أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (السوارية) ح3 _2














المزيد.....

رواية (السوارية) ح3 _2


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6320 - 2019 / 8 / 14 - 09:18
المحور: الادب والفن
    


قبل أن ينشأ حي ضايف ولسنوات بعده كانت هناك قطعة أرض كبيرة تفصل المنطقة المحاذية لشارع السيد وما جاورها بأمتار قليلة عنه، الأرض ملك أو باقيا أملاك أل بو شيخ محسن جدهم الأكبر الذي أسس هذه الأسرة الكريمة بعد أن قدم لها مبكرا كقارئ مجالس دينية وسكنها وأسكنها ذريته فيها على شكل بيوت تتوزع على طول الشارع، فصارت المنطقة تعرف بـ (كاع أل شيخ محسن) وقد سكنها السيد العالم سيد جعفر بحر العلوم فسمي الشارع باسمه، هذه القطعة من الأرض كانت مخصصة كل عام تقام فيها مراسيم (الدايره) أو (واقعة الطف) تمثيلا في اليوم العاشر من محرم.
كنت طفلا صغيرا مجاور لبيت كاظم أل حمادي وهو واحد من كبار الممثلين الذين يشاركون كل عام في أداء دور بكر بن غانم من جيش يزيد، يحتفظ بداره الصغيرة التي هي عبارة عن حجرة واحدة مبنية من الطابوق يخزن فيها كل مستلزمات العرض فيما يخص جيش يزيد، و جرداغين أخرين لسكن العائلة أو لحفظ بقية أغراض البيت، ما زلت أتذكر الكنتور الخشبي الذي يجمع ملابس أل أمية والسيوف والكبوسات والدروع محفوظة بأكياس الجوت، كان سهلا علي أن أنظم إلى جيشه لكونه جار ولأنني أخ أبنه الأكبر بالرضاعة والمسمى واحد.
في كل عام يعطيني اللباس الاحمر وكبوس وسيف صغير لأجري مع بقية الممثلين بدور كومبارس كلما أوعزوا لنا بحركة ما، كنت أتمنى أن أكون في صفوف جيش الحسين وكان حلمي هذا، لكن الشروط المطلوبة لهذا الدور لا يمكنني أن أحققها، المطلوب أن تكون جميلا أبيض الوجه من ضمن أفراد العوائل التي تنظم المهرجان، وفوق ذلك لا يسع العدد المفترض قبول أحد خارج المحاصصة، في إحدى السنوات وعندما برز سيد عبد الباري الياسري وهو شاب جميل ومن العوائل التي حظيت بالسيادة والجمال القادم من نسل العجم، كان الإيعاز أن يهجم الرجالة من جيش عبيد الله بن زياد للإحاطة به وبأكبر عدد ممكن منهم قبل أن يبرز له بكر بن غانم (جارنا العتيد كاظم أل حمادي)، في أثناء الهجمة والسيد يمارس دوره التمثيلي في صد جيش الأعداء بالتلويح بسيفه وتمثيل كيف أنه كان يقتل العشرات بضربة سيف واحدة، تلقيت ضربه منه في كف يدي ما زالت أثارها باقية لليوم.
من الجهة الأخرى كان الحاج صاحب وهو من كبار تجار الشلب وقد خصص جزء من المخزن الملاصق لبيته مكانا تودع فيه معظم مستلزمات المناسبة، في حين يتولى الاستاذ حميد العبادي مدرس الرسم في ثانوية العزة دور المخرج والحاج شهيد عمه دور الإمام الحسين ورجل كهل أخر دو العباس، والشخصية الأكثر جدلا في كل موسم هي شخصية عابس الذي كما تقول جن بحب الحسين فنزل إلى ساحة المعركة وهو يرتجز إن كنتم تخافون سيفي فهذا سيفي، وإن كنتم تخافون درعي فهاكم درعي، ويرمي بالسبف والدرع وكل مستلزمات القتال الى جهة معسكر الأعداء، وينزل إلى المعسكر المقابل فيقطع الرؤوس بيديه ويرمي بها صوب معسكرهم، إنه المرحوم أبو شنه وفرسه البيضاء المدربة على الرقص مع كل نغمة أو تصفيق تسمعه.
كان يوم العاشر حشر في السوارية من المدينة وريفها بعد أت تنصب الخيام والأسيجة وتعدل الأرض وما تحل الساعة التاسعة حتى ترى الناس وقد لفهم العويل والبكاء وهم يستمتعون بمشاهد المعركة تفصيليا وبشخوص أبطالها الذين لم يتخرج احد منهم من معهد تمثيل أو تعلم أصولها في مدرسة، بل أن الغالب منهم أميين لا يقرأون ولا يكتبون ولكنهم يعرفون تفاصيل الحكاية وفصولها ظهرا عن قلب، لا يخطئون ولا يرتبكون وكأنهم يخوضون المعركة بحقيقتها، الرائع الأستاذ حميد العبادي وهو على دكة الإخراج لا تفوته شاردة ولا واردة وكأنه من أكابر المخرجين وهو يحرك الجيوش ويفصل المشاهد عن بعد بحركة من يده أو بإشارات متفق عليها.
ما أن يقترب موعد أذان الظهر ويؤدي ما تبقى من جيش الإمام لصلاة وهم يتلقون السهام والنبال من المعسكر المقابل، حتى تتفاعل أحاسيس الناس المتجمهرة حول السياج أو قريبا منها على سطوح البيوت وتبدأ رمي معسكرنا بالحجارة والنعل وما تيسر فوق الأرض، الحدث الأكبر هو الختام ومصرع الإمام وحرق الخيم حتى تنهال الناس علينا نحن من نمثل جيش العدو، يتركوا كل شيء ويبدأ فصل المطاردة لنا فننهزم يمينا وشمالا للنجاة بأرواحنا، حتى أنني في مرة كنت أسير بعد أنتهاء العرض متوجها لتسليم ملابس التمثيل من بيت كاظم أل حمادي حتى ضربتني امرأة بـ (كربة) وهي الجزء الأكبر من سعف النخلة على رأسي بالرغم من كوني صغير وهي تعرف أن الموضوع كله لا يستحق منها أن تفعل ذلك.
كان البعض يعتقد ومن باب الحلال والحرام أن الأرض التي يقام عليها مشهد (الدايره) أرض مقدسة ولا يجوز السكن فيها فبقيت خالية لفترة لا يقربها أحد، حتى بعد أن صار الحي العصري شبه مكتمل البناء وكأنها جزيرة غير مأهولة، لا أعرف تحديدا من أفتى بذلك ولا أعرف تحديدا من أبطل هذا الاعتقاد وبدأت الأرض تقسم وشقت البلدية شارعا يقسم منطقة الدايره إلى نصفين وظهرت على جوانب الشارع بيوت جديدة وأنتهى موضوع التمثيل وأغلق الملف تماما مع المنع الحكومي لها.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية (السوارية) ح3 _1
- أختلاجات في عرض الحقيقة
- رواية (السوارية) ح3
- رواية (السوارية) ح2 _2
- لعنة ال لو
- رواية (السوارية) ح2
- رواية (السوارية) ح1
- القانون بين وجوبية التطبيق ورغبة الخارجين عنه.
- العبودية وامتهان كرامة الإنسان
- هل لنا أن نجعل الدين ديمقراطيا في الواقع؟
- مشروع إعادة بناء الدولة العراقية _ خطط ومناهج ج1
- مشروع إعادة بناء الدولة العراقية _ خطط ومناهج ج2
- أساليب النهج الكهنوتي في رسم دائرة الوعي الديني
- العقل الجمعي بين الوعي المختار وهوس الجماعة
- الحاجة الفعلية للديمقراطية وحصاد الربيع العربي
- الأستحمار الفكري والمعرفي وعلاقته بمفهوم العقل الجمعي
- نداء...إلى متظاهر في شوارع البصرة
- قانون التداولية والمطلق المحال....
- الديمقراطية التوافقية الإشكالية والمشكلة
- ((وجعلنا في التراب كل شيء))


المزيد.....




- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (السوارية) ح3 _2