أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - بين عبدالخالق السامرائي وصدام حسين .. العفيف الإستثنائي*















المزيد.....

بين عبدالخالق السامرائي وصدام حسين .. العفيف الإستثنائي*


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 6333 - 2019 / 8 / 27 - 17:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بين عبدالخالق السامرائي وصدام حسين .. العفيف الإستثنائي*
جعفر المظفر
إن ما من فرد قد تعرف على عبدالخالق السامرائي إلا وأعجب بزهده وتجرده ونزاهته, أما أنا فإن الأربعة سنوات التي قضيتها عاملا تحت مسؤوليته الثقافية المباشرة, وفي غرفة صغيرة كانت إلى الجوار من غرفته, تجعلني أقول عن يقين أن الرجل كان من نوع الرجال النموذجيين أخلاقيا إلى حد الدهشة, ومع ذلك فهو لم يكن الوحيد زمانه, كما أن هذه الميزة لم تكن وحدها التي جعلته هدفا للرماية.
لقد ظل السامرائي يسكن بيتا للإيجار, وحين كنت أذهب إلى بيته بين آونة وأخرى كنت ألمس كيف ان الرجل كان حريصا جدا على أن لا يضيف على أثاثه خشبة أكثر من تلك التي قد يحتاجها لأغراض الضرورة, وظل أثاث غرفة الضيوف مقصورا على المقاعد الخشبية مثل تلك التي تستعمل في المقاهي ولم يستبدلها بأخرى حتى من النوع الشائع البسيط.
ولم تقتصر نزاهته على أمانته ونزاهته وتجرده من حيث التعامل مع المادة وإنما كان حريصا على حماية النموذج الأخلاقي العراقي من حيث التواضع ونبذ مظاهر السلطة وشكليات الحكم. أضرب على سبيل المثال هنا حادثة حصلت معي شخصيا حينما طلب مني في ساعة متأخرة من الليل أن نسير في شارع السعدون بعد تعب يوم مستمر من العمل في المكتب الثقافي وكان علي أن أركن سيارة البيجو القديمة في مكان مسموح على الشارع بالقرب من سينما أطلس فطلب مني ترك المكان سريعا لظنه أن شرطي المرور الذي كان يسير بالقرب منا قد إقترب لغرض الطلب منا بعدم التوقف, وكان (الملا) حينها عضوا في مجلس قيادة الثورة وعضوا في القيادتين القومية والقطرية للحزب, ومع ذلك خاف من شرطي لأنه حسبه في موقع الحق, وقد ظهر لاحقا أن ذلك الشرطي كان قد تصادف مروره إلى الجوار من سيارتنا .
غير أن من باب الحق أن يقال أن السامرائي لم يكن الوحيد زمانه في عالم النزاهة والتجرد, فنحن لسنا هنا أمام رجل هبط من الفضاء وإنما نحن أمام رجل كان قد تحلى بالأخلاق العراقية الرفيعة قبل أن تتعرض هذه الأخلاق للتراجع والتآكل والتدهور على يد صدام حسين نفسه حين (عوجن) العراق وعجنه.
صحيح ان ظروف الحصار والحروب التي كان العراق قد مر بها في زمن صدام (الجميل !) كان لها الأثر الكبير في فرش بساط التدهور القيمي لكن أشد التدمير كان قد حصل حينما تم تخريب النموذج الأخلاقي العراقي من قبل ابناء سلطة العوجة يتقدمهم صدام نفسه ويليه في الركب أبناؤه وزوجته وخاله وإخوته وأولاد عمومته الأقربين والأبعدين. ولن يأكل من هذه الحقيقة أن النظام الذي جاء بعده هو نظام بالمقارنة أقذر وأخس من أن يوصف.
إن السامرائي لم يكن راهبا في صومعة أو أنه كان متصوفا لا يدرك حقيقة ما يمكن أن تضيفه مسؤوليات الحكم وحتى مظاهره وأساليب حمايته وعوامل ترسيخه على سلوك وتصرف ومظاهر الرجال المتصدين لبناء الدولة, ولهذا فإن كل الذين يتحدثون عن الرجل كإستثناء أخلاقي وكظاهرة يندر وجودها ويصعب تكرارها إنما يسيئون للرجل من حيث لا يدرون.
أغلبية حكام العراق ما قبل صدام حسين كانوا من النماذج الأخلاقية التي باتت بحكم المنقرضة. إن بالإمكان العثور على الكثير من القصص التي تُروى عن الأمانة والنزاهة الأخلاقية لرجال الحكم الملكي وبدايةُ من الملك فيصل الأول وإنتهاء بحفيده فيصل الثاني الذي طلب من رئيس الديوان زيادة على مرتبه مقدار خمسين دينار ذلك لتغطية نفقاته المستجدة التي لم يعد يغطيها راتبه الأساسي البالغ ثلاثمائة دينار فأحال رئيس الديوان طلبه إلى وزير المالية الذي أحاله إلى مجلس النواب والذي قام برفض الطلب بعد مناقشة مستفيضة لجدواه ومقررا بعدها عدم وجود ما يستدعي هذه الزيادة.
وقد رويَ أيضا كيف طلب وزير المالية من رئيسه نوري السعيد تسديد مبلغ ستة عشر دينار قيمة فناجين قهوة كان إشتراها لخدمة ضيوفة في المكتب رافضا أن يجري دفعها من مال الدولة العام فأضطر رئيس الوزراء بعدها على تسديد ثمنها من جيبه الخاص.
وبالإمكان أيضا العثور على روايات عدة تتحدث عن النزاهة المالية للملك غازي والأغلبية من رفاقه في الحكم, إضافة إلى كثير من القصص التي ما تزال تروى عن الزعيم عبدالكريم قاسم والتي أصبحت الآن وكأنها من باب الخيال.
ولم يرد أي خبر عن وجود ما يخالف هذا المنحى الأخلاقي حينما يتم إسترجاع سيرة رؤساء الجمهورية الآخرين من أمثال عبدالسلام عارف وأخيه عبدالرحمن. وحتى أحمد حسن البكر الذي تعشى به نائبه صدام حسين فلم يرد في سيرتهم ما يشير إلى أي إستغلال للمال العام أو اي خروج على أعراف النزاهة والأمانة الأخلاقية التي ظلت متوارثة عبر مختلف عهود الدولة العراقية الحديثة.
ولم يكن الملا لوحده من كان يتنقل بسيارة صغيرة من نوع فيات ويجلس إلى الجوار من سائقها عباس. أغلب أعضاء قيادة الحزب القومية وأتذكرمنهم الدكتور إلياس فرح الذي كنت أعمل في السنة الأولى تحت مسؤوليته كانوا أيضا يستعملون ذلك النوع من السيارات وليس معهم من المرافقين إلا سائقهم الخاص, أما أنا وغيري من أعضاء المكاتب القومية فأغلبنا ظل لسنوات يستعمل وسائل النقل العامة أو رينو (11) كما كان يوصف السائرون على أقدامهم من باب التهكم.
كما إن العودة إلى الزمن الذي حسم فيه الصراع لصالح صدام, ليلة الغدر بالملا بعد إتهامه بالمشاركة فيما سمي وقتها بمؤامرة ناظم كزار, ستفيدنا في معرفة أن الإنحراف على مستوى النزاهة والتجرد لم يكن قد حصل بعد, إذ لم يكن صدام قد حول العراق بعد إلى ملك له, كشعب وكأطيان, وكان البكر لا يقل عن السامرائي نزاهة وتجرد, وكذلك كانت أغلب القيادات.
في بداية السبعينات كان رفيقنا آنذاك السيد محمد سعيد الأسود يعمل مديرا عاما للشركة الأفريقية الموكل إليها أمر الإستيراد في وزارة التجارة, وقد أراد الرجل أن يوزع بعض الهدايا البسيطة التي كانت ترد إلى شركته كنماذج دعائية كالساعات اليدوية وقداحات السكائر على بعض قيادات الحزب والدولة, وحينما سمع الرئيس البكر بذلك أرسل عليه شخصيا وطلب منه غاضبا العمل على تجميعها بنفسه ثم عرضها للبيع في معارض الشركة. أما الصديق سلام سلطان الذي عمل مديرا عاما للتلفزيون وكالة كبديل مؤقت للسيد محمد سعيد الصحاف أثناء وجوده في رحلة عمل خارج العراق فأخبرني أن الرئيس البكر كان إستدعاه غاضبا بعد أن إستمع إلى أغنية كانت الإذاعة تعزف تسجيلا لها يتغنى مقطعُ فيها بإسمه وطلب منه بعد توبيخ شديد الإيعاز إلى موظفيه أن لا يفعلوها مرة اخرى وإلا لهدم مبنى الإذاعة على رؤسهم.
هذه الأمثلة التي ذكرتها والآلاف على غرارها إنما جئت بها لكي أؤكد على أن الرجل السامرائي لم يكن الوحيد زمانه فهو كان من النماذج التي ورثت أخلاقها من بيئة عراقية كانت السرقة فيها إستثناء والتنمر على الأخرين جريمة والتعالي على الخلق شر. لكن جريمة السامرائي الحقيقية أنه كان قد جعل نفسه الحارس الأول على هذه المنظومة القيمية (لكي لا تأكل السلطة كوادر الحزب) وراح يبشر بتوسيع المشاركة في السلطة وعدم إحتكار الحزب لها وبضرورة أن لا يكون التحزب شرط التقدم على صعيد القيادات الوظيفية, إضافة إلى أنه كان المرشح الفعلي لتقلد الموقع القيادي الأول على صعيد التظيم القومي.
على الجهة الأخرى كان صدام يؤمن تماما أن هيمنته المطلقة على الدولة والحزب لم تكن لتحدث إلا من خلال المرور على جثة السامرائي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*القسم (2) من (صدام حسين وعبدالخالق السامرائي) (9) من (بعض من بعض الذي كان)



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاثة ملالي ورئيس (1)
- بعض من بعض الذي كان ..7.. نظرية المؤامرة.
- بعض من بعض الذي كان .. 6.. القراءة المرتدة
- بعض من بعض الذي كان ..5 .. عيوب في نظرية العصر الجميل
- بعض من بعض الذي كان .. 4..عبقرية نوري السعيد أم تبعيته
- قطة ليلة الدخلة .. 3 .. بعض من بعض الذي كان
- في رثاء ولدي .. سعد الصالحي , الطبيب والفنان والشاعر
- بعض من بعض الذي كان .. 2 – تدوين أم إعتراف
- بعض من بعض الذي كان .. (1) .. تدوين أم إعتراف
- بين أمريكا وإيران .. حرب أم لاحرب
- 14 تموز .. ثورة من كانت الثورة
- الدولة السمسارة
- بيننا وبين إيران والسعودية .. ثنائية الكراهية
- المرجعية الشيعية العراقية ودولة الكيان الموازي*
- القسم الرابع .. ثلاثة إسلامات*
- يوم الخلاص آتٍ آتٍ وإن طال أمده
- حول السعودية وإيران والحوثيين
- الإيرانيون ونحن وناس آخرون
- عن (أبناء ملجم) مرة أخرى
- أميري أنا وليس أميركم يا أبناء ملجم .. بمناسبة يوم إستشهاده


المزيد.....




- تحليل لـCNN: إيران وإسرائيل اختارتا تجنب حربا شاملة.. في الو ...
- ماذا دار في أول اتصال بين وزيري دفاع أمريكا وإسرائيل بعد الض ...
- المقاتلة الأميركية الرائدة غير فعالة في السياسة الخارجية
- هل يوجد كوكب غير مكتشف في حافة نظامنا الشمسي؟
- ماذا يعني ظهور علامات بيضاء على الأظافر؟
- 5 أطعمة غنية بالكولاجين قد تجعلك تبدو أصغر سنا!
- واشنطن تدعو إسرائيل لمنع هجمات المستوطنين بالضفة
- الولايات المتحدة توافق على سحب قواتها من النيجر
- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - بين عبدالخالق السامرائي وصدام حسين .. العفيف الإستثنائي*