أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - هيفاء أحمد الجندي - الأسس الفكرية للانتهازية الثورية والإصلاحية الوسطية















المزيد.....

الأسس الفكرية للانتهازية الثورية والإصلاحية الوسطية


هيفاء أحمد الجندي

الحوار المتمدن-العدد: 6328 - 2019 / 8 / 22 - 15:12
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


عندما تنتصر الثورات المضادة، وتندلع الحروب الإمبريالية ، تتزايد الأخطاء والانحرافات الفكرية – الثورية، والتي تأخذ شكل التسويات والتحالفات مع البورجوازية الرثة ، ومن استعصى عليه فهم هذه الانحرافات ، يمكنه الإطلاع على السجال النظري الذي دار بين روزا لوكسمبورغ ولينين واللذان يمثلان تيار التغيير الجذري، وتيار التحريفية والوسطية الإصلاحية والذي كان برنشتاين من أبرز رموزه، ولحقه فيما بعد كارل كاوتسكي والذي انزلق إلى مواقعه.
وكأن تعطل حركية السيرورة الثورية ، بفعل التدخل الإمبريالي، الداعم لقوى الثورة المضادة ، يكون بمثابة اختبار، للصلابة والعناد الفكري الثوري، البعض يصلب عوده و يشتد والبعض الأخر، ينحرف و يرتد عن الماركسية ، ويرتمي في أحضان الإمبرياليات والطبقات المسيطرة ، والأمثلة لا تعد ولا تحصى في وقتنا الراهن ، وكأن الزمن يعود بنا إلى عصر الأممية الثانية (1889-1914) وهو عصر، اتسم بنمو الرأسمالية وتحولها إلى إمبريالية ، مع نشوء ظاهرة الاحتكار، وتصدير الرساميل ، يكون اكتمل النضج الاستعماري، وجرى تقاسم المستعمرات، بين القوى الاحتكارية ، وفي هذه المرحلة ، برز ما سمي بتيار الاشتراكية الامبريالية، الذي هلل للحرب الامبريالية، وانتهج سياسة اشتراكية شوفينية بورجوازية معادية للبروليتاريا، ويعد المنظر الماركسي الكبير كارل كاوتسكي مع بقية رفاقه في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، من بين أبرز، من مثل هذا التيار والذين،غلفوا موقفهم الرجعي هذا، بشعارات الوحدة الوطنية، والدفاع عن الوطن ، بدلاً من استغلال أزمة الرأسمالية ، وتبني تكتيكات ثورية. بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه ما هو التبرير النظري، الذي استندوا عليه، كي يبرروا هذا الانزلاق والذي يتضمن، معاداة واضحة للطبقة العاملة، وللشعوب والأمم الضعيفة والمضطهدة؟!
وهل وجدوا ، في أفكار ماركس ، ما يبرر هذا الموقف الرجعي؟!
لا ضير من القول، بأن الليبراليين، وجدوا في نزعة ماركس، الأورو مركزية الثغرة ، التي يمكن أن تبررموقفهم، ماركس الذي تعاطف ونسبياً مع الاستعمار و رأى، بأنه يمكن، أن يلعب دوراً تقدمياً ، وذلك من خلال تحطيمه، لما سمي النمط الأسيوي الشرقي "المشاعات القروية" والذي يتسم بالركود العام ،و يكرر نفسه على الدوام ، وكان لا بد من عامل خارجي ، يحرره من هذه الحلقة المفرغة، وقد تمثل هذا العامل الخارجي في الاستعمار، وبذلك يكون ماركس ، قد التمس الأعذار للاستعمار، بصفته أداة التاريخ اللاواعية، يقول ماركس: "على الاستعمار الإنكليزي أن ينجز مهمة مزدوجة في الهند، مدمرة تتمثل "بإبادة المجتمع الاسيوي" ومجددة من جهة ثانية، من خلال إرساء الأسس المادية ، للمجتمع الغربي في الهند"
ولكن ما الذي حصل فعلياً في الهند؟ لقد تم إدخال الملكية الخاصة، بالمعنى الحديث لصالح طبقة جديدة، تكونت من الصفوف العليا، في منظومة السلطة "أصحاب الريع العقاري" وإذا كانت تجارة الاستعمار البريطاني، قد تركت أثراً ثورياً ،على نمط الإنتاج، ذلك يعود،لأنهم استثمروا، رخص سلعهم ، كي يدمروا صناعة الغزل والنسيج الهندية، والتي كانت تؤلف، جزءاً متكاملاً، من وحدة الإنتاج الصناعي الهندي، وخلقوا صورة كاريكاتورية، للملكية العقارية، بعدما دمروا المشاعات الجماعية، وهكذا بدأت،مرحلة تدويل رأس المال، وجرى توحيد السوق العالمي بإخضاع المستعمرات، وبذلك تكون البورجوازية، قد جرت الى تيار الحضارة، الأمم الهمجية، وفق تعبير ماركس كما ورد في البيان الشيوعي وقادت الأمم الضعيفة، وتحت طائلة الهلاك، إلى تبني نمط الإنتاج البورجوازي، لأنها تريد أن تخلق عالماً ،على صورتها ، بعدما دمرت الصناعة المحلية، وحولت المستعمرات إلى مزارع، تنتج المواد الأولية اللازمة للصناعة الرأسمالية.
ربما وجد التيار الليبرالي، والتحريفي والوسطي الإصلاحي، في نزعة ماركس الاورومركزية، ما يبرر تهليلهم للحروب الامبريالية اللصوصية الرجعية، ولم يكن هذا التأييد، إلا تعبيراً عن مواقف منطقية وحتمية للتيار الإصلاحي الديمقراطي الاجتماعي، والذي تبنى مقولة السياسة الامبريالية الاشتراكية معتبرين، بأن للتوسع الامبريالي فائدتين : تحسين الأوضاع المادية للبروليتاريا في البلدان الرأسمالية ونشر الحضارات في المستعمرات.
المواجهة الفكرية بين روزا لوكسبورغ والتيار التحريفي الانتهازي:
كانت روزا لوكسبورغ ، من بين أبرز الوجوه الثورية الراديكالية، التي تصدت للتيار التحريفي وللوسطية الفكرية، واكتشفت ومنذ البداية ، انزلاق رفاقها في الحزب الاشتراكي إلى مواقع اليمين، و لذلك لم تتفاجأ ، كما تفاجأ الأخرون وبدل أن تشيد بالاستعمار، وتهلل للحروب، أدانت وبشدة التخريب الذي أحدثه الغزو الاستعماري للبلدان الماقبل رأسمالية، وهي التي أشادت أيضاً، بحركة المقاومة المغربية "التحرير في الريف" وانكبت على دراسة التكوين الاقتصادي الاجتماعي البدائي لهذه البلدان، والتي تستند على قاعدة فلاحية، وهؤلاء أي الفلاحون مع الرعاة، قادوا كفاحاً بطولياً ضد الاستعمار، ويمكن مقارنته بكفاح نظرائهم الفلاحين الفرنسيين ضد الأسياد عاد 1789.
وبذلك تكون روزا، قد طابقت ومنذ البداية بين الصراع الطبقي،والصراع المناهض للامبريالية، على عكس رفاقها، الذين هللوا للنهب الاستعماري، ولاستغلال قوة العمل والإبادة الجماعية، وليس بغريب على المنظرة الثورية ، هذا الموقف وهي التي عرفت الاستعمار، بأنه تملك الأرض، والاستغلال المعمم لقوة العمل، وابتزاز الربح عن طريق الاقتطاعات الضريبية الألمانية، التي سعت إلى الحصول على احتياطي قوة العمل، كما طمعت في الثروات المعدنية.
ويكمن التناقض الرئيسي في الرأسمالية وبحسب روزا، بين القدرة على الإنتاج و القدرة على الاستهلاك، وعدم وجود مستهلكين، داخل الأسواق الرأسمالية ، يدفع بهذه الأخيرة، إلى التوسع ، بحثاً عن الأوساط الماقبل رأسمالية، لتحقيق فائض القيمة، وللإستيلاء الأسواق،وهذا الصراع على الأسواق ، يؤدي إلى حروب طاحنة بين الدول الامبريالية . وهكذا تحولت الامبريالية ، في فكر روزا إلى مرادف للكولونيالية ، واعتبرت المستعمرات، ضرورة حياتية للإمبريالية.
ولولا هذا الغزو الكولونيالي، والتوسع خارج الحدود، لكانت انهارت الرأسمالية تحت ثقل تناقضاتها، وأزماتها والتي أفقرت الفلاحين وجردتهم من ملكياتهم ، في الوقت الذي جنت فيه أرباحاً طائلة، من جراء استغلال قوة العمل، وتصدير المنتجات ، الأمر الذي أدى إلى تلوث بعض قادة الأحزاب وأصابتهم لوثة الشوفينية، لأن أكثرية اشتراكيي أوربا الغربية، أيدوا السياسة الاستعمارية الاشتراكية،وهذا التأييد، ما هو إلا مشاركة في الوليمة الامبريالية وتكييف مع البورجوازية.
وعلى المقلب الأخر،لا يقل نقد روزا لرفاقها في الحزب، شراسة عن نقدها للتحريفي برنشتاين، والذي يمثل ووفق روزا ماركسية المستنقع الراكدة وجوهر نظرية التحريفية، قائم على النضال من أجل الإصلاحات ، وذلك عن طريق النضال الانتخابي البرلماني التدريجي.
يقول برنشتاين: "كلما تقدمت المؤسسات السياسية، للأمم العصرية بالإتجاه الديمقراطي، اختفى وجوب الانهيارات السياسية الكبرى، ومن يتمسك بنظرية الانهيارات، يتوجب عليه منطقياً، ألا يغتاظ حين نسمع أحداً، يقول أن مهمة الاشتراكية الديمقراطية، ليست التفكيربالانهيار الكبير، بل بتنظيم الطبقة العاملة سياسياً وتحضيرها للديمقراطية"
اعتبرت روزا وفي معرض ردها،على برنشتاين، بأن هذه الرؤى، تهدف إلى إنقاذ النظام الرأسمالي، وهي تمثل جناح البورجوزاية الصغيرة، والإنتاج الصغير وتهدف إلى تخفيف التناقضات، والتقليل منها، حتى لا يتم القضاء على الرأسمالية بالطرق الثورية، وهذا يفسر رغبة التيار الانتهازي، رفضه الاستيلاء على السلطة من قبل الطبقة العاملة، إذ ينبغي على البروليتاريا، ووفقاً لبرنشتاين، أن تترك المجتمع الرأسمالي، على حاله ووضعه الراهن، كي تمني ذاتها بهزيمة مريعة، وهذا يفسر تأييدهم أيضاً للإصلاحات التشريعية، بدلاً من الاستيلاء على السلطة وهم يفضلون إجراء تعديلات سطحية،على المجتمع القديم، وإصلاح الرأسمالية ومساعدتها على خروجها من أزماتها ، وعقلنة عملية الاستغلال، وليس القضاء على نظام العمل المأجور،عن طريق ثورة اجتماعية، تهدف إلى الإطاحة، بعلاقات الإنتاج الرأسمالية أي علاقات الملكية.
ووفقاً لهذا التصور الإصلاحي للتطور الاقتصادي ، يكون التيار الانتهازي، قد تخلى عن نظرية ماركس، في فائض القيمة، والصراع الطبقي، مفضلين المصالحة مع البورجوازية الليبرالية، وهذا يفسرالطابع الانتقائي لهذا التيار، الذي يأخذ عناصر فلسفية واقتصادية واجتماعية وسياسية من الماركسية ، ومن الفكر السائد. وخلصت روزا لوكسمبورغ، الى نتيجة مفادها، أن هذا التيار يعبر عن الطبقة العاملة، في لحظة ضعفها وعجزها، سيما وأن النظرية التي صاغها برنشتاين، لا تعدو كونها، محاولة واعية لضمان سيطرة العناصر البورجوازية الصغيرة داخل الأحزاب الثورية .
لينين وسجاله مع كارل كاوتسكي حول مفهوم "الامبريالية العليا" :
اعتبر كارل كاوتسكي، أن النظام الرأسمالي، قادر على تحقيق توحيد سياسي واقتصادي للسوق العالمية، ويمكن أن يعقب الصراع الامبريالي، فترة سلمية جديدة أطلق عليها اسم "الامبريالية العليا" وفحوى هذه النظرية، أن أقطاب المال، قادرين أن يتوحدوا، في تروست عالمي يتقاسم المستعمرات سلمياً، ويرى أيضاً، أن الامبريالية مرحلة من مراحل الرأسمالية، ووسيلة من وسائل إنمائها ، لأنها تريد إلحاق وإخضاع البلدان الضعيفة .
ما اعترض عليه لينين، في نظرية كاوتسكي، طمسه لتناقضات الواقع الامبريالي وبدلاً من انتظار امبريالية، مفرطة في سلميتها، كان يتوجب على كاوتسكي ورفاقه الثوريين، أن يبادروا إلى التحرك، مستغلين تناقضات وأزمة الرأسمالية الاحتكارية بدل إفراغ الامبريالية من مضمونها الثوري، لأن الصراع لم يعد محصوراً داخل الرأسمالية وحدها بل انتقل، إلى داخل النظام الإمبريالي الجديد،وبذلك يكون قد حل الصراع بين الأمم ، محل الصراع بين الطبقات وسيما وأن الامبريالية، استطاعت أن تخفف من تناقضاتها عبر نقلها لهذه الأخيرة إلى الأطراف و ماركسية كاوتسكي لا تتجنب التناقضات والكلام دوماً للرفيق لينين فقط ، بل لا تأتي على ذكر، دور البنوك التي تحولت إلى محتكر لرأس المال وقامت بتصديره، الأمر الذي أدى، إلى الغزو الاستعماري، وما رافقه من تضخم لأجهزة الدول المرابية صاحبة الدخل علاوة على أن أن كاوتسكي اكتفى بالنضال ضد سياسة البنوك دون يمس ، بأسس اقتصاد هذه البنوك،و هذا ما دفعه إلى تبني مواقف إصلاحية ورفع شعار المسالمة البورجوازية.
كاوتسكي لا يرى العصر، وحقيقة الرأسمالية العالمية وليس الأوربية فقط ، وهو الذي كان يأمل، بمجيء عهد سلمي جديد للرأسمالية ، أطلق عليه مسمى "الامبريالية العليا" وهو في الواقع، لا يعدو كونه نمط بورجوازي صغير، يهدف إلى خداع الجماهير، وإقناعها بضرورة التخلي عن التكتيكات الثورية البروليتارية ، خلال مرحلة الحرب، وبذلك يكون كاوتسكي قد صرف العمال، عن العمل الثوري، وحول الماركسية إلى نظرية معادية للثورة، عندما نصح الرفاق بالإنتقال إلى الديمقراطية السلمية ، والتقليل من المصائب والتضحيات، مع بقاء السيطرة الطبقية والمفارقة أن كاوتسكي اعترف، وفي كراسه "طريق السلطة" بتفاقم تناقضات الرأسمالية في طورها الاحتكاري، وباقتراب مرحلة الحروب والثورات، وعندما اندلعت الحروب وازدادت التناقضات حدة، وتفاقم بؤس وشقاء الجماهير، رفع شعار الديمقراطية السلمية وهلل للحروب الامبريالية ، أي هلل للنهب الاستعماري، ولفظائع الحروب والأرباح الفاحشة ، التي كان يبتزها المتعهدون الحربيون من هذه الحروب ولذلك ربط لينين ، بين الاستعمار والانتهازية الاشتراكية ، الغارقة في المياه البورجوازية الآسنة والتي كانت تتوجه للطبقات الوسيطة، وهذا ينسجم مع المحتوى السياسي والفكري لهذا التيار، القائم على فكرة التعاون بين الطبقات بدلاً من الصراع ، والتخلي عن التكتيكات الثورية، ومساندة الحكومات وهي نتاج اجتماعي لمرحلة تاريخية محددة وهي الديمقراطية السلمية.
بالمحصلة ، لقد خانت الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية والأممية الثانية، الجماهير الثورية وتحولت إلى أحزاب وطنية ليبرالية، عندما انحازت إلى حكومات بلدانها الامبريالية وهي لا تعدو كونها، سياسة معادية للبروليتاريا،لأنهم وبتصويتهم على إعلان الحرب، يحاولون إنقاذ الرأسمالية من مآزقها ، حرصاً على الأرباح و الامتيازات والأهم من هذا وذاك، خوف هذه الحكومات من الثورة الاجتماعية العالمية.
ما هو موقف كل من روزا لوكسبورغ ولينين من الحروب:
لقد وقفت روزا لوكسمبورغ ضد الحروب، لأنها تقطع الطريق على الثورة الاجتماعية العالمية ، وتأجل الصراع الطبقي وبانحياز الحزب الاشتراكي إلى الحكومة الامبريالية الالمانية ، يكون قد توطأ ضد الطبقة العاملة، وتنكر للصراع الطبقي، في زمن الحرب وأعطى الحكومات مهلة كي تستجمع قواها، وتعزز من مواقعها الاقتصادية والنضال ضد الامبريالية بالنسبة للبروليتاريا، هو في الوقت ذاته، نضال ضد السلطة ولن يتحقق الهدف النهائي للإشتراكية، إلا اذا عارضت البروليتاريا الإمبريالية عدا عن أن تنكر البروليتاريا للصراع الطبقي، في زمن الحرب كما في زمن السلم يعادل الانتحار.
أما لينين، فقد رأى بأن الحرب توحد الدولة مع المجتمع، بينما تعمد الثورة إلى توحيد صفوف الحرب الطبقية داخل المجتمع ضد الدول، وتصبح معارضة الحكومة بمثابة الخيانة والتي توحد المجتمع بما يخدم مصالحها الطبقية الخاصة.
ولن يستفيد العمال وفق ما ذهب إليه لينين في كافة أنحاء العالم ، إلا إذا انهزمت دولهم جميعاً، ومن شأن هذه الهزيمة أن تحول الحرب العالمية إلى أهلية ، بين طبقات تناصب بعضها العداء ، وبالنسبة للينين كان الدفاع عن الوحدة الوطنية كما فعل كاوتسكي في زمن الحرب الامبريالية ، يساوي الخيانة الطبقية، لأنها تساهم بانشقاق البروليتاريا على الصعيد العالمي، خاصة وأن الحرب لم تجلب لطبقة الرأسماليين الأرباح الفاحشة فقط بل جلبت لهم المغانم السياسية، بشقها لصفوف البروليتاريا العالمية وساهمت بافسادها.
غني عن البيان القول بإن نظرية لينين عن الامبريالية ، كانت بمثابة بوصلة للعمل السياسي الثوري ، لأنها أظهرت أن الحرب العالمية، والثورة مرتبطتان ببعضهما البعض لماذا؟
لأن الحروب تخلق، أوضاعاً وميولاً ثورية عند الجماهير بسبب الانهاك العام جراء تعاظم وفداحة الخسائر البشرية والاقتصادية، الناتجة عن الحروب الامبريالية اللصوصية التي تطيل بعمر الرأسمالية، لأن استغلال قوة العمل العالمية والاستيلاء على الأسواق لا تعدو كونها أشكال لإدارة أزمة الرأسمال الاحتكاري ،هي تدير الأزمات وتحضر لأزمات جديدة ، أكثر هولاً واتساعاً ويمكن أن تصل ، إلى حد تدمير ألة الانتاج والقوى المنتجة، لأن النظام الرأسمالي غدا أضيق من أن يستوعب الثروات، التي أنتجها وبالتوسع، يخلق متنفساً للرأسمال المالي وللتوظيف وبمعدلات أرباح خيالية.
وضمن التقسيم العالمي الجديد للعمل يمكن أن تبيع، وفي أي سوق سلعها وتكنولوجيتها القديمة وأن تجعل من اقتصاد البلدان النامية ، مجرد رافد لدعم اقتصادها المأزوم، وهذا ساهم في خلق بورجوازية محلية كومبرادورية طفيلية تابعة استهلاكية في الأطراف، تكتنز ولا تراكم، تنفق على الاستهلاك الباذخ على حساب تهميش وتجويع الأرياف، والتي تدفق فلاحوها الى المدن، بحثاً عن الخبز والعمل وحدد لهذه البورجوازية دور الوسيط والسمسار، الذي ينقل فائض عمل الفلاحين والمنتجين إلى المتروبولات ، وهكذا تكون الامبريالية قد حكمت على البلدان الفقيرة أن تبقى تابعة وهذه التبعية بدورها عطلت نشوء بورجوازية منتجة تنمي القوى المنتجة وتكون منتجة للقيمة، وليست مجرد وسيطاً لتدوال القيمة بين الأسواق المحلية والأوربية الخارجية، ولذلك ظل التطور راكداً في بلداننا، لأن الملكية العقارية كانت تنفق دخل أراضيها في المدينة لا في الأرياف المحرومة وهذا ما أعاق تطور القوى المنتجة ،في الوقت الذي استمر فيه استغلال قوة عمل الملايين في المستعمرات و الذين تعرضوا لاستغلال مضاعف، من قبل البورجوازية المحلية والامبرياليات وهذا يؤكد صحة أفكار كل من لينين وسمير أمين، اللذان توقعا اندلاع شرارة الانتفاضات من الأطراف، حيث جرى رسملة الأرياف وتم القضاء على الزراعة الفلاحية لصالح الاستثمار العقاري، وبذلك تكون الرأسمالية قد حكمت على ملايين الفلاحين بالتشرد والهجرة إلى المدن حيث شكلوا كوكبة من العشوائيات. لا ضير من القول بأن الرأسمالية ، والتي ترى في الجموع المفقرة والمهمشة فائضين عن الحاجة وعن اللزوم قد أصبحت نظاماً فات أوانه، وهذا ينسجم مع طبيعتها التي تنتج فائضاً نسبياً، من السكان العاطلين عن العمل وهذا لا يعدو كونه ، شرطاً من شروط التراكم والذي يأخذ شكلاً حاداً خلال الأزمات.
علاوة على أن التراكم هو المعادل للإفقار المطلق، والذي ما انفك ، يولد جيشاً من العاطلين عن العمل ، إذ كلما ازداد التراكم سرعة في مدينة صناعية وفق تعبير ماركس تسارع تدفق سيل المادة البشرية الصالحة للاستغلال، وتعاظم بؤس العمال وتم طردهم من ديارهم وتحولوا الى مشردين.
المراجع:
ماركس – انجلس في الاستعمار
روزا لوكسمبورغ – كتابات مختارة
البيان الشيوعي –العفيف الأخضر
إصلاح اجتماعي أم ثورة - روزا لوكسمبورغ
طريق السلطة- كارل كاوتسكي
المجلد الخامس من الأعمال الكاملة - لينين



#هيفاء_أحمد_الجندي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل ستتحقق نبوءة زعيم الثورة البلشفية وتندلع ثورة اشتراكية عا ...
- مفهوم الإمبريالية بين الأمس واليوم
- دفاعاً عن النضال الإشتراكي والصراع الطبقي
- سمير أمين.. المنتج للتمرد
- المسألة الفلاحية والانتفاضات الشعبية
- حكاية إسمها ثورة أكتوبر
- الفكر النقدي الثوري ومفهوم البورجوازية الصغيرة
- ما الإستراتيجية التي تتبعها الإمبرياليات والطبقات المسيطرة م ...
- مفهوم الأنتلجنسيا ودورالمثقف الثوري في عملية التغيير
- مهدي عامل عن التحرر الوطني والصراع الطبقي
- عن مفهوم الطغمة المالية وجدل مهدي عامل مع المفكر فواز طرابلس ...
- عندما يستمد الفكر العقلاني العربي جوهره ومعناه من منهج محمود ...
- المُحتَوى الاجتماعيّ-الطبقِيّ لِثوْراتِ العالَم، مُقارَبات و ...
- سمير أمين واطروحة المركز والاطراف وقانون القيمة المعولمة
- إريك هوبزباوم قارئ فريد للتاريخ يفتقد العرب أمثاله في ثوراته ...
- مَهدي عَامل والتّحليلُ الطّبقيُّ للْبُنى الْمُجْتمَعيّةِ الْ ...
- المحتوى الاجتماعي الطبقي للثورة السورية
- الفكر النقدي والانتفاضات الشعبية: ياسين الحافظ وعبدالله العر ...
- من ينتظر ثورة اجتماعية خالصة لن يراها في عمره
- ماركس ونَمطُ الإنْتاجِ الآسْيوي


المزيد.....




- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...
- بوتين: الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا سببه تجاهل مصالح رو ...
- بلجيكا تدعو المتظاهرين الأتراك والأكراد إلى الهدوء
- المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي: مع الجماهير ضد قرارا ...
- بيان تضامن مع نقابة العاملين بأندية قناة السويس
- السيسي يدشن تنصيبه الثالث بقرار رفع أسعار الوقود


المزيد.....

- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي
- بصدد الفهم الماركسي للدين / مالك ابوعليا
- دفاعا عن بوب أفاكيان و الشيوعيّين الثوريّين / شادي الشماوي
- الولايات المتّحدة تستخدم الفيتو ضد قرار الأمم المتّحدة المطا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - هيفاء أحمد الجندي - الأسس الفكرية للانتهازية الثورية والإصلاحية الوسطية