أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال الجزولي - العدالة الانتقالية (3 4)















المزيد.....

العدالة الانتقالية (3 4)


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 6316 - 2019 / 8 / 10 - 21:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


طوال "الفترة الانتقاليَّة"، وحتَّى استفتاء يناير 2011م الذي أفضى لفصل الجَّنوب، ظلت "العدالة الانتقاليَّة transitional justice" تمثِّل مطلباً ما ينفكُّ يطفو فوق أمواج الصِّراع السِّياسي، حيناً، ويغوص، حيناً آخر، دون أن يستقرَّ على فهم مشترك، أو آليَّة للتَّطبيق. وبالنَّتيجة انقضت الفترة الانتقاليَّة دون أن ننتقل إلا إلى الأسوأ!
وبافتراض أن فرصة انتقال أخرى من الحرب إلى السَّلام، ومن الشُّموليَّة إلى الدِّيموقراطيَّة، قد تتَّفق لنا، عمَّا قريب، ولو من باب "المُعجزات"، قدَّم د. أحمد شوقي بنيوب، المحامي، والخبير المغربي في مجال حقوق الإنسان والعدالة الانتقاليَّة، والعضو السَّابق في "هيئة الإنصاف والمصالحة" المغربيَّة، محاضرة كُلِّفنا بالتَّعقيب عليها، عن "التَّجربة المغربيَّة في مجال العدالة الانتقاليَّة: المفهوم والعناصر الأساسيَّة"، بقاعة الشَّارقة بالخرطوم، مساء الأربعاء 10 أكتوبر 2012م، ضمن دورة تدريبيَّة على "آليَّات حماية حقوق الإنسان"، نظمتها، بدعم من "الحكومة السُّويسريَّة"، "المفوَّضيَّة القوميَّة لحقوق الإنسان"، و"معهد جنيف لحقوق الإنسان"، و"المرصد السُّوداني لحقوق الإنسان"، و"معهد الحقوق والتَّنمية بالخرطوم".
أضاءت المحاضرة والتَّعقيب كلاهما السِّياق التَّاريخي لـ "العدالة الانتقاليَّة"، ومفهومها، وسماتها، ووظائفها، وآليَّاتها، والتَّجارب الدَّوليَّة لمشروعاتها المشدودة إلى قواسم مشتركة قوامها "هيئات" مستقلة تشرف على مسارات منظومات متكاملة من قيم الكشف عن "الحقيقة Truth"، و"الإنصاف Equity" بآليَّات "جبر الضَّررReparation"، وصولاً إلى "المصالحة Reconciliation"، بالتركيز على تجربة "هيئة الإنصاف والمصالحة" المغربيَّة. ومن العلامات الفارقة لتلك المسارات أن اتِّجاه الموقف الدَّولي الغالب قد استقرَّ على إدماج "العدالة الانتقاليَّة" في جهود الحدِّ من الإفلات من العقاب impunity، فضلاً عن مراعاة الحقوق الفرديَّة في التَّعويض، والعلاج، وتخليد الذِّكرى، والحقوق الجَّماعيَّة في تنمية مناطق بأكملها طالها التَّهميش والإهمال، أو استخدمت كمعتقلات، أو سجون، أو مخابئ لتعذيب المخفيِّين قسريَّاً. هكذا ارتكزت المقاربة الدَّولية على أربعة حقوق أساسيَّة: "معرفة الحقيقة"، و"نيل العدالة"، و"جبر الضَّرر"، و"حفظ الذَّاكرة".
وفي كتابهما بعنوان "المصارحة" يعدِّد مارك فريمان وبريسيلا هاينر، من المركز الدَّولي للعدالة الانتقاليَّة بنيويورك ICTJ، السِّمات العامَّة المشتركة لـ "هيئات الحقيقة"، في كونها غير قضائيَّة، مؤقَّتة، تتمتَّع باستقلال قانوني، لكنها معترف بها رسميَّاً، وتستمدُّ صلاحيَّاتها من اتِّفاق النِّظام والمعارضة السِّياسيَّة والمسلحة معاً، أو يُنَصُّ عليها في اتفاقيَّة سلام، وتعمل لفترة عام أو عامين، في سياق انتقال من حرب إلى سلم، أو من شموليَّة إلى ديمقراطيَّة، وينصبُّ عملها على تصفية تركة الماضي المثقلة بالانتهاكات، ثم تختم عملها بتقرير يحوي استنتاجاتها وتوصياتها.
ويلخِّص الكاتبان نفع هذه الهيئات في "الكشف عمَّا جرى"، ومحاسبة المنتهكين، وإتاحة منبر للضَّحايا، والتَّوصية بتعويضهم؛ وحفز النِّقاش العام، ودعم الإصلاح القانوني والمؤسَّسي اللازم، وتعزيز "المصالحة الاجتماعيَّة" والتحوُّل الدِّيموقراطي. أما منبر الضَّحايا فيتمثَّل في جلسات "الاستماع العمومي Public Hearing" كآليَّة للكشف عن "الحقيقة"، إما عبر "اعترافات المنتهكين"، كما في تجربة جنوب أفريقيا، أو عبر "إفادات الضَّحايا" التي أطلق عليها "الحكي الوطني" تجاوزاً لـ "سنوات الرَّصاص" حسب المصطلحين المغربيَّين.
تسهم هذه "الهيئات" في إعادة بناء الدَّولة والمجتمع ديموقراطيَّاً، وتمثِّل سلطة أخلاقيَّة لإعادة الاعتبار للضَّحايا، وللذَّاكرة المجتمعيَّة، وحكماً ثقافيَّاً على ماضي الانتهاكات المنهجيَّة، وعلامة قطع شجاعة معها، وتأسيساً فعليَّاً لسيرورة عدم الإفلات من العقاب، وتعبيراً مفصحاً عن انتصار قوَّة العقل، وإشارة انطلاق للمصالحة الوطنيَّة، وجسراً وثيقاً نحو المستقبل، وتدشيناً جدِّيَّاً للتَّحوُّل. وتتلخَّص أهدافها، بالنِّسبة للضَّحايا، في إعادة الاعتبار، سياسيَّاً وحقوقيَّاً، لكرامتهم الإنسانيَّة المهدرة. أمَّا بالنِّسبة للمجتمع فتتمثَّل هذه الأهداف في اختراق ثقافة الخوف، وتخليد الذِّكرى بالتَّماثيل، والأنصاب، والمتاحف، وخلافه، إضافة لإغناء ثقافة الدِّيموقراطيَّة، وحفز الإنتاج الفكري لإصلاح أجهزة الضَّبط الجَّنائي، والحكامة الأمنيَّة، والرَّقابة القانونيَّة عليها، وأمَّا بالنِّسبة لدور هذه "الهيئات" نفسها، كقوَّة اقتراحيَّة مرموقة، فتتمثَّل هذه الأهداف في المساهمة في الحوار العام لتعزيز الضَّمانات الدُّستوريَّة، وإصلاح المؤسَّسات التي قد تكون استُخدمت في الانتهاكات، كالقضاء، والأمن، والشُّرطة، وما إليها.
وتدل المسمَّيات المختلفة لهذه "الهيئات" على المنحى الخاص لـ "العدالة الانتقاليَّة" في خبرة كلِّ بـلـد، حيث شهدت الفترة من 1974 إلى 2004م نشوء 25 هيئة تتميَّز كلٌّ منها بفرادتها وخصوصيَّتها، ومن بينها، على سبيل المثال، "هيئة التَّحرِّيات حول اختفاءات الأشخاص بيوغندا ـ1974م"، و"الهيئة الوطنيَّة حول اختفاءات الأشخاص بالأرجنتين ـ 1983م"، و"الهيئة الدَّولية للبحث حول انتهاكات حقوق الإنسان برواندا ـ 1990م"، و"الهيئة الوطنية لجـبر الضَّرر والمصـالحة بتشيلي ـ 1991م"، و"مفوَّضيَّة الحقيقة والمصالحة بجنوب أفريقيا ـ 1995م"، و"هيئة الحقيقة والمصالحة بسيراليون ـ 2000م"، و"هيئة الإنصاف والمصالحة بالمغرب ـ 2004م".

***
لكن، مثلما توقَّعنا، شكَّلت محاضرة بنيوب وتعقيبنا عليها مناسـبة جـديدة لانطلاق الكثير من تعبيرات الغضب المشوب، للأسف، بالكثير من سوء التَّفاهم والخلط والتَّخليط، وإن كان من الممكن فهمه، باعتباره مستحَقاً في شأن المفهـوم والمصـطلح، خصـوصاً من جانب شباب ينتمي معظمهم إلى الهامش، وتغلي في صدورهم، لهذا السَّبب، وفي هذه السِّن، مراجـل مرارات مبرَّرة، لكنها تغلق الأبواب جميعها دون أدنى احتمال للقبول بمناقشة أيَّة "عدالة" تقصر عن شنق آلاف المنتهِكين، على بكرة أبيهم، تشبُّثاً بفهم خاطئ مؤدَّاه أن أيَّة "عدالة انتقاليَّة" لا تحقِّق هذا الشَّنق لهيَ، في نهاية المطاف، تبرئة مجَّانية لذمَّة أولئك المنتهِكين، وتنازلاً تفريطيَّاً عن حقوق الضَّحايا، مع أنهم، لو أعادوا النظر كرَّتين، بعقول باردة، لاكتشفوا أن الصَّواب خلاف ذلك طرداً على عكس!
لقد بلغت الحساسيَّة بأولئك الشَّباب أن أشبعوا القاعة همهماتٍ متذمِّرة إزاء مفاضلتنا، في مرآة الواقع السُّوداني، بين تجربتي جنوب أفريقيا والمغرب، وذهابنا إلى أن الأخيرة أقرب لمطلوبات حالتنا! لقد فهم بعضهم الأمر على وجه "عروبيٍّ" لم يخطر لنا على بال، حيث أن قصدنا قد انصبَّ، في واقع الأمر، على كون تجربة جنوب أفريقيا تقفز من "الحقيقة"، مباشرة، إلى "المصالحة"، بينما تجربة المغرب أكثر وسعاً، إذ تتمكَّث عند "الإنصاف"، كشكل من أشكال "المحاسبة"، قبل أن تعبر إلى "المصالحة"، وهذا ما يناسب أوضاع بلادنا وشعوبنا!
(نواصل)
* (الحوار المتمدن؛ 25 أكتوبر 2012م).
***



#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العَدَالَةُ الانتِقَاليَّة (2 4)
- العَدَالَةُ الانتِقَاليَّة (1 4)
- البَشِيرُ والجَّنَائِيَّةُ: سَيِّدِي زَيْنَ العَابِدِينِ .. ...
- الانْتِقاَلُ أَحْطَرُ أَجِنْدَاتِ الانْتِفَاضَة!
- مفاوضة السجين
- علماء السودان: تاريخ من موالاة السلاطين وتكفير معارضيهم!
- هسيس (شعر)
- كينيا: إرهاب مشحوذ الحدين!
- عجائب علاقات الإنقاذ بالإنتربول
- فِي جَدَليَّة الدُّسْتُورِ والتَّغْييرِ الدِّيمُوقْرَاطِي
- جَثَامِينٌ فِي الحَشَايَا!
- جَدَليَّةُ الدُّسْتُورِ والتَّغْييرِ الدِيمُوقْرَاطِي
- لِمَ لَمْ تَبْلُغ انْتِفَاضَةُ أََبْرِيلَ مَرَمَاهَا؟!
- العَقْلَانِيَّةُ .. حَتْفَ أَنْفِ الخِفَّةِ والاسْتِخْفَاف!
- شُذُورٌ مِنْ سِيرَةِ التَّكْفِيريِّين!
- هَلْ الحِقْدِ الطَّبَقِي اخْتِرَاعٌ شِيُوعِي!
- فِي تَذَكُّرِ صَلَاح!
- حَتَّامَ غِيَابُنَا عَنْ مَارَاثُونِ مُنَاهَضَةِ التَّعْذِيب ...
- هل الحقد الطبقي اختراع شيوعي؟!
- في سبعينية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال الجزولي - العدالة الانتقالية (3 4)