أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - السبيل إلى الثقافة.. مداخل وتعريفات (2)















المزيد.....

السبيل إلى الثقافة.. مداخل وتعريفات (2)


سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي


الحوار المتمدن-العدد: 6333 - 2019 / 8 / 27 - 17:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بما أننا رأينا الإصلاح الديني هو أساس كل صنوف الإصلاح الأخرى فحريّ بنا أن نشير بأن المجتمع العربي والشرق أوسطي لا زال في متلازمة (الدين والثقافة) أيهما يقرأ الثاني أولا، هل الدين هو الذي يفسر الثقافة ويعطيها المشروعية أم العكس؟

يبدو لنا أن المشكلة أعمق بكثير حيث لو افترضنا أن الثقافة هي التي يجب أن تقرأ الدين فبأي منظور يتم تسمية المثقف؟..هل المؤيد أن المعارض للحكومة؟..وهل الناقم على طبقية وظلم المجتمع أم المتفاعل مع هذا الظلم وتلك الطبقية بحجج الاندماج والإصلاح التدريجي؟..لقد امتدت المشكلة لتتجاوز أسوار الدين والثقافة لتصل إلى الممارسة السياسية وقوى النفوذ ورأي الأغلبية، ولعل هذا ما اشتبه على الأستاذ الجابري في نقمته على العقل العربي، فهو لم يقصد – على ما يبدو – العربي بما هو عربي ولكن من يعيش في الشرق الأوسط تحديدا..

فالنماذج العربية والشرق أوسطية الناجحة في أوروبا تثبت أن الخلل ليس جينيا ولا حتى مناطقيا أو جغرافيا..بل الخلل سلوكي متعايش تماما مع فكرة الصراع الديني والأيدلوجي، حتى إسرائيل المفترض أنها واحة للعلمانية والديمقراطية كما يراها الغرب هي تطبق سياسة عنصرية وإقصاء ديني ملحوظ للعرب والمسلمين فيها عن إدارة بلدهم، فكما أنه يوجد حزب شاس اليهودي غير مسموح بوجود حزب مسلم ينافس على السلطة ويكون مؤمنا بحقوق الفلسطينيين في أرضهم، وأن معنى الصهيونية الذي يفترض أنه لغويا قد تحقق بالعودة للعيش في رحاب جبل صهيون قد تحقق ولم يعد هناك داعيا عقائديا لإشمال كل أراضي فلسطين – وغيرها – ضمن تلك الرؤية العقائدية.

لقد تحدثت مع زميل عابَ عليّ نقمتي على الصهيونية وقال أنك بذلك لا تفترق عن العوام في تعريفهم للصهيونية، هذه ياسيدي مجرد جبل ينتمي له كل من يريد العيش بجواره في أورشليم، قلت في نفسي وهل تريد أن تقنع العالم بأن تيودور هرتزل وبن جوريون أنفقوا وجابوا العالم لشراء الأراضي والسيطرة عليها سلما أو حربا، ثم طال فعالهم أراضي مصر وسوريا ..كل ذلك من أجل العيش بجوار جبل؟!..ما هذا التبسيط المخل الذي يعاني منه المثقف العربي؟..لقد ظهر لي أن ثمة عقلا تبريريا في الشرق الأوسط معزول تماما عن العقل النقدي الموجه ضد الأديان الأخرى، فهذا الزميل المسيحي بدا لي عدم تخلصه بعد من رؤية الكتاب المقدس والعهد القديم وتفاسير الرهبان للكلمات بمعزل عن إسقاطها في الواقع أو حتى محاولة فهم سلوكيات البشر خارج وعائهم اللغوي.

يبدو أن المثقف العربي والشرق أوسطي بحاجة إلى روح ليبرالية تنزع منه قراءة الأديان والثقافات بروح إقصائية وشمولية متشددة، كما نجحت الروح الليبرالية الأوروبية في إعادة قراءة أديانهم بنزع مفاهيم الأخلاق والمعرفة من سياقاتها الدينية لسياق آخر إنساني يكن حاكما ووصيا على الرؤية الدينية، وهذا لعُمري إنه لعملُ عظيم قام به الأنبياء من قبل، فبنظرة بسيطة نرى أن المسيح لم يفعل أكثر من نزع أخلاق ومعارف الإسرائيليين بعيدا عن تفاسير وروح التلمود ليعيد بني إسرائيل مرة أخرى لروح التوراه وليس لنصوصها، فكما يرد ذكره في القرآن أنه جاء مصدقا لما بين يديه من التوراه..فما الذي كان يقصده المسيح من تلك الإشارة؟..هل العودة إلى حرفية الأسفار الخمسة أم الإيمان بكتب الأنبياء والرهبان السابقين أم ترك كل ذلك والدعوة لروح ما تضمنت به الأسفار الخمسة تحديدا بروح ليبرالية جديدة تعيد إحياء معارف وأخلاق الإسرائيليين من جديد؟

والأوربيون لم ينجزوا فقط قراءتهم الليبرالية للدينين المسيحي واليهودي، بل أعادوا إنتاج وقراءة أشعار هوميروس والدين اليوناني بعيدا عن القداسة المفتعلة وحكايات الأجداد، ففي تقديري أن بقايا من فكر اليونان الأقدمين لم يزل حتى عصر التنوير الأوروبي بدليل عدم وضع هذا الفكر في نطاقه الأسطوري والتاريخي، بل الاهتمام فقط بتقديم رؤية مسيحية حاكمة على الأديان الوثنية بالعموم، ونحن نرى في مصر أن هذا الإتجاه لم يفلح في تخليص المصريين من معتقد عذاب القبر الموروث من محكمة الموتى في العصر الفرعوني، ولا من تعظيم النيل والربيع وعقد الاحتفالات لهما كل عام كما فعل الأجداد.

ميزة العقل النقدي وتناول الأديان والأفكار بروح ليبرالية أنها تصنع مزيجا من الثقافة والمعارف بشكل منفتح جدا يصبح فيه الإنسان أكثر انفتاحا وقبولا للآخر واستعدادا نفسيا لمناقشته، لا كما يحدث الآن بحرص العرب والشرق أوسطيين على هزيمة خصومهم قبل أيٍ من جولات الحوار، فهي إذن مشكلة نفسية من الآخر قبل أن تكون مشكلة معرفية في الذهن.

ثمة مشكلة ثقافية أخرى متعلقة باحتكار رجال الدين لمفاهيم العقيدة، إنهم يقدمون الدين على شكل شفرات غير مسموح بتداول مفاتيحها..وهذا ما يطلقون عليه بالتخصص ، بينما في حقيقته يحوي معنىَ ضروريا بلزوم موافقتهم على معاني تلك المفاهيم وحظر تداولها خارج مؤسسات الدين الرسمية، وبرغم أن الثقافة تتعامل مع الأديان كمنتوج بشري ومعارف قد تكون لها علاقة حقيقية أو مزيفة بالسماء إلا أنها لم تضع أي دور للكُهان في العملية المعرفية، سوى دورهم الوظيفي بشروح وانتقادات خاصة لا تخلو من الأخطاء أو الرغبات والمصالح، بالتالي فالمثقف لا ينظر للدين في صورة رجاله بل يرى الأديان كمعارف بشرية على تنوعها لا حاكم ولا رابط لها سوى العقل وما ينتهي إليه من حقائق.

الدور الذي يمثله رجال الدين في الثقافة مرتبط ارتباطا وثيقا بالمجتمع، فهم ولعوامل عديدة منها قُربهم من الحاكم والأثرياء نجحوا في حصر كل الممارسات الدينية في فتاويهم وأقوالهم، وهي العلاقة التي ثار عليها الأوربيون في عصر التنوير وقالوا قولتهم الشهيرة "اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر رجل دين" وبرغم ما حدث في أوروبا من أهوال لرجال الدين في عصر الثورات الإصلاحية الكبرى لا زال رجال الدين المسلمون يظنون أنهم في مأمنٍ من ذلك المصير بدعوى اختلاف الثقافات، ولو كان ذلك الحدس صحيحا ما ثار المصريون على حُكم الإخوان المسلمين ولعنوا كل شيخ ورجل دين كان مؤيدا لهم.

ما حدث للإخوان وشيوخهم هو مجرد استعراض لما قد يجري في ثورات أعنف ضد الساسة وحلفائهم، فالذي حدث في أوروبا هي ثورات على الملوك أدت بالتبعية إلى ثورات دينية على القساوسة لوجود ربط لزومي ومصير مشترك بين الإثنين اختاروه لأنفسهم منذ قديم الأزل، فالعلاقة الوطيدة بين الملوك ورجال الدين ليست وليدة اليوم أو ظاهرة للقرون الوسطى فقط بل هي ظاهرة إنسانية عامة منذ أن بدأ الإنسان في تصور أديانه، لاسيما أن التاريخ ينقل لنا كيف أن 90% من آثار السابقين وأخبارهم كانت دينية..فما المساحة التي كان يشغلها الدين في تلك المجتمعات وقد صوّر المصريون القدماء معابدهم على أنها لم تكن فقط مجرد معابد للصلاه بل مكانا يمارس فيه شتى أنواع الطقوس والاحتفالات والأطعمة.

هنا تظهر القراءات الليبرالية للدين مهمة لإحداث القفزة المعرفية الضرورية لبناء مجتمع ثقافي متعدد في الشرق الأوسط، فلم تعد المشكلة هي للنظرية والتطبيق بل بإعادة إنتاج رؤية كاملة للدين خالية من تأثيرات الكهنة والحكام وموقفهم من الآخر، لاسيما أن كل الأديان تعرضت لهذه المحنة بالخلط بين رؤى الحكام والكهنة وبين الدين كعقيدة يقينية في القلب مما أدى لانشقاقها إلى فرق ومذاهب متحاربة تكره بعضها بعضا.

والقراءة الليبرالية المطلوبة للدين يخطئ البعض في مساسها بحقوق المتدينين، هذا غير صحيح لطبيعة الليبرالية نفسها التي تحفظ حق المتدينين كغيرهم من البشر، وأحيانا تكون الليبرالية طوق نجاه للمتدينين في إنقاذ أنفسهم أو حكم البلاد أحيانا مثلما حدث في إيران ومصر مع اختلاف تجاربهم ونهايتها، وعليه فالتصور الشائع عن المتدينين بتوهم خصومة ثأرية أو بالأصالة مع الليبرالية هو محض وهم لعدم إدراك المتدين لمعنى الليبرالية أولا..وجهله بالإنسان المعاصر ثانيا، بيد أن الإنسان المعاصر هو يعد منتوجا عقليا وماديا كاملا لعصر العلم ..وهو المنتوج المخالف طبيعة ونتيجة للإنسان القديم ومجتمعه من معظم النواحي..

والإشارة بمعظم أنه يوجد يقين بداخلي أن المشترك العقلي والأخلاقي بين إنسان الرسائل الدينية في مهدها وبين الإنسان المعاصر كبير، ذلك المشترك الذي يمكن البناء عليه لإنتاج رؤية تقدمية ثقافية شاملة تليق بالعصر دون إخلال بالجانب الوظيفي للدين الذي وقتها سيصبح محصورا في بناء النفس والروح البشرية وارتقائها سلوكيا للأفضل، هنا يعود الدين لأصله المجهول المندثر كرسالة إصلاحية هدفت لتقويم شعوب همجية فاسدة ضلّت عن الإصلاح كرسالة وعن العقل كطبيعة وعن الأخلاق كسلوك، ومهما كانت النصوص الدينية منفرة للنفس لكن تلقي العابد لها بطريقة تسامحية وعقلية سيمكنه من تأويلها على وجهها الأفضل.

وقد يقال أن ذلك ضربا من التزييف والتحريف للرسائل ولكن الرد على ذلك بأن الأديان جميعها لم تخلُ من التأويل العلمي المشروط بالقرائن، فالمدارس الإسلامية وقتها التي ستعمل على التأويل تستفيد بالطبع من روح النص الكامنة في نفوس الأقدمين وسطروها في بعض أقوالهم، ومن هذه المرجعية بناء جيل جديد يدرك أن الدين عند القدماء كان مفهوما كطبيعة عقلية وسلوكية لكن ضلال الأقدمين حدث بمعزل عن تلك الطبيعة لأجواء خاصة اجتماعية وسياسية وثقافية..لكن الجوهر الكامن في نفوسهم كان يخرج بشكل بعيد عن ظروف المجتمع وهو ما قد يلاحظه الباحث في التراث..أنه ومهما كان الإمام الفقيه ضالا منحرفا همجيا لكن بعض سطوره لا تخلو من الحكمة التي تستند إلى نصوص الدين.

وبالتالي نكتشف في نفس السياق أن ذلك التعارض له أسبابه الخاصة بالفقيه..وهو نفس الاكتشاف الذي عن طريقه ندرك قيمة وطبيعة الدين الجديد ومدى الحاجة لإنتاجه بعيدا عن تأثيرات القدماء ، وأن وسائل الترغيب والترهيب المرتبطة برجال الدين والحكام - بوصفهم أوصياء الدين القديم - لم يعد لها محلا الآن، فالثقافة لا تعرف ترغيبا ولا ترهيبا بل نشاطا دؤوبا لا يكل ولا يمل عن كشف الحقائق مهما كانت صادمة.



#سامح_عسكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السبيل إلى الثقافة.. مداخل وتعريفات (1)
- رحلة في عقل الفيلسوف كيركجارد
- أضواء على الهندوسية
- جدلية ولاية الفقيه..رؤية نقدية
- حتمية البروباجاندا السوداء
- رحلة نقدية في سيكولوجيا المرأة
- نظرية المصيدة
- معضلة التحيز الديني..القرآنيون نموذجا
- العلمانية وأزمة مفهومها التآمري
- لماذا فشل العرب والأمريكيين في التواصل مع إيران؟
- بساط الريح..وخرافات القرطبي
- حديث خير القرون ونظرية التطور
- هل الإسلام بعث للعالم أجمع أم للعرب فقط؟
- ليبيا الموحدة ليست مصلحة مصرية
- التصعيد الإعلامي والديني لن يحل مشكلة اليمن
- الشروط العشرة للتأثير والحوار
- حكم ضرب الزوجة في الإسلام
- معضلة الأخلاق والسلوك في العقائد
- هل يعتذر المسلمون عن تاريخهم ؟
- ديكارت في مواجهة الإخوان


المزيد.....




- وفاة قيادي بارز في الحركة الإسلامية بالمغرب.. من هو؟!
- لمتابعة أغاني البيبي لطفلك..استقبل حالاً تردد قناة طيور الجن ...
- قادة الجيش الايراني يجددن العهد والبيعة لمبادىء مفجر الثورة ...
- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - السبيل إلى الثقافة.. مداخل وتعريفات (2)