أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - أسماء غريب - (9) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غريب : حوار أجراه من ستوكهولم الأديب والتشكيلي صبري يوسف















المزيد.....

(9) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غريب : حوار أجراه من ستوكهولم الأديب والتشكيلي صبري يوسف


أسماء غريب

الحوار المتمدن-العدد: 6323 - 2019 / 8 / 17 - 13:51
المحور: مقابلات و حوارات
    


لماذا نرى نسبة كبيرة من البشر، ترتكبُ فعل الشّر أكثر من فعل الخير والفضيلة والسّلام؟!
*

هذا يرتبط بمدى حُبّ الإنسان لنفسه أو عدمه، والحال أنّ معظم النّاس يكرهون أنفسَهم، فهُم يرتكبون الشّرّ ويتلذّذون به وبنتائجه أكثر من فعل الخير. وحينما أقول إنّ النّاس يكرهون أنفسهم، فإنّي أقصد بالكراهيّة تلك الَّتي تستمدُّ مشروعيّتها من الوصايا والأحكام الدّينيّة. معظمُ نصوص اللّاهوت وفي كلّ الدِّيانات تُحَذِّرُ الإنسانَ من نفسه، وتقولُ له إنّها الأفعى الَّتي تسعى بين جنبيْه والَّتي عليه أن يحاربَهَا بدون هوادة ليضمن لروحه النّجاة، ولأنّ الكثيرَ من النّاس يملكونَ خيالاً خِصباً في تأويل الوصايا والتّعاليم، فإنّكَ تجدُهُم يطبّقونها بحذافيرها مكتفين فقط بالمعنى الظّاهريّ الَّذي غالباً ما يقول لهم: "أبغض نفسَكَ وأحبَّ الله، هذا هو الخلاص". ومن هذه المُلاحظة يحقُّ لي أن أتساءل وإيّاكَ أيُّها القارئ العزيز وأقول: ما الّذي استفدناه من كراهية الإنسان وبغضِه لنفسِه؟ الواقع العالميّ المَعِيش مِن حولنا يقول: آلافٌ مؤلّفة من الشّباب فجّروا أنفسَهم في الكنائس والمساجد، في المعابد والأسواق، وفي التَّجمّعات التّجارية والشَّوراع. أليس كذلك؟ كلّ هؤلاء فعلوا هذا، لأنّهم "يحبّون الله"، ويكرهون أنفسَهم.
المسلم الّذي يقتُل المسيحيّ، يقوم بذلك لأنهُ يُحِبُّ الله؛
المسيحيّ الّذي يقتل المسلمَ، يقوم بذلك لأنّه يُحبُّ الله؛
اليهوديُّ الَّذي يقتلهُما معاً، يفعل ذلك، لأنّه هو أيضاً يحبُّ الله؛
والبوذي الّذي يقتلُ المسلم، يقوم بذلك لأنّه يُحبّ الله ربّما أكثر منهم جميعاً، واللّائحة تطول طبعاً.
طيّب، إذا كانت محبّةُ الله تتسبّبُ في كلّ هذا الألم والعذاب، فمن يكون هذا اللهُ الّذي من أجله يتقاتَلُ كلّ هؤلاء؟! لا شكَّ أنّه سفّاك يحبّ الدّماء ونحن لا ندري عنه شيئاً. لأنّ اللهَ الّذي أعرفه أنا وتعرفُه أنتَ عزيزي القارئ، ليس له أيّة علاقة بهذا الإله الَّذي باِسْمِه تُرْتَكبُ كلّ هذه المذابح! ما أريدُ قوله هو أنّ من يكرهُ نفسَه، لا يمكنُه أن يُحِبَّ اللهَ أبداً، لذا فإنّي أعتقد أنّهُ من الأفضل لو يتركِ النّاسُ جميعاً اللهَ جانباً، وليبدأوا على الأقلّ بحُبِّ أنفسِهم، لأنّ طريق الخلاص الحقّ يكمُنُ هُنا، في هذه النّفس الَّتي يوصي الجميع ببغضِها ومقتها.
كونوا محبّين لذواتِكُم، ما من مُشكل في ذلك، أحبّوا أنفسكم قدر ما استطعتم، اكتشفوها، تعرّفوا عليها، ولا تنصتوا للباقي، لأنّ الولادة الجديدة تقتضي المحبّة قبل كلّ شيء، وهذه المحبّة إذا لمْ تبدأ من الدّاخل فإنّكم لن تجدوا اللهَ أبداً.
الحبّ هو الحلّ إذن، لأنّه يفتحُ عينيْكَ على الحياة، وكونكَ تعيش اليوم فهذا لا يعني أنّكَ تحيا، فرق كبير يا صاحبي بين الحياة والعيْش. انظر حولك ولو لبضع لحظات، انظر إلى حياتكَ كيف هي؟ وستجد أنّها جحيم مطلق، لأنّك لم تعرف اللهَ الحقّ بعد، على الرّغم من إيمانك وصلواتك وعباداتك، إنّك مازلتَ على الشّاطئ، ضائع كقوقعة منسيةٍ من كلّ شيء.
لا تصدِّقْ من يقول لكَ كُنْ كعيسى، أو كُنْ كمحمّد وموسى، أو كمريم وفاطمة، أو كتيريزا ورابعة، لأنّ في هذا القول إهانةٌ كبيرة لكَ، وتقزيمٌ وتحقير لنفسكَ. أنا أقول لكَ في المقابل: كُنْ أنتَ ولا شيء غير هذا. كُنْ نفسَكَ، لأنّه ربّما بهذا ستكتشفُ أنّه قدْ تكون أفضلَ من هؤلاء جميعاً، إذا أردتَ طبعاً ذلك من كلّ قلبك وروحكَ، وإلّا فما قيمةُ خَلْقِ اللهِ لكَ؟ اللهُ بديع السّماوات والأرض، لا شيءَ يخلقُه يتكرّرُ أو يتشابهُ أبداً، وما من شيء في الكون إلّا وتوجَدُ منه نسخةٌ واحدة فقط. وهذا ينطبق عليكَ أنت أيضاً: انظر إذن بداخلك، واعرف نفسك من تكون. وتذكّر أنّ المسيح واحد لا يتكرّر، ومحمدّاً كذلك، ومريم وفاطمة وهلمّ جرّاً. هذا هو سرّ الحياة الّذي يتطلّبُ منكَ أن تعيش بقلبٍ حيّ وشجاع، وتذكّر جيّداً أنّ الحياة ليست ثابتة وإنّما هي المتحوّلة والمتغيّرة دائماً، لا شيء فيها مضمون، ولا شيء فيها يدعو إلى الاطمئنان والخمول، عليك أن تكون متيقّظاً، ومتأهّباً ومستعدّاً لكلّ شيء، وتذكّر أيضاً أنّني لستُ هنا لأعطيكَ أجوبةً جاهزةً، لأنّها هي أيضاً غيْرُ ثابتة، وكما هي صالحة لكَ، فقد لا تكون كذلكَ بالنّسبة لغيركَ، وكما قد تكون صالحة اليومَ فقد لن يصبح لها أيّة قيمةٍ غداً. وصايا العديد من الأنبياء كانتْ صالحَةً لفترة معيّنة من الزّمان، ولو عادُوا اليوم لا أعتقدُ أنّهمُ سيأتون بنفس الوصايا والكتب. هي هكذا الحياة، هذا هو قانُونها الأوحَد، إنّها شلّال هادر، عاصفة هائجة، أنهار متدفّقة، حركة دائبة نحو الأمام الأبديّ اللّامنتهي، لذا عليك أن تفتحَ نوافذ جديدة في أعماقك لتتحقّقَ لكَ كينونتكَ وتتفاعلَ وتَنْسَجم معها ليس بعقلك فقط، وإنَّما بقلبك أوّلاً وقبل كلّ شيء، لأنّك إذا فعلت هذا فستكون قد أدركْتَ السّرّ.
دعني أحدّثك عن هذا السّرّ من خلال واقعة حدثتْ لي في صباح هذا اليوم الجميل: كنت قد خرجتُ باكراً لقضاء بعض الأغراض، استقبلتني مدينتي بنداوة المطَر ونقاوة البرد ورشاقة الصّباح، وإنْ كانت جدرانها وشوارعها حزينة وبئيسة من جرّاء الإهمال الّذي مُنِيَتْ به في هذه السَّنوات الأخيرة، لكنّني لمْ ألْقِ بالاً للأمر، وحيّيتُ مدينتي وأماكنَها بتحيّة السّلام الَّتي ألقيها عليها كلّما صَافَح وجهِي وجهَهَا، وفي طريق العودة عرّجتُ على محطّةِ الحافلة، ووقفتُ أنتظر، وبينما أنا كذلك، رفعتُ عينيّ إلى شجَرةٍ مُهْمَلَةٍ في حديقة بيْتٍ مهجور بالقرب من المحطّة، وهالني أن وجدتُها ضاجَّةً بالحياة على الرّغم مِن الخرابِ المُحيط بها، لقد كانت خضراء يانعة وممتلئةً بالطّيور، خفقَ قلبي بشدّة من روعة المنظر وأنا أرى الأغصان تهتزُّ وترقصُ فرحاً وكأنّ أحداً ما كان يعزفُ لها موسيقى من نوع خاصٍّ جدّاً، وفجأة خرجَ طائرٌ بُنّي، ثمّ آخر أسوَد، ثمَّ ثالثٌ مزركش وكأنّهم كانوا على موعدٍ معي وبدأوا يأكلون بشهيّة وسعادة حبّاتٍ مِن نَبَقٍ أخضر، لقد كانت الشّجرةُ سدرةً صغيرة، والطُّيور كانت شحارير جميلة جدّاً وفي غاية الأناقة والعذوبة، أمّا أنا فقد اختفيتُ، وأصبحتُ بقلب الشّاعرة الحيّ السّدرةَ والشّحارير والنّبقَ الأخضر! هكذا هي الحياة أيّها القارئ العزيز تتطلّبُ منكَ أن تتوحّد مع كلّ ما تفعله وما تراه في كلّ لحظةٍ، لأنّهُ هكذا فقط سيبدأ كلُّ ما حولك يمُدّكَ بتجارب هائلة تُدخِلُك إلى مقام الفناء والانصهار. إذْ حينما تصبحُ أنتَ الشّحرور والشَّجرة مثلاً، فإنّكَ تختفي، وحينما تختفي تكونُ في كلّ مكان، وتعرفُ معنى الصّمتِ المُطلق، ويحضُرُ الإله ليكونَ معكَ ولكَ، وبكَ ومنكَ وإليكَ، يهمسُ بداخلك قائلاً: لا تحاولْ أن تفهمَ الحياةَ يا صغيري وإنّما عِشْها، ولا تحاولْ أن تتعلّمَ الحُبَّ وإنّما تحرّك معهُ وبهِ فإنّهُ سيأخذكَ إلى طريق الخلاص، علّك هكذا تحبُّ نفسَكَ وتحبُّ غيركَ من البشر، وتحبُّ الماء والهواءَ، والطّيرَ والبحرَ والشّجر، وعلّكَ تصبحُ إنسانَ السّلام، بل تُصبح أنتَ السّلام عينُه!



#أسماء_غريب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (8) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- (7) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- (6) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- (5) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- (4) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- (3) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- (2) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غريب ...
- حَجَرُ باخ
- هيكل سليمان
- ما تصنعُهُ العتمة: زوي فالديس (كوبا): ترجمة أسماء غريب
- ثلاثُ قصائد للشّاعرة البرازيلية أديليا برادو: ترجمة أسماء غر ...
- اللّيل: أليخاندرا بيثارنيك (الأرجنتين) / ترجمة أسماء غريب
- المُعلّمُ في الطّريق
- لا أطلبُ منكِ - ماريو بينيديتّي (الأوروغواي) - ترجمة أسماء غ ...
- امرأة البحر
- مطرٌ من الألماس
- القصيدة الذهبية
- في ترجمَةِ ما لا يُتَرْجَمُ؛ تجربةُ المُسْتشرقِ الإيطالي ألي ...
- العقلُ الأخلاقيّ بيْنَ حضَارتَيِ القولِ والفِعْل عندَ جواد ع ...


المزيد.....




- رئيس وزراء فرنسا: حكومتي قاضت طالبة اتهمت مديرها بإجبارها عل ...
- انتخاب جراح فلسطيني كرئيس لجامعة غلاسكو الا?سكتلندية
- بوتين يحذر حلفاء أوكرانيا الغربيين من توفير قواعد جوية في بل ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 680 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 13 ...
- رئيس جنوب إفريقيا يعزي بوتين في ضحايا اعتداء -كروكوس- الإرها ...
- مصر تعلن عن خطة جديدة في سيناء.. وإسرائيل تترقب
- رئيس الحكومة الفلسطينية المكلف محمد مصطفى يقدم تشكيلته الوزا ...
- عمّان.. تظاهرات حاشدة قرب سفارة إسرائيل
- شويغو يقلّد قائد قوات -المركز- أرفع وسام في روسيا (فيديو)
- بيل كلينتون وأوباما يشاركان في جمع التبرعات لحملة بايدن الان ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - أسماء غريب - (9) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غريب : حوار أجراه من ستوكهولم الأديب والتشكيلي صبري يوسف