أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (السوارية) ح3















المزيد.....

رواية (السوارية) ح3


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6316 - 2019 / 8 / 10 - 06:47
المحور: الادب والفن
    


بين السوارية .... ولندن

تستفيق السوارية يوميا على دقات ساعة بيك بن على الأقل للذين تعودوا أن يكونوا من أوائل المصبحين بحثا عن كل ما هو جديد، في دكان جدي كان هناك يبدأ اليوم اللندني بكل أمتياز لينتهي كذلك عليه مع أخبار الثامن مساء، يحرص جدي كثيرا على أن يرفع من صوت المذياع كي يستمع المجاورون وخاصة رواد مقهى عويز من الذين يتوافدون باكرا أما للسفر نحو القرى والنواحي القريبة أو من الذين ينتظرون مواعيد أخرى مع وصول أوائل سيارات الفورد المحملة بالبشر كما تحمل الأغنام، من في داخل السيارة قد يصل وهو أقل ضررا من الذين هم فوق مع البضائع أو معلقين على دكات السيارة الجانبية، لا يتردد الكثير من الركوب بهذه الوضعية لقلة السيارات أو أحيانا بغية الوصول مبكرين.
_السلام عليكم
_وعليكم السلام .... (رد السلام جدي وهو يعرف أن أقتناص زبون في هذا الصباح شيء نادر مع ندرة من يحلق شعره صباحا)...
_شكو بلنده اليوم .... متسائلا هذا القروي الذي يستمع للأخبار وكأنه يأت من عالم الغيب..
_ أخبار مثل كل يوم قالت روسيا وقالت أمريكا....
_يعني ما اكو أخبار عن السوارية بلنده.
_منتظرين شنو راح يصير وياك اليوم ويذيعوه بنشرة الساعة ثمانية بالليل.
_جا أني ما عندي راديون حتى أسمع.... بروح الوالد إذا جابو طارييه عود ذكرني من أجي مرة ثانية.
_ إن شاء الله وتفضل على الكرسي.
_بروح المرزة والدك موش تنسى....
في داخله يقول جدي أن هذا (المعيدي) يتصور نفسه كأنه أحد زعامات السوارية وهو الذاهب بكل قيافته ليقابل مأمور المركز وكأنه سيقابل الزعيم جمال عبد الناصر.
أكمل الرجل حلاقته ونهض وكأنه طاووس نفخ ريشه بعد أن تغيرت ملامح وجهه وهو يضع الكولونيا بأفراط على ذقنه الملمس وحنكه، وأرى في وجه جدي نوع من الامتعاض الذي ينبئ عن عدم أرتياحه من كون هذا الزبون بالذات سيكون كما في المرات السابقة يخرج دون أن يدفع أجرة الحلاقة، نادى على عويز ليوافيه بالشاي وكرر النداء، فجاء الرجل وهو يحمل بيديه كاستي الشاي وفي اليد الأخرى (طاسة ماء)، هو الأخر لم يبدو سعيدا بهذه الطلبية، شرب الرجل الشاي على عجل وخرج مسرعا حتى دون أن يدفع أي شيء،..... نفض جدي قطعة القماش بقوة وأستغفر الله ونظر إلى جاره....
_سيكون كريما عندما يذهب للشرطة يتقرب من هذا وذاك لعله يحظى بلقاء المأمور....
_لم يعد للموسم من كثير سنرى!
_أعتقد أن ثلاثة مواسم لا تكفي لسداد دينه فهو مدين حتى لسواق السيارات، الكل تنتظر الموسم وهو قد باعه بـ (أخضر) سلفا.
سألت جدي لماذا اذن تحلق له وأنت تعرف أن مدين وقد لا تحصل على شيء.
_ جدي هناك أمور لا تفقهها أنت وعليك أن لا تسأل فهو من معارفنا وعيب أن أرده أو أمتنع عن حلاقته.... الله كريم...
جلس جدي يتابع بإصغاء لما تبقى من نشرة الأخبار وهو يمسك بمقص الحلاقة يشذب في شاربه القصير ويدندن أغنية أسمعها كثيرا منه.... إنه من عشاق أبو كاظم وإن كنت لا أعرفه تحديدا وأظنه صديقه...
سألته جدي من هو أبو كاظم؟
_هو المطرب داخل حسن الذي يغني يوميا بإذاعة بغداد بعد فترة الظهيرة.
_وهل هو صديقك؟
_ لا...
ساد صمت قصير حتى دخل محمد الدنكجي الفتى صاحب الشوارب الكثة السوداء ونزع عقاله بعد أن أدى السلام وبدأ بتنظيفه من أثر الغبار في فرشة الملابس وبدت شعيراته كأنها منفوشة، لبسه ووضع الكولونيا على ذقنه وعدل هندامه أمام المرأة الكبيرة التي تتوسط الجدار وخرج معلقا....
_ أبو فيصل الأخبار ما توكل خبز عوف السياسة لأهلها.
_ وأنت عوف القلونيا لأهلها..
ضحك الرجلان وخرج محمد من المحل ليجلس في المقهى التي اكتظت تقريبا بالرجال من كل الأصناف فلاحين أنهكتهم الأرض فيبدو الرجل منهم قطعة من السمار البرونزي المسحوق بثورة الشمس الحارقة التي خالطتها رطوبة عالية، على بضعة سواق يتجادلون على السرة أو على عتاب، بعض العاطلين عن العمل وفدوا ينتظرون أحدا يطلب منهم عمل أو ينتظرون من يسقيهم الشاي على الحساب، بدأ صوت الضحك المجلجل من جهة مع أصوات تتعالى مع كل داخل أو خارج مرحبين أو يردون الترحيب (الله بالخير) ... (صبحكم الله بالخير والعافية)....
النساء القرويات الوافدات صباحا منهن من تحمل معها بعض البيض أو دجاج، والبعض تحمل الزبدة أو اللبن يقايضن ذلك مع (البياعات الشرايات) على رقبة الجسر تماما، ينتهي كل شيء تقريبا في اول الصبح ليذهبن بما قبضن من دراهم لتبدأ رحلة التسوق على المحلات، غالبا ما يكون السكر والشاي والتن أول الطلبات وأهمها، البعض ممن باعت أكثر تذهب لسوق العرب تختار قطعة قماش لمناسبة أو لحاجة ماسة جدا، وتنتظر عند الخياطة حتى تأخذ ما طلبته سريعا فليس كل يوم متاح أن تنزل للولاية، وليس متاحا في كل مرة أن تجد ما تبيعه حتى أيام (العويدات).
قريبا من منتصف النهار وعلى وقع أخبار الحادية عشر صباحا ودقات البك بن تبدأ رحلة العودة، فقد بدا لي أن الوصول الى السوارية من أطرافها والعودة إلى القرى المتناثرة على اشط أو الطبارة مرتبط تماما بدقات ساعة لندن، أعرف ومن التجربة أن البضع من السيارات المتهالكة التي تنقل هؤلاء إلى قراهم، تتزاحم في هذا الوقت لينال كل منهم ما يستطيع أن يحملهم وما يحملون إلى حيث ستكون هناك حفلات الاستقبال من الأطفال الذين يسمعون بالولاية ولم يشاهدوها إلا بعيون أباءهم وأمهاتهم المحملين بالحامض حلو أو الكعك وأحيانا بعض الهدايا البسيطة.
تكاد تخلو المدينة تماما من زوارها عند منتصف النهار وقبل أذان الظهر يذهب أصحاب المحلات إلى بيوتهم إلا القليل، تعود جدي أن يصل للدار قبل أذان الظهر بدقائق ما أن يدخل حتى بجد جدتي على التنور تعد الخبز الحار، يتوضأ ويصلي تكون سيدة البيت بلا منازع قد أعدت وجبة الغداء وتجتمع العائلة عليها لتنتهي بكأس الشاي والقيلولة التي لا بد منها استعدادا لمرحلة العصر والمساء التي ستكون لأهل السوارية فقط بعد أن غادر معظم القرويين المدينة.
السوارية في المساء تختلف تماما عن فترة الصباح ليس فقط بغياب ضجيج الباعة وكثرة المتسوقين وحركة السيارات، العصر تشاهد مجموعة من الناس قد لا تشاهدها نهارا، معلمين وموظفين وطلبة الثانوية بكامل إناقتهم يتمشون جماعات وفرادى أما على كورنيش المشخاب او على المقاهي الموزعة دوما بين أطراف المدينة، غالبا ما يكون الشط قريبا يتحاورون بالسياسة والأدب والشعر ، وأحيانا مجرد المشي ببطء على الجادة من كراج المدينة الشمالي نحو جسر الدبينية والعودة يشكل طقسا خاصا لمجموعة منهم لا يشاركهم أحد فيها، أما كبار السن واصحاب المهن فلهم مقاهيهم الخاصة، مقهى كريم (للمجارية) ومقهى البلدية للشيوعيين واليساريين، ومقهى محمد مقابل المحكمة وعلى جرف شط المشخاب لكبار الموظفين والمدرسين والمعلمين، هناك مقهى خاصة للذين يشربون النارجيلة العجمية.
أما المساء فسيدة المقاهي هي مقهى نجاح في بداية سوق العرب والنجارين، يكتظ فيها الشباب ولا يسمح للأطفال والشباب الصغار دخولها، يتوزع روادها بين مشاهد للتلفزيون الذي تلتقط إشارته بصعوبة، فلا تجد غرابة أن أكثر الأوقات تجد صاحب المقهى يحاول ضبط الجهاز على إشارة مقبولة، وأخرون يجلسون ليأكلوا التكة (اللحم المشوي) من محمد أبو التكة الذي تتميز طريقة إعداده للأكل بنوع من الأناقة والنزاكة.
يتوزع بعض الشباب على جرف المشخاب والسوارية وقريبا من الجسرين أو على المسناة يتناولون (العرك) الذي يتم إحضاره عصرا من أبي صخير أو الشامية، البعض يشرب وينصرف بهدوء دون أن يلاحظه أحد، والبعض لا بد له أن يعلن عن موقفه فيترنح يمينا وشمالا يبحث عن أي قضية أو أي سبب حتى يكون عنترة أو أبو ليلى المهلهل، يتشاجرون ويتصارخون وكأن متعتهم تتحدد بما يفعلون وهم غارقون بالثمالة حد الجنون، ما أن تصل الساعة العاشرة مساء حتى لا تكاد تجد إلا القليل من الناس في الشوارع، فما بدا مبكرا لا بد أن ينتهي مبكرا غير من هم عاطلون أو متعطلون أو بعض حراس اكوام الرقي والبطيخ الذي ينتشر مشهدها في هذه لأيام من السنة.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية (السوارية) ح2 _2
- لعنة ال لو
- رواية (السوارية) ح2
- رواية (السوارية) ح1
- القانون بين وجوبية التطبيق ورغبة الخارجين عنه.
- العبودية وامتهان كرامة الإنسان
- هل لنا أن نجعل الدين ديمقراطيا في الواقع؟
- مشروع إعادة بناء الدولة العراقية _ خطط ومناهج ج1
- مشروع إعادة بناء الدولة العراقية _ خطط ومناهج ج2
- أساليب النهج الكهنوتي في رسم دائرة الوعي الديني
- العقل الجمعي بين الوعي المختار وهوس الجماعة
- الحاجة الفعلية للديمقراطية وحصاد الربيع العربي
- الأستحمار الفكري والمعرفي وعلاقته بمفهوم العقل الجمعي
- نداء...إلى متظاهر في شوارع البصرة
- قانون التداولية والمطلق المحال....
- الديمقراطية التوافقية الإشكالية والمشكلة
- ((وجعلنا في التراب كل شيء))
- القراءة الإشكالية وإشكاليات القراءة في النص الديني
- الفكر التنويري بين العودة المشروطة وبين التخلي عن نقطة البدا ...
- بين الإلحاد واللا دينية مشتركات ومفاهيم مغلوطة


المزيد.....




- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (السوارية) ح3