أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد السلام انويكًة - ثريا الجامع الأعظم بتازة..















المزيد.....

ثريا الجامع الأعظم بتازة..


عبد السلام انويكًة
باحث


الحوار المتمدن-العدد: 6312 - 2019 / 8 / 6 - 00:02
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


جاذبة ومثيرة لسؤال رمزية التراث في زمن عولمة وتدفق قيم ثقافات وغيرها هي العمارة الدينية التاريخية المغربية، لِما هي عليه شواهدها التي تملأ وتطبع مجال مدن البلاد العتيقة ببروزها وتموقعها وامتدادها في الزمن المغربي عبر قرون. وبقدر ما تعطي لمدن المغرب التاريخية هويتها الاسلامية بقدر ما تشهد معالم هذه العمارة على أثر وبصمات سلفٍ كان بتشييدٍ وبناء وتميز منذ القدم.
وقد أحيطت عدد من مدن لمغرب العصر الوسيط بعناية سلطانية غير مسبوقة، مثلما يسجل لملوك بني مرين من خلال إغناءهم لها بدور علم واقامة طلبة ومدارس وزوايا ومارستانات وجوامع كبرى، منها جامع تازة الذي يعود للقرن السادس الهجري باعتباره واحداً من تحف البلاد العربية الاسلامية في بعدها التاريخي الرمزي الروحي. وقد عُرف جامع تازة الشامخ هذا بهذا الاسم منذ العصر الوسيط، وحظي باهتمام ورعاية الملوك المرينيين الذين جعلوا تازة عاصمة مؤقتة لهم.
في علاقة بجامع تازة التاريخي هذا، كانت دولة الموحدين التي حكمت المغرب الى غاية منتصف القرن السابع الهجري بتقدم عمراني جعلها بمنزلة حضارية. عِلماً أن الزخرفة في بداية فترة حكم عبد المومن بن علي الكًومي كانت بحرج فكري جعل من البناء والتشييد في عهده خالياً منها سيراً على نهج ابن تومرت في ثقافة تقشف وزهد. لكن ما أن فتح عبد المومن بن علي بلاد الأندلس حتى بدأ ينهل من حضارتها وبديع عمارتها لكي لا يوصف بتخلف عما بات تحت نفوذه من أقاليم جديدة، فكان أول عمل له في التشييد والبناء بعد فتح تازة هو جامعها الذي كان يشبه في تخطيطه تخطيط جامع تنمل.
وقد تم بدء بناء جامع تازة عند تأسيس عبد المومن بن علي لتازة 529ه، مشتملا في بنيته الأولى على بيت صلاة من ثلاث بلاطات وأربعة أساكيب. مع أسكوب محراب بثلاث قباب وصحن بمجنبتان متصلتان ببلاطين شرقي وغربي لبيت الصلاة وقد وضعت الصومعة في ركن الجامع الشمالي. وكان ما أضافه بنو مرين من زيادة في بيت الصلاة بتميز عن عمارة الموحدين، وحتى يكون الجامع ظاهراً من جميع الجهات ومن بعيد تم تشييده في موضع يعد نواة للمدينة، بموقع مرتفع في جزئها الشمالي يطل من خلاله على ممر شهير يصل شرق البلاد بغربها وجبال الريف بالأطلس، ولعل ما أخذ بعين الاعتبار في اختيار موقعه هذا جعله بخاصية مجالية متفردة في البلاد الاسلامية.
وتؤكد ميزة اتساع صحن جامع تنمل شكل صحن جامع تازة الموحدي، الذي ورث شكله عن مساجد دولة المرابطين بفاس التي يعتبر مسجد قرطبة نموذجها الأول. مع أهمية الاشارة في هذا الاطار الى أن الموحدين بنوا مساجد عظمى داخل المدن المغربية التاريخية، حققت تقابلا في داخلها وخارجها وبدت أكثر انتظاماً وفخامة من الجوامع الأخرى. وجامع تازة الشهير بالمغرب والغرب الاسلامي والذي شكل انتقالا بين عمارة الموحدين وعمارة المرينيين، يرجع الى أواخر القرن السابع الهجري691ه زمن أبي يعقوب يوسف الذي كان وراء زيادة فيه، حيث أصبح الجامع يشتمل على سبعة بلاطات وثمانية أساكيب وتميزت أسطوانة محرابه المريني الجديد بأروع قبة اسلامية.
وكان للوح تأسيسي عبارة عن نقش يخص ما أضافه ملوك بني مرين من زيادة على ما كان قائماً على عهد الموحدين، فضل في فك غموض يهم تحديد معالم الجامع الموحدي وحدوده مع أسماء وتواريخ مساعدة. وقد جاء هذا النقش بخط مغربي من خمسة عشرة سطراً يحتوي كل واحد على سبع كلمات، وبه أخطاء إملائية: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على محمد، أما بعد أمر أمير المسلمين وناصر الدين أبي يعقوب ابن أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين، أبي يوسف أسماه الله وخلده ببنا الزيادة التي زيدة (كذا) في هذا الجامع شرفه الله، وذلك أربعة بلاطاة (كذا) في قبلته وبلاطان شرقي وغربي(مع) الصحن الذي وابتديء في مفتتح ربيع الأول من العام المنصرم(..)، وكان الفراغ منه أواخر شوال إحدى وتسعين وستمائة".
وحول جوامع المغرب خلال فترة المرينيين لا نجد ما هو شاف من المعلومة التاريخية حول سبل الانارة بها، فالاشارات الوحيدة تلك التي تهم فاس وسبتة وتازة وتهم ما يتعلق بالثريات واستعمال زيت الانارة. وقد أورد صاحب"روض القرطاس"معطيات بقيمة هامة حول ثريا تازة، مشيراً لتاريخ صناعتها 693ه بعد الانتهاء من توسيع جامعها من قِبل يوسف بن يعقوب المريني اضافة لكلفة صناعتها ووزنها وعدد كؤوسها. قائلا:"وسنة ثلاث وتسعين وستمئة فرغ من بناء جامع تازة، وعملت الثريا وزنها إثنتان وثلاثون قنطاراً من النحاس وعدد كؤوسها خمسمئة كأس وأربعة عشر كأساً، وأنفق في بناء الجامع وعمل الثريا..ثمانية آلاف دينار ذهباً." وثريا جامع تازة هذه مكونة في قسمها الرئيسي من شكل مخروطي صنع من البرونز، بشعاع مترين وخمسة وأربعين سنتمتر وبعلو متر واحد وأربعين سنتمتر.
واضافة لما تتميز به هذه الثريا في بلاد المغرب والغرب الاسلامي والعالم الاسلامي عموماً، فالذي يزيد من تفردها كون جزئها الأسفل يحتوي قصيدة شعر منقوشة عليه، بمعاني بالغة التعبير لشاعر مجهول الى حين ما هو مؤسَّس، وهي قصيدة شهيرة لدى أهل تازة لارتباطهم وجدانياً بهذه التحفة التي زين بها جامع مدينتهم الأعظم، اعترفاً بفضلها وفضل موقعها وأهلها زمن نشأة دولة بني مرين. ولعل من الاشارات التي تحتويها هذه القصيدة، تاريخ تعليقها 694ه بخلاف ما هناك من لبس تعبيري فيما جاء عند ابن أبي زرع، ما يطرح سؤال تأخير ونقل وتعليق هذه الثريا في جامع تازة. وكان الوزير الاسحاقي عند زيارته لتازة في اطار رحلة حجية شهيرة، قد أورد في مذكراته أن من جملة ما رآه وأثار انتباهه في هذه المدينة ثرياها العجيبة التي يضرب بها المثل، مشيراً الى أنها لا مثيل لها وأنها عنقود عظيم مرصع بمراكز قناديل متماسكة في الهواء بسلسلة نحاسية وعليها أبيات شعرية منقوشة.
وإذا كانت ثريا تازة تشكل بحق عملاً وصنعاً وابداعاً ونبوغاً حرفياً مغربياً مثيراً، فإن أصولها تنحدر من نموذج موحدي سابق هو ثريا جامع القرويين التي أنجزت بداية القرن الثالث عشر الميلادي بأمر من السلطان محمد الناصر، وتتكون الثريتين التي بتازة وفاس معاً من قاعدة سفلى بطبقات محاطة بجسم دائري كان مخصصاً لحمل قناديل يسرج بها الزيت.
يبقى أن ثريا تازة هذه التحفة الفنية المرينية المتفردة التي تسكن جامع المدينة الأعظم منذ نهاية القرن السابع الهجري، باستثناء ما ورد عنها من اشارات محدودة في نص ابن أبي زرع الأصيل، وما ورد عنها أواسط القرن الماضي في مؤلف"هنري تيراس" القيم الذي خصصه لتاريخ جامع تازة، ولعله دراسة بمحاور متكاملة جاءت بمعطيات عالية من القيمة العلمية التاريخية حول ما هو حضاري وعمراني يخص هذه المعلمة الدينية الشامخة، بالنظر لما احتوته من أسئلة وتحليل ومقارنة وأشكال قياس وتصاميم وأبعاد هندسية وغيرها. يبقى الذي يسجل باستثناء هذه الاشارات المصدرية المحدودة مع احاطات ارتبطت بدراسات لفرنسيين تعود لفترة الحماية، هو أنه ليست هناك أية أبحاث تاريخية وأركيولوجية حديثة العهد توجهت بعنايتها لهذه المعلمة، من أجل تنوير وتنقيب وكشف ومعرفة وتحليل...أوسع يخص عدد من جوانبها التي تحكمها أسئلة عدة عالقة في حاجة لأجوبة علمية شافية مؤسَّسَة. ناهيك عن كون هذه الثريا التي يزخر بها تاريخ وتراث تازة التاريخي، لا تزال بدون اشعاع مؤثر على المدينة من حيث ما يمكن أن تسهم به في التنمية المحلية عبر ادماج وتدبير، من شأنه تحريك وانعاش وانقاذ المجال العتيق للمدينة الذي بات بشبه موت سريري منذ سنوات إن لم نقل منذ عقود.
مع أهمية الاشارة حول ثريا تازة، الى أنه حتى وضعها الحالي وفكرة إحاطتها وعزلها بسياج خشبي من الأسفل كيفما كان مبرر الفكرة والاجراء، أثر على مشهدها وجماليتها وقوة تعبير هندستها وشموخها التاريخي وقيمتها الحضارية وعظمة محتوياتها وطريقة تعليقها واثارتها لكل زائر و متأمل وباحث..، بل وضعها الحالي بهذا الاجراء والعزل غير المناسب استيتيقياً، جعلها بموقع ليس الذي ينبغي أن يكون وهي تتوسط جامعاً تاريخياً موحدياً مرينياً شامخاً منذ نهاية القرن السادس الهجري. وكيفما كان مبرر الاجراء فإن فكرة سياج محيط بها أفقدها هيبتها واثارتها، وأسهم الى حد ما في تغييب تفردها وشكلها وتموقعها وما تضفيه من تكامل على محيطها، بل أسهم في تسطيح قيمتها والتقليل من شأنها التاريخي ورمزتها خاصة وأنها تزين جامعاً من أقدم وأعرق جوامع بلادنا، بقدر ما ينبغي أن يحظى به من عناية بقدر ما ينبغي أن تحاط به تحفه من رعاية وصيانة وإبراز وتعريف، حفظاً لعبق جامع تؤثثه أعظم ثريا في المغرب والغرب الاسلامي والعالم الاسلامي، الى حين حسن استثمار ما هو تاريخي رمزي وما هو مادي ولا مادي تراثي، بجعل موارد الزمن ضمن أسس رهان تنمية استشرافية محلية بها ومستدامة. عبد السلام انويكًة



#عبد_السلام_انويكًة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المذكرات وتاريخ المغرب الراهن..
- الخزانات العلمية التاريخية بالمغرب .. تازة نموذجاً
- تازة .. الفقيه الشنقيطي في ذاكرة المدينة الوطنية..
- تازة: المقدم النويكًة والتراث العيساوي بالمدينة..
- فيلم الهايم يملأ سماء تازة درساً وفرجة معاً..
- مجلة جسور للتربية والثقافة والبحث العلمي
- بستيون تازة .. تاريخ رمزي شاهد..
- الأغنية المغربية.. من زمن قممٍ ونغم الى زمن ضجيجٍ منظم.
- من الرمزي التراثي القروي بالمغرب..
- شجرة عطر الربيع بالمغرب
- في الحاجة الى رد الاعتبار لشجرة النارنج بالمغرب
- ابن يجبش التازي .. الى حين ..
- مركز ابن بري التازي للدراسات والأبحاث وحماية التراث
- تاوريرت .. ذاكرة تاريخية شامخة..
- اذاعة فاس..شامخة مفعمة بايقاع تفاعلي مجالي جهوي متميز
- تدبير الجبل بالمغرب.. أية رؤية وأية تنمية
- -كهف الغار-.. القرية والمغارة .. مخزون سياحي طبيعي نوعي ومتف ...
- المراكز الجهوية ورهان تكوين الأطر وتكوينهم المستمر ..
- حول العلاقات المغربية التركية
- منتزه تازكة الوطني .. المغرب


المزيد.....




- من الحرب العالمية الثانية.. العثور على بقايا 7 من المحاربين ...
- ظهور الرهينة الإسرائيلي-الأمريكي غولدبرغ بولين في فيديو جديد ...
- بايدن بوقع قانون المساعدة العسكرية لأوكرانيا وإسرائيل ويتعهد ...
- -قبل عملية رفح-.. موقع عبري يتحدث عن سماح إسرائيل لوفدين دول ...
- إسرائيل تعلن تصفية -نصف- قادة حزب الله وتشن عملية هجومية في ...
- ماذا يدخن سوناك؟.. مجلة بريطانية تهاجم رئيس الوزراء وسط فوضى ...
- وزير الخارجية الأوكراني يقارن بين إنجازات روسيا والغرب في مج ...
- الحوثيون يؤكدون فشل تحالف البحر الأحمر
- النيجر تعرب عن رغبتها في شراء أسلحة من روسيا
- كيف يؤثر فقدان الوزن على الشعر والبشرة؟


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد السلام انويكًة - ثريا الجامع الأعظم بتازة..