أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الهروب من المنفى














المزيد.....

الهروب من المنفى


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 6313 - 2019 / 8 / 7 - 16:29
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


هذه العزلة الأنطولوجية هي مصدر إشكالية ما يسمى بالسوليبسيزم Solipsisme وكذلك مصدر القلق الناتج عن عدم إمكانية التواصل المباشر بين الذوات الإنسانية والتأكد من حقيقة وجود هذه الذوات. الإنسان كفرد معزول ومتوحد، يبدو له بأنه ليس هناك من طريق سوى المعرفة للخروج من ذاته والإلتصاق بالعالم وخوض تجاربه الحسية بجسده. يبدو أن هذا الإنفصال الأنطولوجي هو معطى أساسي لا يمكن إختزاله بأي وسيلة من الوسائل، وتبدو المعرفة كمحاولة يائسة للإشارة إلى إمكانية ردم الهوة الفاصلة وبناء جسر التواصل والهروب من منفى الذات. واللغة هي الخطوة الأولى في هذا الإتجاه وهي ـ عصا الأعمى ـ التي نستعملها لإجتياز الطريق لتقودنا نحو الآخر على الضفة المقابلة، بالإضافة إلى الخيال الذي يمكن الإنسان من إختلاق مواقف وظروف مشابهة ومماثلة لما يعيشه. ريلكة ـ Rainer Maria Rilke في إحدى رسائله ـ ١٩١٥ ـ يؤكد بأن مهمته في هذه الحياة ربما تنحصر في "تمثيل" العالم من وجهة نظر ملاك أصبح أعمى ويتأمل داخله. وفي رسالة أخرى يتسائل عن إمكانية معرفة العالم الداخلي لكلب : " أنا أحب رؤية الدواخل. هل تستطيع أن تتصور معي كم هو رائع على سبيل المثال عندما تمر بجانب كلب أن ترى داخل هذا الكلب، ترى الداخل. أنا لا أعني أن تتفحص، فما ذلك سوى نوع من الرياضة البشرية يخرج بواسطتها المرء مباشرة من الجانب الآخر للكلب متخذا إياه فقط كنافذة تطل على ما يقبع وراءها من بشرية. كلا كلا، ليس هذا ما أعنيه. بل أن تضع نفسك بالضبط في مركز الكلب، في تلك النقطة التي يبدأ منها كونه كلبا. ذلك المكان الذي كان الإله قد جلس فيه للحظة عند إتمام الكلب كي يراقب الحيوان تحت تأثير إرتباكاته الأولى وتطلعاته، ليؤمئ مقتنعا بأن الكلب جيد، بأنه ليس هناك من نقص وبأنه لا يمكن له أن يُصنع بصورة أفضل. يمكن للمرء أن يحتمل لبرهة كونه داخل الكلب تماما، ولكنه يجب أن يكون حريصا على القفز خارجا في الوقت المناسب وإلا فإنه ببساطة سيبقى سجين الكلب ويفقد وجوده بالنسبة لكل شيئ آخر" هذه الأسطورة الشعرية تمثل بوضوح رغبة الإنسان وميله "الطبيعي"، ليس فقط للمعرفة، معرفة باطن المخلوقات الأخرى، وإنما ميل أنطولوجي للحلول في الآخر وتقمصه وإحتلاله كلية من الداخل، حنينه لعلاقة داخلية حلولية، رغبة في الإنصهار والإندماج والإلتحام بالآخر. والأدب والفن عموما ليس شيئ آخر أكثر من هذه المحاولات اليائسة والتجارب المتكررة لمعايشة مواقف جديدة وتقمص حياة وتجارب شخصيات متنوعة. والمسرح يعتبر منذ القدم المجال المثالي لمثل هذه المحاولات للحلول في الآخر والتعبير عن كل ما يعانيه من أحاسيس ورغبات وارتعاشات الحياة، وذلك من الداخل، ليس فقط الشخصيات والنماذج البشرية المتنوعة، وإنما كائنات أخرى مثل مزرعة الحيوانات Animal Farm عند جورج أورويل George Orwell، الكلب مواسي Moassy le chien لجورج ليفراقا Georges Livraga أو المسخ The Metamorphosis لفرانز كافكا Franz Kafka. وبجانب الأدب، كالمسرح والرواية، فإن الرغبة في الخروج من قوقعة أو زنزانة الذات والحلول في ذوات أخرى كانت إحدى الدعائم الأساسية التي شيد عليها الإنسان كل أساطيره وقصصه الدينية، وتعتبر المصدر الأساسي لكل الميثولوجيا البشرية، وبالذات أسطورة الله، ككائن كامل مطلق قادر على نفي هذه المسافة اللانهائية بين ذاته والذوات الأخرى. كائن كامل يعرف ما يجري في الصدور وأقرب إلى الإنسان من حبل الوريد. إنه ليس مثل كاميرات المراقبة في المحلات العامة أو جهاز يسجل الذبذبات السيكولوجية للإنسان، إنه يرانا هو بذاته بلحمه وشحمه إن صح التعبير ويحتلنا من الداخل ولا سبيل للهروب من نظراته الصارمة. الله، كإبداع للعقل البشري، لم يكن فقط لدرء الخوف والقلق تجاه الظواهر الطبيعية التي لا يفهم مصدرها أو هدفها وإيجاد تفسير لما يجري في البر والبحر والسماء، ولكن فكرة الله كانت أيضا نوعا من اليوتوبيا الميتافيزيقية، خلق كائن مثالي قادر على الإجابة على كل التساؤلات، ويكون وجوده هو وحده المبرر لكل ما يحدث في العالم، وقادر على رؤية ما في القلوب. يبدو الله هنا كأنه الهدف الطوباوي البعيد والمثال النهائي الذي يتجه نحوه الإنسان في بحثه المستمر في جميع فروع المعرفة من الدين والتصوف إلى العلوم الطبيعية والرياضيات والفلسفة، وكل الإنتاج الفكري البشري، من جلجامش إلى ماتريكس The Matrix ما هو إلا محاولات متكررة للوصول إلى أن يكون الإنسان إلها، له دوام المادة وحركة الوعي. غير أن هذا الإله حتى ولو كان موجودا فإنه لن يستطيع أن يخرج من ذاته ليتقمص أو يحل في ذوات أخرى، ذلك أن طبيعته كمطلق لامتناه تمنع أن يتشتت ويتعدد، تماما كما تمنع طبيعته كقوة مطلقة أن يخلق كائنا يفوقه في القوة.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خريطة ال -أنا-
- أول مايو .. لا خيار للعمال إلا الثورة
- الطفلة والطير الجارح
- العدسة والمسدس
- المصور والصحفي والجنرال
- الإختناق
- اللامنتمي كنموذج
- التصوير وضمور الضمير
- عودة إلى عالم الصور
- الفن المعاصر
- أدب وفن وبطيخ
- عبادة الشيطان
- الفأر الأبيض والتفاحة
- بكائية
- حافة الهاوية
- زلزلة الساعة
- الرئة المثقوبة
- شهوة الفراغ
- الثواني المطاطية
- الأشياء المفترسة


المزيد.....




- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة
- سيناريو هوليودي.. سرقة 60 ألف دولار ومصوغات ذهبية بسطو مسلح ...
- مصر.. تفاصيل جديدة في واقعة اتهام قاصر لرجل أعمال باستغلالها ...
- بعد نفي حصولها على جواز دبلوماسي.. القضاء العراقي يحكم بسجن ...
- قلق أمريكي من تكرار هجوم -كروكوس- الإرهابي في الولايات المتح ...
- البنتاغون: بناء ميناء عائم قبالة سواحل غزة سيبدأ قريبا جدا
- البنتاغون يؤكد عدم وجود مؤشرات على اجتياح رفح


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الهروب من المنفى