أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حدريوي مصطفى (العبدي) - النبي المجهول














المزيد.....

النبي المجهول


حدريوي مصطفى (العبدي)
(( Hadrioui Mostafa ( El Abdi)


الحوار المتمدن-العدد: 6316 - 2019 / 8 / 10 - 06:45
المحور: الادب والفن
    


النبي المجهول


تقاسيم عذبة تتنازع ُرناتِها عود، وناي، وكمان؛ وجمت لها الحساسين المقفوصة، واستكانت فوق غصن يابس لشجوها الحمامة البيضاء ، أما هو فكان يتمايل على إيقاع النغمات ويده الدربة تشج الجص إزميلا؛ غارقا بين الشدو وهائما بين ثنايا الزخارف!.
أنهى عمله، مقرنصة(1) ثُمانيّة تتعاشق أضلعها وأشعةَ شموس، ورؤوس نُجيمات ؛ في وسطها كان قد زرع - سلفا - حلقة فولاذية، وفي الحلقة تبث حبلا أزرق مائيا مُنْتهٍ بأنشوطة على هيئة رأس أفعى.. طرفها ؛ ترجّل عبره متأرجحا كبندول، ثم أزاح الكرسي جانبا. ومال على الحاكي (2) ورفع الشوكة، فتوقفت الموسيقى الحزينة، وارتفع شدو الحساسين، في حين صفّقت البيضاء بجناحيها وانطلقت عبر النافذة المشرعة تشق الفضاء، تروم استرواحا...
تأمل العمل لحظة وغادر الورشة، ثم خرج بعد أن أخذ زينته قاصدا منتدى الشباب حيث سيقرأ بعضا من قصائد ديوانه الجديد؛ لم يستقلّ سيارته، بل آثر أن تكون رحلته عبر الحافلة، لعل استئناسه بالناس يجلي عنه بعضا من الكآبة والاستوحاش.لكن الطريق المرصوف على شاكلة ظهر سلحفاة خضخض ما بين بطنه فاعتراه غثيان، فقرر أن يتمم الرحلة ماشيا.
على الرصيف سلاسل مقاه ملأى حدّ التخمة اغتصبت كراسيها حق الراجلين، فباتوا يتقاسمون مع أرْتال السيارات وكوكبات الدرجات الشارع الرئيس، اندمج معهم على مضض وشق طريقه نحو غايته يخاتل ذا ويتجنب تلك.
من حيث لا يدري سدّت سيدة ثلاثينية الطريق في وجهه، حاول تفاديها لكنها حاصرته وهمست في أذنه بكل جرأة:
ـ هيا بنا يا جميل ! لن أخذلك، ولن تندم إن طاوعتني، حتى الثمن قد أتساهل معك فيه !.
تأملها جيدا، فألفاها جميلة جدا، رغم مُسحة الحزن التي تسور عينيها العسليتين، طمع في سبر خفاياها فوقعت عيناه على صدر نصف عار كريم تتقافز على بشرته البضة فواتير ماء وكهرباء و أقساط دين وقيمة إيجار وأتعاب ساعات إضافية لطفل صعب المراس..
تأسى لحالها فأخرج ورقة من فئة كذا درهم ودسها في يدها وقال لها بكل لباقة:
ـ عفوا سيدتي إني ـ شيئا ماـ ملتزم فاعذريني.
لم يك ردها محمودا ! بل ثارت في وجهه وقالت :
ـ أنا لست متسولة من فضلك يا...هذا، إن لي كرامة، وعزة نفس يا سيدي، عليك أن تحترمني.
تبسم قليلا ورد بكل رقة وأدب:
ـ حاولي ان تتخيلي أنّا قمنا بالعملية للتبرير وتسويغ أحقيتك في الأجر.
وهي غضبى حاولت رد النقود إليه، لكنها تراجعت ـ ربما ـ لما عرفت قيمة الورقة النقدية، واكتفت بابتسامة عريضة وهمسة : ( لعلك شاعر ؟ لا .. لا أنت شاعر...)
تركها خلفه ومضى بيد أن رجله تشابكت مع أحدٍ خلفه، استدار فوجد شابا غاضبا يلومه ويقول له :
ـ ألا تنتبه ياهذا؟
غاضبا رد عليه :
ـ ولكن... انا أمامك... أنت من يجب ان يُلام ولست أنا !
جنّ الشاب جنونا عبر عنه بمهاجمته، لكنه راوغه و عالجه بضربة قوية أوقعته أرضا.
اجتمع حوله حشد من الناس ، فما شعر إلا وهو يخرج ديوانه ويشرع في تمزيقه ورقة، ورقة، وينشد عائدا من حيث أتى:
ما القصيدة؟ إذا لم ترسم خطا مستقيما، وتعصر من الريحان طيبا.
ما القصيدة؟ إذا لم تعجن من الحروف خبزا، وتصنع للعاري خفا وبيتا
ما القصيدة؟ ما القصيدة إلا هراء إن كانت لا ترحم ولا تُطعِم...
...............................................................

باندهاش لاحقه الناس بنظراتهم حتى ابتلعه الزحام.
لما وصل البيت استرد شيئا من هدوء مكنه من فتح الباب بدون نرفزة وجعله ـ أيضا ـ يعتلي الكرسي ويضع رأسه في الأنشوطة ثم يدفع بنفسه في الفراغ لينعقد الحبل على رقبته، لكن ألما مبرحا ألم بركبته أشعره بفشل العملية وازداد يقينا حين لمح أثر سكين على الحبل وسمع صوتا مألوفا لديه يقول له:
ـ لست السيد (3)، ولا جونتان (4) لتتحمل كبائر وصغائر هذا العالم يا ولدي !.


1- تجويف زخرفي من الجص
2- قارئ الاستطوانات القديم
3و4 على التوالي المسيح وذي النون (يونس)



#حدريوي_مصطفى_(العبدي) (هاشتاغ)       (_Hadrioui_Mostafa_(_El_Abdi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيزيف يعتلي الصخرة استرواحا
- قراءة في قصة قفص طيور للكاتب :محسن الطوخي
- نصيرة الحيوان...
- وردة إلى مدام آسية
- تِسلا* ( tesla ) العربيّ المغبون


المزيد.....




- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حدريوي مصطفى (العبدي) - النبي المجهول