أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الكبير الداديسي - تحليل نص شعري















المزيد.....


تحليل نص شعري


الكبير الداديسي
ناقد وروائي

(Lekbir Eddadissi)


الحوار المتمدن-العدد: 6325 - 2019 / 8 / 19 - 10:02
المحور: الادب والفن
    


أربعة أبيات لقيس بن الملوح
النص على وزن الخفيف

حي من أجلهن الديارا وابك هندا لا النؤى والأحجارا
هي قالت لما رأت شيب رأسي وأرادت تــنكـرا وازورارا:
أنا بدر وقد بدا الصبح في رأ سِك والصبح يطرد الأقمارا
لستِ بدرا إنما أنت شمس لا ترى في الدجى، وتبدو نهارا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تأطير النص
رغم الاختلاف في طريقة دراسة الأدب العربي وتقسيمه حسب العصور أو الأقطار أو الاتجاهات أو الظواهر الأدبية .... يكاد يكون الإجماع على أن هذا الأدب يظل شكلا تحاول المعاني ملأه بدون جدوى لا يفرض على القراء معنى وحيدا بل يتيح لكل قارئ معاني متعددة ، أعجب الناس في زمانه وسيظل يعجب القراء في كل مكان وزمان
ولعل من الشعراء الذي فرضوا أنفسهم على الإنسانية بأشعارهم الشاعر ((قيس بن الملوح والملقب بمجنون ليلى (24 هـ / 645م - 68 هـ / 688)، شاعر غزل عربي، من المتيمين، من أهل نجد. عاش في فترة خلافة مروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان في القرن الأول من الهجرة في بادية العرب.
لم يكن مجنوناً وإنما لقب بذلك لهيامه في حب ليلى العامرية التي نشأ معها وعشقها فرفض أهلها ان يزوجوها به، فهام على وجهه ينشد الأشعار ويأنس بالوحوش ويتغنى بحبه العذري، فيرى حيناً في الشام وحيناً في نجد وحيناً في الحجاز.
وهو أحد القيسين الشاعرين المتيمين والآخر هو قيس بن ذريح "مجنون لبنى". توفي سنة 68 هـ الموافق 688م، وقد وجد ملقى بين أحجار وهو ميت، فحُمل إلى أهله)) هذا المقطع منقول من ويكيبديا
مخلفا ديوانا شعريا معظمه في التغزل بحبيبته ليلى والذي ترك الثر الكبير في الأدب العربي والفارسي حتى عدت قصته إحدى القصص الخمسة التي تضمنها كتاب الكنوز الخمسة للشاعر الفارسي نظامي كنجوي، ومن ديوان قيس بن الملوح اقتطفت هذه القصيدة ومنه هذه القصيدة وهي عبار عن حوار بينه وبين محبوبته حول ظهور الشيب في رأسه
فما خصائصها الفنية على مستوى المعجم الإيقاع الأساليب والصور الشعرية؟؟
إذا كان العنوان حسب الدراسات الحديثة أحد أبرز عتبات قراءة النص الأدبي . فغدت ترى فيه مدخلا قرائيا قد يختزل مضمون التجربة برمتها، إلى درجة أن البعض جعل الاهتمام بالعنوان علما خاصا موضوعا ومنهجا وجهازا مفاهيميا (TITROLOGIE ) . فجيرار جينيت يعتبر العنوان عتبة ذات سياقات ودلالات ووظائف لا تنفصل عن بنية العمل الفني . والعنوان كما يرى رولان بارت هو صاحب الدور الأول في إكساب المتلقي معرفة بالنص . ان العنوان العلامة التي تسمي النص وتميزه ،انه بطاقة هويته : فلا كتاب أو نص بدون عنوان . لذلك فاختيار العنوان – الذي غالبا ما يأتي تاليا على النص – لا يخلو من قصدية . فهو يكلف المؤلف وقتا وجهدا كبيرين قبل إخراجه ليصبح بنية دلالية وسميائية وتوجيهية... واشهارية عامة للنص ... فإن هذه القصيدة جاءت بدون عنوان وبالتالي يجد القارئ نفسه قد دخل النص رأسا عتبات
والنص مكون من أربعة أبيات شعرية ، ورغم قصر النص فالشاعر حافظ على ثوابت معمارية الشعر القديم من خلال:
- استهلال النص بمقدمة طلية وجدانية ذكر فيها الطلل وقف واستوقف وبكى شدة البين فقد اعتاد العرب أن مقصد القصيد إنما يبتدئ فيها بذكر الدياروالدمن والآثار ، فبكى وشكا وخاطب الربع واستوقف الرفيق ليجعل ذلك سببا لذكر أهلها الطاعنين عنها فقد جرد من نفسه شخصا وأوقف وأمره دون استعلاء وإلزام (حي) وذكر الديار وبكى هندا
- ا لغرض الرئيس غنج الحبيبة واعتقاده أن شيب رئس الشاعر كفيل بقتل علاقتهما، فهي بدر وشيب راسه صبح والبدر والنهار لا يلتقيان
- الخاتمة افحام الشاعر للمحبوبة باعتبارها شمسا والشمس لا تظهر ليلا (سواد شعره)
- ومن تمة يكون قيس بن الملوح قد حافظ الحفاظ على البناء الثلاثي للنص الشعري ( مقدمة تقليدية ، العرض الرئيسي ، الحكم ) مما يعكس غياب الوحدة الموضوعية والوحدة العضوية في هذا النص الذي تميز باستقلالية الأبيات وإن أحسن الشاعر ا التخلص من المقدمة هكذا تكون الأبيات قد حققت الوقفات الثلاث ( كل بيت مستقل بمعناه وينتهي بوقفة دلالية ، عروضية ونظمية )
المستوى المعجمي : يتميز المعجم الشعري بحيويته وانزياحه عن الاستعمال المألوف وقد متح الشاعر من حقول معرفية متنوعة أهما :
1. حقل وجداني من وحداته المعجمية: حي ، ابك، النوى، تنكرا ، ازورارا...
2. حقل الطبيعة : الليل ، النهار ، الشمس ، الأحجار ، البدر الصبح الدجى...
يبدو من معجم هذه القصيدة أن الشاعر وظف معجما تقليديا متداولا في الموروث الشعري ، مع حضور لافت لمقولة الفعل دلالة على الاضطراب والتحول الذي أصاب العلاقة بين الطرفين،
وعند مقاربة الأفعال الواردة في النص فيلاحظ أنها موزعة حسب الأزمنة على الشكل التالي :
- أفعال أمر ( حي + ابك ) جمع بين السلب (التحية) والسلب (البكاء )
- أفعال ماض : (رأت + أرادت + قالت+ أرادت + بدا) كل الأفعال موجبة وتحمل دلالات إيجابية
- افعال مضارع : (يطرد + تبدو+ لاتُرى) جمع بين السلب والإيجاب
ليتضح الحضور القوي لصيغ الماضي، وهو ما يعكس حنين الذات لأن تعود العلاقة لما كانت عليه في الماضي وفيما يخص الضمائر فتتوزع بين
- المتكلم أنا الشاعر : ( رأسي + رأسك) ...
- المخاطب : أنت (حي + ابك ) ↔ تجريد
- الغائب الذي جاء مفردا مذكرا ومؤنثا: ( رأت أرادت بدا يطرد
يستنتج أن المعجم بني على التقابل بين الأنا والأنت / الماضي والحاضر/ السلب والإيجاب ولكل ذلك علاقة بمقصدية الشاعر
المستوى الإيقاعي: يشكل الإيقاع أهم خصائص الشعر إذ عرف القدماء الشعر بخصائص إيقاعية فقالوا :( الشعر كلام موزون مقفى ) فماهي الخصائص الإيقاعية لهذا النص ؟؟
الوزن : هو المسؤول عن شكل القصيدة وهندستها المعمارية ومساواة الأبيات وتناظر الأشطر كما أن عددا من النقاد ربطوا بين الوزن ومضمون لقد أثارت إشكالية علاقة الإيقاع الشعري بالغرض الشعري الكثـير من النقـــــاد في تاريـخ النقد الأدبــي العربي القديم والحديث . ووقف عندها أكثر من دارس ، و هـــي قضية مرتبطة أساسا بإشكالية موسيقى الشعر و معناه ، و من ثم كانت موضوع بحث النقاد القدماء و المحدثيــــن :
1 - من القدمـــــــاء سنقف عند ناقديـــــن أثارا إشكالية علاقة البحر بالغرض الشعري و هما :
أ – أبو هلال العسكر الذي يقول : " اذا أردت أن تنظم شعرا فاحضر المعاني التي تريد نظمها في فكرك ، و أخطرها على قلبك واطلب لها و زنا يتأتى فيـــــــه إيرادها و قافية يحتملها "
ب ـ حازم القرطاجني الذي يقول : " و لما كانت أغراض الشعر حتى ، و كان ما يقصد بـه الجد و الرصانة ، و ما يقصد به الهزل و الرشاقة ، و منها ما يقصد به البهاء و التفخيم ، و ما يقصد به الصغار و التحقير وجب أن تحاكى تلك المقاصد بما يناسبها من الأوزان و يخليها للنفوس . فإذا قصد الشاعر الفخر حاكى غرضه بالأوزان الفخمة الباهية الرصينة ، و إذا قصد في موضع قصدا هزايا و استخفافيا، و قصد تحقير شيء أو العبث به ، حاكى ذلك بما يناسبه من الأوزان الطائشة القليلة البهاء و كذلك في كل مقصد"
إن كلا من كلام العسكري و القرطاجني يؤكد ، بصريح العبارة ، أن لكل غرض وزنـــا يناسبه أكثر من غيره ، إلا أن العسكري أشار هذه الإشارة و لم تتكرر بالصناعتين عكس القرطاجني الذي خصص لهذه الإشكالية حيزا لا بأس به في منهاج البلغاء وسراج الأدباء.
2 - أما عند المحدثين فقد شكلت موسيقى الشعر موضوعا مهما بالنسبة لعدد منهم ، و ألفت كتب كثيرة في هذا المجال حاولت أكثرها الإشارة إلى علاقة الغرض الشعري بالوزن . و لعل أهم هذه الآراء ما طرحه إبراهيم أنيس من أن الإيقاع الشعري لا يرتبط بالغرض و إنما بانفعالات الشاعر و حالته النفسية : فالشاعر المتأزم المرتبك نفسيا ينظم على البحور القصيرة و إن كان في عكس هذه الحالة نظم على البحور الطويلة .
نظم قيس قصيدته هاته على وزن الخفيف، و قد يبدو أن أراء النقاد السابقة صحيحة إذا تم إسقاطها على هذا النص ، فالموضوع من المواضيع الخفيفة ، و الوزن من الخفيفة . و قد نظمه الشاعر و هو وهو بعيش اضطرابا نفسيا بعد سخرية خبيبته من هرمه وشيخوخته . . .
لكن ينبغي التأكيد ، مع ذلك ، أن هذه الآراء ليست مطلقة و إذا انطبقت على هذه القصيدة فإنها لا تنطبق على كل القصائد . ذلك أن البحر الشعري عبــــــــارة عن شكل إيقاعي مجرد و أن أية مقولة تربطه بالغرض مجرد فرضية تحتمل الصواب كما تحتمل الخطأ، بدليل أن أكثر قصائد الشعر القديم تحوي مواضيع مختلفة ، و قلما وجدنا قصيدة تحكمها وحدة موضوعية ، و مع ذلك ينظمها الشاعر على وزن واحد ، و من تم فالبحر الشعري لا يرتبط بغرض و معنى معينين ، كما نجد قصائد مختلفة أغراضها قد نظمت على نفس اللون . هكذا يحق لنا القول أن أراء هؤلاء النقاد نسبية وليست مطلقة و أنها ذوقية حدسية أكثر منها علمية منطقية ولأصحابها أجر اجتهادهم.
و الحق ، كل الحق ، أن الذي يتحكم سواء في الغرض أو البحر هو الشاعر فله القدرة على اختيار أي إيقاع لأي غرض يشاء ، و يجيد فيه ، إذا كان مبدعا موهوبا . ويخفق فيه إن كان ضعيف الموهبة.
إن الخفيف قد أعطى لهذا النص – ما في ذلك شك – جرسا موسيقيا نتيجة تكرار فاعلاتن أربع مرات ومستفعلن مرتين في كل بيت ، مما حقق رتابة موسيقية انعكست علــى المستوى الصوتي و النبري و تعادل المقاطع العروضية و الصوتية . فجاءت الأبيات متساوية، والأشطر متناظرة
وبما أن الشاعر يتغزل ويمازح محبوبته فقد اختار لقصيدته ما يناسبها من الأوزان الخفيفة وبه أخف التفاعيل السباعية مفتاحه هو
يَا خَفِيفًا خَفَّتْ بِهِ الْحَرَكَاتُ
فاعِلاتُنْ مُسْتَفْعِلُنْ فَعِلاَتُنْ
..
كما أن الخفيف من الأوزان الممزوجة لقيامه على تفعيلتين مختلفتين سباعيتين ( فاعلاتن) تتكرر مرتان في كل شطر ، و( مستفعلن ) تتكرر مرة في كل شطر مما ساهم في إغناء الإيقاع الخارجي للقصيدة . هذا وقد لحقت تفعيلات القصيدة تغيرات خاصة الخبن حذف الثاني الساكن في التفعيلتين معا
القافية : من أهم خصائص الإيقاع الخارجي للنص الشعري ولها دور أساسي في الشعر العربي. والقافية قرينة "الوزن" في هذا الدور، ولكنّ وضوحها السمعيّ، وبروزها الصوتي جعل منها ملمحًا كاشفًا، جعل البعض يطلق القافية على القصيدة، و القوافي على الشعر عامة .لقد أولى القدماء القافية عناية كبيرة لقيامها على تكرار "المقطع المتّحد" في القصيدة كلّها في أواخر الأبيات
القافية لغة من القفا و هي وراء العنق، و قافية الرأس مؤخرته . أما اصطلاحا فقد عرفها الخليل بقوله :" تحد القافية من أخر حرف في البيت إلى أول ساكن يليه مع الحركة قبل الساكن" ، و عرفها ابن كيسان بأنها كل شيء لزمت إعادته في أخر بيت و جعلها الأخفش أخر كلمة في البيت . . . و هناك اختلافات كثيرة في تحديد مفهوم القافية حتى أطلقها بعضهم على القصيدة مجازا:
علمته نظم القوافي ولما قال قافية هجاني
و نحن لا تهمنا هذه الاختلافات في شيء و إنما همنا إبداء بعض الملاحظات على قافية هذه القصيدة كما عرفها الخلـيل
وقد جاءت قافية قصيدة قيس رائية (رويها الراء ) مطلقة موصولة مردوفة (رويها متحرك) من نوع المتواثر (-0-0) لوجود متحرك واحد بين ساكني القافية والراء حرف مجهور تكراري وكأن الشارعر باختياره رويا يرد على جهر المحبوبة بسخريتها المتكررة
التكرار: إن أسلوب التكرار لا يستطيع إغناء المعنى و الموسيقى الداخلية للنص إلا إذا استطاع الشاعر السيطرة عليه واستخدامه في مواضعه وإلا كان مبتذلا،وعاملا مساعدا على إضعاف النــص من الناحية الموسيقية .
والتكرار في حقيقته هو إلحاح على جهة عامة في العبارة يعنى بها الشاعر أكثــــر من عنايته بسواها . إنه من هذا المنطلق تسليط الضوء على نقطة حساسة في العبارة و الكشف عن اهتمام المتكلم بها فكيف وظف قيس بن الملوح التكرار؟ و ما دلالته في النــص ؟
إن التكرار في النص الأدبي ، و الشعري منه بالخصوص لا يكون على صورة واحدة : فهناك التكرار السجعي المتمثل في تكرار الصوائت والصوامت،وتكرار الحرف وتكرار الكلمة و تكرار الجملة و تكرار البيت و تكرار المقطع ، وتكرار النسق العروضي . . .
- ولا يتجادل اثنان في كون تكرار حرف أو حروف معينة في بيت أو قصيدة يساعد على إغناء الجانب الموسيقي لهذا البيت أو هذه القصيدة، و يكفي الإشارة إلى ما أثاره تكرار حرف السين في سينية البحتري الخالدة. إلا أن التكرار قد يفسد البيت الشعري إذا لم يحسن الشاعر استخدامه. وفي شطر أحد أبيات الأعشى خير دليل (شاو مشل شلول شلشل شول ) على سوء اختيار تكرار الحروف...
و المطلع على قصيدة قيس رغم قصرها سيجد مثلا أن حرف الراء قد تكرر فيها 16 مرة وقد بين دلالة الحرف في مقاربة القافية
وإذا كان تكرار كلمة في قصيدة أو بيت لون شائع في شعرنا العربي قديمه و حديثه . إلا أن ما يجب الإشارة إليه أن هذا النوع من التكرار ينبغي أن يكون وثيق الصلة بالمعنى العام للنص، وأن يخضع لكل ما يخضع له الشعر عموما من قواعد ذوقية، جمالية و بيانية ، وإلا بدا سخيفا مبتذلا، كأن يكرر الشاعر لفظا ضعيف الارتباط بما حوله أو لفظا ينفر منه السمع . عند قراءتنا لهذا النص نلاحظ أن تكرار بعض الكلمات يلعب دورا وظيفيا في النص هكذا تكررت كلمات (رأس) مرتبط بالشاعر، و(بدر) تحيل على المحبوبة وهما بؤرتا الحديث في النص وبذلك يكون التكرار قد لعب وظائف متعددة في النص منها وظائف إيقاعية موسيقية، وأخرى فنية جمالية ,ووظيفة معنوية دلالية ارتبطت تأكيد المعنى المراد تبليغه
و ينظاف إلى التكرار وجود عدد كبير من الكلمات المتجانسة، فأكثر كلمات القافية متجانسة فيما بينها . فنصف كلمات القافية جاءت جمع تكسير وجمع كثرة على وزن أفعال (أحجار اقمار)
ومن مظاهر اهتمام الشاعر بالإيقاع لجوؤه إلى الإيغال و الإيغــــــــــال أن يتم كلام الشاعر قبل البيت ( أو النـــــاثر قبل السجع ) فيأتــــي بكلمة لتمام القافية . و قد عرفه قدامة بن جعفر ، بأن يأتي الشاعـــــر بالمعنى في البيت تامــــا من غير أن يكون القافيــة في ما ذكره صنع، ثم يأتي بها لحاجة الشعر فيزيد بمعناها في تجويد ما ذكره من المعنـــى في البيت هكذا انتهت معظم الأبيات بعطف حذفه لن يغير شيئا في المعنى ( تنكرا وازورارا/ لا يرة في الدجى وتبدو نهارا/ النؤى والأحجار)

التشبيـــــــــــــه :
يـقول القزويـني " التشبيه الدلالة على مشاركة أمر في معنى " ، و يعلق البرقوقي في حاشية هذا التعريــف قائلا " فإن كـــــان التشـبيه مدحـا كان أبهـى و أفـخم و أنبـل في النفــــــوس و أعـظم ، و أهـز المعـطف ، و أسرع الألف، و أجلب الفرح ، و أغلب على الممتدح، و أوجـب شفاعـة للمــــــادح و أقـضى له بعز المواهب و المنائح . . . وإن كان ذما كان مـسه أوجع وميسمه ألذع. . . وإن كان افتخارا كان شأوه أبعـد و شرفه أجد و لسانه ألـذ . . . و يستمر على هذه الطريقة في عرض أوصاف التشبيـه بكل غرض من الأغراض الشعريــة.

و إذا نحن نظرنـــا إلى النـص وجدنـا التشبيـه مرتبـطا بالمرأة فجعله تارة يلسانها (أنا بدر) وتارة أخرى بلسانه هو (أنت شمس) .
وإذا كان التشبيه هو بيان أن شيئين أو أكثر اشتركا في صفة بأداة وأن عناصره أربعة ، فقد جاء في هذه القصيدة بليغا حذفت فيه الأداة والوجه
وهو تشبيه حسي طرفاه ملموسان المشبه فيه المرأة والمشبه به من الطبيعة (البدر والشمس)
وكأن الشاعر مقتنع بأن تشبيه المحسوس بالمعقول غير جائــــــــــز سيرا على طرح الرازي القائل : " واعلم أن تشبيه المحسوس بالمعقول غير جائز، لأن العلوم العقلية مستفادة من الحواس و منتهية إليها ، و لذلك قـــــــيل من فقد حسا فقد علما ، و إذا كان المحسوس أصلا للمعقول فتشبيهه به يكون جعلا للفرع أصلا، والأصل فرعا و هو غير جائز " و يعطي مثــــــــالا على ذلك : فإذا شبه الإنسان الشمس بالحجة في الظهور و المسك بالخلق في الطيب كان سخيفا.
هكذا إذن نجد التشبيه الحسي هو الموجود في النص ، لكن لا ينبغي أن يفهم من الحس هنا مطلق الحس ، فإذا كانت الحقيقة الحسية تحوي خمس حواس فإننا نلاحظ غياب أربع حواس في النص :
- فلا نجد في النص أي حضور لحاسة الذوق وما يرتبط به كالحلاوة و المرارة و العذوبة . . .
- كما نسجل غياب ما يتعلق بحاسة السمع من الأصوات حسن صوت المحبوبة
- كما نسجل غياب ما يتعلق باللمس ، كاللين ، النعومة ، الخشونة، البرودة . . .
- و في نفس الإطار نسجل غياب ما يتعلق بالشم من طيب الروائح
لكن الشاعر حاول – من حيث يدري أولا يدري- التخفـــــــيـف من هذه الحسية المفرطة بالتخلص من أحد طرفي التشبيه :ليسقط في توظيف الاستعارة والتشخيص في قوله ( بدا الصبح راسك) والاستعارة تفجير للغة ومحرك دلالات النص الشعري، وجسر الشاعر المبدع نحو عالم يخلقه بواسطة اللغة الشعرية يتيح له إمكانية بعث الحياة في الكلمات، ولي أعناق المتناقضات، وتحويل الشيء المعنوي الصرف إلى شيء موغل في المادية والعكس صحيح... ومن تمت فالاستعارة كما قال الجرجاني هي (أحد أعمدة الكلام وعليها المعول في التوسع وبها يتوصل إلى تزيين اللفظ وتحسين النظم ) فلا شعر دون استعارة لأنها تخرج الكلامَ مخرجا فنيا لقيامها على طاقة التلميح وبالتالي قيام النص الشعري على الغرابة والتعابير الاستعارية وتبعده عن الاستعمال المألوف للألفاظ وتداولها المعروف ، لتكون الاستعارة وثيقة الصلة بالإبداع والغرابة
إذا كانت الاستعارة هي لفظ استعمل في غير ما وضع له مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي، أو هي تشبيه حذف أحد طرفيه فإن قيسا في هذه القصيدة ركب الاستعارة وبواسطتها بدا الصبح برأس الشاعر فقد شبه الشيب بالصبح وصرح بلفظ المستعار منه (المشبه به) على سبيل الاستعارة التصريحة لتختزل هذه الاستعارة كل معاني النص مقابل هذا الحضور للتشبيه والاستعارة كانت الكتاية والمجاز المرسل غائبين عن النص
الخاتمة : ستنتج من خلال تحليل هذه القصيدة على قصرها والقصيدة يشترط فيها على الأقل سبعة أبيات لتسمى قصيدة أن مختلف مكونات النص عبر مستويات التحليل ( البناء ، الإيقاع ، التركيب ، المعجم . . . ) حاولت خدمة الدلالة المركزية للنـــــص ( إعلاء مكانة المحبوبة ). و مع ذلك يمكن استخلاص الخلاصات التالية:
- إن النص ليس إلا صوتا واحدا من مئات الأصوات الممكنة، و هو ليس نموذجا متفردا لا على مستوى الشكل و لا على مستوى الدلالة ، فهو يدخل في علاقة تناص مع نماذج شعرية سابقة أو معاصرة تصف المرأة بالبدر والشمس ، و تفرد هذا النص إنما يكمن في تعبيره عن وجهة نظر صاحبه ، و في كونه نصا وحدثا وقع في زمان معينــــيــــــــن لا يعيد نفسه إعادة مطلقة ، مثــــــــله في ذلك مثل الحدث التاريخي
- إن الإيقاع كان يفرض نفسه على النص وعلى الشاعر ، فحتم عليه توظيف بعض التقنيات كالتقديم و التأخير للحفـــــــاظ على نفس الإيقاع ، بل أكثر من ذلك جعل الشاعـــــر يصل كلمة الأنهار بالمد وإشباع الروي (الأنهارا)
- ان البناء العام للنص لا يخرج عن بناء القصائد التقليدية مقدمة طللية وجدانية غرض رئيس وحكم في الأخير
- إن حسن التخلص اضهر النص كما لو يحقق الوحدة الموضوعية، إذ نكـــــــــاد لا نشعر بأي انقطاع بين وحدات النص ، و على الرغم من تحقيق هذه الوحدة الموضوعية فان النص لا تتحقق فيه الوحدة العضوية ، لاستقلالية كل بيت بمعنى خاص ، وتحقيقه للوقفات الثلاث، على الرغم من محاولات الشاعر الربط بين أبيات قصيدته إما بأدوات العطف، أو بإتمام معنــــى البيت ، في البيت أو الأبيات التي تليه .
- أن القصيدة تدخل في إطار شعر الغزل وبالتالي فهي تتمركز حول عبارة (أ+ خب+ ك) فتحضر فيها ذات الأنا وذات الأنت وتلك العلاقة التي تجمعهما
- أن الشاعر سار على عادة القدماء في النهل من معجم الطبيعة لإبراز جمال محبوبته مما جعل الصورة الشعرية قائمة على المشابهة.
و في الأخير لا بد من الاشارة أن هذه القراءة ، لهذا النص ليست إلا محاولة بسيطة ومتواضعة على مستوى المنهج و الخلاصات ، وسعي لإضاءة بعض الجوانب المعتمة وتفكيك بعض مكونات هذا النص



#الكبير_الداديسي (هاشتاغ)       Lekbir_Eddadissi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا فشلت وتفشل كل الثورات العربية؟؟
- تكوين وتحسيس الشباب بحقوق النساء
- ضبابية مواجهات الدور الثاني في كان 2019+ فيديو
- احتفاء بكاتبات وكتاب آسفي في ليلة رمضانية حالمة
- شعر نغم وتكريم في الخيمة الشعرية الرمضانية نادي القلم المغرب ...
- هكذا تكلم آدم ديوان للتونسي الأسعد الجميعي
- إموزار كندر: احتفال باليتم وتكريم لفعاليات محلية ووطنية
- النص الكامل لاستقالة بوتفليقة
- تكريم الشاعر محمد بن طلحة بأربع لغات في آسفي
- مهرجان الملحون بآسفي
- كرة ثلج مطالب الجزائريين تتدحرج على تراجعات النظام
- سلوكات التلاميذ تحت مجهر القانون
- مخدرات وسلاح أبيض في الفصل الدراسي من المسؤول !!!
- إشكاليات في القصة القصيرة جدا
- سنوات عجاف في تاريخ المغرب الحديث
- نشاط بعبق التاريخ
- القصة القصيرة جدا 5 - الصورة والتصوير في مجموعة -البلح المر-
- هل يبيح الفقر إسقاط الجنسية
- القصة القصيرة جدا: 4 - الثالثوث المحرم في مجموعة (عندما يزهر ...
- مناظرات الشباب حول التغيرات المناخية في المغرب


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الكبير الداديسي - تحليل نص شعري