أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - نظرية المصيدة















المزيد.....

نظرية المصيدة


سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي


الحوار المتمدن-العدد: 6304 - 2019 / 7 / 28 - 17:23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حين أراد الثعلب صيد الدجاجة فاختبأ لها كالعادة ليُشعرها بالأمان ثم ينقض عليها كالوحش الكاسر، موقف متكرر في حواديت الأمهات والمدارس لم يعد يفارق خيالاتنا منذ الصغر..لكن بإسقاطه على واقعنا المعاصر فالثعلب جاء إلينا بثياب البشر ليُقنعنا أن الدين رحمة وعدل لنطمئن له، ثم إذا دخلناه ومارسنا طقوسه وأراد أحدهم أن يرتد فيظهر على الفور ثياب الثعلب الحقيقية التي أخفاها عمدا فيشرع فورا في قتل المرتد دون رحمة أو احتراما لقناعات المرتد برغم أن القرآن نفسه احترمها في عشرات الآيات، لكن أين للثعلب من الحكمة والدين وقد تعمّد إخفاء هويته منذ البداية..

إن جُملة ما وصل إليه الثعلب من قتل المرتد يقوم على تقليد أطراف متصارعين بعد موت الرسول، فكان كل طرف منهم يحكم على خصمه بالموت ..ثم تطور هذا الدافع السياسي الطبيعي في الحروب لمعتقد ديني متكامل له مبرراته العقلية التي ساقها القرضاوي من قبل بمقولته الخالدة أنه " ولولا حد الردة وتطبيقه منذ 1400 عام لانتهى الإسلام" وبالتالي يعترف الرجل أن دينه قائم على العنف والقتل بخلاف دين القرآن المتبرئ من تلك الآفة الشائعة بين أوساط المتدينين، وعندما تحدثهم بقوله تعالى يقولون "قال الرسول" وكأن للرسول الحق أن يخالف أمر الله أو يُشرّع أمرا من عنده منهيُ عنه في الكتاب الأول، ولم لا وقد وصل لهذه الدرجة من شدة تقليده لأئمته حتى دفعه ذلك لعبادة أقوالهم والثقة فيهم ثقة عمياء برغم مخالفة تلك الأقوال العقل والمنطق والشريعة نفسها.

الأمر نفسه ينطبق على سائر الأديان برغم خلوّ معظمها من حد الردة، لكن المرتد عندهم لا يُعامَل باحترام ويبقى منبوذا طريدا إلى أن يموت أو يهاجر، فيستحيل عليه أن يعيش حياته الطبيعية إلا إذا وافق الأغلبية في معتقدهم وخصوصا دين الأسرة، فالهاجس الذي يتحكم في كهنة الدين الإسلامي هو نفس الهاجس عن غيرهم من الكهنة وهو استحالة إيمانهم بالحقوق الشخصية للفرد ، حتى لو أدى ذلك للتلاعب به والكذب عليه مقابل أن يظل تابعا خانعا لهم في العسر واليُسر، لكن الإنسان الشرقي والغربي وصلوا لنتائج قد تصلح تصورهم للدين بإقرارهم العلمانية، لتظل شعوب الشرق الأوسط والعرب تحديدا أكثر شعوب العالم بؤسا وذلا واستعبادا من قِبَل الحكام ورجال الدين.

إن من صفات الثعلب المكر، ومن ضمن أدوات المكار في خداع الكائنات هو "البكاء" فالثعلب لا يعجزه البكاء لإقناع نزاهته أمام الفريسة، كذلك فالثعلب المسلم لا ينفك عن البكاء على أطلال الماضي لإرضاء ذوات الجماهير المتضخمة وتوقهم لإنجاز واحد مفقود وعزيز في ظل الانكسارات والهزائم، يحرص الثعلب حينها على تجهيل ضحيته وإفقادها كل طرق المعرفة التي تمكنها من تمييزه والقضاء عليه أو الهرب منه إذا استطاعت، لذا يحرص الثعلب المسلم كي تكتمل خيوط مصيدته على تحريم كل العلوم والمعارف غير التراثية، ومنع كل القراءات الحداثية للعالم بدعوى التغريب والكُفر، بينما في الحقيقة هو يمنعها لأنها تكشفه وتفضح زيفه ودجله أمام الناس

التفكير الديني بالأصل مرن لقيامه على أصول عقلية وروحية واجتماعية هدفها العدل والمعرفة، وقد يختلف معي البعض في هذا الأصل لكن التاريخ يحكي شواهده التي سقتها في مقالي السابق بعنوان "الدين بين الطبيعة والتحدي" قلت فيه أن كل دين يمر بمرحلتين الأولى دعوية للثورة على الظلم السائد..وهذه هي الطبيعة، أما التحدي الذي يواجه الدين هو الذي يضيق بموجبه من سعة الثورة الإصلاحية إلى الحرفية والتشدد والانغلاق في تفسير تلك الثورة، وما من دين إلا وواجه تلك المراحل ..حتى البوذية التي بدأت كدين عقلي وروحاني يرى فيه بوذا خلاص الإنسان بكبح شهواته والتخلص من تأثير المادة لكي يصل للنيرفانا وسلامه الروحي..وصل كل ذلك لمرحلة جديدة عُبِدَ فيها بوذا بتجلٍ جديد للبوذية أصبح إسمه "المهايانا" غايته الكبرى سلام ومصلحة الكائنات الحية جميعها خلافا "للثيرافادا" التي ما زالت تعلن ولائها لتعاليم بوذا كاملة دون تزييف وبحرفية شديدة كالظاهرية والقرآنية عند المسلمين.

كذلك حدث في المسيحية بانشقاقات متتالية لأريوسيين ونساطرة ويعاقبة وكنائس مختلفة أوروبية ومصرية وشرقية، نفس الشئ في اليهودية ودون الدخول في تفاصيل تلك الاختلافات، لكن قيمة ذكرها في ذلك المقام هو التأكيد على أن مرحلة التحدي أساسية في تاريخ كل المعتقدات الدينية منها وغير الدينية، وهي التي تحاكي ظرفا وجوديا بتهديدات تدفعهم للتقوقع أو الحرب..وإما الاستسلام والتخلي عن المعتقد الديني لحماية الأرواح، وقد يأتي التحدي ذلك في حياة المؤسس أو بعد وفاته، لكن ذلك كله يبقى منفصلا عن طبيعة وجوهر الدعوة منذ بدايتها لقيامها على أساس إصلاحي يفعله الجميع كوسيلة حياة عادلة وكريمة.

لكن الثعلب لا يؤمن بالتفكير المَرن ويتشدد في أدق خصوصيات الناس ويحشر أنفه في الصغائر لكن بشكل مختلف وصورة مغايرة عن حقيقته، فمثلا لو قال الثعلب عليك أن تختار زوجة شكلها كذا وكذا وإما أقتلك سيكون تدخلا غير إنسانيا يستوجب مكافحته..أما لو خيّرك بين ذات الدين وغيرها فقد وضعك في مفارقة نفسية صعبة إما تقبلها متدينة أو منحرفة حسب التقسيم الاجتماعي الديني، بالتالي فقد اختار لك زوجة بشكل معين بطريقة مقنعة لك لكنها في الأخير تخدمه وتجعله أكثر تحكما فيك وسهولة في تحريكك مستقبلا لخدمته، وكما أن الثعلب لا يؤمن بحق فريسته في الحياة فثعالب المسلمين الذين ينصبون الفخاخ لغيرهم ليسوا أقل لؤما ووحشية بحيث إذا آمنت بحريتك الشخصية وشطحت بخيالك بعيدا عنهم يتعقبوك ويغتالوك إما نفسيا أو بدنيا..

ولا تكتفي المصيدة بأصحاب كهنة ومتدينين بل يحملها سياسيون وحكام ما برحوا لبس ثياب النزاهة والشرف في البداية لكن سرعان ما ينقلبوا إلى حقائقهم الثعالبية الوحشية، فما من ثعلبٍ حاكم عند العرب إلا وقد أمسك منصبه ومارس سلطاته بآياتٍ من الذكر الحكيم ليراه الشعب قديسا ملاكا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ويُكثر من استعمال الألفاظ الدينية والمفاهيم المقدسة في خطاباته بكثرة..ولا مانع من زيارات متكررة للبيت الحرام في مكة والتصوير المتعمد للصلاه كي يظل الثعلب بثياب الواعظين إلى أن تدفعه الأقدار ضعفا منه على الظهور بحقيقته التي حرص على إخفائها طيلة سنوات ، وما إن يظهر الثعلب ممسكا بالسكين وشاهرا لمخالبه حتى ينبري ضده المدافعون والمقاومون وتكثر حركات المعارضة إلى أن تنهار صورته المقدسة لدى العامة ليبدأ فصل جديد من فصول كيفية التخلص منه بأسهل وسيلة حتى لو كانت آثمة.

لقد أوهمنا الثعلب من قبل أن الفتوحات الإسلامية ومعارك صلاح الدين كانت لخدمة الإسلام، حتى إذا ما حاول الشباب إحيائها الآن رغبة منهم في نُصرة الدين طالت لحاهم وشعورهم وسقطوا سجناء في أيدي العسكر أو أصبحوا محاربين للجيوش مُفجّرين لأجساد الأبرياء ليتحول إسمهم من مسلمين متدينين طبيعيين أرادوا نصرة دينهم إلى لفظ (دواعش) ومع ذلك لم يعتذر الثعلب عن خطيئته ولا زال يتمادى في غيه رغم فشل التجربة، ولا أعلم ما الذي سيستفيد منه إذا حارب الناس بعضهم وقُتلوا ودُمّرت بلدانهم..ولكن المكر في الثعالب صفة فوق حيوانية..هذه قيمة تميزه عن غيره وبدونها لن يُصبح ثعلبا، فالغدر شيمته ولو بدون غاية واضحة أو هدف إنساني نبيل.

إن ما يهم الثعلب ليس عقل فريسته أو مفترسيه بل شعورهم وعاطفتهم، فكثيرا ما يُمثّل أنه ميت ليدفعهم إلى الرحيل أو الاطمئنان، بيد أنك لا تجد ثعلبا يطبق نظرية المصيدة يتحدث إليك بالعقل أبدا..هذا أمر كريه جدا جدا ومدعاة لكشفه قولا واحدا، بل يرغي ويزبد بالشعارات الفضفاضة والخُطَب الحماسية مع تعابير وجه سينمائية وتأثيرات صوتية ولا أجدعها مهندس صوت، فالهدف ليس عقلك كفريسة ولكن عاطفتك وشعورك بوصفهم البوابة الأضعف حماية لصد الخطر الخارجي.

حتى لو كان ما يقله الثعلب أدى في السابق لكوارث ومآسي يندى لها الجبين..لكن كل أولئك لا يُحرّك شعرة من رأسه، وبمهارته الثعالبية يقنعك أن تلك الكوارث والمآسي هي اختبار من الله أو قدر منه عليك أن تقبله ومن ثم تبحث عن التطبيق الصحيح لنظريته وتحميه من المفترسين الآخرين إلى أن يتخلص منهم ثم يجوع فيأكلك كالعادة، ذلك لأنه كائن مُجرد من الأخلاق والعقل..وفعل الشر لديه طبع ربحه في السابق من فتاوى وأحكام دينية شربها وجدانه الداخلي إلى أن سارت مع دمائه في الشرايين كسريان الماء في الجداول، ومثلما لا تشعر بدمائك لن تشعر أيضا بمكره حتى تسيل الدماء أنهارا وهو ينظر إليك ويقول "اطمئن ..هذه دماء الجنة" ..!!



#سامح_عسكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معضلة التحيز الديني..القرآنيون نموذجا
- العلمانية وأزمة مفهومها التآمري
- لماذا فشل العرب والأمريكيين في التواصل مع إيران؟
- بساط الريح..وخرافات القرطبي
- حديث خير القرون ونظرية التطور
- هل الإسلام بعث للعالم أجمع أم للعرب فقط؟
- ليبيا الموحدة ليست مصلحة مصرية
- التصعيد الإعلامي والديني لن يحل مشكلة اليمن
- الشروط العشرة للتأثير والحوار
- حكم ضرب الزوجة في الإسلام
- معضلة الأخلاق والسلوك في العقائد
- هل يعتذر المسلمون عن تاريخهم ؟
- ديكارت في مواجهة الإخوان
- ضغط عالي..والسينما الهادفة
- معنى الإلحاد في القرآن
- مصر وإيران..اللقاء الصعب
- فضيلة الشك
- جريمة نيوزيلندا..ثقب في الوعي الإنساني
- أصول العرب..ومكر التاريخ
- المتحولون عن التنوير (4)


المزيد.....




- فيديو البابا فرانسيس يغسل أقدام سيدات فقط ويكسر تقاليد طقوس ...
- السريان-الأرثوذكس ـ طائفة تتعبد بـ-لغة المسيح- في ألمانيا!
- قائد الثورة الإسلامية يؤكد انتصار المقاومة وشعب غزة، والمقاو ...
- سلي عيالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات ولا يفو ...
- الاحتلال يستغل الأعياد الدينية بإسباغ القداسة على عدوانه على ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعرض مشاهد من استهدافها لموقع ...
- فرنسا: بسبب التهديد الإرهابي والتوترات الدولية...الحكومة تنش ...
- المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية ...
- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - نظرية المصيدة