أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالجبار الرفاعي - السؤالُ الميتافيزيقيُّ الجديد يفرضُ علينا بناءَ علمِ كلامٍ جديد















المزيد.....

السؤالُ الميتافيزيقيُّ الجديد يفرضُ علينا بناءَ علمِ كلامٍ جديد


عبدالجبار الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 6307 - 2019 / 8 / 1 - 12:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


السؤالُ الميتافيزيقيُّ الجديد يفرضُ علينا بناءَ علمِ كلامٍ جديد

عبدالجبار الرفاعي
لا يصل البحثُ في الميتافيزيقا إلى نتائج أخيرة، لذلك تظل الأسئلةُ العميقة فيها تتوالد باستمرار، بالتزامن مع تطورِ وعي الإنسان وتراكمِ معارفه وخبراته المتنوعة، وتنامي اكتشافاته لقوانين الطبيعة والتوغلِ في آفاق الكون والكشف عن أسراره.
طالما سألني الشبابُ، وأكثرُهم من المختصين في العلوم الطبيعية، عن أجوبةٍ نهائيةٍ لأسئلتهم الوجودية والميتافيزيقة، لأنهم يدّعون أنّ كلَّ الأجوبة التي سمعوها وطالعوها لهذه الأسئلة ليست مقنعة، فأجيبُهم على الدوام: لا جوابَ أبديًا للأسئلة الوجودية والميتافيزيقة الكبرى، لأنها أسئلةٌ بدأت تتوالد منذ فجر الوعي البشري، وتجذّرت وتفرعت بمرور الزمان، وباتساعِ معارف الإنسان، وتطوّرِ علومه، وتراكمِ خبراته، وتنوّعِ ثقافاته. لا يعرف أكثر المختصين في العلوم الطبيعية والتطبيقية أن الأسئلة الوجودية والميتافيزيقة الكبرى لا تشبه أسئلة العلوم المختصين فيها، لذلك لا يمكنهم الظفر بأجوبة نهائية لها، وإلا لو كانت هناك أجوبةٌ نهائيةٌ للأسئلة الوجودية والميتافيزيقة الكبرى، لاتفقت آراءُ الفلاسفة ورؤاهم للعالَم، ولتوحّدَ أكثرُ الناس في مُعتقَد واحد، ولما تعدّدت وتنوّعت المعتقداتُ والأديانُ والفرقُ والمذاهب بتنوّعِ البشر، وثقافاتِهم، وبيئاتِهم، وأنماطِ عيشهم المختلفة. الأجوبةُ الأبديةُ تنتجها مؤسّساتُ الاعتقاد الرسمية، بعد أن يتمثّلَ الدينُ في الحياة البشرية، ويتجسّدَ مجتمعيًا، فيأخذَ شكلًا تتجلّى فيه صورةُ المؤسّسات المتنوعة ومصالحُها وغاياتُها ومطامحُها وأحلامُها.
"لا جوابَ أبديًا للأسئلة الميتافيزيقة الكبرى"، بناءً على هذا الموقف المعرفي يبتني "علم الكلام الجديد"، بمعنى أن ما قاله مؤسّسو الفرق ومؤلّفو المقولات الكلامية بخصوصِ رؤيتِهم لله وصفاته وأفعاله والوحي والنبوة، وما فهموه من النصوص الدينية، ليس إلا إجاباتٍ مرحلية تعبّر عن زمانهم وبيئاتهم وثقافتهم، وما اكتنف حياتَهم الشخصية، وما عاشوه من ظروف مختلفة، عبّرت عنها الصراعاتُ على السلطةِ والثروةِ في عصرهم. وتعكس مقولاتُهم الكلاميةُ عقلانيةَ عصرهم، ودرجةَ تطوّرِ العلومِ والمعارفِ، ومناهجِ التفكير، وأدواتِ المعرفة، ومستوى الوعي البشري، ونمطِ التمدّن. في ضوءِ ذلك لا يصحّ النظرُ إلى آراء: النظّام، أو الأشعري، أو الماتريدي، أو المفيد، أو الطوسي، أو القاضي عبدالجبار، أو الغزالي، أو الفخر الرازي، أو ابن تيمية، أو غيرِهم من المتكلمين، بوصفها آراءَ أبدية، والتمسك بأسئلتهم وأجوبتِهم بوصفها أسئلةً وأجوبةً نهائية.
لكلِّ عصرٍ عقلانيتُه وأسئلتُه واجاباتُه، وحتى الأسئلةُ الوجوديةُ والميتافيزيقية الكبرى يعادُ طرحُها في آفاقُ هذه العقلانية ونظامها المعرفي ومنطقها ولغتها. آراءُ المتكلمين الأوائل تعبّر عن عقلانيةِ زمانهم، والنظامِ المعرفي لمرحلتهم التاريخية، والأسسِ والمعاييرِ المعتمدة لديهم في اكتشاف الحقيقة، وتمييز ما هو خطأ وما هو صواب، والمسلماتِ واللاوعي المعرفي الذي كان يتحكم في تفكيرهم آنذاك. النظامُ المعرفي الذي يتسلط على التفكير في مرحلة معينة من حياة البشر لا يلبث كما هو في مختلف مراحل التاريخ، بل يواكب العقلانيةَ وتطورَ الوعي، وتقدّمَ العلوم والمعارف البشرية في مختلف المراحل .
لكن علومَ الدين في الإسلام دخلت حلقةً دائريةً تكراريةً منذ عدة قرون، بعد أن توقف إنتاجُ العلم الدنيوي في عالم الإسلام. واستبدّت الرؤيةُ الكلامية الموروثة للعالَم في حياة المسلمين، فحجبتهم عن رؤية العالم خارجَ الأسوار المغلقة لعلم الكلام.‬ وأضحت مجتمعاتُنا اليوم ضحيةَ رؤيةٍ ميتافيزيقةٍ للعالم تتحدّث لغةَ الأموات، ينتجها علمُ كلامٍ قديمٍ لم يعدْ يتبصّر قلقَها الوجودي، ولا يدرك منابعَ ضغائنها.
إن فهمَ الدين يتطورُ تبعًا لتطور فهمِ الإنسان لنفسِه، وتفسيرِه للطبيعة واكتشافِه لقوانينها وتسخيرِه لها، فكلّما تقدّم العلمُ بحقيقة الإنسان، وتمَّ اكتشافُ المزيد من قوانين الطبيعة، وتراكمت المعارفُ كيفًا وكمًا، لابد أن يتطورَ بموازاتها فهمُ الدين، وتحيينُ المعنى الديني، بالمستوى الذي يستجيب للواقع الجديد الذي تنتجه العلومُ والمعارفُ والتقنياتُ الجديدة، ويتبصّرَ القلقَ الوجودي، وفقدانَ الطمأنينة الفردية، وهشاشةَ الأمن المجتمعي الذي يعيشه المسلمُ.
لا يصحُّ أن ننظرَ للنصِّ الديني من زاويةِ نظرِ علماءِ الكلام وأصولِ الفقه وعلومِ القرآن والتفسيرِ وغيرِها من علوم الدين الموروثة، لأنها عاجزةٌ عن إنتاجِ تأويلٍ جديدٍ للنصوص الدينية، وإيقاظِ المعنى الديني بنحو ينخرط معه في الحاجات الروحية والأخلاقية، ويتموضع فيه الدينُ في حقله الخاص، ويكفّ عن التمدّد خارجَ مجاله ووظيفته، مثلما يريدُ دعاةُ الدولةِ الدينية الذين يُقحمون الدينَ في الدولة والإدارة والاقتصاد، ويترقبون منه اعادة بناء العلوم والمعارف البشرية، وهي وظائفُ خارجَ مهمة الدين المتمثلة في: انتاجِ معنى للحياة، وارواءِ الحياة الروحية، وترسيخِ القيم الأخلاقية.
إن استئنافَ رسالة القرآن وتموضعَها في سياق متطلبات المسلم الروحية والأخلاقية لن تنجزه أدواتُ النظر ومناهجُ الفهم القديمة، لأنها تمثّل عبئًا ينهك دلالةَ النصوص، عبر تكرارِ المعنى الذي أنتجته في الماضي، ومصادرةِ تعدّد الدلالة. ذلك هو مأزقُ الإصلاح في الإسلام الحديث منذ الأفغاني حتى اليوم.
كذلك لا يمكن للمعنى الديني الذي ينتجه علمُ الكلام القديم إرساءُ أسسٍ للعيش المُشترَك بين مختلف الأديان والثقافات، وبناءُ علاقات دولية سلمية تحقّق المصالحَ المُشترَكةَ بين الشعوب. إذ لا تصلح المقولاتُ الكلامية الموروثة مُنطلَقًا للحوار الصادق المُنتِج بين الأديان، الذي لا يمكن أن يؤتي ثمارَه إلا بالإيمانِ بالحقِّ في الاختلاف، وتبنّيه أصلا في أيّ حوارٍ وتفاهم ونقاش مع المُختلِف في الدين، والعملِ على اكتشافِ ما هو جوهري في كلِّ دين.
عندما يعتمدُ المتكلّمُ مناهجَ علم الكلام القديم، فإنه لا ينشد الكشفَ عن القيم الكونية الخالدة في الأديان، ولا يبحث عن جوهرها الروحي والأخلاقي المشترك، لأن المتكلّمَ لن يتمكّن من التحرّر من التعصب لمعتقداته عند دراسةِ الأديان الأخرى ومحاولةِ فهم معتقداتها ومقولاتها، إذ إن مهمةَ المتكلم هي الدفاعُ عن معتقداته والردُّ على الخصوم، وكشفُ ما يراه من تهافتات معتقدات الدين الآخر، والتحري عن تحريفات كتبه المقدّسة.
إن أدواتِ النظر ومناهجَ الفهم القديمة للدينِ ونصوصِه تفضي إلى ربطِ كلِّ واقعةٍ في حياة الناس بالدين، واحتكارِ الدين لمختلف علوم الدنيا، ويؤول ذلك إلى فهمِ وتفسيرِ وتبرير ِكلِّ شيء بالدين. وينتهي هذا الفهمُ إلى تعطيل الأسباب الطبيعية والبشرية المتنوعة. فمثلًا يخضع تفسيرُ تخلّف المجتمعات الإسلامية، لدى أكثر كتّاب الجماعات الدينية والخطباء والوعاظ، إلى عدمِ تمسكها بما قاله السلفُ، وانصرافِها عن اجتهادات أئمة الفرق والمذاهب، مع أن تقدّمَ وتخلّفَ المجتمعات بالمعنى الاقتصادي والثقافي والسياسي يعود لأسباب دنيوية مختلفة. المجتمعاتُ المتقدّمة اليوم ليست متدينةً بالضرورة، والمجتمعاتُ المتخلّفة اليوم ليست غيرَ متدينة بالضرورة. التديّنُ والطاعةُ والمعصية ليست سببًا لتقدّم أو تخلّف المجتمعات. سوءُ فهم معنى التديّن، ومعنى الطاعة والمعصية، ومعنى الثواب والعقاب الأخروي، ومعنى العمل الخيري، هو الذي يدعو هؤلاء للتشديد على أن تخلّفَ المسلمين ناتجٌ عن عدم تديّنهم ومعاصيهم. سوءُ أحوال الناس المعيشية في الدنيا، أفرادًا ومجتمعات، لا يعود لكثرة الذنوب بالمعنى الديني، ولا يعود لأسباب غيبية، بل ينشأ من: الجهل، والفقر، والمرض، والاستبداد، والظلم. وكلّها تنتجها عواملُ: اقتصادية، وسياسية، وثقافية، وتربوية، ودينية، وغيرها من الأسباب الدنيوية.
في "علم الكلام الجديد" يُعاد بناءُ مفاهيمِ الذاتِ والصفات، والإيمانِ والكفر، والقضاءِ والقدر، والجبرِ والاختيار، والوحي والنبوة، والطاعةِ والمعصية، والحسنةِ والذنب، والثوابِ والعقاب، والحياةِ والموت، والدنيا والآخرة، وعمل الخير، والمعروف والمنكر... وغيرِها.
كذلك يُعاد إنقاذُ صورة الله التي تشكلّت في فضاءِ النزاعاتِ والحروبِ، والاستبدادِ وتفشّي العبوديات، ورسمُ صورةٍ تليق بعدالته، ورحمته، وجماله. صورةٌ لا تُهدَر فيها باسم الله حقوقُ الإنسان وحرياتُه، صورةٌ تجدّد صلةَ الإنسان بالله، فتتحول إلى صلةٍ تتكلمُ لغةَ المحبة وتبتهجُ بالوصال مع معشوق جميل، ويتذوّق فيها الإنسانُ رحمتَه قبل عذابه، وعفوَه قبل عقابه.
صورةُ الله التي يرسمها المتكلمُ هي التي يُشتقُّ منها نمطُ التديّن، إن تشكّلت شديدةً صارمةً مستبدةً يتشكّلُ تبعًا لها تديّنٌ متشدّدٌ صارمٌ مستبدٌ، وإن تشكّلت رحيمةً محبوبةً جميلةً يتشكّلُ تبعًا لها تديّنٌ رحيمٌ مولعٌ بالحب والجمال. عبادةُ الله بوصفه الأخلاقي تنتج تديّنًا أخلاقيًا، عبادةُ الله بوصفه الرحمن الرحيم تنتج تديّنًا رحمانيًا.



#عبدالجبار_الرفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التديّنُ الشكلي
- التديّن الشعبي والتديّن الشعبوي
- التديّنُ الرحمانيّ
- التديّن الأخلاقي
- الفنُ القصصيّ في القرآن الكريم ثالث عناوين الضجة في النصف ال ...
- تلوّينُ النصِ
- أمينُ الخولي والهِرْمِنيوطيقا
- منهج التفسير الأدبي للقرآن عند الخولي
- التطورُ سُنّةٌ شاملةٌ عند الخولي
- أمين الخولي وفكرة التطور
- دعوة الشيخ أمين الخولي للتجديد
- الديمقراطيةُ ليستْ محايدةً
- التباس مفهوم مدنية الدولة
- الدين والاغتراب الميتافيزيقي مقدمة الطبعة الثانية
- دين الدولة
- ولادةُ الدولةِ في الفكرِ السياسي الحديث
- الدولةُ ظاهرةٌ أنتجها الإنسانُ
- لا يمكن استئناف تراث المتصوّفة كما هو في عالمنا اليوم
- محيي الدين بن عربي من عنف الأسماء إلى نفس الرحمن -1
- الفلسلفةُ لا عقيدةَ لها


المزيد.....




- الاحتلال يستغل الأعياد الدينية بإسباغ القداسة على عدوانه على ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعرض مشاهد من استهدافها لموقع ...
- فرنسا: بسبب التهديد الإرهابي والتوترات الدولية...الحكومة تنش ...
- المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية ...
- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...
- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...
- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالجبار الرفاعي - السؤالُ الميتافيزيقيُّ الجديد يفرضُ علينا بناءَ علمِ كلامٍ جديد