أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الشاعر والصوفي والفيلسوف














المزيد.....

الشاعر والصوفي والفيلسوف


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 6320 - 2019 / 8 / 14 - 17:55
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


شوبنهاور كان ينظر إلى هؤلاء الذين يعتقدون في وحدتهم المطلقة بالمجانين، ويعتبر المتوحد كمجنون محاصر في برج حصين، وهو البرج الذي حاول ديكارت أن يخرج منه بواسطة الكوجيتو "أنا أفكر .. إذا أنا موجود"، غير أن ديكارت فشل في الهروب وأخطأ الطريق، لأن ألأنا التي تفكر ليست هي ذاتها الأنا المحاصرة والتي تقول أنا موحود. أما نيتشة فقد كان - بحساسيته المفرطة - أكثر واقعية وأكثر قربا من التحليل الظاهراتي حين يقول " شيئ ما يفكر"، واعيا بوجود هوة بين الأنا وبين الوعي، ذلك أن الكوجيتو المزعوم، حسب تعبير سارتر ليس القول " أنا واع بهذا الكرسي " وإنما القول " ثمة وعي بهذا الكرسي"، أي إكتشافة لهذه المنطقة النائية من الوعي، نوع من "نومانز لاند No man s land" خالية من هذه الكينونة المزيفة والمفترضة "أنا". أما بودلير فإنه يقول في كتابه "قلبي عاريا" : "أنا الجميع، الجميع أنا"، لأنه كان يرى أنه "في بعثرة الأنا ومركزيتها، ثمة كل شيئ". ولا شك أن بودلير كان يبحث عما يمكن تسميته بالحدود القصوى للوعي، الوعي بمعنى الإدراك والمعرفة وليس بالمعنى الأنطولوجي المطلق، مستعملا في ذلك الحشيش والأفيون ومواد أخرى مشابهة، ومشكلته ليست معرفة الآخر وإنما معرفة ذاته وعلاقته بهذه الذات. وبودلير كرامبو وبقية الشعراء، يريدون الخروج من ذواتهم ومراقبة هذه الذات وهي تعيش تجربتها الوجودية والفنية لنقلها للآخرين، أي محاولة معرفة ميكانيكية الإبداع. ولا شك أن بعض هذه التجارب تجعلنا نفكر في تجارب بعض المتصوفة الذين تمكنوا أو خيل إليهم أنهم تمكنوا من الخروج من ذواتهم واتحدوا بالكون ووصلوا لمرحلة أو درجة الحلول في الكون وفي الأشياء أو في ذات الله، أو أن الله حل في أجسادهم أو في أرواحهم .. وهذه الشطحات لا تدوم في حقيقة الأمر سوى فترات قصيرة من الزمن وسرعان ما يعود بعدها الإنسان إلى زنزانته المعتادة، والتي حكم عليه أن يقضي فيها بقية أيام حياته. والشعوب في جميع أنحاء العالم منذ القدم كانوا يعرفون هذه الظاهرة التي أكتشفوها باستعمال النباتات المخدرة، مثل الفطر والصبار في أمريكا الجنوبية ونبات الداتورا والحشيش والأفيون في أفرقيا وآسيا. أما في أوروبا فإنهم لم يكتشفوا هذه العقاقير السحرية إلا مأخرا. وهذا التقارب الصوري هو ما أدى إلى الخلط بين التجارب الصوفية وبين الشعر لدى البعض، كما فعل أدونيس حين أعتبر رامبو شاعرا صوفيا - سنعود لذلك لاحقا -، وذلك لأن أسلوب الصوفية المميز في إستعمال اللغة الشعرية والرؤيا والمبالغة في إستعمال الرموز واللجوء للإشارات والمعميات، التي تتطلب التأويل والترجمة، قريبة من اللغة الشعرية الرمزية التي يستعملها الشعراء من أمثال رامبو. والحلاج خيرمثال على هذه اللغة المبهمة العصية على إدراك دلالات الكلمات، فقد كان الحلاج يمزج بين العالمين، الوافعي والمتخيل، الإلهي والإنساني وبين التصوف والفلسفة، وبين الدين والثورة: فيكشف عن روحية جديدة، تتجاوز رؤية الفقهاء والثقافة الدينية السائدة جاعلا من التجربة الصوفية قوة اجتماعية وثورية تندفع نحو المطلق، واللغة الرمزية هي الأداة المركزية لتأويلات شطحات الحلاج . وفي بعض كتبه مثل الطواسين، نراه يهتم ويعالج القضايا الدينية الكبرى مثل الإيمان والكفر، الله والشيطان، الإرادة الالهيه والإرادة الإنسانية .. ويقوم بزحزحتها وخلخلة دلالاتها المألوفة في ظل تناقضاتها الدياليكتيكية، وتتلاشى الفروق بين الكفر والإيمان، بين الخالق والمخلوق، الله والإنسان، فالوجود وحده كلية شاملة، والله هو الموجود الحقيقي والكلي وهو "البداهة الأولى". ان وحدة الوجود الحلاجية وحدة كلية مطلقة بين كل الكائنات التي ترجع في النهاية إلى الله.
غير أنه هناك فرق جوهري بين التجربة الشعرية والتجربة الصوفية، ويبدو بأنه لا إمكانية لوجود خطوط تقاطع بينهما، فكلاهما رحلة لفضاءات وقارات فكرية وروحية في غاية الإختلاف والبعد عن بعضهما البعض. الشاعر يهتم بالفضاء الأرضي والإنسان، والصوفي يتوجه إلى السماء ويبحث الروح، الشاعر يبحث عن ذاته وذات الآخر، الصوفي يبحث عن الله وعن الإيمان والفناء في ذات الخالق، والشاعر يجعل نفسه خالقا للعالم بواسطة اللغة التي هي وسيلته الأولى والأخيرة. بينما الصوفي يلجأ للقرآن والصلاة والتأمل والعبادة للوصول لمحبوبه، بينما يلجأ الشاعر في بعض الأحيان للخمر أو المخدرات للتعالي عن الحياة اليومية والإنفصال عن الإهتمامات المادية المعتادة للوصول للمطلق الوجودي، والذي هو معنى الإنسانية ومعنى الوجود. الخلاصة أن الشاعر يخلق ويبدع نصوصه الشعرية التي تعكس رؤيته للعالم وللأشياء، بينما لا يقوم سوى بالعبادة وليس ضروريا أن يخلق أي شيئ، رغم أنه بدوره يلجأ إلى اللغة للتعبير عن حالاته الروحية والوجدانية.
الحلاج كمثال نأخذه هنا، كمقابل للشاعر، كان يؤكد على ضرورة التأويل والغوص في معاني الكلمات : "من لم يقف على إشاراتنا لم ترشده عباراتنا"، وهاهي بعض من أقواله المشهورة :

- غاب عني شهود ذاتي، بالقرب، حتي نسيت إسمي.

- أقتلوني يا ثقاتي، إن في قتلي حياتي
ومماتي في حياتي وحياتي في مماتي
آن عندي محو ذاتي من أجل المكرمات.

- لست أنا ولست هو، فمن أنا ومن هو،
لا و"أنا" ما هو أنا، و"لا أنا" ما هو هو.

- أنا من أهوى ومن أهوى أنا، نحن روحان حللنا بدنا
فإذا أبصرتني أبصرته، وإذا أبصرته أبصرتنا.

- أنا الحق والحق للحق حق، لابس ذاته فما ثم فرق.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مات الله سكرانا
- تجربة -نحن- والغيرية
- السوليبسيزم أو الإنسان القوقعة
- الهروب من المنفى
- خريطة ال -أنا-
- أول مايو .. لا خيار للعمال إلا الثورة
- الطفلة والطير الجارح
- العدسة والمسدس
- المصور والصحفي والجنرال
- الإختناق
- اللامنتمي كنموذج
- التصوير وضمور الضمير
- عودة إلى عالم الصور
- الفن المعاصر
- أدب وفن وبطيخ
- عبادة الشيطان
- الفأر الأبيض والتفاحة
- بكائية
- حافة الهاوية
- زلزلة الساعة


المزيد.....




- مسجد باريس الكبير يدعو مسلمي فرنسا لـ-إحاطة أسرة التعليم بدع ...
- جيف ياس مانح أمريكي يضع ثروته في خدمة ترامب ونتانياهو
- وثيقة لحزب الليكود حول إنجازات حماس
- رئيس الموساد: هناك فرصة لصفقة تبادل وعلينا إبداء مرونة أكبر ...
- لقطات جوية توثق ازدحام ميناء بالتيمور الأمريكي بالسفن بعد إغ ...
- فلسطينيو لبنان.. مخاوف من قصف المخيمات
- أردوغان: الضغط على إسرائيل لوقف حرب غزة
- محلات الشوكولاتة في بلجيكا تعرض تشكيلات احتفالية فاخرة لعيد ...
- زاخاروفا تسخر من تعليق كيربي المسيء بشأن الهجوم الإرهابي على ...
- عبد الملك الحوثي يحذر الولايات المتحدة وبريطانيا من التورط ف ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الشاعر والصوفي والفيلسوف