أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد عبد الكريم يوسف - رائحة الحب















المزيد.....


رائحة الحب


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 6314 - 2019 / 8 / 8 - 23:00
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



هل شممت رائحة الحب يوما؟
وهل لتلك الرائحة الغريب علاقة بالجسد؟
وهل شعرت بحرارة جسد الأخر بمجرد مروره بجانبك؟
أسئلة كثيرة تخطر في البال ولا تجد جوابا لها .

لقد رفض العلماء مناقشة هذه القضية على مدى السنوات الماضية كما رفض العلماء مقاربة قضية كيمياء الحب نهائيا واعتبروها نوعا من الجنون . لكن في السنوات الأخير غير العالم رأيه في كيمياء الحب وبدأ يتحدث عن الفيرمونات البشرية وتأثيرها على النفس البشرية .

فما هي الفيرمونات وكيف تعمل؟

الفيرمونات هي مادة كيميائية تفرز في خلايا متخصصة موجودة في مناطق مختلفة من جسم الإنسان ، ويكون إفرازها إما سائلاً أو على شكل نقاط أو غازي في الجو. والهدف من هذه المواد هو إرسال رسائل صامتة بين البشر والرسائل تكون متنوعة فقد يكون هدفها جذب الذكور من قبل الإناث أو إطلاق نداء صامت. ويستقبل الذكور الفيرمونات بواسطة قرون الاستشعار والتي تحتوي على مستقبلات شمية والتي هي عبارة عن عصب قرني شعري بالغ الحساسية يحتوي على تركيز متناهي في الصغر.

ثم عكف العلماء على دراسة تأثير رائحة جسم الإنسان على الجذب . الرائحة السحرية ليست الإكسير الرومانسي الذي يجذب المحبين ، وإنما هي التأثير العطري لنظام المناعة لدينا. المشكلة الوحيدة هي أننا لا نعطيه حتى نصف فرصة .

لكن كيف يستطيع البشر تبادل كيمياء الحب وكيف تحدث الإثارة وكيف تطلق فيرمونات الحب ؟

في عالم الحيوان والخيل والثيران تبدأ الإثارة بحاسة الشم وتعرف إن كان الشريك يريد الحب . لقد فحص العالم داروين المسألة وبدأ في تدوين ملاحظاته غير المنشورة عن كيمياء الحب وخلص إلى أن الحيوانات تطلق نوعين من الروائح هي روائح القبول وروائح الرفض . ووجد أن هذه الروائح هي المكافئ الكيميائي لريش الطاووس أو غناء العندليب أو زقزقة العصافير حيث يجذب الآخر إليه .
قبل حوالي القرن من الزمان عكف العلماء على توثيق مجموعة كبيرة من الفيرمونات في عالم الحيوان شملت الفقمة والخنازير والقوارض وبعض المخلوقات الأخرى ولكنهم تجاهلوا الحالة البشرية تجاهلا كاملا .

ثم درس بعض المعاصرين لتشارلز داروين التفرد البشري في عالم الفيرمونات لإثبات الحالة التطورية للإنسان وقد ركزوا على تأثير الطبيعة في القرود العارية التي تسير على قدمين ولديها شعور ضعيف بالروائح التي تحركها في حياتها . وقد أكد العالم الطبيب بول بروكا في ملاحظاته أن القردة والبشر امتلكوا حاسة شم تصاعدية وقوية تطورت مع الزمن أكثر حاسة الشم التي تمتلكها الحيوانات التي تمشي على أربع قوائم . ثم أضاف الطبيب العالم بول بروكا قائلا إن القرود تمتلك أدمغة مركز الشم فيها أصغر من الثديات الأخرى وتابع إن الإنسان البدائي القبلي الذي عاش في الغابات كان يمتلك حاسة شم قوية مثيره نحو بني جنسه من البشر. ولكن عددا كبيرا من المفكرين دحضوا هذه الأفكار جملة وتفصيلا واعتبروا أن هذه الأفكار نوع من العنصرية ولاحظوا أن البشر لا ينخرطون كثيرا في مهرجانات التواصل الاجتماعي المثيرة للرائحة مقارنة بالقرود التي تقوم بعروض بهلوانية لحمامات البول حيث يفرك القرد قدميه بالبول ليجذب زملائه.

ومما يزيد الطين بلة هو أن البشر على ما يبدو يفتقرون في داخلهم للأجهزة التي تمكنهم للتواصل عن طريق الرائحة . وقد افترض علماء آخرون أن أجهزة استقبال الفيرمونات في الأجناس الأخرى تتركز في حفرتين أنفيتين صغيرتين وحاولوا استكشاف وجود مثل هذه المستقبلات لدى البشر لكن دون جدوى تذكر. وبناء على ذلك هجر العلماء الفرضية ولم يكلفوا أنفسهم عناء النظر فيها مرة أخرى . وفي ثلاثينيات القرن العشرين عاد العلماء وأكدوا أن الدماغ البشري يفتقر لأجهزة استقبال الفيرمونات ، ثم عمدوا إلى إغلاق ملف تأثير رائحة الجسد في جذب البشر لبعضهم على فرضية أن الدماغ البشري فتقر للأجهزة التي تمكنه من تفسير الروائح التي تصدرها الأجساد الأخرى .

تشير الاكتشافات العلمية الحديثة إلى أن كل الفرضيات بشأن حاسة الشم لدى البشر كان مبالغ فيها ويؤكد علماء الروائح باربارا سومرفيل وديفيد جي من جامعة ليدز البريطانية أن شم الإنسان لرائحة يديه أو لوجه الآخر أو خلف أذنيه ما هو إلا تحية عالمية جميلة وأكدا أن قبلة الأسكيمو ليست مجرد احتكاك أنف بأنف وإنما هي استنشاق متبادل لرائحة الآخر . يشير الباحثون في العالم الغربي إلى وجود تعديلات على القبلة حيث يقبل الناس الأيدي والوجوه ويركزون على الغدد التي تصدر الروائح في الجسم وخلف الأذنين .

الرائحة والمشاعر :

قد يكون من الصعب أن يتذكر الإنسان الرائحة . ومع ذلك عندما يتعرض الإنسان لرائحة معينة قد ترتبط بذكرى شخص معين وهذا ما أطلق عليه بروست اسم "ذاكرة الطفولة البعيدة " حيث تمتلئ ذاكرة الإنسان بتفاصيل كثيرة ومثيرة من الناحية العاطفية . تؤثر بعض الروائح علينا من الناحية الفيزيولوجية وقد اكتشف علماء دراسة الروائح وتأثيرها على الإنسان أن لبعض الروائح أثر كبير على الإنسان حيث وضع العلماء التصنيفات التالية :

• تؤثر رائحة الليمون الخفيفة على إدراك الناس .
• تساهم رائحة الخزامى في تسكين المزاج والتهدئة راحة الأعصاب كما تؤثر على أداء الرياضيين وتساعد على النوم العميق.
• تساعد نفحة صغيرة من رائحة الخزامى في زيادة معدلات التنفس واليقظة .
• تساعد رائحة الكحول فينيل وزيت الورد في تقليل ضغط الدم .
• وقد قادت هذه النتائج إلى التطور السريع في صناعة الروائح . وتطور أيضا علم العلاج بالروائح العطرية وحقق نتائج علمية باهرة مفادها أن الرائحة تؤثر كثيرا في المزاج وإدارة الحياة العاطفية والجنسية للبشر .

يتأثر المزاج بوضوح بالرائحة وقد اكتشف العلماء في وقت لاحق أن صناعة الروائح صناعة واعدة . كما أثبت العلماء قيمة الجاذبية التي تثيرها العطور وتؤثر في السعادة . لكن يبقى أن نذكر أن الروائح التي نشتريها من المتاجر هي مجرد ذكرى وديكور صناعي يحسن من المزاج في عالم الحب . ربما كان الشاعر السوري بدوي الجبل أكثر من جلب هذه الصورة الرائعة للزهور الحبيسة في زجاجة عطر حين قال :

سيذكرني بعد الفراق أحبتي
ويبقى من المرء الأحاديث والذكر
ورود الربى بعد الربيع بعيدة
ويدنيك منها في قواريره العطر .

إن شم روائح العطر بهذه الطريقة الخفية يؤثر في النفسية والمزاج العام ويشدك بفضول إلى شخص غريب قد لا تكون تعرفه أو تستدرج ابتسامة وبهذه الطريقة يطالبنا مصنعو العطور بدم بارد بثمن الافتتان السريع والفوري وليس بثمن العطر المحبوس في زجاجة . وكلما كان التأثير قويا كان الثمن باهظا . إنها لغة الكيمياء ، كيمياء الحب والعطور .

هناك ادعاءات عديدة حول العالم تقول بأن الرائحة المعبأة في زجاجة ليست جدية وأنها تساعد في التقريب بين الجنسين وقد انتشر هذا الاعتقاد طيلة القرن الماضي . أما في انكلترا الفيكتورية فقد كانت الصبايا تبيع المناديل المعطرة برائحة الجسد . وكانت الجميلات يمنحن الأحبة محارم معطرة برائحة جسدهن على اعتقاد أن رائحة جسد الحبيب هي أطيب وأرقى الروائح .

لذلك لا ينبغي أن يكون غريبا أو مفاجئا أنه عندما اكتشف علماء دراسة الجسد وجود عضو فاعل في الأنف مهمته الاستجابة للروائح والتفاعل معها أن يسارع رجال المال والأعمال لتحويل الاكتشاف إلى مردود رأسمالي عبر الاستفادة من الفيرمون البشري واجتهدوا لتمويل فريق البحث . حدث ذلك في منتصف الثمانينات من القرن الماضي باستخدام تقنيات مجهريه عالية الدقة لم تكن متاحة من قبل لمستكشفي الفيرمونات البشرية وقد وجد الفريق البحثي بقيادة لويس مونتي بلخ من جامعة يوتا زوجا من التجاويف الأنفية الصغيرة جدا تبعد حوالي 2.5 سم عن فتحة الأنف. تصطف الحفرتان الأنفيتان بجانب بعضهما وتحتويان خلايا استقبال تنطلق مثل المجانين لدى تقريب بعض المواد منها ورغم ذلك فقد ذكر الأشخاص الذين خضعوا للتجارب أنهم لم يشموا أي روائح تذكر عند تقريب هذه المواد لكنهم أكدوا أن كل ما حدث معهم كان شعورا بالدفء وإحساسا بالرفاهية .

وقد اكتشف الباحثون مؤخرا أن الغدة الشمية التي لم يتمكن علماء التشريح البشري من العثور عليها في ثلاثينات القرن الماضي لم تكن غائبة عن الأدمغة البشرية المجتهدة في اكتشافها ولكنها كانت متخفية خلف القشرة الأمامية الضخمة بحيث يصعب العثور عليها .

هكذا بدأت قصة اكتشاف الفيرمون البشري .

صيد الفيرمون العظيم :

تتأثر المشاعر الإنسانية بقوة بالروائح ويبدو أن جسدنا مجهز بعمق بالأجهزة المنتجة للروائح المختلفة بعضها يتم شم رائحتها وبعضها لا يتم شم رائحتها بالأنف ومن بين الروائح المعروفة يمكن أن نذكر العرق البشري ورائحة البول ورائحة التنفس ورائحة اللعاب ورائحة حليب الأم ورائحة زيوت الجسد ورائحة الإفرازات الجنسية الذكرية والأنثوية ورائحة خلايا الجلد الميت . هناك الكثير من الإفرازات التي تحتوي مركبات كيميائية تبث الروائح . وهناك روائح لا يشمها البشر بينما يشمها الحيوان المفترس على سبيل المثال . يؤكد الباحث مايكل ستيوارت في كتابه الجميل الذي صدر عام 1991 عن مطبعة جامعة كمبردج بعنوان " رائحة القرود" بأن البشر لديهم كمية كبيرة ومركزة وكثيفة من الغدد التي تفرز الروائح بشكل يفوق أي حيوان ثدي آخر وهذه الفرضية تدعونا للتخلي عن الأسطورة التي سادت لعصور بأن الإنسان يولي القليل من الأهمية للعطور أو الروائح البشعة التي يشمها في حياته اليومية .
يمتلك البشر ثلاثة أنواع رئيسية من الغدد الجلدية هي : الغدد الدهنية والغدد العرقية والغدد الإفرازية . الغدد الدهنية هي الأكثر شيوعا في منطقة الوجه والجبهة وتتركز بالقرب من معظم فتحات الجسم كالجفون والأذنين والأنف والشفاه والحلمات والأجهزة التناسلية . إن تواجدها في هذه المواضع على درجة كبيرة من الأهمية لأنها تفرز دهون مفيدة للغاية في قتل الكائنات الحية الدقيقة التي يحتمل أن تشكل خطرا على الجسم كما أنها تحتوي دهون تحافظ على نضارة البشرة ومقاومة الماء وتسبب أحيانا حب الشباب ولكن هناك معلومات شحيحة حتى الآن عن مدى مساهمة هذه الغدد في روائح الجسد . وتفرز الغدد العرقية الماء والملح وهي مواد ليس لها رائحة لدى الناس الأصحاء . يبقى لدينا الاحتمال الثالث وهو أن الغدد الإفرازية هي المسؤولة عن الفيرمون البشري . الغدد الصماء واعدة كمصدر للروائح البشرية في الجسم وتؤثر على تفاعل الإنسان مع الغير. لكنها حتى الآن لا تتدخل في إدارة درجة حرارة الجسم كما تفعل في عالم الحيوان . تتواجد هذه الغدد بتركيزات كثيفة في اليدين والخدين و فروة الرأس وهالة الثدي وفي أي مكان نمتلك فيه شعرا في الجسم وتعمل هذه الغدد بنشاط عند البلوغ ويكثر نشاطها عندما نبدأ بالحث عن الشريك .

تتواجد الغدد الإفرازية عند الرجال أكثر من النساء وتفرز موادها بشكل أكبر عند في أوقات العصبية والخوف والإثارة النفسية والجسدية . وتحول تجمعات انتظار البكتريا إفرازات الدم إلى روائح بشعة تجلب الرزق لصانعي مزيل العرق في معاملهم مؤسساتهم . يوفر الشعر لدى الرجال مساحة إضافية للتخفيف من الرائحة ويبدو أنه ن قبيل المصادفة أن الشعر يساعد الرجال كثيرا في تخفيف الرائحة في منطقة تحت الإبط وحول المناطق التناسلية مما يخفف من نمو البكتريا كثيرا .

وقد وجد العلماء أن الغدد الإفرازية تحلل المنشطات ذات الرائحة القوية المعروفة والتي تتميز بالسلوك الجنسي الشاذ في الثديات الأخرى ويبدو أن الأندروستيرون وهو مركب عضوي كاد يهلك نوعا من الغزلان. يفرز الرجال الأندروستيرون أكثر من النساء ولهذا السبب يصبح الرجال أقل قدرة على اكتشاف الأشياء التي حولهم متى بدؤوا في إنتاج هذه المادة في سن البلوغ .

في عام 1986 ، نظمت الجمعية الجغرافية الوطنية المسح العالمي للرائحة لمعرفة ما إذا كان الأشخاص من جميع الثقافات يتفاعلون مع الرائحة بنفس الطريقة. وقاموا بتوزيع أكثر من مليون بطاقة للخدش والاستنشاق واستبيانات حول اكتشاف الأشخاص للروائح وتصورات عن شدة الروائح بدءا من الموز إلى مركبات الكبريت المضافة إلى الغاز الطبيعي كعامل تحذيري. وشملت الدراسة الاستقصائية رائحة الأندروستيرون المنبعثة من الإنسان.

ما هي مضادات الفيرمونات ؟

على الرغم من ضعف وجود الأندروستيرون ضمن تصنيفات الرائحة ، فإن كارل جرامر من معهد البيولوجيا البشرية في النمسا يعتقد أنه قد يكون الفيرومون البشري المطلوب ودرس ردود فعل النساء تجاهه . وتوقع أن يجد أن النساء لديهن رد فعل إيجابي قوي تجاه رائحة الأندروسترون عند الاباضة حيث يصبح شعورهن بالرائحة أكثر حدة وعندها يكون من المرجح المرأة قد تكون مؤهلة للحمل وتحدث التغييرات في مستويات هرمون الاستروجين في أجسامهم عند الاباضة ، ويشتبه جرامر أنه قد تتغير الطريقة التي تتفاعل بها النساء مع رائحة الأندروستيرون.

عن الرجال والفئران :

جاء الدليل العملي على تأثير الرائحة على الجذب البشري للبشر من الحقل الأيسر في العلم .فقد قام علماء الوراثة الطبية بدراسة أصول الوراثة في الجهاز المناعي وقدموا سلسلة من الاكتشافات الهامة والحساسة والتي لم يلتفت إليها أحد من علماء فيزيولوجيا الرائحة من قبل. وقد قادت الأبحاث والتجارب التي أجريت لفهم لماذا ترفض أنسجة الجسم زراعة بعض الأعضاء الجديدة في الجسم البشري سواء كان هذا الجسم الجديد الغريب فيروسا أو عضوا جديدا مزروعا . وقد أتى الجواب سريعا بأن الخلايا البشرية مغلفة ببروتينات يتعرف عليها نظام المناعة لدينا على أنه ذاتي . ويصبح جهاز المناعة أكثر دقة في التعرف على المتسللين الجدد ويتعرف على الكائنات الحية المرضية ويرسل معرفات البروتينات الخاصة بها ويحشد الأجسام المضادة لها الكفيلة بتدمير الفيروس الجديد أو العضو الجديد. والغريب أن خلايا الجسم تتذكر الفيروسات الغازية حتى بعد مرور سنوات طويلة وتتعرف عليها وترسل لها أجساما مضادة مناسبة لها . يقوم جزء من حمضنا النووي باستدعاء رموز معقدة للتوافق النسيجي الرئيسي والتعرف على هياكل بعض الأمراض وبنيتها وتعتبر هذه الرموز المعقدة بمثابة عيون للجهاز المناعي في الجسم . وعندما يتم التعرف على المرض يتم تنبيه مخالب الجهاز المناعي التي تسمى علميا الخلايا التائية القاتلة حيث تقوم بتجميع المتسللين والغرباء عن الجسم وتدميرها بالأنزيمات الخاصة المناسبة . وتختلف هذه الرموز المعقدة عن الجينات العادية التي لها نسخة واحدة أو نسختين بديلتين في أنها تمتلك العشرات من النسخ البديلة المجددة وهي نسخ مسيطرة وسائدة . وقد دلت التجارب على أن هذه الرموز موروثة في عالم الفئران فإذا ورث فأر جين من النوع المعقد للتوافق النسيجي مقاوم للمرض "أ" الموروث من الوالدة ونسخة مماثلة للجين مقاوم لمرض " ب" الموروث من الوالد فسيكون هذا الفأر قادرا على مقاومة كلا المرضين . وقد دلت التجارب العلمية الدقيقة على أنه إذا عرض لفأر ذكر فأرتين أنثى لاختيار التزاوج معها سوف يختار الفأر الذكر الفأر الأنثى التي جيناتها تتطابق مع جيناته وقد أكدت التجارب أن الفأر الأنثى تختار شريكها ممن تتطابق جيناته مع نفس الجينات وتقيم الذكور من خلال شم رائحة البول. يقوم الجهاز المناعي بخلق بروتينات معطرة فريدة لكل نسخة من كل جين تميزه عن الآخر وتشكل له هوية خاصة أو بصمة خاصة ويتم فرز هذه المنتجات الثانوية المناعية من الجسم بمواد كيميائية أخرى مستخدمة مما يسمح لإناث الفئران التمييز بين فأر وآخر. وبهذه الطريقة تتأكد الفأرة الأنثى من أن هذا الزوج مناسب أكثر من غيره ويمنحها وذريتها البقاء على قيد الحياة والاستمرار من خلال مواجهة أكبر عدد من الأمراض المحتملة كما تميز إخوتها عن غيرهم من الفئران .

هل تستطيع أن تشم تلك الرائحة ؟

وحيث أن الإنسان لا يبدي اهتماما كبيرا برائحة بول الآخر إلا في حالات الفحص الطبي فقد مال الباحثون إلى الاعتقاد بأن قصة انجذاب القوارض للبول قد يلقي شيئا من الضوء على التفاعلات البشرية بهذا الشأن . وفي حال استعرنا من الفئران حاسة الشم ووضعناها في أنف البشر سيكون من اليسير لهم أن يكتشفوا النواتج العطرية للجهاز المناعي في روائح جسم الإنسان أيضا .

أجريت تجربة مميزة في جامعة برن السويسرية برئاسة الدكتور كلاوس فيديكيند لمعرفة مدى تأثير إفرازات الغدد لدى الرجال على النساء وقد جُنّدَ لهذه التجربة قرابة 100 طالب جامعي من الذكور والإناث من كليات مختلفة لتقليل إمكانية معرفة بعضهم بالآخر. وقد تم إعطاء الرجال قمصان قطنية غير معالجة لارتدائها أثناء نومهم لمدة ليلتين متتاليتين . وقد تم منعهم من تناول الأطعمة التي تحتوي التوابل وطُلب منهم عدم استخدام مزيلات العرق أو الكولونيا أو الصابون المعطر وتجنب التدخين وممارسة الجنس خلال التجربة وفي نهاية اليومين كانت قمصانهم تحفظ في عبوات بلاستيكية مغلقة .

ثم جاء موعد الاختبار الكبير. استخدمت النساء رذاذ الأنف لحماية الأغشية المخاطية الحساسة التي تبطن الأنف وعند اقتراب موعد الاباضة تم تعزيز شعورهن بالرائحة حيث وضعن في غرفة منفصلة وتم تقديم صناديق تحتوي قمصان الرجال المتطوعين . في بداية التجربة تم استنشاق رائحة قميص جديد غير ملبوس للتحكم في رائحة القمصان ثم طلب من النساء شم القمصان على التوالي وطلب منهن تقييم الجاذبية الجنسية أو اللطف أو قوة وشدة الرائحة لكل قميص .

جينات الإثارة :

لقد وجد الدكتور كلاوس فيديكيند وفريقه أن الطريقة التي تقيم بها المرأة لرائحة جسد الرجل تعتمد على مقدار مشاركة الخلايا المناعية . تفضل النساء الروائح التي ينضحها الرجال والتي تختلف ملفات تعريفها الوراثية عن ملفات التعريف الخاصة بالنساء . وهذا يفسر سبب انجذاب امرأة لرجل ما ونفورها من رجل آخر. وهذا ما يفسر دور الرائحة في الحب والجذب . وهذا ما يفسر أيضا علاقة المرأة بالأب وعلاقتها بالأخ . السبب هو أنهم يشتركون في نفس الصفات الوراثية .

لا أحد يعرف على وجه اليقين حتى الآن الأدوار التي قد تلعبها الشيفرة الوراثية في تقييم الذكور لجاذبية الإناث . ومع ذلك ، قد يكون شعور الإناث المتفوق بالرائحة ناتجًا عن حاجتهن إلى إجراء تقييم أكثر دقة لمزايا رفاقهم المحتملين - فقد يكون بالنسبة للرجل اختيار صديق فقير للأجداد الذكور يعني إهدار بضع دقائق فقط ، بينما يمكن أن ينتج عن خطأ إناث بشرية في "صباح ذات يوم " بعد مضي تسعة أشهر وطفل من غير المرجح أن يعيش.

من الواضح أن منتجي العطور الذين يرغبون حقًا في تقديم هذا الجاذبية لعملائهم من الذكور يحتاجون إلى الحصول على بصمة وراثية للشخص المميز الذي يهم الرجل أو المرأة قبل أن يتمكنوا من تفصيل العطر المناسب الذي قد يكون جذابًا. ولكن قبل أن يفكر الرجال في خداع النساء بهذه الطريقة أو العكس ، ينبغي عليهم النظر في العواقب المحتملة لهذا التصرف .

كيف تشم رائحة الشريك ؟

كيف تؤثر رائحة الجسم على جاذبية المرأة؟ لا يعرف العلماء الجواب على وجه اليقين لكنهم يعلمون أن جاذبية الرجل تعتمد جزئيًا على عدد جينات نظام المناعة التي يشاركها مع شريك محتمل .

وحيث أن النساء أكثر قدرة على اكتشاف التوافق الوراثي من خلال الرائحة فيقع على عاتقهن إيجاد الشريك المناسب وقبول الارتباط به . وهذا بدوره لا يعني أن الرجل لا يستطيع أن يساهم في هذه التجربة الحياتية ولكن النتائج غير مؤكدة حتى الآن .

يمكن أن يكون اختيار الشريك المتوافق وراثيا أمرًا صعبًا ، إذ أنه من الصعب في غابة ما بعد صناعة العطور الغنية ، كما أن الحصول على جينات نظام المناعة لديك قد يكون مكلفًا. وقبل أن تذهب إلى طبيب الدم لمعرفة ما إذا كانت رفيقتك مناسبة وأم لأطفالك في المستقبل حاول الاستماع إلى أنفك وتفحص الشريك بأنفك فقد يكون أصدق من تحليل الدم ( الرسمي ).

ويمكن إتباع الخطوات التالية :

• أعلن وجود يوم مخصص للشم الطبيعي . لا تخدع أنفك . استحم بالصابون الطبيعي الخالي من العطور وارتدي ملابس قطنية نظيفة. ابتعد عن المدخنين والمطـّرين .

• بعد انقضاء يوم وليلة بالملابس القطنية حاول شمها قبل أن ترميها في سلة الغسيل . احرص أن تكون هذه التجربة جديدة ورومانسية في حياتك .

• إذا ذكرتك رائحة الرجل برائحة أبيك أو أخيك ، قدر ترغب بالاتصال بطبيبك للاستفسار عن الاختبارات الجينية قبل الزواج أو قبل قرار الحمل . وقد تشعر بالقلق لأن الشيفرة الوراثية متوافقة وقد تشعر بالرغبة في اقتناء زجاجة من عطر الكولونيا لخداع النظام المناعي لديك .

• إن عدم التوافق الوراثي ليس هو السبب الوحيد الذي قد يسبب رائحة كريهة غير مقبولة. هل تبدو رائحة جسده كثيفة وقوية بشكل غير عادي؟ لا تجزع فقد يكون لديه حالة طبية تفسر هذه الرائحة. اطلب منه الحضور في الفحص الطبي التالي. الرائحة الجميلة للغاية في بعض الأحيان دليل على مرض السكري أو الفصام و كلاهما قد يكون غير وراثي. من الحكمة مناقشة هذه القضايا مع الطبيب قبل إنجاب الأطفال.

• قبل أن تتسرع وتطلق حكمك على الروائح الكريهة ، ابحث في مسببات الروائح الكريهة فقد يكون الشريك من محبي التوابل أو الثوم أو البصل وجميعها يسبب الروائح القوية غير المحببة .

• لا تذهب بعيدا في اتهام الشريك بالرائحة غير المحببة فقد تكون المنظفات التي يستعملها أو المساحيق أو الجل أو أي مراهم طبية هي السبب وراء هذه الرائحة .

المراجع
The Science Of Attraction: Falling In Love Through The Sense Of Smell
https://culturacolectiva.com › HOME › technology
Why You Love the Way Your Partner Smells - VICE
https://www.vice.com/en_us/article/.../why-you-love-the-way-your-partner-smells
Smell: The secret of true love | The Independent
https://www.independent.co.uk › News › Science



#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التفسير القانوني للنصوص
- الرقم الخطأ في حياتنا
- المسؤولية الإدارية
- بيولوجيا التخاطر
- استراتيجيات إدارة الضغوط في الحياة والعمل
- عربي - قصة جيمس جويس
- هواجس العالم العربي المعاصرة
- فلسفة التدمير
- الحياة الثانية لغسان كنفاني
- هبة الله ، زوجة رائعة
- إنما الحياة مواقف
- أنواع الإدارة
- حوار مع السيد أحمد خازم رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان
- محكومون بالأمل ...والألم
- كوابيس جورج أورويل
- الخائفون من نعوم تشومسكي
- المغفرة ...عَوْدٌ على بدء
- علم الأخلاق وأنماط التفكير الإنساني
- الايقاع البيولوجي وتأثيره على حياتنا
- أشهر الفضائح السياسية


المزيد.....




- جبريل في بلا قيود:الغرب تجاهل السودان بسبب تسيسه للوضع الإنس ...
- العلاقات بين إيران وإسرائيل: من -السر المعلن- في زمن الشاه إ ...
- إيرانيون يملأون شوارع طهران ويرددون -الموت لإسرائيل- بعد ساع ...
- شاهد: الإسرائيليون خائفون من نشوب حرب كبرى في المنطقة
- هل تلقيح السحب هو سبب فيضانات دبي؟ DW تتحقق
- الخارجية الروسية: انهيار الولايات المتحدة لم يعد أمرا مستحيل ...
- لأول مرة .. يريفان وباكو تتفقان على ترسيم الحدود في شمال شرق ...
- ستولتنبرغ: أوكرانيا تمتلك الحق بضرب أهداف خارج أراضيها
- فضائح متتالية في البرلمان البريطاني تهز ثقة الناخبين في المم ...
- قتيلان في اقتحام القوات الإسرائيلية مخيم نور شمس في طولكرم ش ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد عبد الكريم يوسف - رائحة الحب