قبل أن أبدأ في سرد النقاط التي تعبر عن وجهة نظري في هذه القضية، أود أن أنوه هنا بأني لا أتحدث عن وجود خالق من عدمه، وليست غايتي هي اثبات وجود خالق أو نفيه، بل ما أريد أن أصل إليه، هو جواب السؤال الذي يقول (هل يصلح استخدام الضبط المحكم كدليل على وجود خالق او صانع لهذا الكون ام لا؟).
تتلخص وجهة نظري هنا في عدة نقاط:
أولا: تتحدث عن الضبط المحكم...إذا أنت تصدق بالعلم:
لم تنشأ قضية الضبط المحكم من فراغ، بل هي بالمحصلة، استقراء لنتائج أبحاث علمية استمرت لعشرات السنين، و أعمدة الضبط المحكم هي الثوابت الكونية، مثل ثابت هابل، ثابت التوسع الكوني، سرعة الضوء...الخ من الثوابت التي يعرفها كل من اطلع على هذا المجال، و إن كنت تصدق بالعلم فعلا، فنقول بأن العلم لا يختص أصلا بقضية وجود خالق، ولا علاقة للعلم بالماورائيات، إضافة ان الأبحاث العلمية (لو أردنا تأويلها بشكل صحيح)، تميل إلى عدم وجود خالق أو مصمم، وبإمكانك عزيزي القارئ مراجعة نظرية (هارتل-هوكينغ) لنشأة الكون، ونظرية التطور، ومبدأ انحفاظ الطاقة...الخ.
أما إذا كنت ممن يصدقون ببعض العلم، ويكفرون ببعض، وكنت انتقائيا في الأشياء التي تصدقها، بحيث تبحث عم يثبت فكرتك ويدعمها، وتترك الأفكار التي تناقض أو تنفي أو تدحض مسلماتك، فلا معنى ابدا للاحتجاج بما يسمى الضبط المحكم.
ثانيا: عمر الكون وعمر الأرض:
يبلغ عمر الكون حوالى 13.8 مليار سنة، وعمر الأرض ما يقارب 4.5 مليار سنة، أضف إلى ذلك أن الأرض احتاجت كي تكون قادرة على استيعاب الحياة البدائية فيها، ما يقارب مليار سنة.
بحسبة بسيطة، نجد أن الكون استغرق تقريبيا 10.3 مليار سنة، لتكون الحياة قادرة على النشوء بأكثر الأشكال بدائية، على بقعة لا تتجاوز رأس الابرة بالنسبة للمحيط، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا احتاج (الضبط والضابط "المحكمين")، كل هذا الوقت كي تبدأ الحياة، وهل هذا الضابط المحكم قاصر لدرجة أنه يحتاج كل هذه الفترة الطويلة كي يشكل بقعة صغيرة جدا يمكن للجراثيم والكائنات الأولية ان تبدأ حياتها فيها؟؟!! ولا ننسى مليار سنة من الزمن، كانت هذه البقعة الضئيلة جدا، عبارة عن دار فناء، تعجز حتى البكتيريا عن العيش فيها...كما لا ننسى ان الجنس البشري لا يزال حديث الولادة اذا ما قورن زمن تواجده، بعمر الأرض، ويستثنى من هذا الأمر طبعا، أن تكون العشوائية، هي الأداة المستخدمة، والآلية المتبعة من قبل هذا الخالق او الصانع، وهنا علينا أن نعيد انتاج كل المفاهيم ونحطم كل ما اعتُقد انه ثابت بالنسبة للكثيرين.
ثالثا: عدم وجود حياة أو عدم اكتشاف حياة في أماكن أخرى:
حتى الآن (على الأقل)، لم يكتشف العلماء أي حياة معقدة مذهلة على كوكب أخر، أو في جزء ما في هذا الكون، ولم تتوفر أي إشارات على وجود حياة أخرى معقدة متطورة، حتى الوقت الحالي، وكل ما يتم اكتشافه هو كواكب (من المحتمل) أن تكون قابلة لكي تنشأ فيها حياة، وبالتالي فإن كل هذا الكون الواسع الفسيح الضخم، لم نجد حياة فيه الا في هذه النقطة الصغيرة جدا جدا جدا، وهنا لا تستطيع ان تتذرع بضبط محكم، بل هذا يدعم العشوائية المسؤولة عن نشأة الكون بشكل أكبر بكثير.
رابعا: عدم قدرتنا نحن البشر، على العيش في أماكن أخرى غير الأرض، بل نحن غير قادرين على العيش في عدة أماكن على هذه الأرض نفسها:
لا بد لنا من التساؤل، لماذا نحن غير قادرين على الحياة خارج الأرض؟ بل أن الكثير من الأماكن على الأرض، نحن غير قادرين على العيش فيها، فما بالك بالكون! وحتى اذا سافرنا الى خارج الكوكب، نحتاج الكثير والكثير من المعدات وتجهيزات الأمان من غذاء ووقود واوكسجين كي نبقى على قيد الحياة.
لو كنا قادرين على الحياة في أماكن أخرى في الكون او على كواكب أخرى في مجموعتنا الشمسية، لربما كنا تحدثنا قليلا عن شيء اسمه ضبط محكم، أما بانحسار حياتنا في هذه البقعة، وضمن شروط محددة ومعروفة، فهذا يحيلنا الى عدم نجاعة استخدام مصطلح الضبط المحكم بأسره، فكيف ان نستخدمها كحجة لإثبات وجود صانع!
قد يقول أحدهم أنت تغالط في كلامك هذا، وأن الضبط المحكم للكون وليس لحياتك انت. نعم صحيح هذا الكلام، ولكن ما الفائدة التي اجنيها انا من الضبط المحكم لكون لا استطيع العيش الا في منطقة كنقطة بآخر السطر، مقابل مجلد كامل، وما معنى احكام الضبط في هذه الحالة؟ ولمن أُحكِمَ هذا الضبط؟ ولو افترضنا اني استطعت السفر الى المريخ، ونزعت معدات الأمان والوقاية، هل سألحظ ضبطا محكما هناك؟
خامسا: هل الظروف وجدت خصيصا لأجلنا؟ أم أننا موجودون وأحياء بهذا الشكل، نتيجة هذه الظروف؟:
هذا السؤال مهم جدا في هذه القضية، لأنه لو استطعنا أن نثبت أن الظروف وجدت فعلا لأجلنا، هذا له معنى كبير جدا في خدمة قضية الخالق، أما أن نكون نحن هنا نتيجة الظروف الموجودة، فهذا ينافي قضية الضبط المحكم، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار كمية العشوائية والتخبطات الموجودة في الكون ككل، وأننا في حال اردنا ان تكون نظرتنا اكثر شمولية، سنجد ان الكون عشوائي من الطراز الرفيع، وكل ما يقال عن الضبط المحكم هو مجرد تأويل فاسد مغالط منطقيا، لما نرصده نحن، ونظرية التطور أيضا تدعم هذه الرؤية، التي تثبت بشكل شبه مؤكد أننا نحن وجدنا نتيجة الظروف وليس العكس، مع الأخذ بعين الاعتبار ان الظروف احتاجت وقتا طويلا كي تصبح الأرض قادرة على تقبل أبسط اشكال الحياة وأكثرها بدائية.
سادسا: لو كانت الثوابت الكونية، لن ينشأ كون أبدا ولا بأي شكل، ولن ينشأ أي شكل حياة بالمطلق؟:
هل تستطيعون الإجابة على هذا السؤال؟ ربما لو تغيرت الثوابت الكونية لما كان هذا الكون قادرا على الاستمرار، ولكن هل في حال كانت الثوابت بقيم مختلفة، لن ينشأ كون أبدا؟ ولن ينشأ أي شكل من أِشكال الحياة؟ بقيم أخرى وثوابت أخرى، قد ينشأ كون آخر مختلف تماما عن الكون الذي رصدناه، ولا يمكن القول بأن الثوابت إما ان تكون بهذه القيم، أو أنه لا وجود لكون في الأساس. على مستوى فرعي نرى الحياة الكربونية التي نعرفها على الأرض، ولكن من قال أنه بشروط وثوابت أخرى لن تنشأ حياة أخرى، ولن يكون هناك شكل آخر للحياة في كون آخر غير كوننا؟ كل هذه الأسئلة تضرب قضية الضبط المحكم في الصميم، لأننا نتحدث من منطلق أن الكون إما أن يكون هكذا أو لا يمكن أن يوجد كون أصلا، وأن اشكال الحياة اما ان تكون هكذا كما نعرفها، أو لن تتواجد حياة أخرى، سواء كربونية بشكل آخر أو غير كربونية.
سابعا: مثال البكتيريا التي تعيش ضمن بيئة غنية بالمشتقات النفطية وتتغذى عليها:
هناك نوع من البكتيريا، قادر على العيش في أوساط غنية بالمشتقات النفطية، حيث لا تستطيع معظم أنواع البكتيريا أن تعيش، وتتغذى على هذه المشتقات، وفي بعض الحالات تستخدم هذه البكتيريا للتخلص من البقع النفطية الناتجة عن التسربات النفطية في المسطحات المائية، للتخلص من هذا التلوث.
لو فرضنا أن هناك بقعة نفطية في المحيط الأطلسي، ونمت فيها بعض المستعمرات البكتيرية من التي تتغذى على المشتقات النفطية وقادرة على العيش فيها...لو كانت هذه البكتيريا تنطق وتستطيع التعبير عن مشاعرها، لقالت أن هذا المكان هو أفضل الأماكن لها، وانه مصمم خصيصا وبدقة متناهية لها. مع العلم ان المنطقة المائية المجاورة للبقعة النفطية غير صالحة لها، ولكن نتيجة تواجد البكتيريا في هذا الوسط، وجدت نفسها وكأن هناك من وضعها خصيصا في هذا المكان وهيأ لها الظروف كي تعيش، وسبب المغالطة عند هذه البكتيريا، أنها لم تنظر بشكل عام وشامل، ولم تأخذ بعين الاعتبار كامل المحيط الأطلسي، بل هي سترى أنه من الحكمة ودقة الضبط، أن كثافة المشتق النفطي اقل من كثافة الماء، وبالتالي يطفو على سطحه...بإسقاط هذا المثال على وضعنا الحالي...هذا ما يحدث معنا تماما، ونحن على الأرض، في هذا الكون، تماما كحال البكتيريا في هذه البقعة النفطية الصغيرة، القابعة في المحيط الأطلسي الفسيح الواسع.
وفي النهاية، حينما يتحدثون عن الضبط المحكم، هم يتحدثون من منطق مغالط، لأنه لا يملك جانبا للمقارنة، ربما يمكن أن يكون هناك كون آخر بظروف أخرى، مناسب لحياتنا أكثر، وأن كل ما يسمى ضبطا محكم، ليس إلا تأويل مغالط للأبحاث العلمية، فنحن نقيس الثوابت ونرصدها، ثم ندعي أن الكون مضبوط بشكل دقيق، أي أننا نأخذ مواصفات وظروف الكون ونطلق عليها صفة الضبط المحكم، وحالنا كحال من يقول: لماذا اذا سكبنا ماء فوق الحمم البركانية، لا يتجمد الماء؟؟ فبهت الذي كفر...



#حكمت_حمزة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صناعة الوهم والقدسية والشيطان...5
- قراءة في المشهد العسكري والسياسي في ادلب
- استفاضة وتفصيل، في بعض التأملات من مقال الأستاذ سامي لبيب
- غيض من فيض جنون الذكريات
- في بلاد المسلمين، لا زلت أؤمن أن الحل بيد المسلمين أنفسهم... ...
- رثاء
- شذرات لادينية 2
- شذرات من احتضار
- شذرات لادينية
- التنوير...والتنوير المضاد
- عبث وبعثرة وركام
- صناعة الوهم والقدسية والشيطان...4
- صناعة الوهم والقدسية والشيطان...3
- صناعة الوهم والقدسية والشيطان...2
- صناعة الوهم والقدسية والشيطان...1
- هذا ما يجب أن نفعله يا مايكل
- قتلوكِ يا نبض العروبة
- يا قلبها.....
- قرآنيون...ولكن...
- السعودية، بشار الجعفري، وهيئة علماء المسلمين....عندما تتحدث ...


المزيد.....




- استهداف أصفهان تحديدا -رسالة محسوبة- إلى إيران.. توضيح من جن ...
- هي الأضخم في العالم... بدء الاقتراع في الانتخابات العامة في ...
- بولندا تطلق مقاتلاتها بسبب -نشاط الطيران الروسي بعيد المدى- ...
- بريطانيا.. إدانة مسلح أطلق النار في شارع مزدحم (فيديو)
- على خلفية التصعيد في المنطقة.. اتصال هاتفي بين وزيري خارجية ...
- -رأسنا مرفوع-.. نائبة في الكنيست تلمح إلى هجوم إسرائيل على إ ...
- هواوي تكشف عن أفضل هواتفها الذكية (فيديو)
- مواد دقيقة في البيئة المحيطة يمكن أن تتسلل إلى أدمغتنا وأعضا ...
- خبراء: الذكاء الاصطناعي يسرع عمليات البحث عن الهجمات السيبرا ...
- علماء الوراثة الروس يثبتون العلاقة الجينية بين شعوب القوقاز ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حكمت حمزة - الضبط المحكم...أم الوهم المحكم؟