أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - المهرجان القومي لأبي العظماء السبعة














المزيد.....

المهرجان القومي لأبي العظماء السبعة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6325 - 2019 / 8 / 19 - 19:46
المحور: الادب والفن
    



في قديم الزمان، كان هناك أشقاءُ ستّةٌ: وجوهُهم نورٌ، دماؤهم خيوطٌ من الضياء، قلوبُهم من رحيق الزهر، وأجسادُهم من نسيج اللون والنغم. تفرّق الأشقاءُ إلى قسمين، فذهب كلُّ ثلاثةٍ في طريق. وجعلوا من الشقيقة الكبرى أمًّا، واتخذوا الشقيقَ الأكبر لهم أبًا. إنها عائلة "الفنون الرفيعة".
رسم الإغريقُ الأوائلُ ملامحَ أفرادِ "العائلة السداسية" على النحو التالي: [المسرح - الموسيقي – الشعر | العمارة- النحت – الرسم]. وفي تلك العائلة الحسناء الثرية، اعتبر فلاسفةُ الإغريق أن "المسرح" صُلبُ العائلة لهذا نقول (المسرحَ أبو الفنون)، وأن "العمارةَ" تاجُها، فنقول (العمارةَ أمُّ الفنون). وانقسمت العائلة السداسية في لحظة تأمل ودراسة، إلي مجموعتين ثلاثيتين ظَرْفيتيْن: (ظرف مكاني، وظرف زماني).
المجموعة الأولى: تعتمدُ "الإيقاع المكانيّ”. والمجموعة الثانية: تعتمدُ "الإيقاع الزماني". تفرقت (العمارةُ والرسمُ والنحتُ) إلى حقل: "فنون المكان"؛ حيث: "إيقاعُ المكان"، بمعنى النِسَب والمسافات والأبعاد أو الكتلة والفراغ. وذهب (الشعرُ والموسيقي والمسرح) إلى حقل: "فنون الزمان" حيث الإيقاع الصوتي وتوقيعات الزمن، أو النغم والسكون. لكن، رغم ذلك، ظلّت هناك روابطُ وصلاتٌ وتداخلاتٌ قويةً، تجمع بين الفريقين المنفصلين. هكذا انفصل الشعرُ عن العمارة، فصارا أبناء عمومة بعدما كانا شقيقين، مثلما انفصلت الموسيقى عن النحت والتشكيل. لكن المسرحَ ظلَّ هو الجامعُ الأبدي لكل أشقائه الفنون الأخرى، حتى بعدما وُلِدَ الشقيقُ السابع: السينما. لأن على خشبته تلتقي الفنونُ جميعها، ويجتمعُ شملُ الأشقاء من جديد.
ونحن اليوم، في هذا الحفل الأسطوري الآسر، نجتمع على شرف ذلك الأب الجميل: المسرح. نجح الفنانُ المثقفُ "أحمد عبد العزيز" في جعل "المهرجان القومي للمسرح في دورته الثانية عشر" عُرسًا بهيًّا أعاد إلينا نوستالجيا عظماءَ قدّموا لنا فنًّا ثريًّا علّمنا الكثيرَ، إذ كان لنا مدرسةً تمتدُّ سنواتُ دراستها على آماد أعمارنا. قال رئيس المهرجان، في كلمته الارتجالية المثقفة، إن "مصرَ تستحقُّ ما هو أجمل. ولن يكون هذا إلا بالعلم والعمل والفنون الراقية والمسرح على رأسها.” وصدق قوله. فبناءُ مسرح لا يقل أهمية عن بناء مدرسة. فالمدرسة تعلّم الأطفالَ، والمسرحُ مدرسةٌ دائمة لتعليم الكبار ما فاتهم أن يتعلّموه في المدارس وهم أطفال. لهذا قال قسطنطين ستانسيلافسكي: (أعطني الخبزَ والمسرح، أُعطك شعبًا مثقفًا. ) فالخبزُ لعيش الجسد، والمسرح لحياة العقل والروح. الخبزُ يجعلنا "نعيش"، والمسرح يجعلنا "نحيا". الخبزُ دون مسرح، يضمن عَيشَنا، كما تعيش الدوابُّ والهوامُّ والقوارضُ. بينما المسرح يجعلنا كائناتٍ راقية تفكّر وتبتكر وتتطوّر وتحبُّ وتنهض بالمجتمع. فننتقل من خانة المستهلِك، إلى خانة المنتج، وهي الخانة العليا للإنسان.
ولا شكَّ أن المِحَنَ الاقتصادية في مرحلة النهوض الراهنة، ووجه الإرهاب الأسود الذي يتحيّن منّا غفلةً لينقض عليناُّ بكامل قبحه، قد أرهقتنا. ولكننا لم ننس أن الفنَّ هو الخيطُ الذي يخترقُ أعماقَنا فيُخرجُ منها "الهمجيَّ" الفظَّ، ليستبدلَ به المتحضِّرَ النبيل. أؤمن أنه كلما أضيئت أنوارُ مسرح في مكان، انطفأت جمرةُ إرهاب في مكان آخر، وكلما فُتح ستار مسرح في مكان ما، أُغلق بابٌ من أبواب الطائفية. وكلما دقَّت مطرقةٌ على خشبة مسرح دقات ثلاثًا إيذانا ببدء العرض، دقَّ في الرأس ناقوسُ معرفة وسمو. الفن يُعطّل الجريمة، ويحارب الفساد والقبح والتخلف، لأنه يدرّب الإنسان على الإنصات إلى صوت الحق والخير والجمال. لم تخرج أوروبا من حقل الظلام القروسطى إلا بالفنون الجميلة وعلى رأسها المسرح، الذى هو أبُ الفنون؛ الذي تجتمع ألوان بقية الفنون فى محرابه. فإن أردت الحكم على مستوى التحضر والاستنارة لدى شعب، أو مستوى التخلّف والرجعية فيه، ليس عليك إلا أن تنظر إلى مسرحه لتقيّم مستوى شعبه، بل ولتعرف أيضًا إلى أين ذاهب ذلك الشعب، إلى النور، أم إلى الظلام.
ويتساءلُ العالمُ كيف لا تنكسِرُ مصرُ رغم النصال تكسّرت على النصالِ فى خصرها إثر الثورات والإرهاب والمحن الاقتصادية؟ والإجابة تكمن في الخيط الرفيع الذى حافظت عليه مصرُ منذُ نشأتها: الفنون الرفيعة. المسرحُ ليس رفاهيةً وترفًا، بل عقلُ المجتمع وضميرُه. المسرحُ ضمانةُ بقاء المجتمع، إن سقط المسرحُ ضَمَر عقلُ المجتمع، لأنه الظهير الذى يمنع نفاذ النصل إلى قلبه. ومصرُ حالٌ فريدة. لا تتوقّفُ مسارحُها حتى فى لحظات الحروب والإرهاب والكساد. بوسعك أن تصطحب أسرتك يوميًّا إلى أى مسرح من مسارح الدولة، لتشهدَ بجنيهات قليلة عرضًا ثريًّا. المسرح فى مصر هو نبضُ القلب الذى لا يتوقف، مهما توعّك الجسدُ. ذاك هو سرُّ مصر الخاص. "علّموا أولادَكم الفنَّ، ثم أغلقوا السجون"، كما قال أفلاطون. شكرًا لكل القائمين على هذا المهرجان الثري. "الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن."

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصرُ يليقُ بكِ الفرح … الوزيراتُ يليقُ بكنّ الأبيض
- الجرذان
- زمن جابر عصفور
- من ذكريات القناة … صمتَ الرئيسُ لتتكلَّمَ السفينة
- مَن هم الأقليّة في مصر؟ (2)
- الفلاتر الثلاثة … والأخلاق
- مَن هم الأقليّة في مصر؟ (1)
- الإخوان السفاحون…. لم يرحموا المرضى
- فيلم: الوباء الصامت … احذروا
- نزار قباني … نهرٌ دافقٌ وشركٌ صعب
- في مديح الضعف والضعفاء
- صُهَيْبَة
- صمتي صلاة
- المنهزمون!
- سمير الإسكندراني … يا غُصنَ نقا مكلّلاً بالذهب!
- سيادة الرئيس … انقذْ لنا مجمعَ مسارح العتبة!
- إمام مسجد … يدعو لنُصرة الأقباط
- موعدنا 30 يونيو!
- ماذا تنتظر؟
- الوطنُ …. عند السلف الصالح


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - المهرجان القومي لأبي العظماء السبعة