أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - السوليبسيزم أو الإنسان القوقعة














المزيد.....

السوليبسيزم أو الإنسان القوقعة


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 6315 - 2019 / 8 / 9 - 14:44
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إذا كنا لا نستطيع الوصول إلى الآخر إلا عبر معرفتنا به، وإذا كانت هذه المعرفة ظنية فقط، علينا أن نعترف أن وجود الآخر لا يمكن إلا أن يكون ظنيا بدوره، وأن مهمة ودور الفكر النقدي هو التحديد الدقيق لدرجة الإحتمالية لهذا الوجود اللايقيني. رينيه ديكارت de René Descartes هو أول من قام بصياغة اشكالية "الغير" انطلاقا من التأسيس الأساسي للكوجيتو "الأنا المفكر". لقد قام ديكارت بممارسة وتطبيق مبدأ الشك المنهجي، فوضع موضع شك كل شيء مادام هذا الشيء قابل لان يكون وهما، والشيء الوحيد الذي صمد أمام هذا الشك هو الأنا المفكر، لأنني في اللحظة التي أفكر فيها لايمكن أن اشك في أنني أنا هو من يقوم بهذا الفعل، فالأنا هي اليقين الوحيد المتاح أمامنا والذي ندركه بديهيا، أما الأشياء الخارجة عنها فلا نصل إليها إلا عبر إدراك حسي، ومن ثم فهي دائما غير يقينية. إن الحل الديكارتي يضع "الغير" وبقية الكائنات الخارجية في مرتبة واحدة، باعتبار أنني لا اعرف وجودها إلا عبر الإدراك الحسي. يقول ديكارت في كتابه " تأملات متافزيقية" : " ماذا أرى من النافدة؟ أرى قبعات و معاطف قد تكون تخفي تحتها أطيافا -أشباحا- أو أناسا مزييفين يتحركون عبر نوابض؟ لكنني أحكم على أنهم رجال حقيقيون، من خلال القوة الوحيدة للحكم التي في ذهني، ما اعتقدت أنني رأيته بأم عيني ". "« Que vois-je de cette fenêtre, sinon des chapeaux et des manteaux, qui peuvent couvrir des spectres ou des hommes feints qui ne se remuent que par ressorts? Mais je juge que ce sont de vrais hommes, par la seule puissance de juger qui est en mon esprit, ce que je croyais voir de mes yeux ».
هذا الآخر إذا، كمفهوم، لا يمكنه أن يكون مكونا أو منظما لمعرفتي، أتصوره كواقع، أراه وألمسه، غير إنني لا أستطيع أن أتصور علاقته الواقعية بي أي علاقة وعيه بوعيي، أشكله كموضوع، ولكنني لا أستطيع إدراكه حدسيا، أطرحة كذات فاعلة، غير إنني أنظر إليه بصفته موضوعا لأفكاري. نتيجة لكل هذه التناقضات، لم يعد أمامي سوى خيارين : إما القول بإمكانية التواصل الواقعي المباشر بين الذوات الواعية، أي بين وعيي ووعي الآخر، خارج النطاق الأمبيريقي، وإعتبار الإنسان كالله قادر على رؤية ما يجري داخل النفوس، وهي فرضية ميتافيزيقية خيالية، يمكن إستعمالها في الأدب كما سبق القول، ولكن تنفيها التجربة والواقع الإنساني. وإما التخلص نهائيا من مفهوم "الآخر"، وإثبات عدم جدواه لتكوين تجربتي وأتحمل بذلك مسؤولية وعبء وحدتي وعزلتي الأنطولوجية، وهذا هو ما يسمى بالتوحدية أو السوليبسيزم، وهي مجرد فرضية ميتافيزيقية إعتباطية غير مبررة.
السوليبسيزم Le solipsisme والتي تترجم أحيانا بالتوحدية، كلمة مركبة من اللاتينية solus أي وحيد ومن ipse أي هو نفسه، هي موقف ونظرة فلسفية وميتافيزيقية للعالم مفادها أنه ليس هناك بالنسبة للموضوع المفكر من حقيقة واقعية réalité مؤكدة تأكيدا قاطعا غير ذاته، بمعنى أن الـ "أنا" هي الشيئ الوحيد الذي لا يمكن التشكك في وجوده لأنها هي مصدر التساؤل ومصدر عملية الشك. الأنا إذا هي الشيئ الوحيد المتأكدين من وجوده بدون شك، أما العالم الخارجي وكل ما يحتويه من كائنات وظواهر فإنه ليس سوى تمثلات مفترضة بعيدة كل البعد عن أن تكون يقينية. هذه النظرة المثالية كانت حاضرة في بعض تيارات الفكر اليوناني مثل البيرونية « pyrrhonisme »، والتي تؤكد بأن الأنا الفردية التي انا واع بها، بكل ما تحتويه من تغيرات وتعديلات ذاتية هي الواقع الحقيقي، وأن الأنوات والذوات الأخرى المتحركة في هذا العالم ليست سوى تمثلات ذهنية ليس لها أي نوع من الكينونة المستقلة، وأنها في نهاية الأمر لا تختلف في جوهرها عن الأحلام. كحركة أو مدرسة فلسفية، بدأت الشكوكية أو الإرتيالية في اليونان القديمة، وكان لبعض السفسطائيين آراء شكوكية، جورجياس كان يجادل بأنه لا يوجد شيء، وحتى إن كان هناك شيء ما فلن يمكننا معرفته، وأنه حتى إن عرفنا هذا الشيئ فلن نستطيع التواصل معه ولن نستطيع الحديث عنه. كما رفض كراتيلوس السفسطائي الآخر مناقشة أي شيء وكان يلوي فقط إصبعه، مدعيا أن التواصل مستحيل لأن المعاني تتغير باستمرار. كان لناقد السفسطائيين الرئيسي سقراط أيضا ميولا شكوكية، حيث ادعى أنه لا يعرف شيئا، أو على الأقل لا يعرف شيئا له قيمة.
السولوبسيزم إذا هو موقف فكري يشير إلى وحدة وتوحد الموضوع، حيث جميع المواضيع الأخرى ما هي إلا تمثلات عقلية أو خيالية. وهو موقف أدى إلى ظهور إشكالية إمكانية المعرفة وظاهرة الإرتيابية والشك في كل الظواهر، وكيفية التأكد بالنسبة للموضوع المفكر من وجود ذوات أخرى مفكرة وواعية، مع إستحالة إمكانية الإتصال المباشر بين وعي وآخر. يبدو أن مصدر الإشكالية يرجع إلى إعتبار المشكلة من ناحية معرفية وليس من ناحية الكينونة. فالمعرفة هي مقياس الكينونة الوحيد ووجودي ووجود الآخر لا يتحدان بواسطة الجانب المادي الخارجي للجسم، وإنما بالمعرفة. ويرفض سارتر فكرة إزدواج الوعي، ويرفض التفرقة بين الوعي الجسدي والوعي الباطني الذي يرى أنه لا ضرورة له، ويرفض أن يكون وجودي غيابا والآخر دليل يثبته ويعطيه شرعية الوجود. الآخر موضوع لي، له موضوعية خاصة، فهو جسد مادي وكينونة محسوسة لا يمكنني أن أستمده من نفسي ولا يمكنني أن أضعه موضع الشك ولا أن يوضع بين قوسين أو نعلق وجوده إلى حين، أي أنه آخر بلحمه وشحمه ودمه وعظامه وليس مجرد أداة لوظيفة معرفية لتكوين الخبرة والتجربة المشتركة بين الذوات، بمعنى أن الآخر ليس مقولة إضافية تسمح بتكوين العالم دون أن يكون له -الآخر- أي وجود واقعي مستقل عن العالم. ولكن يجب تحليل وإثبات هذه البديهيات وهي مهمة الفينومينولوجيا.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهروب من المنفى
- خريطة ال -أنا-
- أول مايو .. لا خيار للعمال إلا الثورة
- الطفلة والطير الجارح
- العدسة والمسدس
- المصور والصحفي والجنرال
- الإختناق
- اللامنتمي كنموذج
- التصوير وضمور الضمير
- عودة إلى عالم الصور
- الفن المعاصر
- أدب وفن وبطيخ
- عبادة الشيطان
- الفأر الأبيض والتفاحة
- بكائية
- حافة الهاوية
- زلزلة الساعة
- الرئة المثقوبة
- شهوة الفراغ
- الثواني المطاطية


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - السوليبسيزم أو الإنسان القوقعة